نظام تصريف الأعمال

بغض النظر عن تقييم كل واحد فينا للسياسة الامريكية التي انتهجتها الادارات الامريكية المختلفة اتجاه الثورة السورية والحرب التي تشن على الشعب السوري منذ عقد من الزمن..الا انها بالمجمل كانت سياسة سيئة…وباعتبار ان الولايات المتحدة هي القوة الاعظم وهذا يرتب عليها مسؤوليات جمة…
يرى البعض ان سياساتةالرئيس اوباما بعدم التدخل قبل وبعد تجاوز خطوطه الحمراء التي وضعها بنفسه هي سياسة امريكية مدروسة من ناحية استنزاف كل الخصوم والاستفادة من الهدية السورية لتقديمها قربانا للمذبح الإيراني للوصول للاتفاق النووي السابق 2015 ..او أسباب لامجال لاستعراضها الان…
مع كل انتقاد جمهور الثورة السورية لمرحلة الرئيس اوباما ..الا ان خلفه الرئيس ترامب لم يقدم شيئا يذكر وكانت رغبته ظاهرة بالانسحاب من هذه البلاد التي لاتنهي حروبها بعد ان أتم ادعائه المزعوم بالقضاء على تنظيم داعش الارهابي..وكل ما انجزته ادارة ترامب هو تتويج جهود مضنية للنواب والشيوخ الامريكيين ومجموعات الضغط السورية بتمرير قانون سيزر كقانون للدولة الامريكية وهو ما مثل حبل مشنقة لم يحكم شده بعد حول عنق النظام السوري وداعميه
تميزت فترة الرئيس بايدن خاصة باشهرها الاولى بسعيه المعلن للوصول لاتفاق نووي جديد مع ايران …تجلى ذلك بعدم فرض عقوبات جديدة على النظام السوري وابداء رخاوة واضحة بتطبيق عقوبات قانون قيصر..ومحاولة التحلل من الالتزامات الامريكية اتجاه سورية( خاصة بعد الانسحاب من افغانستان ووضع خارطة طريق لسحب القوات الامريكية القتالية من العراق) بات الكلام عن انسحاب امريكي متوقع من سورية للتفرغ لمجابهة اخطار اخرى اتجاه الصين ..كان واضحا سماح الولايات المتحدة لروسيا بتوسيع نفوذها بمنطقة النفوذ الامريكي وانكفاء التواجد الامريكي الى قرب الحدود العراقية بمحافظتي الحسكة ودير الزور…وتم اعطاء ضوء اخضر لما( يسمى قوات سورية الديمقراطية) بتعزيز اتصالاتها مع النظام بوساطة ورعاية روسية .
كان منذ القمة الامريكية الروسية بجنيف الصيف الماضي ان المقاربة الامريكية للملف السوري لاتتجاوز الابعاد الانسانية وتم التنازل للروس بنقاط عديدة لتمرير قرار مجلس الامن 2585 للسماح بمرور المساعدات الدولية لسورية…اعقب ذلك ما تحدث به العاهل الاردني بعد لقائه للرئيس الامريكي عن قبول النظام السوري كامر واقع ..وضرورة التعامل معه سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا (بمعنى تعويمه) تلا ذلك الاعلان تبادل زيارات بين مسؤولي النظام ومسؤولين اردنيين وفتح الحدود البرية واعادة الرحلات الجوية بين البلدين..ومن ثم اتت الموافقة الامريكية الخجولة على تمرير الغاز المصري والكهرباء الاردنية الى لبنان عبر الاراضي التي يسيطر عليها النظام واستثناء كل ذلك من عقوبات قانون قيصر..الامر الذي طبل له النظام ومحور الشر باعتباره انتصارا للنظام وهرولة العرب والغرب الى دمشق لطلب الصفح عنهم
اجتمع بنيويورك على هامش انعقاد الدورة السنوية للامم المتحدة بعدة وزراء خارجية عرب وبات الحديث عن عودة النظام السوري للنظام الرسمي العربي مسالة وقت ليس اكثر وستكون قمة الجزائر باذار 2022..هي العراب لذلك
كان المسؤولين الامريكان لايفتؤون بكل مناسبة عن تكرار المعزوفة القديمة والتي تقول ان لاحل عسكري للازمة السورية ولامناص من تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وانه لاتطبيع سياسي او اقتصادي مع النظام السوري
لماذا التحول بالموقف الأمريكي من النظام السوري؟
يمكن ان نلحظ ثلاثة عوامل جوهرية ادت لذلك:
1– يبدو ان رهان الادارة الديمقراطية على انجاز اتفاق نووي مع ايران بعد انجاز 80% في الجولات الستة السابقة التي انتهت مع انتهاء ولاية روحاني ..لم يكن الفريق المفاوض الامريكي يتوقع ذلك التعنت من الرئيس الايراني الجديد..والذي رفض رفضا قاطعا ادراج اي موضوع آخر غير مناقشة الملف النووي بالجولة السابعة التي عقدت بفيينا باواخر شهر نوفمبر..وبدا ان الوصول لمناقشة ملف الاذرع الايرانية (ومنها النظام السوري) متعذرا بل مستحيلا لذلك كان على مايبدو الخطة ب .
2– انتهى شهر العسل الروسي الامريكي بسورية مبكرا حيث لم يدم طويلا .وكانت من اهم سمات ذلك الاستعداد لمنح الروس دورا مهما شرق الفرات ..وتجلى ذلك ايضا بالوقوف معا بحزم اتجاه اي عملية عسكرية تشنها قوات الجيش الوطني السوري بدعم تركي سواء كانت شرق ام غرب الفرات…واسباب انقصاء شهر العسل الكاذب هو توتر الاوضاع بشكل كبير في اوكرانيا بين الناتو وروسيا.
3–لايمكن اغفال الهاجس الصيني عند الامريكان..الاعتقاد الامريكي السائد ان الصين وروسيا وهما من مجموعة ال5+1 وراء تصلب ايران بمواقفها ودفعها لعدم توقيع اتفاق نووي… وخوف الولايات المتحدة وحلفاؤها من وقوع المنطقة تحت هيمنة الحلف الثلاثي الصيني -الروسي-الإيراني
مؤشرات تغير الموقف الأمريكي
على صدى تعثر مفاوضات الجولة السابعة بفيينا ..بدانا نشهد حراكا امريكيا سياسيا واقتصاديا واعلاميا ودبلوماسيا مناهضا للنظام السوري..
حيث دعى وزير الخارحية الامريكية الى اجتماع مجموعة اصدقاء الشعب السوري المصغرة ببروكسل ب2 كانون اول الجاري وجرى من خلالها التأكيد على عدم تشجيع اي تطبيع مع النظام السوري او اعادة اعمار قبل مناقشة ملفات هامة كالمعتقلين واللاجئين والشروع في عملية الانتقال السياسي وفق المرجعية الدولية…
وتزامن مع ذلك المؤتمر دعوة من مركز دراسات امريكي مرموق لعقد ندوة حول القضية السورية…
وتم الاعلان عن عقد ورشة عمل بالعاصمة واشنطن بدعوة من منظمة مواطنون من اجل امريكا آمنة(وهي منظمة سورية امريكية) عقدت جساتها ب9و10 الشهر الجاري وكان محور مناقشاتها عن اخطار التواجد الايراني بسورية وضرورة عدم عودة النظام للمجتمع الدولي…
ترافق ذلك مع تقريران صحفيان باهم صحيفتين بالولايات المتحدة هما الواشنطن بوست ونيويورك تايمز تناولتا فيه كل كل مثالب النظام من ناحية المخدرات والارهاب..
ومن ضمن الحراك الامريكي تصويت مجلس النواب على قانون يلزم الادارة الامريكية بالكشف عن ثروة رئيس النظام السوري وافراد اسرته واقربائه…
كل ذلك يجري على وقع غارات اسرائيلية شبه يومية تناولت ميناء اللاذقية ومواقع مختلفة تتواجد فيها ميليشيات تتبع للحرس الثوري مع رفع اسرائيل من وتيرة تهديداتها بالقيام بالمزيد سواء في سورية او العمق الايراني…
الموقفان العربيان الرئيسيان المناهضان لاي تطبيع مع النظام هما الموقف السعودي والقطري …
واثناء زيارة الرئيس التركي للدوحة القطرية تم تأكيد وزيري خارجية البلدان على رفضهما القاطع لاي تطبيع مع النظام السوري وان الاسباب التي دعت للمقاطعة العربية وطرد النظام من الجامعة العربية لاتزال قائمة
التطور المهم حدث من الرئيس بايدن نفسه حيث ابدى برسالته الاخيرة للكونغرس الامريكي ان الوجود الامريكي في سورية لاحدود زمنية له وهو يتابع تصديه للاخطار الارهابية(ولم يذكر اسم داعش بل ترك التاويل مفتوحا ليشمل الميليشيات الايرانية).
وفي رسالته تلك قال ان الانسحاب الامريكي القتالي من العراق سينجز بنهاية الشهر الجاري وان العمليات القتالية ستستمر بسورية وهو بذلك يفصل للمرة الاولى بين مهام التواجد العسكري بين سورية والعراق…وبدأت القوات الامريكية باجراء مناورات غير عادية بالمنطقة مع مايسمى قوات سورية الديمقراطية باستخدام دبابات برادلي وصواريخ محمولة على الكتف مضادة للدروع (كرسالة موجهة للميليشيا الايرانية)
ويبدو ان سوء العلاقة بين الروس والامريكان بسبب اوكرانيا ستنعكس على منطقة الجزيرة السورية بل سورية عموما..حيث قد توجه الولايات المتحدة رسالة الى الروس ان تواجدكم بسورية قد يكون في دائرة العقاب بسبب التنمر الروسي في جبهة اوكرانيا
يمكن لنا الاستنتاج ان الامريكان وضعوا الخطة ب قيد التفعيل كرسالة ضغط اخيرة على المفاوض الايراني بفيينا او استعمالها عند اعلان الفشل النهائي للمفاوضات..وهي ان الوجود الايراني في سورية (ومز ضمنه النظام السوري) اصلح مسألة وقت عبر عمل عسكري قد يغلق شريان البوكمال السورية الى العراق وقطع محور ايران بريا وتشديد الضغوط الاقتصادية والسياسية على النظام السوري أملا بحصول تحول داخل النظام يشبه التحول السوداني على عمر البشير ..او حتمالات اخرى متوقفة على الرد الايراني على الارض…
كل ذلك يجعل من النظام السوري نظام تصريف اعمال في خضم البحث عن بديل لايكون على طريقة بريمر في العراق والتي ادت لانحلال وذوبان ماتبقى من مايمكن تسميته مؤسسات الدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.