مابين مخالب السيوف التركيه و الدروع الدوليه الداعمه للارهاب

الشمال الشرقي السوري إلى أين؟

المحامي فهد نادر القاضي

يبدو ان العمى السياسي والذي أصاب الكثير من المحللين السياسيين ومراكز الابحاث العامله في الملف السوري قد أصبح وباء وباتت أثاره ظاهرة بشكل واضح من خلال تحليلاتهم ودراساتهم البعيدة عن الواقع والتي غالباً ما تتسم بالسطحية المجبولة بالحقد نوعاً ما والمترافقة مع الجهل في دراسة السياسة التركية حيال الملف السوري تلك السياسه التي كان لها الأثر البالغ في صمود الثورة السورية حتى يومنا هذا ناهيك عن الاعباء الاقتصادية والاجتماعية التي تحملتها تركيا بسبب مواقفها المشرفه منذ عقد من الزمن.
فلابد لكل متابع منصف في قراءة الاحداث أن يدرك تمام بأن تركيا منذ عقود طويلة تخوض حرباً ضروساً ضد الجماعات والتنظيمات الارهابية الانفصالية التي تطالب بالانفصال عن تركيا بغية تأسيس دوله كردية مستقلة او الحصول على حكم ذاتي داخل الجمهورية التركية حيث يعد حزب العمال الكردستاني بي كي كي المصنف على قوائم الإرهاب أحد أهم الأذرع لذلك المشروع البائد والذي ينشط في الجانب الجنوب الشرقي من الحدود التركية.

ومع انطلاق أحداث الثورة السورية في مارس من عام 2011 و تداخل الكثير من الملفات الدولية في سوريا ومع إعلان تركيا موقفها الواضح و الصريح بالوقوف إلى جانب المطالب المحقه للشعب السوري الثائر

استغل قادة تنظيم بي كي كي ظروف المناخ الدولي والجغرافي الملائم لإعادة تموضوعهم على جغرافية المنطقة والعمل على حلمهم الانفصالي مستفيدين من انسحاب قوات نظام الأسد( المتعمد )من مناطق شمال شرق سوريا وعفرين عام 2012 وتسليم ادارتها لحزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يسمى وحدات حماية الشعب.
حيث كانت تلك الوحدات لم تعتمد هيكلية تنظيمية واضحة كونها ظهرت وبشكل مفاجئ في الأراضي ذات الاغلبية الكردية حتى جاء عام 2014 حيث خاضت تلك الوحدات معركة عين العرب ضد تنظيم داعش إلى جانب فصائل مختلفة من فصائل الجيش الحر في محيط عين العرب ومن ثم الانطلاق إلى تحرير منبج وطرفي نهر الفرات شرقاً وغرباً وذلك بدعم امريكي.
وبعد دحر داعش من تلك المناطق سارعت الولايات المتحدة الى دعم وحدات حماية الشعب الكردي واعادة هيكلتها هرمياً وانشاء ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي شكلت وحدات حماية الشعب الكردي القوام العسكري والقيادي لها والذي حظي باعتراف ودعم أمريكي غير محدود تحت ذلك المسمى وقد تلا ذلك تشكل ما يعرف باسم مجلس سورية الديموقراطية (مسد) ليكون الذراع السياسي لإدارة مشروع الإدارة الذاتية في مناطق شمال شرق سورية وهذا ما كانت تسعى له وحدات حماية الشعب الكردية حيث كان ذلك بعام 2015 وأصبحت بعد ذلك قوة عسكرية تضم في هيكليتها وحدات حماية المراة YPJ وحدات حمايه الشعب YPG وقد حظي هذا المشروع الإرهابي الغربي الانفصالي المتموضع على الحدود التركية في شمال شرق سوريا بغطاء ودعم كل أعداء الجمهورية التركية مما اكسبه شرعية تنظيمية وسياسية لا بل إن كثيراً من الدول الأوروبية فتحت له مكاتب في عواصمها واستقبلت قياداته واحتضنتهم وقدمت لهم الدعم المادي والعسكري والخبرات التنظيمية ليكون مستقبلاً أداة بيدهم لمقارعة تركيا وتهديدها من خلال الحدود البرية.

تركيا تنبهت مبكراً لذلك التهديد الارهابي الذي زرعه الغرب على حدودها وقدم له كل أنواع الدعم كونها تمتلك خبرة كبيره و عبر تاريخ طويل في مقارعة تلك التنظيمات الإرهابية سواء داخل حدودها او خارجها.

مع تزايد نشاطات تلك التنظيمات الارهابيه المجرمة في الاراضي السورية المتاخمة للحدود التركية والتي باتت تشكل خطراً على الامن القومي التركي من خلال بعض العمليات الارهابية التي قامت بها ضد بعض الاهداف المدنيه داخل تركيا

كانت اول عملية برية واسعة اطلقتها الحكومة التركية لدعم فصائل المعارضة السورية الساعيه للقضاء على تنظيم داعش من منطقه الشمال السوري ابتداء من جرابلس ثم امتدت لتشمل أيضا تطهير مناطق الشمال الغربي من تنظيمات قسد / bkk فباتت معركة درع الفرات عملية عسكريه متعددة الاهداف والجبهات والمسارات حيث أسفرت تلك العملية عن تمكين فصائل الجيش الحر من السيطرة على أكثر من 30 بلده بريف حلب الغربي بعد اشتباكات دامية سواء مع تنظيم داعش أو ميليشيات قسد و bkkالارهابية التي انسحبت الى مناطق شرقي الفرات حيث قطعت تلك المعركه الطريق على تنفيذ الاحلام الانفصالية لتلك التنظيمات الإرهابية الانفصاليه المارقه

ومع دخول عام 2017 وتوتر العلاقة التركية مع واشنطن وبعض العواصم العربية التي كان لها دور في دعم الانقلاب في شهر تموز عام 2016 والتي لجأت إلى دعم القوى الارهابية المعادية لتركيا في سوريا والمتواجده على حدودها وذلك لزعزعة الاستقرار داخلها والانتقام من قيادتها

فإن تلك الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وجدت في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الاداة المناسبة لتنفيذ تلك المشاريع الظلامية الإرهابية.
فمدت جسور التواصل معها وأغدقت عليها الكثير من الدعم العسكري واللوجستي والمالي حتى أنه قد وصل الأمر لقيام مسؤولين عرب وغربيين بزيارات مكثفه الى مناطق سيطرة تلك التنظيمات الارهابية بسوريا والالتقاء بقياده تلك التنظيمات.

الامر الذي أدى بشكل أو بأخر إلى تزايد جرائم ونشاط تلك التنظيمات الانفصالية الارهابية ولا سيما في منطقه عفرين التي اصبحت قاعده لانطلاق الهجمات الصاروخية والمدفعية على بعض المناطق والمدن التركية المحاذية للحدود السوريه والتي تسببت بوقوع خسائر في الأرواح والممتلكات.

فكانت عمليه غصن الزيتون في عام 2018 والتي قالت الحكومة التركية عنها انها تهدف إلى القضاء على الارهابيين الذين يعتبرون امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذين يشكلون تهديد حقيقي لأمن تركيا القومي بقيام كيان كردي معادي على حدودها الجنوبية مدعوماً امريكياً بالسلاح في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تتجاهل المطالب التركية بوقف الدعم العسكري عن تلك التنظيمات الإرهابية.

ولعل من أبرز النتائج الهامة لمعركة غصن الزيتون هو سيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً على جبل بورصيا الاستراتيجي التابع لبلديه شيران الذي كان قاعده لانطلاق هجمات صاروخيه ارهابيه على ولاية كليس التركية ومدينه اعزاز السورية

وفي 18 مارس من عام 2018 بسطت فصائل الجيش الوطني مع القوات التركية سيطرتها الكاملة على مركز مدينه عفرين والبلدات المحاذية لها بعد القضاء على العصابات الارهابية الانفصاليه منها والمتمثله بتنظيمات قسد / و bkk

ولكن دابر الارهاب والمشروع الانفصالي لتنظيمات bkk /ybj

لم ينقطع بمعركة درع الفرات وغصن الزيتون بسبب استمرار نشاطات تلك التنظيمات الارهابية على الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية المحاذية للحدود السورية التركية حيث ماتزال تلك التنظيمات الارهابية والتي تشكل الذراع المسلح لعصابات الاسد في تلك المنطقة تقوم بعمليات القصف الى بعض المناطق داخل الحدود التركية بين الحين والاخر ناهيك عن تسلل كثير من الارهابيين التابعين لتلك التنظيمات لتنفذ عمليات انتحارية داخل المناطق المسيطر عليها من قبل الجيش الوطني والتي تم تحريرها من رجسهم عبر معركتي درع الفرات وغصن الزيتون يضاف الى ذلك كله عدم القضاء كليا على المشروع الانفصالي لها على الحدود التركية والتي تدعمه دول غربية وعربية.
فجاءت معركة نبع السلام لنسف ذلك الحلم الانفصالي والقضاء على الارهاب المتفشي في مدن تل أبيض ورأس العين بمساحه تقدر بأربعة آلاف كيلومتر مربع من المناطق الحدودية المتاخمة للحدود الجنوبية لتركيا حيث تمكن مئات الآلاف من السكان الاصليين الذين هجرتهم تلك التنظيمات الارهابية من العودة الى ديارهم واراضيهم ومدنهم.

لابد أن نشير في هذه الدراسة بأن قيام تركيا بتلك العمليات العسكرية الى جانب الجيش الوطني جاء متماشياً مع قواعد القانون الدولي وبرتوكول أضنة الموقع بين الجمهورية التركية وحكومة الجمهورية العربية السورية والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة اضافه لقرارات مجلس الامن المتعلقة بمكافحه الارهاب

كون تلك العمليات كان سببها المباشر القضاء على الارهاب المتفشي في تلك المناطق التي كانت التنظيمات الإرهابية تسيطر عليها وتتخذ منها قواعد لانطلاق هجماتها منها

والتي تدعمها دول عربيه و غربية وخاصه الولايات المتحدة الامريكية حيث كانت تلك التنظيمات تقوم بجرائم وانتهاكات وممارسات غير انسانية ضد السكان الاصليين لتلك المناطق من عرب واكراد وتركمان وذلك لإجبارهم على النزوح سعيا منها إلى احداث تغيير مفصلي في التركيبة السكاني لتلك المناطق.

لقد أدت تلك العمليات العسكريه التي تدعمها الجمهوريه التركيه اضافه الى تطهير تلك المناطق من إرهاب تلك التنظيمات

أدت الى تحييد الكثير من الإرهابيين الذين يعملون لهدف واحد وتحت اسماء مختلفة ( bkk / kck /ypc/pyd ) والذي يتم تمويلهم جميعاً من دول غربية تأتي الولايات المتحدة وبريطانيه في مقدمتهم.
وما تزال تركيا وحتى هذه اللحظة مستمرة في عملياتها العسكرية والأمنية بمقارعة الإرهاب حيث تعرضت منطقة تقسيم في مدينه اسطنبول بتاريخ 17/11/2022 لعمليه ارهابية ارتقى فيها سته شهداء واصيب فيها العشرات من المدنيين الأمنين حيث أظهرت التحقيقات الامنية والقضائية تورط تنظيمات قنديل الارهابية بتلك الجريمة بعد أن ألقت قوات الأمن التركية القبض على منفذ الهجوم والمخططين له واستمعت لاعترافاتهم التي شاهدها كل العالم.
وعلى خلفيه هذه الجريمة النكراء اعلنت الحكومة التركية عن قيامها بعملية عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا (مخالب السيوف)من حيث انطلق الارهابيون الذين نفذوا تفجير تقسيم وخططوا له من هناك بعد ان تلقوا تدريباتهم ودعمهم من تلك التنظيمات الانفصالية

ورغم ان تلك الجريمة شكلت حدا فارقا في الصراع التركي مع الارهاب ورغم ان العملية التركية لخوض تلك المعركة تمت الإشارة اليها من مسؤولين في الحكومة التركية الا أن الحديث عن تفاصيلها ونتائجها قد يبدو سابقا لأوانه ولكن كل المؤشرات تدل على انها لن تكون كسابقتها بل انها ستكون المعركة الفاصلة في استئصال دابر تلك التنظيمات الإرهابية كون المناخ السياسي الدولي الان قد يبدو متوافقا تماما مع اشرعه السفينة التركية التي استغلتها ووظفت كامل المعطيات لكي تضع المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية في زاوية حرجة في مسألة التنظيمات الإرهابية الانفصالية المدعومه من قبل بعض الدول حيث انه من المرجح بان كل الأطراف الدوليه اللاعبة والفاعلة في الملف السوري سوف تتوافق على مخرج من تلك المرحلة إما سلماً او حرباً بسيناريو يقتضي اجتثاث الارهاب الانفصالي من المناطق المحاذية للحدود التركية.
ولكن الأمر المؤكد في هذا المسار بأن حلول عصابة الأسد مكان تلك التنظيمات الارهابية هو شبه مستحيل حتى لو تدخل الروس كضامنين لذلك السيناريو كون تركيا تراقب وتدرك عن كثب فشل التجربة الاردنية عندما تم التوافق عام 2018 على تمكين نظام الأسد من الوصول الى الحدود الاردنية وبضمانة روسية فكانت النتيجة هي تدفق الميليشيات الايرانية الطائفية للمناطق الحدودية الاردنية التي جعلت منه معبراً لتصدير المخدرات والكبتاغون بحيث لا يمر أسبوع بدون اعلان السلطات الاردنية عن ضبطها لشحنات من المخدرات على حدودها
حتى ان الاردن بدأت بإطلاق نداءات إلى المجتمع الدولي للتدخل لوضع حد لعمليات تهريب المخدرات التي تقوم عليها وتديرها تلك الميليشيات الطائفيه الايرانيه بغطاء جوي وبري من عصابات الأسد

ان الموقف المتردي للولايات المتحده الامريكيه والدول الاوربيه الداعمه لتلك التنظيمات الارهابيه والتي تحاول الآن إجهاض تلك العمليه العسكريه الحاسمه يعكس وبشكل واضح رعايتهم واحتضانهم لها
في تلك المنطقه الهامه من سوريه

ختاما

ان اي مشروع سلام في سوريه من خلال القرارات الامميه وعلى رأسها بيان حنيف والقرار ٢٢٥٤ لايمكن له ان يبصر النور قبل القضاء على الإرهاب بكل أشكاله وادواته وفي مقدمتهم إرهاب عصابات الاسد وايران وروسيا وتنظيمات قنديل الارهابيه وداعش

ولابد أن العمليه والتي أعلنت عنها الجمهوريه التركيه سوف تمضي حتى تحقيق كل أهدافها في تطهير مناطق شرقي الفرات من رجس تلك العصابات المارقه بغض النظر عن كل الالتواءات الدوليه الفجه المشينه التي جعلت من سوريه مسرح لتصفية حساباتها الإقليمية والدولية وقاعده لزعزعة الأمن والاستقرار في تركيا
فما تعجز عنه الحلول الدبلوماسيه تنفذه فوهات المدافع والفنادق

وان غدا لناظره قريب

نحن لانسعى إلى اقناعكم وإنما نضع الحقيقه بين أيديكم

تقدمة لسوريا الأمل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.