التوتر السعودي الإيراني…إلى أين؟

تواجه إيران هذه الأيام أكبر تهديد لنظام حكم الملالي منذ وصوله للسلطة عام 1979…فقد جرت عدة احتجاجات في نهايات القرن الماضي ومنذ الثورة الخضراء في عام 2009 تعتبر هذه الاحتجاجات التي إنطلقت عقب مقتل مهسا أميني هي الموجة الخامسة ولكنها الاخطر
إذ تمتاز عن سابقاتها بأنها الاطول عمرا وزخما لحد الان ولا بوادر تلوح بالأفق لتوقفها بل ان رقعة إنتشارها تزداد أفقيا وتزداد نوعيا عبر إنضمام قطاعات واسعة من المجتمع إليها بأشكال مختلفة كإنضمام عمال مصاف النفط والمعلمين وقطاعات أخرى إليها…وبذلك لم تقتصر على فئة واحدة من الشعب الايراني كالنساء مثلا او الطلاب…
وتمتاز هذه الموجة من الإحتجاجات بأنها ليست إصلاحية تطالب باجراء النظام لاصلاحات معيّنة لبعض سياساته ولكنها تبقى تحت عباءة المرشد ومن داخل النظام كما حدث في الثورة الخضراء بعام 2009…وليست مطلبية كالاحتجاجات التي تلتها خرجت لتطالب بخفض اسعار الوقود او اي مطالب حياتية أخرى…بل إن هذه الاحتجاجات مايميزها انها هي من الجيل الذي ولد في ظل الثورة الايرانية وتلقى تعليما مدرسيا يمجّد الثورة وأهدافها وسلوكياتها…عبر ضح عقائدي هائل في المناهج الدراسية ووسائل الاعلام والثقافة وكل ما يؤثر من الفضاء العام على تكوبن شخصية الفرد الإيراني
بل إنها مدنية وسلمية كما عودتنا إنتفاضات الشعوب الايرانية بعد 1979..لم تلجا للعنف وتمتاز بمشاركة طاغية للمراة فيها..بحيث نقلت تلك المراة التمرد إلى داخل الأسرة والمجتمع..
وتمتاز هذه الانتفاضة بانها رفض صارخ على كل سياسات النظام بل على النظام نفسه فلم تناد تلك الاحتجاجات باي مطلب سوى رحيل الديكتاتور وإإسقاط نظام الولي الفقيه…
إن تمرد هذا الجيل من الشباب الإيراني يجعل منها ثورة ثقافية أولا….إ حيث ن التمرد على سياسة فرض الحجاب بالقوة على المراة هو تمرد على كل ما حاول النظام عبر 43 عاما من الحكم من فرضه من ثقافات او أيدلوجيات دينية ظنّ أنها مسلّمات او ضرورات شكلية تستر عورات التسلط الذي يحكم باسم الدين ..متناسيا هذا النظام ان ثقافة المجتمع والبيئةا هي من يحدد السلوك الطوعي لما يجب ان يفعله الإنسان..
ولأن مهسا أميني فتاة كردية فلم تشتعل الاحتجاجات في منطقتها او إقليمها الكردي بل كانت دماءها هي من وحدت كل الطوائف والاثنيات والقوميات الإيرانية للوحدة بوجه من قتلها …وهذه (إضافة للسلمية) من أهم مكامن القوة في الإحتجاجات الإيرانية والتي تؤرّق النظام والتي دخلت الاسبوع الثامن من اندلاعها ولم يتمكن من وأدها ..بل هناك خلاف بين النخب الايرانية الحاكمة على كيفية التعاطي معها ..ويبدو أن القرار الذي تم التوافق عليه هو الهروب إلى الأمام بإفتعال اي توتّر خارجي او تصعيد كبير او معركة محدودة…
إذ ان خيار الإستعمال المفرط للقوة وإنزال الجيش او الحرس إلى الشوارع لم يتم التوافق عليه لأسباب شتى اهمها عدم التحكم بالنتائج التي ستنشأ عن المزيد من سفك الدم إذ أن الشرطة الإيرانية على مستوى الأفراد غير جاهزة لتلبية الأوامر الصادرة من أعلى بالعنف المفرط والذي سيودي إلى القتل إتجاه نساء سلاحهم انهم يخلعن الحجاب او يحرقنه…او يقصصن شعورهن…او على تلاميذ مدارس وطلاب جامعات لايملكون من سلاح لاسقاط الديكتاتور إلاّ حناجرهم

خطة إيرانية لقمع الإحتجاجات

بعد ان إستعمل الحرس الثوري العنف المفرط في إقليم بلوشستان السني وقام افراده بفتح النار على المصلبن يوم الجمعة وقتل العشرات منهم أملا منه في إستجرار عنف معاكس له يكون طائفيا وعنفيا ..بحيث يتم توظيفه لحرف الانظار وتثبيت رواية العنف والتآمر الخارجي وشد عصب الحاضنة القومية والمذهبية …إلا أن السكان البلوش لم بمنحوه تلك الفرصة ولم يردّوا كما توقع الحرس الثوري….
لجا النظام الى احدى أدواته الناجعة والتي يستخدمها عند الضرورة القصوى ..فأخرج مسرحية داعش وتفجير المزار الديني في شيراز ..إلا ان وقت داعش قد فات ولم تنطل المسرحية على أحد ..وردد المحتجون ان داعش والحرس الثوري وجهان لعملة واحدة
لاشك ان تعاطفا دوليا تحظى به الانتفاضة الايرانية من الجميع وقد خرجت مظاهرات في المدن الاوربية والامريكية الكبرى من الجاليات الايرانية والمتعاطفين معها. داعمة للحركة الإحتجاجية المدنية وتدين تعامل السلطات الايرانية لقمعها بوحشية.وصدرت مواقف رسمية تندد بالقمع ا الذي تمارسه السلطات الايرانبة إتجاه شعبها..وتوجد نيّة أمريكية بعقد إجتماع للجمعية العامة للامم المتحدة للتصويت على قرار يدين ممارسات السلطات الايرانية ويعبّر عن دعمه للمنتفضين….
كما ان ما يؤرّق السلطة في إيران هو عدم تراجع الزخم الشعبي للمحتجين بل على العكس من ذلك هو في تصاعد مستمر…وبروز او تبلور قيادة محلية تنظّم الإحتجاجات وتضع لها خططا وأهدافا بمعنى ترسم إستراتيجية لها….لذلك عامل الوقت يضغط على صانع القرار الايراني إذ يدرك ان المارد الإيراني الشعبي حطّم او سيحطّم الزجاجة ولن يعود إليها
وخرج منذ أيام الجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني متوعدا ومهددا في إطلالتين قريبتبن ..مهددا المملكة العربية السعودية بتسخير كل الوسائل الاعلامية المملوكة او الممولة منها لدعم الإتنفاضة وخاصة محطة إيران انترناشيونال الناطقة بالفارسية ..وفي المرة الثانية إتهم المملكة ليس بالدعم الإعلامي فقط بل بدعم المتظاهرين على الأرض أيضا…
طبعا لم يلق بالا قادة المملكة للإتهامات الإيرانية ..ولكن نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الامريكية أنباءا مفادها ان معلومات تم تبادلها جمعتها الاستخبارات السعودية ومكتب الامن القومي الامريكي ووكالات أمنية أخرى عن رصدها لتحركات واتصالات يقوم بها الحرس الثوري واذرعه في المنطقة لاستهداف منشآت نفطية سعودية ومنشآت مدنية أخرى …
وإستباقا للتهديدات الإيرانية أرسل الجيش الأمريكي أهم غواصاته النووية الى الخليج العربي واعلن عن مكان تواجد تلك الغواصة (وهو امر لايحدث عادة) عبر زيارة إستمرت لثمان ساعات معلنة وقام بها الجنرال كوريللا قائد القيادة المركزية العسكرية الوسطى (السنتكوم) كما ان الإسطول الأمريكي الخامس الراسي في البحرين قد عزز قدراته بطرّاد امريكي ضخم وحديث في رسالة أمريكية لايران ان الإعتداء على منشآت الطاقة السعودية او الخليجية عموما هو خط أحمر وسيواجه برد حازم…
ليس من المتوقع أن يقدم الحرس الثوري على ضرب منشآت نفطية لكنه سيقدم عبر احد اذرعه في العراق او اليمن بإستهداف أمن المملكة العربية السعزدية لتخويفها او إرغامها على تفيذ ما طلبه حسين سلامي وربما استجداء رد سعودي وخوض معركة محدودة تهدف الى صرف الأنظار عما يجري في الداخل الايراني وحشد الجمهور الإيراني باتجاه الاخطار الخارجية المحدقة بالدولة…
هذا التوتر المحدود زمانيا ومكانبا يخدم الاجندة الايرانية في سعيها الى وأد الإنتفاضة الايرانية حسبما تشير إليه أغلب قراءات المتابعبن لاحداث المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.