القضية السورية في مواجهة الرهانات الدولية (3)

3 ـ لن يتخلّى العالم إلا عمن يتخلّى عن قضيته :

سيبقى نظام الأسد في طريق مسدودة مهما فعل. لن تنقذه لا إيران ولا الصين ولا روسيا، ولكنهم يساهمون جميعا، بالعكس، في إضعاف مركزه بشكل أكبر بمقدار ما يسخّرون بقاءه لانتزاع مزيد من المصالح على حساب الشعب السوري والشعوب المجاورة. والجميع يعرف أنه خسر شعبه إلى الأبد، ولن يستطيع أحدٌ بعد ذلك تأهيله، حتى لو أراد ذلك، فهو غير صالح للحكم، كما أن نظامه لا يملك أي أساس للبقاء.

خسر الأسد شعبه إلى الأبد، ولن يستطيع أحدٌ بعد ذلك تأهيله

هذا يعني أن الصراع لا يزال وسوف يبقى مفتوحا، ولن يتحقّق أي سلام، ولن يكون هناك استقرار، ولا حل لمشكلات الدمار والخراب والفقر والبؤس الذي عم البلاد من دون تلبية تطلعات السوريين والاعتراف بحقوقهم التي لا تقبل التصرّف. ولن يعمل مرور الوقت إلا على تفاقم أزمة النظام وتفسخه وتنامي إرادة الشعب الغارق في المحنة إلى التغيير.

ومن هنا، أيضا، لا ينبغي أن نترجم تغيير سياسات الغرب، ونأيه بنفسه عن قضايا المشرق التي ساهم في تعقيدها، باليأس من المجتمع الدولي أو بالدعوة إلى مقاطعة الغرب أو بالاستهتانة بقوته وعدم العناية بتطوير العلاقات معه والسعي إلى كسب تأييده القضايا العربية على المستوى الشعبي أو الرسمي، واستغلال طاقاته الهائلة وتنوع تياراته وتعدّد أقطابه. بالعكس، علينا أن نترجم ذلك بالتأكيد على ضرورة العمل على حثّ مواطنينا على تحمل قسط أكبر من الجهد والمسؤولية في تحقيق غاياتنا ومقاصدنا، وأن نقلص من رهاننا على المساعدة الأجنبية، ونرفع من درجة انخراط شعوبنا في معركتها من أجل التحرر والتنمية الإنسانية. ما يعني أيضا أن نعمل مع القوى والاتجاهات الديمقراطية القوية فيه، ونشجّعها على أن تعمل معنا على قاعدة الندّية وإقامة علاقات متوازنة ومصالح متبادلة بدل القاعدة القديمة التي كانت تقوم على تسول الدعم وقبول الفوقية وسياسة الأمر الواقع، كما استقرّ عليه وضع هذه العلاقات منذ تأسيس دولنا. وسوف يدرك الساسة الغربيون في الولايات المتحدة وأوروبا أنهم عندما يتقدّمون في هذا الاتجاه لا يحتاج الغرب إلى قواعد عسكرية، ولا الرهان على الطغم الاستبدادية، ولا شراء ذمم ضعاف النفوس من أجل الحفاظ على مصالحه وتطويرها، وسوف يكون من الأسهل عندئذ الوصول إلى تعاون بناء، كما هو الحال اليوم في العلاقات بين دول ديمقراطية تحترم جميعها مصالح شعوبها.

حان الوقت كي نأخذ أمورنا على عاتقنا، وأن نتحمّل مسؤولياتنا الفردية والجماعية

والمهم، ألا نتقاعس في تحمّل مسؤولياتنا وألا نترك للمجتمع الدولي، لا للولايات المتحدة ولا لأوروبا ولا لروسيا ولا للصين ولا لغيرها، مسؤولية تحقيق ما علينا واجب إنجازه. وأنه حان الوقت كي نأخذ أمورنا على عاتقنا، وأن نتحمّل مسؤولياتنا الفردية والجماعية. وأن ندرك أن الغائب الوحيد، والذي لا يمكن التوصل إلى حل من دونه كان، منذ البداية، ولا يزال إلى اليوم، الشعب المؤهل والمنظم. وإذا كان جيل المعارضة السابق قد فشل في تحقيق هذه الغاية بسبب الضعف البنيوي وفقر الدم والفكر الذي ميز الأحزاب والحركات السياسية في ظل نظام المحارق والاغتيالات والتصفيات الجماعية، فإن الساحة أضحت اليوم مفتوحةً أمام جيل جديد من السوريين الذين تحرّروا على الرغم من كل شيء، من رهاب الديكتاتورية وجاهزية الحلول الخارجية أو الدولية، وأصبح أكثر قدرة على المحاكمة السياسية والمشاركة على قدم المساواة مع أبناء الشعوب الأخرى في التفكير في إدارة الشؤون الإنسانية. وعليه، تقع اليوم مسؤولية إعادة تنظيم قوى المعارضة الديمقراطية وقيادة المرحلة المقبلة، من دون أن يعني ذلك إقصاء الجيل السابق الذي يكفيه فخرا أنه وقف صامدا في مقارعة نظام الاستبداد وتحدّي سجونه وتحمّل انتهاكاته واغتيالاته أكثر من نصف قرن.

لم يعد الأسد إلا شبحا يهيم في خرائب وطننا، ولن ينتهي إلا عندما نزيل هذه الخرائب، وأول عنصر فيها الشبح ذاته الذي كان أول صانعيها وصار جزءا منها. والمهم أن نؤمن أننا لا نهزم عندما نخسر معركة، ولكن عندما نيأس من تجاوز آثارها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.