في الذكرى السابعة لصدور القرار الدولي 2254 أين نحن الآن ؟

يصادف الاحد 18 كانون اول الذكرى السابعة لإقرار مجلس الامن للقرار الدولي حول سورية رقم 2254..حيث مرّت سبع سنوات على صدوره…وتصاغ هكذا قرارات والتي يكون فيها الطرف الغربي التي تعبر عنه الولايات المتحدة على تناقض تام مع الدولتان الشرقيتان وخاصة روسيا تصاغ بعبارات الغموض البنّاء والذي يرضي الفريقين ويعتقد كل طرف أنّه قادر على إملاء قرائته للنص وتفسيره له وعرقلة التفسير للطرف الآخر
ولكن بشكل عام يضع القرار القواعد الأساسية للحل السوري وبالطبع تلعب تغيرات موازين القوى على الارض دورا كبيرا في فرض تفسير الطرف الأقوى إلى حدٍ ما..
وبُني القرار 2254 على دعائم بيان جنيف 1 الذي صدر بحزيران 2012..حيث صاغته الولايات المتحدة والإتحاد الروسي كمرجعية لإنهاء الصراع وشكل التسوية المقبل …ومنذ ذلك الحين جرت أحداث وأحداث سأحاول المرور عليها سريعا لمعرفة اين تقف العملية السياسية في سورية الآن
بعد أن أخذت الولايات المتحدة (وإسرائيل) ماترغبان به وهو تجريد النظام السوري من أسلحته الكيميائية بوساطة روسية على إثر قصف النظام الأسدي لغوطة دمشق بهذا السلاح بآب 2013…بدا للبعض أنّ الولايات المتحدة جرّدت النظام المارق من السلاح الذي يهدد به أمن الكيان الإسرائيلي…وفي تلك الأثناء طيلة عام 2014 كان التخادم الأمريكي الإيراني في ذروته وذلك بسبب رغبة رئيسية عمل عليها الرئيس أوباما وهي الوصول لاتفاق نووي مع إيران… وهو ماكان سببا رئيسيا كما يرى البعض للتمدد الايراني في سورية بل وبالعراق كانت معركة الحشد الشعبي العرافي مشتركة مع القوات الأمريكية في حرب داعش …وتم توقيع الاتفاق في تموز 2015 ..ولكن كانت الميليشيا التي يديرها فيلق القدس التابع للحرس الثوري في سورية وماتبقّى من جيش النظام على وشك الإنهيار في الربع الأخير من عام 2015…
لم ينجح التفويض أو غضّ النظر الأمريكي للميليشيا ذات النابعية الإيرانية من الحيلولة دون ذلك الإنهيار وتحوّل سوريا إلى فوضى عارمة تهدد الشرق الاوسط كله بل العالم خاصة في ظل ماتراه الولايات المتحدة الخطر الأكبر وهي التنظيمات الجهادية السنية المتطرفة(داعش والقاعدة .وبعض التنظيمات الصغيرة الأخرى) ويبدو أنّ الولايات المتحدة كانت لاتمانع بتفويض روسي لادارة الحرب في سورية بشرط الوصول إلى تسوية مقبولة بين الأفرقاء السوريين مرجعيتها القرار 2354…
طبعا لم يرفض الرئيس الروسي الدعوات الإيرانية ورجاء نظام الأسد والرغبة الأمربكية والغربية والعبرية والعربية لدخول الجيش الروسي في الحرب السورية (وكل طرف يراه افضل الموجود والخيار الممكن المتاح) لضبط الحرب في سورية والتي يبدو أنّها قاربت أن تخرج عن السيطرة ..كان المشهد العسكري معقّدا وبحاجة لقوّة غاشمة تضبطه…
كان الامريكان والغرب يرون في التدخل الروسي العسكري تغييرا لقواعد المشهد العسكري على الأرض بحيث يتم دحر الجماعات الجهادية السنّية أولا وعدم تمكين إيران بالسيطرة المطلقة على سورية بسبب وجود شريك ومنافس أقوى منها وهذا ما رآه العرب كخيار وحيد لمنع هيمنة إيرانية مطلقة على سورية …
وكان المأمول من التدخل الروسي من الجانب الأمريكي هو جلب كافة الأطراف السورية إلى طاولة حل رغماً عنها وانهاء الصراع بعد تغيير موازين القوى..وبالطبع كان التفويض الأمريكي لحل واقعي وليس مثالي …لكن الروس المنتشين بإنتصار بضم القرم في أوكرانيا وقبله بجورجيا أيقنوا أنّ الفرصة قد حانت لهم في ظل التخبّط الإستراتيجي الامريكي بالمنطقة والعالم حانت الفرصة لتحقيق حلمهم القديم بالوصول للمتوسط والإنطلاق منه للقارة السمراء والخليج العربي….
وحاول الروس بل ونجحوا في أن يكونوا وسيط القوّة المعتمد من الجميع لضبط الصراعات في سورية والإنطلاق منها للعب دور اكبر بضبط الصراع في المنطقة كلّها… حيث تمكّن الروس من بناء علاقات قوية بين الأضداد الكبرى المتصارعة(إسرائيل..تركيا ..إيران..العرب عبر الخليج ومصر)
كانت الولايات المتحدة تراقب ما فوّضت به لروسبا بسورية وتنظر بعين القلق للطموحات الروسية الأكبر من الملف السوري من ناحية إستقطاب حلفاء تقلبديبن لامريكا واعني هنا العرب والاتراك والاسرائيليين.ومحاولة خلخلة النظام الأمني الذي كانت ترعاه الولايات المتحدة بالمنطقة ..وكان لدى الروس أيضا لتحقيق اهدافهم عصا وجزرة.
أفرط الروس بالساحة السورية باستعمال العنف والقتل والتدمير بشكل كبير أدّى لتدمير مريع للمجتمعات المحلية الخارجة عن سيطرة النظام وإتباع سياسة مشهورون بها بعقيدتهم العسكرية وهي سياسة الارض المحروقة …حيث بعد تهجير سكان كل منطقة يحتلونها تصبح تلك المنطقة غير قابلة للعيش بها وتتطلب إعادة للإعمار ..
لم يكن الروس يسيرون في ماتريده الولايات المتحدة من تعديل موازين القوى وضمان عدم إنهيار النظام وعدم فوز المعارضة والوصول لتسوية لاغالب ولامغلوب….وكان الروس يعملون على ترجيح كفّة النظام عسكريا وإلحاق هزيمة مدوّية بقوى الثورة المسلحة ..
وكان ظاهرا الاعتماد الروسي المفرط على قوات ارضية بتابعية إيرانية والإكتفاء بالجهد الجوي لعدم التورط بوقوع خسائر بشرية روسية وعدم ارتفاع فاتورة التدخل المالية.
وبالتالي ستتمكن الميليشيا ذات التابعية الإيرانية من الإمساك بالأرض التي يتم إخراج المعارضة منها ..وسيكون النفوذ المباشر والقوي لصاحب القوات على الارض وليس من الذي يملك الجو..بمعنى أن ااتدخل الروسي أسهم في تمكين الميليشيا ذات التابعية الإيرانية من توسيع رقعة إحتلالها وليس العكس..
كما أنّ إسراف الروس بتدمير البنية التحتية المدنية للسكان والدولة بشكل كان يمكن حسم اي معركة دون اللجوء إليه ..
ولم يتمكن الروس من بناء حاضنة أو حوامل مجتمعية معتدلة من الفريقين يكون لهما مصلحة بإنهاء الصراع ضمن حل تشرف عليه روسيا….
كما أنّ مسارعة روسبا إلى السيطرة على مصادر الدخل والاقتصاد عبر إتفاقيات خاصة ومجحفة وطويلة الأجل لم يترك اي مورد لتمويل أي حكومة توافقية مقبلة .
ويبدو أن ّ الولايات المتحدة أعطت آخر فرصة لنجاح التوكيل الدولي الممنوح لروسيا عبر تسليمها المنطقة الجنوبية وحوران وإنهاء عمل غرف الموم والموك ..
وفشل الروس فشلا ذريعا بتحقيق تسوية مقبولة تكون أنموذجا لسورية( كلها فيما لو نجح)…وايضا لم بتم تقليص التواجد للميليشيا ذات التابعية الإيرانية بل حصل العكس وتمدّدت تلك الميليشيات أكثر
حدث التحوّل الأمريكي الهام بسحب التفويض الممنوح للرئيس الروسي في سوريا بمنتصف ولاية الرئيس ترامب حيث تم إخراج قانون قيصر من الأدراج وإقراره من قبل الكونغرس والإدارة الأمريكية بتوافق وعجلة تشي بانهيار التفويض الممنوح سابقا
وحصل التموضع الامريكي العسكري في الشمال الشرقي وازداد رسوخا بعد ماهو مفترض إنتهاء مهامه باندحار داعش وتم القضاء على أحلام روسية بالقوة الامريكية المميتة لمحاولة التمدد الروسية نحو آبار النفط السورية …وبالتأكبد كان الامريكيون سعيدبن بالتموضع العسكري التركي بالشمال الغربي والحيلولة دون سيطرة الروس وحلفاءهم عليها
إعتبارا من عام 2019 وبدء سريان قانون قيصر والاستئثار الامريكي بمصادر الثروة السورية ..كان رسالة للروس ان مستنقعا سوريا من نوع آخر بانتظاركم حيث كان جوهر قانون قيصر يستهدف الانشطة الروسية لمنع أي حصاد لروسيا لثمار تدخّلها في سورية….وإن حرمان حكومة النظام من موارد البترول والثروات الأخرى تجعل من العسير على حكومة النظام الوقوف على قدميها والإستمرا بتقديم أدنى الخدمات لمن بقي من السكان في مناطق سيطرتها (وهذا ما نلاحظه الآن)
كما أن غض الطرف الأمريكي عن مسار استانة الذي إخترعه الروس كمسار عسكري لمنع تصادم قوى الدول الثلاث على الارض والذي حظي برضى امريكي في بداياته من مستويات دنيا تمثّلت بحضور موظفين أمريكيبن لبعض الجولات قد إنتهى خاصة بعد أن بدا مسار أستانة ياخذ أبعادا سياسية كان الغاية منها تعويمه كحل رئيسي سياسي للمسالة السورية على حساب المسار الذي ترعاه الأمم المتحدة وتدعمه واشنطن بقوة
وبمعنى آخر قيل للروس انتم خربتوها إتفضّلوا صلّحوها اذا كان ذلك بإمكانكم..
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا تم الطلاق النهائي بين أمريكا والغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى وسقط اي تفاهم او توافق على اي قضية عالقة بين الطرفين وبالطبع سورية هي إحدى القضايا المتداخلة والعالقة بينهما…
وبدأ الصراع البارد في الفضاء السوري يأخذ أبعاد حرب المشاريع حيث للغرب مشروعه للحل في سورية وهو القرار الدولي وللروس وحلفائهم مشروع مسار أستانة….
لم يتحوّل الصراع الأمريكي الروسي إلى ساخن في الساحة السورية كما كان متوقعا في بداية الغزو الروسي لاوكرانيا..حيث وبما أنّ الروس يخسرون في أوكرانيا فلم يجرِ مضايفتهم في سورية ولو كانوا يربحون في أوكرانيا لكان من المتوقع أن نرى إزعاجا لهم في سورية…
ورغم سحب الكثير من الجنود والعتاد العسكري الروسي من سورية إلّا أن الخطّة الأمريكية لن تقبل بوجودهم على ساحل المتوسط الشرقي ويجري العمل على تحويله الى وجود غير استراتيجي أو غير فاعل للروس بمعنى لاقيمة له في الإقليم ولايتم الإستفادة منه لخدمة أي أهداف روسية
إن تطويق الغرب لروسيا في الملف السوري يتجلى بالتصريحات الاوربية والامريكية المتكررة عن ضرورة التمسك بالقرار الدولي 2254 كخيار وحيد للحلّ..واصدار قوانين وتشريعات وعقوبات مستمرة على النظام ولن يكون آخرها إصدار تشريع أمريكي حول اعتبار الأسد كتاجر ومصنّع مخدرات دولي ينشر سمومه في الاقليم والعالم ..ومعروفة الابعاد أو الآفاق السياسية لهكذا قرارات وهي أن أحدا من حلفاء الولايات المتحدة لم ولن يفكر باي مسعى لإعادة تعويم الأسد او إجراء أي إتصال معه.
وبدانا نلمح مؤخرا فتح الأبواب الاوربية الموصدة بوجه الهيئة السورية للتفاوض وإستقبالها في عدد من البلدان الأوربية كتجسيد لإعتماد الغرب مسار جنيف وتسليط الأضواء عليه ..
ويبقى القرار الدولي 2254 وغيره من القرارات الدولية مثل القرلر 2118 كمنجزات الحد الادنى والمهم التي تحصّل عليها الشعب السوري بثورته ومامن سبيل للحل إلا توحيد الجبهة الداخلية السورية ومطالبة المجتمع الدولي بما ألزم به نفسه لتطبيق مفردات الحل المتصوص عنها بالقرار وأوّلها هيئة الحكم الإنتقالي كاملة الصلاحيات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.