أبعاد سياسيّة خلف إِصدار قانون كبتاغون-الأسد

لايمكن النظر إلى سياسة خاصّة أمريكية إتجاه النظام السوري بحد ذاته ..إلّا بإعتباره كأحد الأذرع الايرانية في المنطقة او الدمى الحاكمة والتي ترعاها موسكو وتقوم على حمايتها بما يمكن تسميته الأنظمة التي تدور بالفلك الروسي …
وأحيانا اي خطوة أمريكية (سواء إيجابية او سلبية ) إتجاه نظام الأسد فان المقصود بها إرسال رسالة إلى طهران أو موسكو أو كلاهما معاً
لذلك فإن إخراج قانون قيصر من الأدراج بعد مُضي 5 سنوات على إستكمال أسباب إصداره ودخوله حيّز التنفيذ في بدايات عام 2020 ماهو إلّا لتزويد الإدارة الأمريكية بورقة ضغط تَستخدمها في الوقت المناسب وبتكتيك يحقق مصالحها و ليس التطبيق الحرفي لنص القانون بالشكل الذي يبدو وكأن دوافعه أخلاقية وترنو لتحقيق العدالة…
صحيح أنّ قانون قيصر تمّ سَنّه لتطبيق عقوبات على النظام السوري ولكنّ المقصود الحقيقي بالدرجة الاولى كانت روسيا داعمة النظام الكبرى لإخلالها بتفاهماتها مع واشنطن حيال الملف السوري ولوضع فيتو على اي إنجاز سياسي او إقتصادي يكون حصاد لنجاحها العسكري على الأرض بتعديل ميزان القوى…وحينها كانت روسيا تقدّم نفسها كقوّة عظمى وشريكة للغرب بإيجاد حلول لمسائل دولية وإقليمية
ودائما ما يسعى البنتاغون الامريكي أو وكالة المخابرات المركزية او الكونغرس بإصدار تشريعات أو توصيات..او تقديم الإدارة نفسها للمساعدات بأنواعها…وذلك لخلق نقاط إرتكاز قويّة في منطقة ما تكون مهمة للإستراتيجية الأمريكية لكن لا سياسة آنية واضحة الآن إتجاهها لاسباب مختلفة…..لكنّ تلك الاوراق التي تمّ تجميعها ستساعد الإدارة كثيرا في خياراتها عندنما تحين ساعة إتخاذ القرار وتكون تلك الأوراق عوامل مهمة ضاغطة على الخصوم أو محفّزة لمن ينوي نقلهم من مكان عدو محتمل إلى مكان صديق محتمل او صديق …او من صديق إلى حليف…..
لذلك لايمكن لدولة عظمى ان تفرض هيمنتها إلا بدبلوماسية القوة وليس قوة الدبلوماسية….لأن الدبلوماسية التي لاتعززها عوامل الضغط (دبلوماسية بانياب حادة) ستكون دبلوماسية مساعي حميدة ونوايا حسنة ولا تُصرف في عالم السياسة والمصالح
كان الموقف الأمريكي من نظام الأسد قد حُسمَ عندما تم إقرار قانون قيصر بنسبة كبيرة بأنّ هذا النظام لايمكن التطبيع معه أمريكيا ويجب تقريع الحلفاء إن حاولوا ذلك ..وأنّه خارج حسابات المستقبل الأمريكية للمنطقة …ويبدو أنّ جدلا حدث داخل أروقة صناعة القرار الأمريكي حول الموقف النهائي والحاسم من نظام الأسد وذلك بصيف العام الماضي ووساطات عربية او أمنيات بإمكانية إنتشاله من الأحضان الإيرانية كان عرّابها الملك الأردني في رحلته لواشنطن عندما طلب من الرئيس الأمريكي إستثناءات للأردن بخصوص علاقاته التجارية مع نظام الاسد وتم حينها الحديث بِمدّ لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر أراضي يسيطر عليها النظام السوري وبدا للبعض أنّ ّ ثغرة قد تُفتح في جدار العزلة السياسية والإقتصادية …وكان فريق مفاوضات الملف النووي في واشنطن يرى أنّ ذلك يعنبر كعربون حسن نوايا تُقدّم لطهران لإتمام ذلك الإتفاق… إلّا أنّ شيئاً من ذلك لم يحصل وبقي الموقف الأمريكي ثابتا وفشل المشروع بعد ان عقد الوزراء المعنيون على الارض في الدول الأربعة عدة آجتماعات ولم يبق إلا إيماءة أمريكية ولو شفهية إلا أنّ تلك الإيماءة لم تأتِ ومات المشروع..ومات معه أمل نظام الاسد بإحداث الثغرة في جدار العقوبات الأمريكي
القطيعة الأمريكية الروسية والتي حدثت بعد غزو أوكرانيا ..والفرز الحقيفي الذي تمّ…ادى بالأسد إلى الإلتحاق أكثر بمحور الرئيس بوتين نظرا لمواقفه بتأييد الغزو بل الإعتراف بضم أراضي اوكرانية لروسيا وإرسال مرتزقة من شبيحته للقتال إلى جانب الجيش الروسي ..ادى لوضعه على لائحة حلفاء وأصدقاء بوتين الذين سيرحلون معه…أيضا تعتّر أو موت الإتفاق النووي وبروز الحلف العسكري الإيراني الروسي …أدّى لاعتبار نظام الأسد أحد الملحقات بذلك التحالف الذي يخوض حرب مباشرة مع حلف الناتو باوكرانيا والناتو يخوضها عبر الجيش الاوكراني
يمكن لنا القول أنّ عصر التخادم الأمريكي الإيراني قد إنتهى وأنّ الحرب على الأذرع الإيرانية في المنطقة قد ياخذ أشكالا أكثر تصعيدية ومنها التصحير الإقتصادي الذي يُمارس على حزب الله بلبنان وسعي واشنطن لإمتلاك ورقة أخرى ضاعطة بالملف السوري وخانقة لراسه ..عبر تنصيص القانون والإشارة الصريحة الشخصية لإسم الأسد .. دون ذكر مسمّى النظام السوري وذلك ليكون محددا أكثر بغاياته…ولأن النظام السوري هو ضمن الخطط الأمريكية لتطبيق مسار الحل وفق القرار الدولي 2254

الخطوات الأمريكية لتطبيق قانون كبتاغون- الأسد

لاشك أنّ كمّية ونوعيّة وجَودة إنتاج المعامل السورية للكبتاغون يؤكد لنا أنّ ذلك الإنتاج الهائل يتمّ عَبر معامل كبيرة وبتقنيّات عالية وليس كما يتمّ تصويره ماكينات بدائية توضع في غرف ..في قرى نائية …بل ان معامل تاميكو السورية للدواء ومعامل خاصة أخرى ومعامل لإنتاج الأدوية البيطرية والزراعية (او أقسام منها) تُستخدم لإنتاج تلك الكميّات ..ولا أظنّ أنّ في نِيّة الولايات المتحدة قصفها أو تخريبها لأن ذلك سيلقى أصداءاً سلبية بأنّ تلك الأفعال تزيد من معاناة السوريين بإستهداف تلك المتشآت والتي يستغل بعض أقسامها نظام الاسد لانتاج المخدرات بينما تعمل أقسام أخرى على إنتاج الدواء..والسياسة المرحلية الامريكية الآن في سورية تجميد الصراع وعدم مفاقمة الأزمات الإنسانية للسوريين
وتَحوّل سورية من بلد عبور إلى بلد منتج للمخدرات يستدعي تفكيك شبكات التهريب والتي رأسها المدبّر في دمشق وتمتد إلى الإردن والسعودية وباقي الخليج…كما أنّها تنتشر في حوض المتوسط (جنوبه وشماله)..وإن دخول إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية (لاول مرة) على الملف السوري وبما تمتلكه من امكانات بشرية ومعلوماتية وتقنية ..سيساهم بالتعاون مع الوكالات الامريكية الأخرى بتفكيك شبكات التهريب بين الدول والتتسويق الداخلي لتلك السموم…والتعاون بالطبع مع أجهزة الدول المتضررة بالحدّ من تفاقم الإغراق لمجتمعاتها عبر إجراء تدريب بشري لعناصرها وتزويدها بآليات تكشف طُرق إخفائها او مخابر لتحليل تلك المواد….
إذ أنّ تفكيك تلك الشبكات أو إضعافها كثيرا سيجعل من الإنتاج للمزيد من تلك السموم لاجدوى منه لعدم وجود مشترين له…
قد تلجأ الأجهزة الأمريكية الى نشر أسماء لأعضاء تلك الشبكات أو من يساهمون بعمليات غسيل الأموال الناتجة عن تلك التجارة لعقابهم او منع من تسوّل له نفسه في الإنخراط مستقبلا بتلك التجارة السريّة المربحة
وستستفيد حتما الولايات المتحدة بتحسين علاقتها المتوترة مع دول كالسعودية والامارات بتبادل تلك المعلومات والتدريب وتزويدها بالاجهزة والمعدات التي تحتاجها لحماية حدودها
ولكن تبقى الغاية من إصدار هذا القانون سياسية وليست أخلاقية ..إذ أنّ الولايات المتحدة نفسها يدخل من حدودها يوميا آلاف الأطنان من المخدرات من المكسيك ولاتعمل على منعها…إنما الغاية تجفيف التمويل لنظام الاسد وباقي الاذرع التي تشاركه تلك التجارة (كحزب الله والميليشيات العراقية) وخنقها والضغط عليها…وسيجعل مِمّن تسوّل له نفسه من القادة من لقاء بشار الأسد او تطبيع العلاقات معه يعمل ألف حساب قبل أن يُقدم على ذلك.
لن يكون القانون مُلزماً للإدارة الأمريكية ..إنّما ستستعمله عندما ترى ذلك يحقق أجنداتها ومدة ال180 يوم هي الحد الأقصى المطلوب بعدها يتمّ تقديم تقرير من الإدارة للكونغرس إلا أنّه يعتبر الآن وُضع قيد التنفيذ وممكن أن نرى إجراءات ملموسة له خلال شهر من الآن ..
وتزامن هذا الشهر صدور قانون كبتاغون الأسد مع منع الولايات المتحدة لناقلات النفط من الوصول للمرافئ السورية ووقف الإمدادات النفطية من شرق الفرات ..وتهيئة المجتمع السوري في مناطق النظام والحواضن الصلبة له للتمرّد عليه ماهو إلا شكل جديد من الحصار الذي تم فرضه على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والذي انهك نظامه مما جعله يسقط بسهولة فيما بعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.