أمريكا تفعل الشيئ الصحيح…بعد إستنفاذ كل الخيارات الخاطئة

تملك الولايات المتحدة موارد طبيعية هائلة… تلك الأراضي الجديدة التي إستوطنها المهاجرون الأوربيون الأوائل وبنوا فيها دولة فريدة من نوعها.. وبفترة قياسية أضحت القوة الأعظم في العالم….كما وتمتلك بلاد العم سام موارد بشرية هائلة أيضاً…ليس فقط من أهلها بل بإستقطابها لخيرة الكفاءات والعقول من أبناء البشر حيث أصبحت تلك البلاد مقصد الغالبية منهم…وطالما أنّها تمتلك نظاماً سياسياً وإدارياً ناجحاً ويَتمّ مراجعة الاأخطاء والعدول عنها فستبقى تلك البلاد في سُلّم القيادة العالمية….

 تحمي الجغرافيا الولايات المتحدة من الغرب والشرق حيث يفصلها عن العالم المحيط الاطلسي غرباً والهادي شرقاً…ونأت تلك البلاد بنفسها في بداية صعودها عن صراعات العالم القديم ..

يَحلُم الصينيون والروس وربما غيرهم في دفع الولايات المتحدة للخروج من العالم القديم والعودة لأراضيها وممارسة نفوذها في مجالها الحيوي في الأمريكيتين فقط لِيتسنّى لهم السيطرة على العالم القديم… ولن يكون ذلك صعباً حيث تُمثّل القارة العجوز الحصن الأبرز أمامهم وهذا الحصن بدون الدعم الأمريكي يُمكن اجتيازه….

 ولا تُقدّس الولايات المتحدة إلا مصالحها لأنها دولة غير عقائدية …وقد أنقذت حلفاءها الديمقراطيون في القارة العجوز مرتان من الإنهيار أو الفناء في القرن العشرين حيث حال تَدخّلها المتأخر في الحربين العالميتين دون سقوط الحلفاء وهم خط الدفاع البري الأخير عنها…

وعندما كان الألمان في الحرب العالمية الأولى على وشك الإنتصار بعد إنسحاب الإمبراطورية الروسية من حِلفهم بسبب سقوطها وإنتصار الثورة البلشفية فيها…تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً وأسهمت في إنتصار الحلفاء الديمقراطيون…

أعاد الزمن نفسه بعد عقدين ونيف من الزمان عندما اجتاح الألمان أوربا ووصلوا للشواطئ البريطانية وكانوا قاب قوسين أو أدنى من النصر…

ارتكبت دول المحور خطيئتها القاتلة في بيرل هاربر وأيقظت المارد الأمريكي من تكاسله و الذي أجهز لاحقاً على الألمان واليابان معا….

 لهذه الدولة خطوطها الحمر ومن يتحاشى تَخطّيها فليس لها شأن به بل يمكن أن تتخادم معه…

عندما تخطى بوتين أو اختبر تلك الخطوط في أوكرانيا يُراقب العالم الآن ماذا حَلّ بتلك الدولة العظمى …إنها على طريق سلفها الاتحاد السوفييتي البائد ..

وسأناقش في هذه المساحة بإيجاز صحوة مُتأخّرة أمريكية عن اخطاء تَمّ إرتكابها أو السكوت عنها أو كانت التقديرات والسياسات إتجاهها خاطئة …وسأذكر هنا السياسة الأمريكية إتجاه دولة الإحتلال الإسرائيلي واإجاه منظومة الإحتلال الإيراني

 *أخطاء كارثية بخصوص القضية الفلسطينية*

 ورثت الولايات المتحدة الزعامة الغربية بعد الحرب العالمية الثانية وإنتقلت إليها تدريجياُ الرعاية والحماية الكاملة لدولة الإحتلال الإسرائيلي وخاصةً بعد رعايتها بريطانياً في النشأة وتشكيل الكيان وأمّنت لها فرنسا الديغولية أسباب البقاء ببناء قدرات نوعية نووية لها تحميها من جيرانها وإنتقلت الرعاية أو الوصاية إلى الأمربكان وكان ذلك واضحاً خلال حرب تشربن 1973 ومابعدها ..

صحيح أنّ الولايات المتحدة لاتعترف رسمياً بإحتلال إسرائيل للضفة الغربية والجولان ولاتعترف بالقدس عاصمة لها…وتعترف بحدودها المُحدّدة أممياً قبل حرب 1967…لكنها بالمقابل لم تعمل على كبح جماح التطرف الصهيوني ثم التغوّل الديني اليهودي على المجتمع والسلطة الذي منع حَلّ عادل أو مقبول للقضية الفلسطينية …

بإمكان الولايات المتحدة فرض ذلك الحَلّ ..وقد ظَنّت السياسات الأمريكية بإدارتها لتلك الأزمة أنها تُحقّق مصالح تعجز عن تحقيقها فيما لو تمّ حلها..وذلك إنسجاما مع السردية الأمريكية بإستثمار الأزمات لمصالحها دون حلها …

 حدث طوفان الأقصى كنيجة طبيعية لعدم حل تلك القضية وللإستمتاع بالنظر الى مشهدي الصراع البارد والفاتر قبل ذلك في جهادية إسلامية في غزة مقابل داعش يهودية سيطرت او تَحكّمت في السياسات الإسرائيلية إلى جانب حُنق وغضب فلسطيني على مشهد إبتلاع الضفة الغربية بالمستوطنات وإنكار الحقوق المشروعة…..

 بل وحتى على عدم ردع دولة الإحتلال في تعطيل الوصول لحل الدولتين الذي وافق عليه الساسة الفلسطينيون والإسرائيليون في أوسلو برعاية أمريكية…ولم تلتفت واشنطن للمبادرة العرببة للسلام التي قدمها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز رسمياً بإسم العرب لحل جذري للقضية الفلسطينية…بل اكتفت السياسة الأمريكية بالعمل على حَلّ المشكلة بالتقسيط فبعد كامب ديفبد ووادي عربة وقطار السلام الإبراهيمي إندلعت الإنتفاضات في غزة …وأسهم عدم حل تلك القضية بإستثمار نظام ولاية الفقيه لها وبها…

ومن المُتوقّع أن تلجأ واشنطن لحل مقبول للقضية الفلسطينية بإرغام كل الأطراف على حَلّ ما…

 *أخطاء كارثية بالتخادم مع مشروع ولاية الفقيه*

 نعلم أنّ نظام الخميني لم يكن خياراً أمريكياً ولكنه كان الأقل ضررا من سيطرة قوى اليسار القريبة من موسكو على السلطة في طهران….وحاول الأمريكيون توظيف مشروع ولاية الفقيه في منطقة حيوية في العالم لخدمة إستراتيجياتهم الكبرى…فهو قوة فوضى ( خلاقة) هائلة لتحطيم المجتمعات وإعادة بنائها وفق ما يُناسب الولايات المتحدة…

بلغ التخادم الأمريكي الإيراني ذروته بعد ضربات 11 أيلول 2001 على أمل إستنزاف الجهادية السنية العالمية التي ضربت واشنطن ونيويورك بحرب أبدية مع جهادية شيعية في المنطقة وإفناء بعضهما البعض…لكن تلك الجماعتان تخادمتا في النهاية بل تحالفا ضد العدو الأمريكي المشترك….

 حتى رهان البعض في واشنطن على إنشاء منظومة أمن إقليمية برعاية أمريكية في المنطقة رباعية الأطراف بين العرب والترك والفرس وبني إسرائيل …ولم تنجح تلك السياسة لأن مشروع ولاية الفقيه يُمكن أن يتهادن و ( يَتمسكن حتى يتمكّن ) مع أي مشروع آخر لكنه لايقبل المشاركة مع أحد …. لهذا المشروع أجنداته وأهدافه الميتافيزيقية ويرى نفسه أنه مشروع عالمي إلهي لابد له من تحقيق أهدافه…

كانت محاولة إمتلاك إيران لسلاح نووي هو التعبير الأمثل عن عدم إستعداده ليكون طرفاً طبيعياً في المنطقة ..وحتى لايمتلك هذا السلاح تم تقديم الرشى الأمريكية له بالموافقة الضمنية على تَمدّد إقليمي وبرنامج صاروخي بالستي كتعويض عن البرنامج النووي…وكانت ذروة الهدنة الأمريكية مع نظام ولاية الفقيه هو الوصول لإتفاق نووي عام 2015 يُتيح كبح النشاطات النووية الإيرانية ذات الأغراض العسكرية لمدة عشر سنوات……

 لم يلتزم الإيرانيون ببنود الإتفاق وسرعان ماخرج منه الأمريكيون ولم تتوصل إدارة بايدن لإتفاق جديد ( ويبدو أنها لن تتوصل لذلك) وعندما خرجت الولايات المتحدة من مرحلة الحرب على (الإرهاب السني العالمي) بعد قضائها على داعش والقاعدة وقتلها لقاسم سليماني وإنسحابها من أفغانستان ..وكان ذلك إنتباها من واشنطن لورطة عُمرها 20 عامًا إرتاح الصينيون والروس بالمشاغلة الإيرانية للأمريكان وصعد التنين الصيني صعوداً صاروخياً فيما بدأت أقدام الدب الروسي الثقيلة تَطرق أبواب القارة العجوز …

 كانت الخطايا الأمريكية كبيرة وكثيرة في التعاطي مع الملف الإيراني في المنطقة حيث سمحت واشنطن بهلال إيراني يمتد للبحر الأبيض المتوسط ويُشرف على باب المندب لِيهدّد صلب مهمة الأساطيل الأمريكية وهي ضمان سلامة وأمن الملاحة البحرية…

أيضا التموضع الإيراني ( والروسي أيضاً ) شرق المتوسط في غزة وسوريا ولبنان كارثياً على أمن القارة الأوربية وخطوط نقل الغاز والملاحة البحرية وخطراً ايضا على مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها في المنطقة حيث الصراع الدولي في هذا القرن صراع ممرات دولية وطرق التجارة والطاقة …

لقد تجاوزت الميليشيات التابعة للحرس الثوري الخطوط الحمراء الأمريكية في البحر الأبيض والأحمر وكان قبلها السلاح الإيراني من المسيرات والصواريخ المقدمة لموسكو تتجاوز الخطوط الحمراء في البحر الأسود….

وأثبتت الأحداث أنّ للتخادم نهاية وأنّ المصالح مُتبدّلة وأنّ الميليشيات التابعة لإيران تهديد وجودي للطفل الأمريكي الصغير المدلل ( إسرائيل ) وأنّ هدف إخراج التواجد الأمريكي من غرب آسيا لم يَعّد شعاراً إيرانياً بل هدف يَتمّ العمل عليه …لذلك فد يكون المُخطِط الإستراتيجي الأمريكي أخذ قراره بإخراج النفوذ الإيراني من منطقة الشرق الاوسط ويتم العمل على ذلك بقصقصة الأذرع وقد يتُمّ ضرب رأس الاخطبوط في طهران في خطوة مُتأخرة أمريكية لكنها صحيحة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.