حول المستجدات الخطيرة في العلاقات الروسية التركية

لمحة عن العلاقات الروسية التركية في العقد الأخير:
تشهد العلاقات الروسية التركية صعودا وهبوطا منذ عقد من الزمان. وبعد ان كانت طبيعية قبل ثورات الربيع العربي في 2011 توترت العلاقات السياسية بسبب الوضع في سوريا. ووصلت ذروة تراجعها بعد اسقاط الطائرة الحربية الروسية في نهاية 2015 بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا لدعم نظام الأسد (في 30 سبتمبر 2015). وقامت روسيا بتجميد العلاقات مع تركيا لمدة سنة كاملة تقريبا، ثم تمت المصالحة وعادت العلاقات الى طبيعتها في 2016.
وكانت محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 في تركيا، وكان الرئيس بوتين اول من أخبر الرئيس أردوغان بوجود محاولة انقلابية قبل ساعات من وقوع الانقلاب، علما ان الانقلاب حسب الحكومة التركية خطط له فتح الله غولين بدعم امريكي.
كما تربط روسيا وتركيا علاقات تعاون واسعة جدا تصل الى مستوى الشراكة الاستراتيجية: فهناك علاقات تجارية كبيرة حيث تصدر تركيا لروسيا المواد الغذائية وتعمل الاف الشركات التركية في مجال البناء والمقاولات في السوق الروسية. وتحصل تركيا كل عام أكثر من 5 مليارات من الدولارات.
وسبق أن اشترت تركيا منظومة صواريخ اس-400 الروسية وهذا دليل على عمق العلاقات بين روسيا وتركيا بالرغم من كون تركيا عضو في حلف الناتو. ويرى خبراء ان روسيا تريد تعميق الفجوة بين تركيا والناتو.
وتقيم روسيا محطة كهرونووية في كيوتو في تركيا، وقامت بتمديد خطين لنقل الغاز الروسي الى تركيا الأول خصيصا للسوق التركية، والثاني لنقل الغاز الى أوروبا. وثم اتفق البلدان على إقامة خزانات ضخمة لتجميع الغاز الروسي على الأراضي التركية لإعادة تصديره الى العالم.
وهناك تفاهمات روسية تركية في ملفات إقليم ناغورني كوروباخ لصالح أذربيجان وحليفتها تركيا على حساب أرمينيا حليفة روسيا، وفي الازمة السورية من خلال منصة استانا.
لكن تركيا لم تؤيد العقوبات الغربية على روسيا. واليوم أصبحت تركيا هي نافذة روسيا الى العالم فعن طريقها تستورد روسيا أغلب المنتجات الصناعية والتكنولوجيا الغربية.
وفي نفس الوقت هناك خلافات واضحة تتعلق بالموقف من الازمة الليبية حيث دعمت تركيا الحكومة في طرابلس ووقعت معها اتفاقية بالوجود التركي في البحر المتوسط، بينما دعمت روسيا الطرف الآخر من النزاع وهو اللواء خليفة حفتر.
وتزود تركيا أوكرانيا بمسيرات بيرقدار والتي اثبتت فعالية ضد القوات الروسية والتي وصلت الى العمق الروسي في الاشهر الأخيرة. وتقوم تركيا حاليا ببناء مصنعين لمسيرات بيرقدار في أوكرانيا، وكذلك لم تعترف تركيا بضم القرم الى روسيا، كما ان تركيا تقف الى جانب تتار القرم المسلمين ذوي الأصول التركية.
وجاء موقف تركي جديد تسبب في قلق روسي، وهو موافقة تركيا على تسليم قادة فوج ازوف القوميين الى الرئيس الاوكراني زيلينسكي، علما ان الاتفاقية بين روسيا وتركيا وأوكرانيا بتسليم الاسرى بان يبقى قادة فوج ازوف القوميين في إسطنبول ولا يعودوا الى أوكرانيا.
مستجدات في الموقف التركي:
قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في مؤتمر صحفي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه سيدعم إعادة بناء أوكرانيا، وأضاف أن تركيا ستواصل جهودها للدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب (8 يوليو 2023). وأيد الرئيس اردوغان انضمام أوكرانيا مستقبلا الى حلف الناتو.
وكذلك وافقت تركيا على انضمام السويد الى حلف الناتو مما أزعج الروس وأعربوا عن اتخاذ إجراءات سلبية تجاه السويد كما حصل مع فنلندا عندما انضمت الى الحلف.
وهناك نقطة أخرى سلبية في العلاقات بين تركيا وروسيا تتعلق بتصويت روسيا ضد المقترح الغربي لتمديد الآلية الأممية لإدخال المساعدات إلى الشمال السوري عبر عدة معابر لعام إضافي (حيث تنتهي المدة في 17 يوليو 2023)
وهناك ازمة في موضوع تمديد صفقة الحبوب، لأن روسيا تشتكي من أن الجانب الغربي والأمم المتحدة لا ينفذان الجزء المتعلق بتصدير الحبوب والاسمدة الروسية، وهذا يشكل عاملا ضاغطا على تركيا كونها الوسيط الرئيسي في الصفقة.
مستجدات في الموقف الروسي:
وفي قال فيكتور بونداريف- رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس الفيدرالي الروسي (مجلس الشيوخ) – 10 يوليو 2023 بأن تركيا مستمرة بشكل تدريجي وثابت في التحول من دولة محايدة الى دولة غير صديقة لأنها اتخذت سلسلة من القرارات الاستفزازية ومثل هذا السلوك لا يمكن وصفه بأي شيء آخر سوى طعنة في الظهر.
وكذلك أكد مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف في 11 يوليو 2023 على أن العمل جار بشكل مكثف على تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، وسنبلغ رؤساء الدول عند الانتهاء لتحديد تفاصيل وتاريخ لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد. وأضاف لافرينتيف لقناة “العربية” أن هناك مصاعب محددة في طريق تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، من بينها الوجود العسكري التركي في الأراضي السورية، مؤكدا أنه لا يوجد أي تباطؤ في عملية التطبيع.
كما بحث وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والتركي هاكان فيدان في 9 يوليو 2023 عودة قادة فوج “آزوف” (تعتبرها روسيا منظمة إرهابية) إلى أوكرانيا. وصرحت وزارة الخارجية الروسية بأنه” تم لفت انتباه أنقرة إلى التأثير المدمر لمسار مواصلة تسليم المعدات العسكرية لنظام كييف”. وأن الجانبين جددا التأكيد على ضرورة الحفاظ على الطبيعة القائمة للثقة المتبادلة في العلاقات بين موسكو وأنقرة.
الموقف الامريكي:
وذكرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في 11 يوليو 2023 أن الوزير لويد أوستن بحث مع نظيره التركي، يشار جولر، في اتصال هاتفي دعم مساعي أنقرة للتحديث العسكري، بعد أن وافقت تركيا على دعم انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو). و“ناقشا… المحادثات الإيجابية بين تركيا والسويد والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ستولتنبرج، فضلًا عن دعم وزارة الدفاع لجهود تركيا للتحديث العسكري”.
وسبق وان طالبت تركيا في أكتوبر 2021 شراء مقاتلات من طراز إف-16 أمريكية الصنع، ومكونات لتحديث طائراتها الحربية الحالية بما قيمته 20 مليار دولار من شركة لوكهيد مارتن الأمريكية.
ردة فعل الكريملين:
أعلن الكريملين في 11 يوليو 2023 بأنه لا أحد من الأوروبيين يريد رؤية تركيا في أوروبا، وعلى أنقرة ألا تضع “نظارات وردية اللون”. واعتبر الكريملين أن احتمال انضمام أوكرانيا إلى الناتو يشكل خطورة كبيرة على الأمن الأوروبي، مشيرا إلى ضرورة إدراك هذا الخطر من قبل من يتخذ مثل هذه القرارات.
ولكن الكريملين أكد بأنه على الرغم من الاختلافات بين روسيا وتركيا فإن روسيا تعتزم تطوير العلاقات مع أنقرة بشروط تصب في صالح الطرفين، مشيراً إلى أن روسيا تدرك جيدا التزامات تركيا في إطار الناتو.
وحول عواقب انضمام السويد للناتو على أمن روسيا قال الكريملين أن روسيا ستتخذ إجراءات جوابية رداً على انضمام السويد إلى الناتو. وستكون “سلبية بالتأكيد”.
الخلاصة:
من غير المرجح ان يحدث انفكاك في العلاقات الروسية التركية لأنها استراتيجية وعميقة وتصب في مصلحة البلدين. علما ان روسيا، بسبب العقوبات الغربية عليها، بحاجة لهذا التعاون أكثر من تركيا، كونها لا تعترف بالعقوبات، وتستفيد ماديا من تعاونها مع روسيا في الاقتصاد والتجارة والسياحة والطاقة وحتى في المجال العسكري والامني.
فهذه ليست المرة الاولى التي تحدث فيها خلافات كبيرة بين البلدين ثم يتم تجاوزها. فمثلا عند اسقاط الطائرة المقاتلة الروسية عام 2015 تجمدت العلاقات التركية الروسية لمدة سنة تقريبا، ثم عادت الى مجاريها. واليوم الاختلاف جدي بخصوص موافقة تركيا على انضمام السويد واوكرانيا الى الناتو وكانت ردة فعل الكريملين سلبية.
كما عبرت روسيا عن انزعاجها من تسليم الرئيس اردوغان لقادة فوج ازوف القوميين الى الرئيس زيلينسكي خلال زيارته لتركيا منذ 3 أيام. وذلك كان أحد أسباب الاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية روسيا وتركيا منذ يومين.
ويبدو أن سبب تراجع تركيا عن موقفها حيال انضمام السويد لحلف الناتو وتسليم تركيا قادة ازوف القوميين لاوكرانيا، وكذلك تأييد تركيا لانضمام اوكرانيا الى حلف الناتو، كلها عوامل مستجدة ستضر بالعلاقات الروسية التركية.
ومن المتوقع أن تكون تركيا قد عقدت صفقات مع الامريكان وحلف الناتو والاتحاد الاوروبي في تنازلها بخصوص السويد وأوكرانيا، مقابل حل بعض الملفات العالقة مثل: ملف انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي او رفع التأشيرات وكذلك تفعيل التعاون العسكري مع واشنطن ( مثل شراء طائرات اف-16) وأمور أخرى لم يعلن عنها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.