كان الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط 2022 ( وهو حدث غير متوقع ) سبباً في قلب كلّ المعادلات الدولية وتَبلور بداية حقبة دولية جديدة….ولأنّ الصراع في أوكرانيا بين حلف الناتو والنظام الغربي الدولي ضِدّ منافسيه في الشرق … كان لابُدّ للشرق الأوسط ( وهو قلب العالم ) أن تكون السيطرة عليه هو المفتاح للسيادة الدولية…
لم يتأخر الإيرانيون في الإنخراط المباشر الى جانب الروس في معركتهم عسكرياً…بعد أن أفشلوا رغبة الإدارة الديمقراطية بالوصول لأدنى تفاهم معهم حول برنامجهم النووي…
ولان الروس إكتشفوا أنهم غرقوا في حرب إستنزاف ستكون طويلة ومُنهكة …فكان لابد من القفز للأمام وإشغال الولايات المتحدة وتحالفها الغربي بتأجيج صراعات مزمنة ونفخ الجمر الملتهب …وبالطبع تسعى إيران لعدم خسارة روسيا لحربها بل حتى إضعافها لأنّ ذلك سينعكس عليها سلباً…وبدأ يظهر وِفقاً للظروف الجديدة إستحالة إستمرار التخادم الأمريكي الإيراني ولو بحدوده الدنيا وتَجلّى ذلك بإجهاض الوصول لإتفاق نووي مع الولايات المتحدة…
أيقنت الولايات المتحدة عدم صوابية سياسة تقليص تواجدها في الشرق الأوسط
وبدأت بالعودة لإستراتيجيتها القديمة وحرمان المنافسين من السيطرة عليها أو مشاركتها النفوذ فيه…وبدات بإصلاح علاقاتها مع الحلفاء التقليديين والتي أصابها عطب شديد…وزيادة الإهتمام بإرسال الأسلحة النوعية وتعزيز القواعد في المنطقة …وكان ذلك لايخدم أهداف الروس والإيرانيبن في المنطقة…..
قد يكون بداية خلط الأوراق في المنطقة وإرباك التحالف الغربي بدأ بطوفان الاقصى كخطوة أولى ..لكن قد تكون حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر ..وظهر أنّ التحالف الغربي متماسكاً في حماية أوكرانيا وحماية دولة الإحتلال الإسرائيلي..وفاجأ الحشد الغربي العسكري والموقف السياسي من راهن على ضَعفه وتَرهّله …وكان على إستعداد لتبرير أو التغاضي عن كُلّ الجرائم الإسرائيلية في الحرب على غزة…..
حاول حزب الله في لبنان المشاغلة مع الجيش الإسرائيلي ولم ينجح في ثَني حكومة الحرب الإسرائيلية عن أهدافها… وحدث تَحوّل جوهري حيث فقد الحزب أوراقه في شَنّ حرب على إسرائيل وباتت جهوده أن لايكون التالي بعد إنتهاء حرب غزة بمعنى حتى ورقة منع الحرب عليه لم يَعُد يملتكها….
وماجرى في غزة وللحزب يُعتبر من الخسائر الإستراتيجية لمشروع إيران في المنطقة…
كان لِزاماً على الحرس الثوري إستخدام ورقة الحوثي للضغط بها على كل الملفات وإرباك التحالف الغربي بساحة صراع جديدة وعدم إعطائه الفرصة للإنتهاء من جبهة والإنتقال لأخرى…
وحدث ما لا ترغب به إيران ..حيث تَمّت إعادة جماعة الحوثي إلى لوائح الإرهاب الغربية ( بعد أن رفعه الرئيس بايدن منها بعد أسبوعين من دخوله البيت الأبيض كتعبير عن حسن نواياه إتجاه إيران ) وتَمّ تشكيل تحالف دولي غربي بإسم حارس الإزدهار للتعامل مع خطر الحوثي ..وموضوع إنتهاء سلطة الحوثي مسألة وقت لا أكثر…..
كان تَحرّش الحرس الثوري مُستمراً بالقواعد الأمريكية في سوريا والعراق وياخذ طابعا رمزياً وتحشيدياً لكنه تصاعد كثيراً بعد حرب غزة وتجاوزت الإعتداءات ال 170 هجوماً ..ولأنّ الحرس الثوري عندما لم تسير الحرب في البحر الأحمر كما يَتمنّى لجأ إلى سياسة حافة الهاوية مع الإدارة الأمريكية..وحاول الضغط على القوات الأمريكية في المنطقة بعملية نوعية لِثني الولايات المتحدة عن مواقفها وفتح باب للتفاوض معها على ضمان دور وموقع لإيران في مستقبل المنطقة….حيث قام بقصف قاعدة التنف في الجزء الأردني منها في موقع يُعرف بالبرج 22 واوقع جرحى وقتلى في صفوف الجيش الأمريكي..
وكان الحرس الثوري يراقب الردّ الأمريكي والذي أتى تحذيرياً وصاعقاً ويُرسل رسالة عن موقف أمريكي صارم بالبقاء في المنطقة وتنفيذ كل إستراتيجيته …وكانت رسالة طائرات الB1 والتي تُدمّر الحصون تحت الارض رادعة للحرس الثوري والذي أرسل إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس للميليشيات في العراق وسوريا ولبنان والطلب منها عدم التصعيد مع القواعد الأمريكية كقرار سياسي من طهران….
حدثت خروقات من طرف ميليشيات عراقية بإستهداف قواعد أمريكية في دير الزور دأاوقعت قتلى من قوات قسد ..وبالتأكيد قامت بها فصائل عراقية غير مُنضبطة أو موافقة على قرار قاآني وترى في الردّ على القصف الأمريكي لقواعدها والإنتقام لمقتل ابو باقر الساعدي وسط بغداد ..ويرى بعض المراقبين أنّ سيطرة الحرس الثوري ليست كاملة أو مطلقة على فصائل الحشد الشيعي وأنّ فصائل مثل قوات بدر والنجباء لها إتصالات وثيقة مع موسكو و قوية جداً للحَدّ الذي يُمكن أن تُنفّذ أجندة روسية وليست إيرانية..
لاشكّ بوجود خلاف إيراني روسي في المنطقة قد يتصاعد في المستقبل القريب…فليس من مصلحة موسكو التهدئة الإيرانية الأمريكية وتريد إستمرار الحرب وتَوسّعها في الإقليم كله فيما ترى طهران أنّ من مصلحتها عدم الدخول في تصعيد قد يصل لحرب مباشرة مع الولايات المتحدة وهو خط أحمر إيراني …
لانعلم ما تُخبّئه الأشهر القادمة فقد يَتمكّن بوتين من رمي عود الثقاب الذي يُشعل المنطقة كلها والتي هي تجلس على برميل من البارود..
