من يُعاقَب؟ من يجوع؟


ثلاث عشرة عام والحصار مفروض على “عراق صدام حسين”، لم يجع صدّام، ولم تنل العقوبات من حاشيته ومريديه، ونصف قرن على حصار كوبا، ولم ينل الحصار من فيديل ومن ثم لم ينل من فيديل، وهذا هو الحصار على سوريا، وهاهم السوريون يطبخون البحص ويطاردون الرغيف، فيما “سيّدة الياسمين” تتجول أمام الكاميرات بآخر ما ابتكرته دور الأزياء.
هي العواقب القاتلة للناس، لعموم الناس، فيما نظام الضريبة والخوّة يضاعف الحصار لتصبح الصيغة :
ـ العالم يحاصر النظام، والنظام يحاصر الناس.
واليوم مالعواقب الإنسانية خلف إغلاق معبر باب الهوى؟
هي العواقب الوخيمة ، الجسيمة تمسّ الحياة اليومية لأكثر من 4 ملايين مواطن سوري، يعيش أكثر من نصفهم في مخيمات لجوء، ويعتمد 90٪ منهم على المساعدات الخارجية.
في التفاصيل، تقول منظمات الإغاثة الدولية إن انقطاع الخبز عن أكثر من مليون شخص يومياً يمتد أيضاً إلى حرمان نحو 2.3 مليون من مياه الشرب والمياه النظيفة.
المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع العالق يتحملها الوفد الروسي الذي يمتلك حق النقض (الفيتو) وقد سبق أن استخدمه في الماضي سواء لتعطيل قرارات عديدة تخص إدخال المساعدات الإنسانية، أو عرقلتها عن طريق وضع اشتراطات تعجيزية، أو حتى إغلاق بعض المعابر بصفة نهائية.
لموسكو أهدافها، أما أهدافها فلابد وأنها متعددة ومتنوعة تبدأ من انتزاع تنازلات لصالح تمرير المساعدات عبر وصاية النظام السوري، ولا تنتهي عند الضغط والمساومة لتخفيف العقوبات الأممية والأمريكية والأوروبية المفروضة على النظام، أو حتى تمكين الشركات الروسية العاملة في سوريا من حيازة مكاسب أو استثمارات في هذا الشأن.
ومن المعروف أن مجلس الأمن الدولي كان قد سعى إلى معالجة الحاجات الإنسانية المتفاقمة في سوريا، فصوّت منذ العام 2014 على قرار بفتح أربعة معابر حدودية تتيح إدخال المساعدات عبر الحدود، من خلال معبرَي باب الهوى وباب السلامة على الحدود مع تركيا، ومعبر اليعربية مع العراق، والرمثا مع الأردن. غير أن السنوات اللاحقة شهدت مماطلة الوفد الروسي في تمرير صلاحية هذه المعابر، أو استخدام حق النقض لتعطيلها أو إغلاقها نهائياً، حتى انحصرت اليوم في معبر وحيد هو باب الهوى.
وتشير المعطيات الراهنة إلى أن موسكو لن تتعنت نهائياً في تجميد التصويت، بالنظر إلى وجود أغلبية ساحقة داخل المجلس لصالح التمديد حتى لمدة 6 أشهر، وكذلك لأن الدول العربية الخليجية مجمعة على استمرار دخول المساعدات، والكرملين حريص هذه الأيام على التقارب الروسي ـ الخليجي من جهة، والإسهام من جهة ثانية في تبييض صفحة النظام بعد إعادته إلى الجامعة العربية. وهذا لا يعني أن انخراط موسكو في تجارة تجويع السوريين سوف يتوقف أو يتبدل جوهرياً، وحالها في ذلك لا يختلف عن تجارة ابتزاز العالم بصدد اتفاقية الحبوب الأوكرانية.
النظام لن يجوع، فـ “الكبتاغون” أعلى ثمناً من القمح، وسياسات “التشليح” أعظم من سياسات البنك الدولي، والجوع لابد ويطارد السوريين.
إنها المجاعة بالمعنى الفعلي لا المجازي.
مجاعة مصحوبة بـ :
ـ العنف، السلاح، وبـ:
ـ استعراضات سيّدة الياسمين وقد تحوّلت من “سيّدة أولى” إلى “عارضة أزياء”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.