[بقلم أ. أيمن أبو هاشم]
أعتقد أنه كي نفهم ما يجري في فلسطين دون مواقف مسبقة أو أحكام جاهزة أو إسقاطات غير صحيحة، من المهم توضيح الحقائق التالية:
- الموقف العام للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، تجاه انتفاضة الأقصى التي عمّت كل فلسطين التاريخية، موقف موحد ومتماسك ومتعاضد، ولم نشهد له مثيلاً من قبل، ليس لأن الفلسطينيين لم يعد لديهم خلافات أو تباينات حول العديد من القضايا الفلسطينية والعربية، وأنما لأن معركتهم في مواجهة العدو الصهيوني، هي اليوم موضع إجماع في لحظة تاريخية يعيدون فيها تعريف أنفسهم كشعب خاضع لاحتلال غاشم يقوم على محو فلسطين وتغييب شعبها الأصلاني، وبالتالي هذه الإنتفاضة ليست ملكاً لحماس أو لأي فصيل فلسطيني، ومن الخطأ الكبير اختزالها أو تقزيمها بهذا المعنى، ودور اي فصيل يتحدد بما يقدمه لها على أرض المواجهة، ولذلك لم نسمع إدانة من اهل غزة ولا من أي تجمع فلسطيني آخر لدور حماس أو الجهاد الإسلامي، بما يتعلق بالشق العسكري الذي قاموا به، لأن خيار المقاومة من خلال تجربة الفلسطينيين الطويلة، خيار تفرضه الضرورة التي يؤكدها عدو متوحش يريد للفلسطيني ان يستسلم أو يموت بصمت.
- لزوماً عليه لن يقبل الشعب الفلسطيني أن يستثمر أحد في تضحياته إن كان النظام الأسدي أو إيران أو غيرهم، لأن من يقبل المتاجرة والتلاعب بقضيتنا، وعلى فرض إن فعلتها حماس أو الجهاد، فهذه المرة سيخسرون كل الرصيد الشعبي الذي نالوه بمقاومتهم ودماء شهدائهم، ولسبب واضح كعين الشمس وهو أن هذه الإنتفاضة لم تراهن على أي نظام عربي أو إقليمي أو دولي، بل هي قرار شعبي نابع من الذات الوطنية، وهي امتحان للفرز التاريخي بين الفلسطيني الحر والفلسطيني المأجور، وبين العربي الأصيل والعربي المهزوم، وبين الضمير الإنساني والنفاق الدولي..
- من سوء التقدير أن يقوم البعض بإسقاط مجريات الثورة السورية على المشهد الفلسطيني الثائر، فالمواقف الفلسطينية من الثورة السورية كانت منقسمة ومتباينة، كالمواقف السورية نفسها، لأن دور النظام الأسدي كان عامل تفتيت وتخريب للمجتمع السوري طيلة أربعين عاماً، في حين أن الاحتلال الصهيوني كجسم غريب لم ينجح في تفتيت المجتمع الفلسطيني بدلالة الانتفاضة الشاملة في فلسطين، ليس لأن الشعب الفلسطيني أكثر وعياً أو تضحيةً من الشعب السوري، بل لأن خصوصية وظروف الصراع في كلا الحالتين مختلف ذاتياً وموضوعياً. وبالتالي أفضل خدمة يقدمها من يؤمن بأن قضية الحرية لا تتجزأ بين الشعبين، أن يكف عن المقارنة القائمة على التشكيك والتخوين، ففي ذلك إساءة لعدالة القضيتين، اما القراءات والنقاشات السياسية بغرض فهم سياق ودروس الثورتين فهذا مصدر غنى وفهم أعمق لما يجب أن نعمل عليها معاً كشركاء مصير ، والخلاف والتباين بالآراء من هذه الزاوية لايفسد للود قضية ..
- الأولوية كما ينبئنا بها شعبنا الثائر في فلسطين ومعه كل أحرار العرب والعالم، هي في تثمير هذا الإنتفاضة المذهلة التي أعادت الصراع إلى جذوره الحقيقية، والعمل بكافة المستويات في الداخل والخارج لإعادة تغيير الواقع الوطني والسياسي، بما يستجيب ويرتقي لكفاح أهلنا وصمودهم وجسارتهم في مواجهة العدو. وإذا لم تبادر قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية في هذه المحطة الوطنية الفارقة، إلى فتح مسارات التغيير الحقيقي بلا أي مواربة أو تضليل، فإن مصيرهم وبلا أسف هو الخروج من المعادلة الفلسطينية، التي لم تعد تحتمل مواقفهم وحساباتهم السلطوية المخزية، فكلما اتسق إيقاع وأداء حركة فتح في الضفة الغربية مع القدس وغزة واراضي الداخل المحتل عام ١٩٤٨، كلما استوى المشروع الوطني على قواعد صلبة، وفي ذلك تفويت الفرصة على أي مشروع يستهدف إعادة اللعب على التصنيفات والتقسيمات بين الفلسطينيين في الداخل..
- من باب الحرص الوطني أقول لقيادات حركة حماس، أن كل من وقف وساند خيار ردع العدوان الصهيوني الذي يُحسب للحركة أنها كانت في صدارة من تشرّف به، يملي عليكم اليوم مسؤوليات كبيرة، ومن أهمها تجذير خطاب التحرر الوطني الفلسطيني، من خلال بناء صيغ تشاركية، تكون فيها الاولوية لاعتبارات المصلحة الوطنية قبل أي اعتبار آخر، فالطريق الذي فتحته انتفاضة الأقصى، يحتاج إلى تغيير بنيوي في العلاقات الوطنية، والاعتماد على إرادة الشعب الفلسطيني، والشعوب الحرة التي تناصر قصيتنا، وأي نصر او إنجاز وطني، لم يعد مقبولاً منحه لقتلة الشعب السوري والعراقي واللبناني واليمني والأحوازي، بل وأكثر ذلك هو تفريط بدماء شهدائنا، ولن نغفر لأي مسؤول فلسطيني سيتجرأ على فعلها ..