حسابات حقل العسكريين وبيدر السياسيين الأمريكيين في إوكرانيا

تقدمة من الدكتور بسام العمادي

بعد إحراز انتصارات اوكرانيا في ميدان المعركة وتحرير مدينة خيرسون من الغزو الروسي، نشأ خلاف واضح في أمريكا بين ما يريده العسكر وبين ما يريده السياسيون، فقد قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي الجنرال مارك ميلي “أن على الأوكرانيين أن يحاولوا تعزيز مكاسبهم على طاولة المفاوضات”، بينما عارض ذلك مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، إذ حرص على القول إن “الولايات المتحدة لا تضغط على أوكرانيا” في المجال التفاوضي. وقال مسؤولون أمريكيون آخرون ان “الوقت مبكر للدخول في تفاوض وأن أي توقف في القتال سيعطي بوتين فرصة لإعادة تنظيم صفوفه”.
المعروف أن نظرة العسكريين محصورة دوماً في رؤيتهم وحساباتهم العسكرية على الأرض، أما السياسيون فينظرون إلى ما هو أبعد من ذلك وهو تحقيق الهدف من التحرك العسكري على الأرض، ذلك أن دخول المعسكر الغربي ضد روسيا على الأرض الأوكرانية لم يكن فقط لتحقيق وقف للنار بين روسيا وأوكرانيا بعد تحقيق بوتين لبعض الانتصارات أو لمنحه هدية مهما كانت صغيرة لغزوه لأوكرانيا، بل لوقف طموحاته الساذجة بإمكانية تحدي العالم وقيامه بغزوات يعيد من خلالها سطوة الاتحاد السوفياتي البائد على جزء كبير من العالم وتقاسم النفوذ عليه.
إن الجلوس على طاولة التفاوض في هذه المرحلة يعني الوصول إلى حل وسط بين المتقاتلين، أي أن تقبل أوكرانيا ببعض الشروط التي سيفرضها بوتين، وأن عليها أن تتنازل عن بعض من سيادتها واراضيها والقبول بهزيمة ما نتيجة للغزو الروسي لأراضيها، وهو ما لا ترضى به القيادة الأوكرانية وتؤيدها في ذلك القيادات الغربية، لأن ذلك سيعني أن بوتين سيخرج بانتصار ما على الغرب بعد أن وضع الأخير بعضاً من ثقله في دعم أوكرانيا عسكريا واستخباراتيا واقتصاديا، وسيكون ذلك بمثابة تحقيق لهدف بوتين في شن الحرب على أوكرانيا، بل وأبعد من ذلك هو إفهام الغربيين بأن عليهم القبول بشروطه أو الدخول في مواجهة لا قبل لهم بها.
لكن هدف الغرب هو أبعد من ذلك وهو كسر شوكة بوتين وإفهامه أن لم يعد له مكان بين الكبار، وأن أي حرب يخوضها ستكون نهايتها خسارة فادحة تعيده وبلده عشرات السنيين إلى الوراء اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا. وأن غزواته السابقة في جورجيا واوكرانيا وسورية لم تكن سوى طفرات تركه الغرب يتمادى بها، لكنه تجاوز المسموح له لأبعد ما كان يتوقعه، وأنه أصبح من الضروري وقفه عند حده وإفهامه بشكل مؤلم أن عليه العودة إلى حجمه ووقف مغالاته في تقدير قدراته، هذا إذا بقي مكانه حاكماً لروسيا، إذ يتوقع الكثيرون من المعلقين والمحللين السياسيين أن بوتين سيواجه معارضة يقوم بها الكثيرون حتى من داخل مؤيديه بعد انتهاء الحرب أو خلالها للإطاحة به بعد مغامرته الفاشلة في أوكرانيا.
لهذا السبب لن تنتهي الحرب بتفاوض مادام بوتين متمسكاً بشروطه ضم أجزاء من أوكرانيا إلى روسيا أو فرض شروطه المذلة على أوكرانيا، وسيكون الوضع من الآن فصاعداً كعض الأصابع بين طرفين، والغرب بالرغم من مشاكل الطاقة وغيرها لا يزال قادراً على مواجهة نتائج الحرب لأن الوقت في صالحه لاستيعاب الأزمات وحل مشاكلها، أما روسيا فعلى العكس من ذلك، فكلما طالت الحرب دخلت روسيا في أزمات عسكرية واقتصادية واجتماعية تتصاعد نتائجها يوماً بعد يوم، وستصل إلى مرحلة تتحول فيها إلى مواجهة داخلية بين بوتين وحتى من يقف معه في مغامرته الحالية، وربما لهذا السبب لا يلقي الغرب بكل ثقله وأسلحته وتقدمه التكنولوجي إلى جانب أوكرانيا، إذا لا يريد استفزاز بوتين بخسارة فادحة وسريعة تحسباً لاستعماله لذلك مبرراً لاستعمال أسلحة غير تقليدية، بل تركه كمريض يواجه مصيراً بطيئاً ولكن محتوماً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.