مجلس عسكري في سورية

[د. رياض نعسان آغا]

بدأ الحديث عن تشكيل مجلس عسكري سوري منذ عام 2012 حين كانت المعارك في ذروتها ، وكان الضباط المنشقون يشعرون بمسؤوليتهم الوطنية إزاء ما حدث من حالة عشوائية في تشكيلات الفصائل التي نمت بينها تناقضات بينية وشعارات إيديولوجية ، ولم يجد الضباط الكبار ترحيباً بحضورهم في الساحة التي سيطرت فيها قوى دخيلة تطرح أفكاراً خارج السياق الوطني ، وتحارب الجيش الحر ، ووجد الضباط المنشقون أنفسهم معزولين عن المواقع التي يجب أن يشغلوها في مراكز القيادة وهم المؤهلون لها ، ورغم تقدم بعضهم عبر منافذ صغيرة للمشاركة حيث ظهرت وزارة دفاع في الحكومة المعارضة المؤقتة كما تم تشكيل مجالس عسكرية مناطقية ، كما ظهر ( مجلس الثلاثين ) إلا أن هذه المنافذ سرعان ما أغلقت .

ولقد عانى الضباط السوريون ( كما عانى كل العسكريين والمدنيين السوريين ) من قسوة التشرد وصعوبة البحث عن موارد العيش في المنافي ، ومع أن فريقاً كبيراً من الضباط المنشقين الشباب كانوا قادة في الجيش الحر وفي ذروة قوتهم جنحوا إلى السلم حين دعت دول أصدقاء سورية إلى مؤتمر الرياض الأول ، وشارك ممثلوهم في الهيئة العليا للتفاوض ، وأبدوا حرصهم على مسار الحل السياسي حسب القرار الشهير ( 2254 ) إلا أن جولات التفاوض لم تحرز أي تقدم لأن النظام السوري بقي متمسكاً بالحسم العسكري ، ومع انسداد الأفق في مسار جنيف وانهيار هيئة التفاوض الراهنة ، وإخفاق عمل اللجنة الدستورية التي أوشك المبعوث الدولي أن يعلن نهايتها ، تحركت من جديد فكرة تشكيل المجلس العسكري ، وروى الفنان جمال سليمان أنه تقدم برؤية إلى موسكو خلال لقاء مع وزير الخارجية الروسي مقترحا بشكل شخصي لتشكيل مجلس عسكري يضم ضباطاً متقاعدين قدامى وآخرين في الخدمة ، وضباطاً من المنشقين ، على أن تؤول إلى هذا المجلس كامل الصلاحيات ليقود مرحلة انتقالية تنتهي بتشكيل حكومة وبرلمان ودستور جديد ، وتزامن هذا الطرح مع حراك كثير من الضباط المنشقين ودعوتهم لتشكيل مجلس عسكري واقترح بعضهم العميد المنشق مناف طلاس رئيساً له .

وقد اضطربت الرؤى حول طبيعة هذا المجلس المقترح ، فهناك من يرون أن المجلس هو الحل القادر على قيادة سورية وإخراجها من مستنقع الدم والانهيار الشامل أمام العجز الدولي عن تشكيل هيئة حكم انتقالي ذي مصداقية وغير طائفي ( كما يوصّفه القرار الدولي ) ، وهناك من ظن أن هناك توافقاً دولياً سرياً على تشكيل مجلس عسكري يضم المعارضة والنظام دون أن يتضح شيء وجود هذا التوافق ، ومنهم من تنبه إلى خطر أن يكون تشكيل مجلس عسكري بديلاً عن هيئة الحكم ، فربط وجوده بوجود هيئة حكم يتفرع عنها المجلس العسكري ، ضمن رؤية القرار الدولي 2254 .

وأما الرافضون فهم يرون أن الدعوة لتشكيل مجلس عسكري مشترك بين ضباط المعارضة والنظام يحتاج إلى قوة سياسية أو عسكرية لفرضه ، ولو كان الأمرمتاحاً لتم تنفيذ القرار الدولي بتشكيل هيئة حكم انتقالي ، فمن ذا يفرض على النظام القبول بتشكيل هذا المجلس ، ومن سيسمح لضباط من النظام والمعارضة أن يتسلموا مسؤولية إعادة هيكلة الجيش والقوى الأمنية خارج سيطرته ؟ ومنهم من يخشى أن يصير هذا المجلس كله بيد النظام ، ويكون أداة لتجميل الصورة وإنهاء مطالب الشعب الذي يصر على تنفيذ القرار بنقل كامل الصلاحيات إلى هيئة حكم انتقالي .
لم تكن هذه الصعوبات غائبة عن المقترح الذي يتوقع أن تحتاج الأسرة الدولية ذات يوم قريب مخرجاً من المستنقع الراهن .

وأرى أن الحاجة ماسة لتشكيل مجلس عسكري حتى لو كان مقتصراً على المعارضة وحدها الآن ، ليكون تجمعاً وطنياً محضاً يضم الضباط وصف الضباط المنشقين ، وكل العسكريين ، وليكون جاهزاً ومستعداً لأداء دوره المستقبلي ، ويكون واجهة متينة أمام المجتمع الدولي ، ومرشحاً للمشاركة الفاعلة مع كل القوى المدنية في رسم مستقبل سورية ، وحين ينضج الحل السياسي ، يكون هذا المجلس شريكاً ورديفاً لهيئة الحكم الانتقالي التي لابد من ولادتها مهما طال زمن الحمل ، لأنها الحل الوحيد الممكن ، وهذا ما يصر عليه كثير من قادة العالم ، وحتى روسيا باتت تطالب بتنفيذ القرار الدولي 2254 ، وكذلك الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة.

إن تقديرنا لضباطنا الأحرار ولكل المنشقين يحمّل الجميع مسؤولية معاناتهم ، وهم الذين ضحوا بأنفسهم وبوظائفهم و غامروا بحياتهم وحياة أسرهم كيلا يشاركوا في قتل شعبهم ، وانتصروا لضمائرهم الحية ، وهم أولو الخبرات القيادية الناضجة ، وأصحاب الفكر المعتدل ، وهم الأجدر بأن يكونوا مع كل أشقائهم السوريين الشرفاء في تحمل المسؤوليات الوطنية الكبرى .

إقرأ أيضاً: دراسة حول البيئة الأمنة

3 تعليقات
  1. احمد يقول

    اي عمل ليس له هيكلية منظمه ومسؤوله تكون نتائجه الفشل
    ونحن نطالب بإزالة الفاسدين حتى نغير الوضع بالداخل إلى العمل المنظم

  2. حسين أبو جروج يقول

    بوركتم دكتور
    توصيف دقيق لمرحلة أراها هي الأصعب في تاريخ سوريا

  3. مراقب يقول

    في حال تم تشكيل أي تجمّع عسكري خاص بالثورة، فإن تركيا سوف يؤول إلى السيطرة التركية بحكم الضرورة.
    و نعود إلى نفس الطائرة المغلقة.
    أرى التريث لحين وجود الإرادة الدولية بالحل، عند ذلك في يوم واحد فقط يتم إعطاء أسماء الضباط الأحرار.. و الأمر ليس صعباً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.