السعودية تُربك واشنطن بتحرّك كبير نحو الصين

كانت ضربات الحادي عشر من أيلول 2001 تحوّلاً مفصليا هاماً في الاستراتيجية الأمريكية برمّتها…فبعد الغفوة الإستراتيجية والتي لم تدم أكثر من عشر سنوات من 1991–2001 وبعد إنهيار الإتحاد السوفييتي وإنتصار المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة بالحرب الباردة ..لم ترى عدوا نداً لها…
وبعد أن قام تنظيم القاعدة الاسلامي السني الجهادي بضرب مراكز القوة الأمريكية في نيويورك وواشنطن..وإحداث ذلك الخرق الأمني الكبير والتجرؤ على فعل لم يجرؤ السوفييت على مجرد التفكير به في أتون الحرب الباردة بينهما …فقد تم تمريغ أنف أمريكا بالتراب ولابدّ من الردّ وبقوّة بل بقسوة حتى يكون المنفّذون والمخططون والمتربّصون وحتى الشامتون عبرة لمن لايعتبر
وللعلم لم يكن صدفةً أنّ من خطّط ونفّذ الهجوم أن يختار من مجموعة ال19 الذين قاموا بالعملية 15 منهم سعوديو الجنسية مع وجود أسامة بن لادن السعودي ايضا على راس التنظيم..ويقال أنّ من خطّط لهذه العملية كان يستهدف أمران ..إمّا إنكفاء أمريكا عن العالم وعودتها لحدودها..او أن تقوم بضرب أو إحتلال المملكة العربية السعودية بدلا من أفغانستان والعراق ..حيث يعتبر البعض أنّ الفكر السلفي الوهابي المنتشر فيها هو الايدلوجيا التي ستظل تُنتج ذلك الإرهاب
وكانت الفترة الذهبية التي سادت العلاقات الامريكية السعودية والشراكة الاستراتيجية التي أرسى دعائمها على الباخرة كوينسي بعام 1945 الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت والتي جوهرها الأمن مقابل الطاقة
وكانت المملكة العربية السعودية حجر الزاوية في الاستراتيجية الأمريكية بالتصدي للمدّ الشيوعي إلى المنطقة وقد لعبت دوراً هاماً في دعم الجهاد الأفغاني ضد الإحتلال السوفييتي طيلة السنوات العشر ..حتى تم الإنسحاب السوفييتي وحدوث التداعيات في سنوات حكم الرئيس السوفييتي غورباتشوف والتي إختفى في نهايتها الإتحاد السوفييتي من الجغرافية والمستقبل وبقي في التاربخ كاقصر إمبراطورية عرفها التاريخ لم يزد عمرها عن 79 عاما
ولم تكن المملكة راضية عن السياسة الأمريكية اتجاه الثورة الإيرانية حيث لم تقف مواقف حازمة اتجاه التهديدات التي كانت تمثّلها تلك الثورة للجوار العربي والخليجي خاصةً نظريا وعمليا من حيث إعتمادها رسميا على نظرية تصدير الثورة للخارج وخاصة البلدان التي تسكنها أقليات شيعية وتحريض تلك الأقليات على حكومات بلدانها
بعد عام 2001 وإعتماد الولايات المتحدة الإرهاب الذي تقوم به جماعات جهادية سنّية خطرا إستراتيجيا هاما..وهذه الجماعات هي من رعتها أمريكا بحقبة الإحتلال السوفييتي لأفغانستان حيث إنقلبت تلك الجماعات على سيّدها و من رعاها..وإلى جانب كل الأدوات والاسلحة التي كرّستها واشنطن بحربها على تنظيم القاعدة لجات إلى التخادم أو رعاية غير مباشرة للجهاد الاسلامي الشيعي الذي تتبنّاه إيران واذرعها الناشئة في المنطقة ..بحيث تخلق عدوا عضويا إرهاببا له و يتصارعان فيما بينهما فيما هي تدعم الطرفان بطرق شتّى حتى ينهكا بعضهما البعض..وقد غاب عن ذهنها أنّ ذلك العدوان قد يجدا أرضية مشتركة أو يستغلّا بعضهما لحرب الولايات المتحدة كما حدث بدعم فيلق القدس الإيراني لجماعات القاعدة في العراق والذي أذاق الويل للجنود الامربكان
وكانت الولايات المتحدة تنظر للمملكة العربية السعودية بعين الريبة وتصنّفها عمليا من الأعدقاء وإن لم تقول ذلك صراحة وباتت تتبرّم من مناهج التعليم وتحضّ على تعديلها وتتدخل بعلاقة النظام الملكي بالمجتمع المحافظ وتحضّ على إعطاء حريات للجمهور او إنتقاد تدخل رجال الدين بالحياة العامة والحضّ على إعطاء حريات للمراة…
على جانب آخر كان المشرّعون الأمريكيون يضعون العقبات الكبرى بوجه شراء المملكة لاي سلاح جديد او قطع غيار لاسلحة مشتراة قديما تحت حجج واهية تارة أمن إسرائيل او انتهاك حقوق الانسان والمراة وحرية الرأي….وهذا الضيق السعودي من السياسة الأمريكية تجلّى بالضيق السعودي لحملات الكراهية والتحريض التي كانت تنتقد المملكة وتحمّلها مسؤوليات هجمات الحادي عشر من ايلول وترفع الدعاوى أمام المحاكم الامريكية لنيل التعويضات الخرافية عن ضحايا تلك الضربات…
ولابد ّمن الإشارة إلى نقطة هامة حكمت السياسة الأمريكية اتجاه المملكة والخليج العربي عموما وهو إستغناء واشنطن عن النفط العربي ببدائل عديدة منها الإعتماد على مصادر قريبة للبترول او تحوّل الولايات المتحدة لاكبر منتج للنفط بالعالم ..وبإنتاج يفوق إحتياجاتها ..
كانت ذروة التخادم الأمريكي الإيراني وقمة العتب السعودي على ذلك التخادم بوصول الرئيس السابق باراك أوباما إلى توقيع إتفاق نووي بعام 2015 مع النظام الإيراني غير آبه بكل شكوى الحلفاء المحليين من التغاضي الأمريكي عن تمدد إيران لاربعة عواصم عربية مع غزة ..ودون الأخذ بإعتراضات تلك الدول أو التشاور معها او ان تكون طرفا في الإتفاق الدولي 5+1 ..وكان الرئيس السابق أوباما لايخفي هواه الفارسي وإعجابه بتراثهم وحضارتهم بعكس إزدرائه للعرب ..متناسيا أن النظام الإيراني هو خلافة شيعية عابرة للحدود
كان عتب العرب والمملكة بالتحديد على مآلات الغزو الأمريكي للعراق والذي أفضى بالنهاية لنتيجة كان بإمكان الولايات المتحدة عدم الوصول إليها وهي إلتهام النظام الإيراني للفريسة العراقية بعد ان تم نحر العراق على يد الامريكان انفسهم وسلخ الشاة المذبوحة عن محيطها العربي…
كان الموقف الأمريكي مزريا بالنسبة للمملكة بما يخص الحرب في اليمن وهو أهم تهديد جدّي تواجهه الرياض..حيث بات إطلاق صواريخ السكود او الطائرات المسيرة من البمن او العراق وإستهدافها لمنشآت المملكة الحيوية وخرق سيادتها وأمنها أمرا مالوفا ويكاد يكون خبرا عاديا في نشرات الأخبار…مع علم الجميع أن كل إمدادات جماعة الحوثي العسكرية واللوجستية تاتي تهريبا من إيران وتدخل ميناء الحديدة عبر البحر وبغض طرف أمريكي واضح…
كما ان المملكة واجهت إعتراضات أمريكية عندما كانت وبمرتين متتاليتبن على وشك إنهاء تمرد الحوثي عسكريا ودخول صنعاء والحديدة حيث اوقفت الولايات المتحدة الهجوم واوعزت للامم المتحدة بالتذرع بالماساة الإنسانية التي ستنجم عن ذلك
وفي عهد الجمهوريين المحسوبين كاصدقاء للمملكة تم وفي ايلول 2019 إستداف منشآت لشركة آرامكو وتدمير أجزاء مهمة لها وتعطّل الإمدادات العالمية النفطية جرّاء ذلك الاستهداف…واكتفى الامريكان ببايانات الاستنكار وبعد مدة وجيزة سحبوا منظومات باتريوت الدفاعية من أراضي المملكة ..وباتت السعودية تبحث عن صواربخ مشابهة لحماية أجوائها من مصادر غير أمريكية
كانت الحملة الإنتخابية للرئيس الحالي غير معهودة من دولة عظمى يُفترض أنّها بشراكة إستراتيجية مع المملكة..
ففي الوقت الذي كان الرئيس المرشّح لايرى في إيران غير حجر زاوية في سياسته الإقليمية في العودة للاتفاق النووي معها ضاربا عرض الحائط بكل تدخّلاتها المزعزعة للاستقرار بالاقليم وارتكابها المجازر عبر اذرعها بالإقليم وإنتهاكها لأبسط حقوق الإنسان الإيراني ..كان جلّ إهتمامه ينصبّ على المملكة وانتهاكها لحقوق الانسان والتهديد باعادة فتح ملف الخاشفجي والتعهد بجعل المملكة دولة منبوذة بالإقليم…ولم تغيّر كثيرا زيارة الرئيس الامريكي للرياض بنيّة تهدئة الأجواء مع المملكة والعمل على إعادة تموضعها مع الغرب في حربه القائمة حاليا مع روسيا بعد أن أخذت المملكة خيار الحياد ببن الخصمين وفقا لما تقتضيه مصالحها..
وإدراكا من المملكة لضرورة البحث عن شركاء آخرين غير الولايات المتحدة عملت في العقد الاخير خاصة على تنمية علاقاتها التجارية مع شرق آسيا الهند والصين وبعد عام 2015 تم رفع درجة التعاون مع روسيا حتى وصلت للتنسيق بقضايا مختلفة منها اوبك بلس…
كان للتعاون التجاري والارقام العالية (وخاصة ان الصين تستورد 3 ملايبن برميل من المملكة ومليون برميل من الامارات يوميا ) أكبر الاثر بدفع التعاون إلى مجالات أخرى فلايمكن الفصل بين الإقتصاد والسياسة ولا بينهما مجتمعان وببن الامن والدفاع…وبالتالي تم البدء بتعاون عسكري خليجي مع الصين في بداياته حيث يوجد برنامج تعاون مشترك لانتاج مسيرات وصواريخ بخبرة صينية في المملكة ولن تكون صفقات بين بائع ومشتري بل تعمد المملكة لتوطين التقانات بحيث تتمكن ضمن خطط محددة من تغطية جزء كبير من حاجاتها الدفاعية والتي تصل الان الى نسبة أكثر من 15%..على قاعدة لن يتحقق قرار سيادي مستقل تماما الا عندما تصنع الدولة أسلحتها وتنتج طعامها.
إنّ الإتفاقيات المتعددة والتي أبرمها الرئيس الصيني بزيارته الحالية للرياض تلفت للإنتباه إتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدان ويجب وضع مائة خط تحت كلمة الشراكة والف خط تحت كلمة الإستراتيجية والفي خط تحت كلمة الشاملة..
ويجب أن لايغيب عن البال تصريحات ولي العهد عن إتفاق البلدان على المواءمة بين أهم مشروعين إستراتيجيبن للدولتين خارطة الحزام والطريق الصينية ومبادرة 2030 السعودية وهي تعبير عملي عن الشراكة الاستراتيجية الشاملة .
لاخوف من الصين لانها لاتملك نموذج صالج للتصدير فهي ذاتها تقوم على خلطة عجيبة غريبة بين الشيوعية والراسمالية ..ولاتتدخل بالسياسة الداخلية للدول ..ولاتشترط شروطا صعبة أو تعجيزية عند طلب شراء أسلحة او تقانات متطورة
قد يضغط المجمّع الصناعي العسكري الأمريكي على صانع القرار السياسي في واشنطن لإبقاء المملكة ضمن المعتمدين على السلاح الأمريكي حيث تعتبر الزبون الاول لذلك المجمّع ..وذلك بإعطاء تطمينات او تعهدات او إتفاقيات جديدة لكن لا اظنّ أنّ المملكة ستحيد عن طريق تنويع تحالفاتها وعدم وضع بيضها في السلّة الأمريكية فقط

تعليق 1
  1. Md khalifa يقول

    إن سياسة المملكة الحالية والتي بدأت بإخراج البيض من سلة الأمريكي لتوزيعه على سلل ملائمة .
    جاءت من خلال حق المملكة بالبحث عن مصالحها ورؤيتها الاستراتيجية لهذه المصالح .

    كل ذلك ماهو إلا من ارتدادات موقف إدارة أوباما وغدره بالعلاقات القديمة والاستراتيجية كحليف للملكة ، واعتماده على ان تكون إيران شرطي المنطقة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان .
    ف….إلى متى ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.