قِطاف تركي لثمار التطبيع مع نظام الأسد….قبل حدوث التطبيع

بعد التدخل العسكري الأمريكي والروسي المباشر في سورية ..وإتجاه كل طرف لتحقيق مصالحه عبر دعم أحد أطراف الصراع…كان حريّا بتركيا أن تحدد ماتريده من الملف السوري وتَرسم إستراتيجيتها وِفق ذلك ..ومن خلال دعمها لفصائل الثورة السورية سعت لتحقيق مصالحها الوطنية… وتَتَمحور أهداف أنقرة الإستراتيجية في سورية وفق عاملين هامين:

1– الأمن القومي التركي: وهو العامل الأهم نظراً لتاثيره على الأمن والسلام الإجتماعي وحماية النظام العام لتركيا الاتاتوركية الدولة العلمانية …وعدم إستغلال أحد لوجود 20 مليون كردي تركي ..
يخوض حزب العمال الكردستاني التركي صراعا داميا مع الدولة التركية تحت أجندة إنشاء وطن قومي لأكراد المنطقة نواته الكتلة الاكبر من السكان الأكراد المتواجدون في تركيا وهم تقريبا نصف عدد الاكراد في العالم
عندما أَنشات الولايات المتحدة قوات سورية الديمقراطية (قسد) وإعتبرتها حليف أرضي محلي لتحالف دولي لمحاربة داعش وكانت النواة الصلبة لتلك القوات من عناصر وكوادر حزب الإتحاد الديمقراطي والذي تعتبره انقرة الفرع السوري لحزب العمال التركي بزعامة عبد الله اوجلان…
بدات الهواجس التركية من الفعل الأمريكي تَتَرسّخ عند بِدء تشكيل قيادة سياسية لتلك القوات وحكومة محلية تحت ستار إدارة ذاتية وتطبيق مناهج للتعليم تَتَضمّن أفكار عبد الله أوجلان ورفع صوره مع أعلام الحزب وأعلام كردستان الكبرى وإطلاق مسمّى ارض روج آفا على اجزاء واسعة من سورية محاذية للحدود الجنوبية لتركيا بما يُشكّل من تواصل بشري وتحريض لأكراد تركيا على المطالبة بتجربة مماثلة لما يحصل في سورية….
إنّ العمل على إفشال المشروع الكردي الذي ترعاه الولايات المتحدة ويلقى تأييدا غربيا بل وإيرانيا وروسيا والذي يعمل على تقسيم تركيا وإضعافها هو في أولويات الامن القومي التركي الذي لايختلف عليه إثنان

2– اللجوء السوري في تركيا:
إنّ تواجد أربعة ملايين سوري بتركيا وخمسة ملايين بالشمال على الشريط الحدودي هارببن من جحيم الأسد وحلفائه ..وعلى أتمّ الإستعداد لعبور الحدود فيما لو تمدّد النظام إلى مناطق نزوحهم او تَمّ الإخلال بالبيئة الآمنة الهشّة القائمة حاليا والتي تَحتضنهم تحت حماية الجيش التركي والفصائل المحلية …وهذه المنطقة الآمنة نسبيا يجب الحفاظ عليها بالحد الادنى الموجود حاليا وقد حاولت القيادة التركية توسيعها لإكتساب أراضٍٍ جديدة تُتيح عودة اللاجئين إليها من الداخل التركي..لكن ّالمحاولات التركية منذ إنتهاء عملية نبع السلام بخريف 2019 قد باءت بالفشل نظرا للرفض المتكرر من الولايات المتحدة وروسيا لتلك العمليات ..
وبعد جائحة كورونا وأزمات الاقتصاد التركي والغزو الروسي لأوكرانيا دخلت البلاد بحالة إقتصادية حرجة..والأتراك كغيرهم من الشعوب عندما تتأثر حالة المواطنين الإقتصادية يلجؤون للتطرف القومي العنصري فَيُحمّلون الأجانب والمهاجرين المسؤولية عن ذلك..ويبدؤون بشنّ حملات الكراهية والتي قد تؤدي كما حدث بتركيا لإنحرافات خطيرة وصلت حتى للإعتداء الجسدي وتخريب الأملاك بل ووصلت أحيانا للقتل بدوافع عنصرية
ونتيجة لوجود حزب العدالة والرئيس أردوغان شخصيا بالسلطة منذ بداية الثورة السورية لجأت أحزاب المعارضة لتأليب المواطن التركي على اللاجئ السوري عبر حملات إعلامية منظّمة وتحميله سبب الأزمات الإقتصادية ولسوء الحظ نجحت تلك الحملات بتكوين راي عام شعبي عارم مفاده ان حلّ المشكلة الإقتصادية والمالية التركية تبدا بإزالة أسبابها….
بمعنى أنّ المسؤول عن ذلك هو الحزب والحكومة والرئيس وبالتالي كان البرنامج الرئيسي لاحزاب المعارضة الرئيسية الستّة هو ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم ولن يتمّ ذلك إلّا بفتح العلاقات مع النظام السوري والتعاون معه في ذلك …كما أنّ التعاون التركي مع النظام السوري ضد عدوّ مشترك وهو قوات سورية الديمقراطية والتي لها مشاريع إنفصالية تهدد البلدان يمكن أن يكون ثمرة إيجابية لذلك الإنفتاح وتطبيع العلاقات بينهما
ومن الثوابت في السياسة التركية إتجاه سورية هي عدم التفريط بكلا العاملين…فوجود الحماية والنفوذ التركي للمناطق الشمالية الغربية من سورية والعمل على توثيق عرى العلاقة مع بيئة سورية صديقة …إن ذلك يُجهض أي أحلام إنفصالية كردية خاصة أن عمليات عسكرية كبرى تمّت (وستتمّ لاحقا وفق الرؤية التركية) لطرد قوات قسد منها ..وقطع ما كان يًطلق عليه الممر الكردي للبحر الأبيض المتوسط..ولايمكن لدولة مُتخيلة ان تقوم على دعائم متينة دون وجود منفذ بحري…
كما أنّ القيادة التركية كغيرها من الدول تُؤمن أنّ نظام الأسد هو أصل المشكلة ولن يكون بأي جزء من حل سياسي مستدام بل إنّه قوة أمر واقع تتمتّع بشرعية قانونية دولية ..
لن يكون بمقدور الأسد تلبية حد أدنى من عاملي الأمن القومي التركي لا بشان محاربة قوات قسد حيث هو كميليشيات متهالكة ليس لها القدرة على ذلك ولو كان بمقدوره لكان فعلها منذ أمد بعيد بإعادة سيطرته على آبار النفط والغاز ومصادر الثروة الطبيعية التي تُحكم قسد سيطرتها عليها تحت حماية تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة..
كما أنّ ذلك النظام المجرم والمفلس إقتصاديا لن يكون بمقدوره تقديم أيّ حلّ لمشكلة اللجوء السوري بتركيا حيث بعد تَوسّل حلفائه اللبنانيون لإعادة بضع آلاف من المليون ونصف لاجىء الموجودين بلبنان لم يقبل منهم إلا بضع مئات فقط ..(.من الذين قبلوا بالعودة) لأسباب أمنية وديمغرافية وإقتصادية ..وكل ما يستطيع تقديمه هو توقيع وقف إطلاق نار طويل الامد يتيح بيئة أكثر أمانا للمناطق المحررة ممكن ان يعود لها لاجئون من تركيا
وقد تستفيد الحكومة التركية من الوضع القانوني الشرعي للنظام الذي يُخوّله توقيع المعاهدات والإتفاقيات بإسم سورية في مجال ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ..تلك المشكلة التي تعاني تركيا منها وهي تعاون دول حوض شرق المتوسط فيما بينها وترسيم الحدود وتشكيل مِنصّة غاز شرق المتوسط (ومقرّها مصر) وإستبعاد تركيا م
عنها الأمر الذي حدى بتركيا لتوقيع إتفاقية ترسم حدودها البحرية مع حكومة طرابلس التي تُمثّل الشرعية الليبية ..والذي لاقى إعتراضات إقليمية ودولية…
حيث يمكن إجبار الأسد على الترسيم لمصلحة تركيا لقاء منافع إقتصادية من فتح المعابر الداخلية بين مناطق الحماية التركية ومناطقه وتزويده بالبضائع الاساسية المفقودة في أسواقه…وايضا يمكن للنظام الإستفادة من رسوم الترانزيت البري والجوي فيما إذا تَمّ فتح الطرق الدولية بين تركيا عبر سورية إلى الخليج العربي ..وايضا الرسوم المتحصلة من عبور الطائرات التركية للمجال الجوي السوري

حصاد الحكومة التركية للخطوات التي تمت لحد الآن

1– إنتزاع أهمّ ورقة إنتخابية من أيدي المعارضة حيث لم تستطع المعارضة إلا مباركة خطوات خصمها في المعركة الإنتخابية المقبلة لأنها لاتستطيع الإعتراض عليها او إنتقادها لأن فكرة التطبيع بالأساس هي فكرتها والمشروع مشروعها

2–الإستجابة لضغوط الرئيس بوتين والذي يحاول تمتبن عُرى العلاقة أكثر من تركيا ورئيسها وماتجنيه تركيا من منافع اقتصادية وسياسبة من موقفها المحايد من الحرب الروسية على اوكرانيا وحاجة روسبا الملحّة لها في هذه الظروف…وتستفيد روسيا من ذلك بإظهارها أنّها مازالت قوة عظمى وتمتلك نفوذا في سورية يتيح لها ذلك بإجراء مصالحات تاريخية بين الخصوم وليس كما يُصوّرها البعض دولة عادية وغارقة في وحول مستنقع لانهاية له

3– توجيه رسائل للولايات المتحدة بمناكفة كل جهودها وتوجّهاتها بالملف السوري وحيال قضية التطبيع مع نظام الأسد بالذات

4– دَقّ إسفين ببن قسد والنظام والقضاء على فكرة تحالفهما ضد تركيا

5– بما أنّ تركيا تَعتبر نفسها من أكبر المتضّربن حيال الصراع الدولي في سورية ونتائجه وإنعكاساته عليها… فإنّها أكبر المتضررين من تَجميد الصراع الآن نظرا لانشغال الأطراف الفاعلة بسورية بصراعات أخرى وعدم وجود أي افق دولي لحل ما …إِنّ الخطوة التركية هي بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة ..وبالفعل عاد الإهتمام الدولي مجددا للقضية السورية وتصدر الخبر السوري لنشرات الأخبار
ومن المرجُح ان تكتفي انقرة بتلك الإنجازات التي تحققت عبر تصريحات إعلامية ولقاء بين وزيري الدفاع (لأن التنسيق الامني لا يعد إنجازا لانه بالاساس لم ينقطع)..ولاضير من عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدان والوقوف عند ذلك الحد…لأن الخسارة بعد ذلك قد تكون اكثر من الفوائد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.