“قسد” و “العشائر”.. حَبَل في العتمة وولادة في النهار

هل تستلزم قراءة شمال شرق سوريا، واشتباك القبائل العربية مع “قسد” قراءتين أم قراءة واحدة وكفى؟
من الصعب الاتجاه لقراءة واحدة في التداخل الهائل للمسألة السورية باعتبارها تحوّلت إلى مسألة متعددة داخل اشتباك دولي واسع ومتعدد الأطراف:
ـ إيران من جهة،  بتحالفها القلق مع الروس في المسألة السورية.
والولايات المتحدة الأمريكية، وقد خرجت من امتحانات بالغة التعقيد والفشل، أقلّه، في العراق دون نسيان كابول.
ما حدث في العراق، يمكن اختزاله بالتهميش الفظ لسنّة العراق وبالنتيجة فتح الطريق كل الطريق لملالي طهران لإحكام قبضتهم على العراق، بما أحال العراق إلى مدى حيوي للخمينية بامتدادها في الهلال المأمول لشيعة “جئناكم بالحراب”، وبما أنتج فيما أنتج “داعش” باعتبارها ذاك الاستثمار في مظلومية السنّة، لتتحول داعش إلى رأس حربة إيرانية، وكلنا على علم بأن مرقد عنزة “القاعدة” ومنوعاتها مازال في طهران.
وبالنتيجة، خسرت الولايات المتحدة العراق، او كادت، ولن تكون المنطقة الخضراء والسفارة الأمريكية المبنية فيها كفيلة بانتزاع العراق من يد إيران.
هذا الخطأ القاتل، ربما لن يتكرر في سوريا اليوم، فللأمريكان مأثرة واحدة تتجاوز آثامهم، وهي مأثرة الاعتذار عن الآثام، وهذا يعني فيما يعنيه “إعادة النظر بالتجربة” ولولا هذا لما تجاوزت مراكز الأبحاث في تمويلها وقوتها وحضورها ميزانيات البنتاغون. واليوم جاء وقت إعادة النظر في الاستراتيجية الأمريكية إزاء المسألة السورية، وأولها:
ـ منحت الإدارة الأمريكية “قسد” مساحة واسعة في التحالف، دون النظر إلى الاشتباك القائم والمشغول عليه ما بين العشائر العربية / السنيّة و”قسد” وتحت مظلة محاربة “داعش”، فخسرت العشائر، ولم تربح “قسد” ذلك أن لقسد مشروعها المتباين جزئياً مع المشروع الأمريكي أقلّه وقد ترددت “قسد” في الاشتباك مع إيران، لتخوض نصف اشتباك مع نظام بشار الأسد، في مرحلة تستدعي فيها المسألة السورية الذهاب إلى النهايات، فـ “النصف” هنا لا يفتح الطريق لقطع ممرات طهران إلى دمشق، وهكذا فقد كفّت الإدارة الأمريكية يدها عن “قسد” في مواجهة العشائر السنيّة لتبدو كما لو أنها متفرج في صالة النزال الكبير، فيما ثمة معلومات على غاية من الخطورة، وهي معلومات تقول بأن العشائر العربية السنية في شمال شرق سوريا تشتغل اليوم بالتنسيق والتخطيط مع الإدارة الأمريكية، وبدعم يأتي من مناطق ظل عربية قد يكون للمملكة العربية السعودية فيها موقع الخيمة، وهي الخيمة التي تستسظل بها العشائر، في حربها مع “قسد”، ولاحقاً مع القوّات الإيرانية ومع نظام بشار الأسد باعتباره فصيل من فصائل الحرس الثوري، وهكذا تستبدل الإدارة الأمريكية  حليفها “قسد”، بحليف هو الأوسع انتشاراً وربما اكثر قدرة على الاشتباك مع طهران، مع أخذ الترحيب التركي بهذا الاستبدال بعين الاعتبار.
هذه قراءة لابد والتوقف عندها ومعها، فيما ثمة قراءات أخرى، ومن هذه القراءات، ارتهان مجموع من القبائل ومن ابرز شخصياتها “نواف البشير”، وهو ومجموع أنصاره لابد ويشتغلون لحساب النظام وبالنتيجة لحساب طهران، ولابد أن لا تعني حربهم مع “قسد”  سوى إضافة فصيل للحرس الثوري الإيراني، ما قد يقود آجلاً أم عاجلاً إلى اشتباك القبائل مع القبائل في المتاهة السورية التي لن تنتهي سوى بقطع الطريق على إيران.
ما يحدث حتى الساعة، هو مرحلة “الحَبَل” للمسألة السورية، أما “الولادة” فقد تفضي إلى ما لا نتوقع، غير أن المثل يقول:
ـ الحَبَل بالعتمة أما الولادة فلابد وتحدث في النهار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.