الساروت في ذكراه الرابعة: الشهادة أو النصر

لِكلّ ثورة أبطالها وأيقوناتها ..الأبطال يبقى سجلهم خالداً وسيرتهم تُدرّس للأجيال لإستلهام العزيمة للمستقبل…و تُكتب عنهم أفضل الكلمات و تُحفظُ إنجازاتهم بصفحات التاريخ الناصعة البياض ويبقون دوماً منارةّ للعزة والفخار..
أما الأيقونات فتلك حكاية أخرى …أولئك يستقرون بالوجدان ويحفرون عميقاً فيه ليكونوا سِمةً من سمات الوجدان الجمعي للثوار….
حارس الثورة ومنشدها وأحد أبرز ايقوناتها …الشاب الذي قضى شهيداً ولم يُكمل ال27 ربيعاً…كان من أهمّ رموز ربيع الشباب العربي…
تلك النفس البشرية الراقية ورغم حداثة سنها وإمتلاكها للكثير من عوامل النجومية والشهرة المحلية في مجال الرياضة…أبت إلا أن تسمو عالياً وتستلهم فطرياً التطلع للحرية والكرامة والعدالة ورفض الذل والظلم والعبودية …
كانت حياة الساروت القصيرة زمنياً حافلةً بإنجازات البطل الشعبي الصادق والذي يُضحّي بنفسه ويكون بالصفوف الأولى للدفاع عن مبادئه وحقوقه ومطالب الجمهور من أقرانه والتي إغتصبها السلطان وحاشيته
وهؤلاء الأبطال لايعيشون طويلاً (زمنياً) لاأهم هدف أوّل لقوى الطغيان ويبقون مُخلّدين في الذاكرة الجمعية للشعوب…..ويُمكن أن تكون مسيرة حياتهم مُعبّرة (نوعاً ما) عن مسيرة الثورة التي ينخرطون بها ..ولابُدّ من الوقوف عند أهمّ مراحل نضال شهيدنا الساروت وإسقاطها على مسيرة الثورة التي نذر نفسه لها

1— كانت أولى مراحل إنضمام الساروت إلى صفوف الثورة هو السير في طريق الصعاب والتخلي عن حياة هادئة هانئة وآمنة في سبيل تحقيق أهداف سامية …بمعنى إنقلاب جذري على ماهو قائم لمحاولة تغييره وهو حال معظم الثوار الذين ساروا بنفس الدرب…عندما أيقن السوريون أنّ النظام لن يُصلح من أمره وأمرهم شيئاً قرروا المواجهة مهما تكن النتائج ..مع علمهم بل خبرتهم المُسبقة اليقينية بمدى وحشية النظام الذي قرروا مواجهته

2– كان الشهيد الساروت أحد أهم أبطال المرحلة الأولى من الثورة السورية وهي مرحلة التظاهر السلمي…ولم تكن تلك التظاهرات سلميةً فقط(بشهادة الجميع) بل صوفيةً أيضاً بطهرها ونبلها وإبتعادها عن العنف

3– عندما زاد النظام من قمعه وهمجيته وعنفه المفرط وغير المحدود تَصدّى الشباب للدفاع عن تجمعاتهم وأهليهم بأسلحة بسيطة ..وكان الساروت بقلب تلك المرحلة بعد أن شكل مع أخوته وأخواله وأصدقائه كتيبة شهداء البياضة …وتلك المرحلة تداخل بها التظاهر السلمي مع حمل السلاح

4– كما كل أبناء الثورة الذين قاوموا بِشدّة محاولة النظام تطييف الثورة وتقديمها كحركة تَمرّد سنية على الحكم العلوي …كان ظهور الساروت مع الفنانة (العلوية) فدوى سليمان والهتاف معاً بشعارات الثورة السورية أفضل رد على محاولات النظام الخبيثة.

5- مع ضغط الخطاب الطائفي من قبل النظام والمقرون بعنف وحشي كان لابدّ من إستلهام الشعارات الجهادية على حساب شعارات الكفاح المسلح ..وذلك لتثبيت العزائم وتقديس الشهادة والحضّ على التضحية وبذل الغالي والنفيس … وتلك مرحلة مرّت بها الثورة السورية وجَسّدها الساروت بأناشيده

6– تحت عباءة الجيش الحر والكفاح المسلح والقتال تحت أجندة وطنية ودون الإنجرار للصراع العدمي الأبدي والعالمي(والذي لايعرف حدوداً جغرافية) كما سارت به التظيمات الجهادية السنية المتطرفة ..تلك مرحلة مرّت بها الثورة السورية (ولازالت تعاني منها) …
حيث إنخرط جزء كبير من الثوار السوريين مع تلك الجماعات ومنهم من بقي بعيداً عنها ومنهم من إكتشف حقيقتها باكراً وكان الساروت أحد اللذين إكتشفوا تلك الحقيقة

7– عرفت الثورة السورية بمسيرتها حدثان بارزان وهما الحصار ضمن إستراتيجية النظام الجوع أو الركوع ..يعقبها الترحيل القسري بالباصات الخضراء بإتجاه الشمال لمن يُكتب له طول العمر…
عاش بطلنا الساروت تلك المرحلة بعودته من ريف حمص الشمالي لداخل أحياء المدينة المحاصرة والصمود فيها بعد فشل محاولة فك الحصار عنها من الخارج ..ثُمّ خرج مرحلاً قسرياً إلى الشمال المحرر

8– تطلب النفس الإنسانية دوماً الراحة والسكينة …وتنتصر على صاحبها أحيانا ..لكنها تُهزم مع الأبطال والأيقونات…غادر بطلنا الساروت إلى تركيا من الشمال المحرر ولتعرض عليه إغراءات مادية للإستفادة من شهرته….ولإدراكه الفطري ويقينه الثابت أنّ الثورات لاتنشأ في الخارج بل مشروعيتها وقوتها تكون على أرض الوطن في مقارعة محتليه السوريين والإيرانيين ..عاد الساروت ليكمل طريقه في الشمال بإنضمامه لأحد فصائل الجيش الحر…

9– وتمسكاً بالبعد المدني للثورة الشعبية فإنه لاتَعارض بين المشاركة بعمليات عسكرية والتظاهر السلمي بنفس الوقت ..وكانت ساحات التظاهر أايام الجمع تشهد حضوراً قوياً للساروت ..وبقية أيام الأسبوع تكون بالرباط على الثغور مع العدو

10– ولأنّ الأبطال لايموتون الا في ساحات الوغى ..ويَخطّون بدمائهم الطريق الصحيح وتكون حركتهم هي البوصلة الموجِّهَ …إنتهت حياة الساروت القصيرة زمنياً شهيداً في روابي ريف حماة الشمالي …مّجسّداً للأجيال من بعده مقولة النصر أو الشهادة

تعليق 1
  1. عبدالرحمن نجار يقول

    رحمه الله
    الأسمر الضاحك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.