العريف(ع.ش) وديمقراطية الإنتخاب في سوريا

[بقلم العميد الركن أحمد بري]

كنا على موعد استحقاق إنتخابي في /٢/١٢/١٩٩١ منجزات التي لم يحقق منها الأسد أي شيء وتبدأ المحافظات والدوائر المدنية والعسكرية بنشر الزينة ونصب الدبكات وإقامة الأعراس من أجل الحمله الدعائية لحافظ الأسد من أجل حث الناس على إنتخابه علما بأنه المرشح الوحيد .

وجاء العرس الكبير ؟؟!! يوم الإنتخاب وجمعونا بقيادة الفرقة من أجل أداء القسم من قبل أمناء الصناديق وبحضور قائد الفرقة اللواء توفيق ماجد جلول والقاضي الفرد العسكري بحمص من أجل عدم الغش او التلاعب بمحتوى الصناديق .

وعادت اللجان إلى وحدتها بعد أن إجتمع القادة بمكتب قائد الفرقة لتلقي التعليمات الخاصة وعند عودتهم إلى ثكناتهم تم جمع قادة الكتائب وأمناء الصناديق وضباط الأمن والتوجيه السياسي وكانت التعليمات مختصرة وواضحة ( يجب أن تتطابق البطاقات مع اللوائح الإسمية ويسمح بالزيادة ولكن لا يقبل أن يكون هناك بطاقة ناقصة ) أو يوجد عليها إشارة ( غير موافق ) .

وعدنا إلى وحداتنا وبدأت العملية الانتخابية وكنت أنا وقتها أمين صندوق إنتخابي وتم إصطفاف العناصر لممارسة حقهم الإنتخابي حسب اللوائح وحسب كل سرية .

حيث بدأ قائد الكتيبة وتناول الإسطمبة ووضع إبهامه بها وبصم بالمكان المحدد للموافقة على حافظ الأسد كرئيس للجمهورية.
ثم حضر نائبه ومن يليه وأصبح عدد المنتخبين حوالي العشرين شخص وهنا وصل العميد رئيس أركان الفوج كي يراقب سير العملية الإنتخابية وعندما شاهد الناس تستخدم الإسطمبة للتوقيع صرخ وعصب وشتم قائلا نحن لا نبصم للسيد الرئيس إلا بالدم .

ثم قام بفتح الصندوق المختوم بالشمع الأحمر من قبل قاضي الفرد العسكري وأخرج الأوراق الممهورة باللون الأزرق ولم يجرأ على رميها او تمزيقها لأن عليها صورة حافظ أسد بل وضعها ضمن كيس نايلون وناولها لسائقه كي يضعها بالسيارة ليتصرف بها على إنفراد وتناول دبوس وأدخله في طرف إبهامه وعصره حتى سال دمه وبصم بالمكان المحدد بالموافقة ثم أتى خلفه قائد الكتيبة وبقية الضباط والعناصر حسب تسلسل الأسماء .وكل واحد يتباهى بأنه ثقب إبهامه وسال دمه أكثر من غيره فداء للأسد .

تطبيق حرية الرأي

أثناء قراءة الأسماء مر إسم العريف (ع .ش ) ولكنه كان غائبا عن هذه المهزلة علما انه كان موجودا قبل نصف ساعة وهو من عناصر الوحدة التابعة لي فسألني عنه العميد رئيس أركان الفوج فأجبته بأنني مشغول بالصندوق ولاأعلم عنه شيئا . فأجاب عني ضابط أمن الكتيبة بأنه موجود في المهجع وقد أرسل له من يحضره ولم يستجب .
ثم ارسلوا له مرة ثانية أحد الضباط التابعين لي ولكنه لم يحضر وأنا كنت اتحجج بأنني لا أستطيع ترك الصندوق حسب تعليمات القيادة ولكن في الحقيقة استشعرت بالخطر لأنني أنا المسؤول عنه وأعلم نتائج هذا الأمر عليه وأعلم أنني لو ذهبت لإحضاره لن يأتي معي وسيضعني بمأذق حقيقي أمام الجميع .
هنا ذهب العميد والمقدم قائد الكتيبة والمقدم ضابط أمن الفوج ولم يستجب لهم بل كان يردد أنا لأريد أن انتخب حافظ أسد. وعند سؤاله لماذا كان يقول لهم أريد أن يعيدني إلى الأمن مثل زملائي ولم تفلح وعودهم له بحل الموضوع بعد أن تنقضي الإنتخابات لأنه كان يعلم خبثهم وغدرهم .
عاد الجميع بخفي حنين وسحب رئيس أركان الفوج ورقة إنتخابية وطلب من أحد العناصر أن يبصم عن العريف المذكور ووضعها في الصندوق كي لا يكون هناك ورقة نقص .

قصة العريف(ع.ش)

العريف ( ع .ش) من قرية قرب حمص جميع أهلها شراكس ويعاملون من الدرجة الثالثة أو الرابعة على مستوى الشعب السوري مثلهم مثل الأكراد بالمعاملة من قبل النظام .
وهو من أسرة بسيطة يعيش مع والدته وأخته في القرية لأن والده متوفى وله أخ مهاجر لإحدى الدول الغربية .
العريف متطوع في فرع أمن الدولة بحمص وكان مكلف مع ثلاثة من زملائه (إثنان منهم من طائفة الأسد والثالث من السويداء ) بنصب حاجز ضمن البساتين خلف معمل السكر وكانوا أصحاب هذه البساتين يقدمون لهم الطعام والماء والدخان وأحيانا وعند إنصرافهم يحملون معهم ماتجود به تلك البساتين من خضار وفواكه وحليب وغيره وأحيانا عند ذهابهم يقومون بسرقة الدجاج حسب قول العريف المذكور.
وفي يوم من أيام الشتاء كان في البستان القريب منهم رجل تجاوز الستين من عمره مع ابنته ذات السابعة عشر عاما يعملون ببستانهم وكانت حركة الناس قليلة جدا بسبب البرد والمطر. حيث ركب والد البنت مركوبته ذات الثلاث عجلات وذهب لقضاء حاجته وإيصال الخضار للسوق تاركا الفتاة لوحدها دون أن يعلم ماخبأه القدر له ولها وظانا بالدورية أنهم عناصر أمن ومهمتهم حماية الناس وخاصة أن بينهم خبز وملح ولايخونه إلا السافل.

الجريمة النكراء

بعد ذهاب الأب اتجه رئيس الدورية وكان من طائفة حافظ الأسد باتجاه البستان بعد أن تأكدوا من إبتعاد
الرجل ودخل البستان . ولم يمضي سوى وقت قصير حتى علا صراخ البنت ووصل صوت إستغاثتها لمسامعهم فتبادلوا الإبتسامات وليس منهم صاحب ضمير او مغيث .
وبعد برهة من الزمن عاد بطل العبور مزهوا بمشيته وكأنه نفذ عملية في الجولان الذي باعه سيدهم لإسرائيل.
وطلب من زملائه أن ينفذوا باقي المهمة وحسب التسلسل العسكري .
وبعد نصرهم الميمون على الطفلة القاصر ركبوا سيارتهم وغادروا المنطقة دون أن تهتز لهم شعرة من الضمير او الإنسانية .
عاد الأب ولطم وجهه بعد أن عرف ما حصل لإبنته وتوجه إلى الشرطة ثم القضاء العسكري وتم زج العناصر بالسجن وتدخل الأصحاب والأقارب أصحاب النفوذ وكانت النتيجة الحكم عليهم سنتان في السجن على جريمة كان حكمها اقل شيء ٢٠ عاما او الإعدام .حيث اجبر الأب والبنت على إسقاط حقوقهم وأعتبر الموضوع نزوة شباب ؟؟؟!!! .
بعد خروجهم من السجن تم توزيعهم على الشكل التالي:
أبناء العائلة التي لاتحاسب على أفرع الأمن ولكن خارج حمص خوفا عليهم من إنتقام اهل الفتاة .
أما العريف وصديقه إبن السويداء فتم نقلهم على الجيش النظامي وكان العريف المذكور من حصة الفرقة ١١/د ثم الفوج ثم وصل لعندي.

النهاية الحزينة

بعد عودة العميد والوفد المرافق له حملنا صندوق الإنتخاب وإتجهنا إلى مكتب قائد الفوج حيث كان قد وصل القاضي الفرد العسكري وتم جرد الأوراق وتدقيق البصمات عليها حيث لا أزال أذكر العدد الكامل لها ( ١٢٨٨ ) حسب عدد عناصر الفوج علما انه كان هناك أكثر من ٢٠٠ عنصر غياب لم يجرأ أحدا على السؤال عنهم وأدلوا بأصواتهم دون أن يحضروا.
بعد عودتي إلى السرية إستقبلني الملازم١ معاوني وأبلغني أنه بعد ذهابنا بحوالي ربع ساعة عاد المقدم ضابط أمن الفوج ومعه عناصر عددهم حوالي الثمانية من مفرزة الباب الرئيسي ويحمل كل منهم كبلا او عصاة ودخلوا إلى مكان تواجد العريف( ع.ش ) ودون النطق بأي كلمة إنهالوا عليه بالضرب بكل ماأوتوا من قوة وعزم مع صراخ المقدم ضابط الأمن (ولاك ابن ال؟؟؟ حافظ الأسد ناجح قبل الإنتخابات غصب عنك وعن الجميع ) وبعد أقل من دقيقتين إنهار العريف مغشيا عليه وحملوه بالسيارة والدماء تسيل منه وذهبوا به المكان الذي يوضع به من لا يقبل بالأسد او يعاديه .
وطبعا لم أسلم من التحقيق معي حول تصرفات العريف المذكور وهل كانت له أعمال مشبوهة وماهي أفكاره ومع من يتواصل ولماذا لم أراقبه وأعلم نواياه قبل أن يتكلم أو يتصرف بها وووووالخ .
بعد حوالي ستة أشهر من الحادثة أتت أمه وأخته إلى باب الفوج عسى أن يسمعوا خبرا عنه فكان كما وصلني من أحد عناصر الحرس الشتم والتوبيخ بأقذر الكلمات من قبل المقدم ضابط أمن الفوج وزبانيته متهمين أمه بشرفها على هذه الخلفة.
وبعد عام نقلت أنا من الفوج وعدت إليه بعد ستة سنوات قائد للكتيبة التي كنت بها وبقيت بعدها حوالي العشر سنوات وحتى الآن لم نسمع عنه خبرا وتوفيت والدته حسب كلام أحد أبناء قريته ولم تراه ؟؟؟؟؟!!!!!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.