الغرب و الديمقراطية و الشرق

ظهر الاستشراق والمستشرقون في الغرب مع بدء الاهتمام الغربي بالدول الشرقية وكانت اهدافه في البداية التعرف على الشرق وفهم عقلية شعوبه ونمط معيشتهم ومعتقداتهم لكي يسهل السيطرة عليهم لاحقا من خلال الحملات الاستعمارية العسكرية والتي لم تخلو من استخدام اساليب سياسية وثقافية وفكرية مهدت للاحتلال العسكري. وقد جاء المستعمرون وهم يحملون راية الديمقراطية والمساواة والعدل والتقدم.
والتاريخ سجل ما ذا فعلت بريطانيا في الهند وفي افريقيا حيث مارسوا ابشع انواع العنف ضد السكان الاصليين وماذا فعلت بريطانيا مع الصين حين فرضت عليها المخدرات بشكل رسمي وماذا فعل الفاتحون الاوروبيون في امريكا الشمالية وفي امريكا اللاتينية ومذا فعل الامريكان في فيتنام والعراق وافغانستان.
وماذا شهدنا في سوريا مثلاً. نذكّر بكتاب الباحثة الأمريكية اليزابيت تومسون : كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب؟ لنرى بأن ما فعله المستعمرون وخاصة بريطانيا وفرنسا نحصد ثماره اليوم ومنذ سنوات.
صحيح أننا اليوم لا نتعامل مع تلك الدول من منطلق انهم كانوا مستعمرين لبلداننا في يوم من الأيام، ولكن مراجعة التاريخ وكشف الحقائق واجب علينا وعلى كل الباحثين النزيهين.
تقول الباحثة تومسون بأن العرب عرفوا تجربة ديمقراطية مميزة تجسدت في سوريا، وبالضبط في الثامن من مارس/آذار 1920، إذ أصدر البرلمان السوري إعلان الاستقلال باسم الشعوب الناطقة بالعربية القاطنة في سوريا الكبرى (التي تضم اليوم لبنان وسوريا والأردن وفلسطين). واعتمدوا مبادئ ويلسون الليبرالية التي تؤكد على حقوق الانسان والجماعات وحرية التعبير ومساواة الناس أمام القانون. وقد حظيت تلك الامبادئ الدستورية على موافقة كل السوريين من اسلاميين وعلمانيين شيوعيين وقوميين . ولكن ماذا كان رد بريطانيا وفرنسا ؟ إنه تقسيم المنطقة بشكل تعسفي الى دول مصطنعة تلبي مصالحها وطموحاتها من جهة وتكرس التفرقة والتشتت بين ابناء المنطقة على اساس قومي وديني وطائفي، حيث جاءت اتفاقية سايكس بيكو لتقضي على طموحات الشعب السوري بتأسيس دولة في بلاد الشام تسمى سورية الكبرى أو سورية الطبيعية.
ومن جهة اخرى قامت سلطة الاحتلال الفرنسي بتقسيم سورية الى دويلات على اساس طائفي وعرقي فجسدت التقسيم بين الشعب الواحد وبين ابناء االبلد الواحد، وزرعت الطائفية في الجيش ومؤسسات الدولة واستمرت لاحقا في تركيبة حزب البعث السوري الذي هيمنت عليه ابناء الاقليات وخاصة الطائفة العلوية. وجاء نظام الأسد ليثبت حكم أمني بوليسي جوهره طائفي .
انظروا ماذا فعلت امريكا في العراق. اختلقت الحجج والاسباب لاسقاط نظام صدام حسين الذي كان يزعج اسرائيل وايران(ليست صدفة ان يعادي الدولتين معا) بينما نظام الاسد صديق ايران واسرائيل. وهنا لا ادافع عن اخطاء صدام وكونه ديكتاتورا دمويا بل انظر الى التاريخ واقارن: اسقطوا صدام وماذا فعلوا بالعراق اغنى دولة عربية؟ سلموها لنخبة من العملاء والخونة الذين لا يوجد لديهم ذرة وطنية وشعور بالانتماء للعراق بل هم تابعين لنظام الخميني، بحيث جعلوا العراقي اليوم في حالة من فقدان الأمان والعيش الكريم ، فبلاده مستباحة ومحتلة تماما والناس لا تشبع حتى من الماء. اين تذهب ثروات العراق ؟ طبعا الى ايران وامريكا والاسد.
هل كان شاه ايران قليل التبعية لامريكا لكي تتخلى عنه؟ طبعا لا ولكن الخميني الذي جلبوه على طائرة فرنسية يحمل مشروعا خطيرا يدمر المنطقة بطريقة الصراع الطائفي، حيث يقتل ابناء المنطقة بعضهم بعضا. إنه ينسجم تماما مع مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي ومع مشروع الشرق الأوسط الجديد الاسرائيلي.
وليس خفيا على المراقب اليوم أن يرى كيف تدعم امريكا واسرائيل أو تصمت عن كل جرائم نظام الملالي الايراني في المنطقة بغض النظر عن الهجمات الجوية الاسرائيلية ضد المواقع الايرانية في سوريا والتي تحمل طابعا تجميليا لا اكثر.
الحوثيون هم عصابة مارقة تابعة لايران وامريكا تعترف بهم وتقول انهم شرعيين ورفعت ادارة بايدن اسمهم من قائمة الارهاب. وهم يقصفون المملكة العربية السعودية بصواريخ ايرانية وهذا يصب في صالح الامريكان لانه يدفع السعوديين والخليجيين لشراء مزيد من الاسلحة الحديثة والمكلفة لحماية امنهم من الخطر الايراني.
إن ما فعله الغرب في منطقتنا العربية والاسلامية هو تدمير للحضارة ومنع تقدم هذه الشعوب وابقائها في حالة صراعات عسكرية وسياسية تعيقها عن تحقيق اي تطور أو نمو؟
كانت سورية في الاربعينيات والخمسينيات مؤهلة لأن تحقق قفزة نوعية في التقدم الاقتصادي والصناعي والعلمي والسياسي باتجاه الديمقراطية والاستقرار، وقد اشاد رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو بعد زيارته لسوريا في عام 1957 وفي 1960 بالمستوى الحضاري للبلاد وكتب لابنته انديرة غاندي عن ذلك بأنه يحلم ان يحول الهند الى بلد مثل سوريا يسود فيه التسامح والعيش المشترك بالرغم من التنوع الديني والقومي. ولكن الغرب اغرق بلادنا بسلسلة من الانقلابات الدموية التي عطلت الحياة السياسية والاقتصادية وما زلنا حتى اليوم نحصد نتائج تلك السنوات.
عندما جاء الامريكان الى العراق قالوا انهم يريدون نشر الديمقراطية! فماذا حصل؟ ديمقراطية خمينية طائفية دمرت العراق.، وهذا لا يعني ان امريكا ليست ديمقراطية وليست متقدمة بل أن الادارات الامريكية لا تدعم تحقيق الديمقراطية في منطقتنا وأنما تريدها أن تبقى متخلفة وغارقة في المشاكل والصراعات.
طبعا لا يتحمل الغرب لوحده مسؤولية ما يجري في بلادننا فلو لم يكن هناك من يرحب بهم ويتعاون معهم من ابناء بلادنا لما استطاعوا تطبيق اجنداتهم الاستعمارية وزرع افكارهم التخريبية التقسيمية في قلب مجتمعاتنا.
ويبدو ان مصائب منطقتنا في الشرق الأوسط حصراً لن تنته بسبب وجود كيان صهيوني زرع زرعاً ليكون كالخنجر في قلب شعوب المنطقة العربية والاسلامية. وهكذا أراد ستالين عندما وافق على تأسيس دولة يهودية في فلسطين أن تكون اسرائيل كالابرة تنكز مؤخرة الامبراطورية البريطانية وتقلقها في الشرق الأوسط.

تعليق 1
  1. منجد الباشا يقول

    استعراض..
    موضوعي ومقارنة واقعية..
    واضاءة مهمة على عديد من المفاصل التي يتحاهلها البعض ويمكن ان يزينها البعض الاخر..

    دمت للرؤية الحرة والموضوعية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.