دراسة حول البيئة الأمنة

[بقلم د محمد حاج بكري]

تتضمن هذه الدراسة حول البيئة الأمنة جملة من النقاط المدرجة أدناه، وتعتبر بمثابة دليل عمل ومرجع يمكن أن يعتمد عليه المهتمون بالحل السياسي في سوريا، على أن ينظر إلى الدراسة بأنها دراسة شمولية تحدد الإطار العام والتوجهات الأساسية لخلق البيئة الآمنة، وضرورات هذه البيئة للنهوض بالدولة السورية والمجتمع بعد حرب دامت حوالي ثمان سنوات ضد نظام طائفي ساهمت قوى خارجية في حمايته من السقوط، يمكن اعتبار الدراسة خارطة طريق للمهتمين بالموضوع ولا يمكن اعتبارها بمفردها وثيقة كاملة عن البيئة الآمنة من وجهة نظر المعارضة السورية ويتوجب على من سيستفيد من هذه الدراسة أن يحدد بدقة النقاط والمحاور الأساسية التي سيناقشها في موضوع البيئة الآمنة وسيجد في هذه الدراسة الكثير من الأفكار التي تحفز عند كوادره ومستشارية المختصين استكمال أي نقص قد يكون موجودا فيها.

مقدمة

تتجه الأوضاع الراهنة في بلادنا نحو مآلات بالغة الخطورة تهدد كيانها السياسي والاجتماعي بالانهيار ترتبط جذورها بمركزية عصبوية وبطبيعة السياسات والممارسات التي انتهجتها السلطة الفردية المشخصنة للأسد والمتسمة بالعشوائية وبالمزاج الفردي المتقلب والتي لم تتوقف لحظة واحدة عن تدمير أسس البنى الوطنية والاجتماعية والأخلاقية ووأد التقاليد المؤسسية الجينية للدولة التي ورثتها سورية ما قبل الأسد والبعث عن تراكمات تاريخية لفترات طويلة من الزمن لتحل محلها مظاهر فوضى عارمة تشمل مختلف مناحي الحياة
إن المأزق الحقيقي الذي وصلت اليه البلاد يكمن في أن السلطة بأساليبها وممارساتها الخاطئة في حل المشكل بالمشكل ومعالجة الداء بالداء المعضل تزيد من تعقيدات الوضع وتضيف اليه سوءاً الى سوئه الامر الذي يفاقم من حدة الأزمات وتداعياتها الخطيرة.

ان هذه الأزمة التي استحكمت حلقاتها مهددة حاضرنا ومستقبلنا لم تظهر فجأة وبدون سابق إنذار وانما تراكمت عواملها تدريجيا حتى وصل بها المطاف الى أن غدا التصدي لها يتطلب فعلا سياسيا وطنيا جماعيا.
ان خيار الفرصة الأخيرة أمام السوريين لمعالجة الازمة الوطنية الشاملة يكمن في قيام القوى السياسية والاجتماعية في الساحة بمسؤوليتها وواجبتها الوطنية بإنجاز مشروع وطني تغييري ينقذ البلاد ويحول دون صيرورة الازمة المتفاقمة التي تنذر مآلاتها بكارثة عامة وصولا الى وطن آمن ومستقر تصان فيه كرامة الانسان السوري وحرياته وحقوقه ويعاد فيه الإعتبار لمبادئ واهداف الثورة السورية ولتلك الخيارات الوطنية الديمقراطية النبيلة التي توافق عليها السوريين وارتضوها خيارات لا رجعة عنها وفي المقدمة منها مبدأ الشراكة الوطنية والتعددية السياسية والحزبية والقبول بالآخر ورفض الفردية الاستبدادية والقهر والعنف وقيام المؤسسية وسيادة القانون والمواطنة المتساوية والمشاركة الشعبية في السلطة والثروة وصناعة القرار وما من سبيل للتصدي للأزمة وإنقاذ الوطن واخراجه من دواماتها المستحكمة الا بحشد وتعبئة وتكتل الطاقات والجهود الوطنية ليشكل الجميع رافعة تغيير سلمي وإنقاذ وطني يخرج البلاد من براثن استبداد وفساد الوضع الراهن وصولا الى عقد اجتماعي جديد جامع يؤسس لقيام دولة مؤسسية سورية حديثة تتفق مع معايير الدولة العصرية.

ومنذئذ فرضت السلطة المشخصنة نفسها ليس كحاكمة للبلاد فحسب بل وكمستملكة لها تتصرف بشؤونها السياسية والاقتصادية والإدارية كما تشاء متحللة تماما من شروط العقد الاجتماعي الأمر الذي رهن بيدها أرزاق الناس والمصالح الحيوية لمختلف فئات وشرائح المجتمع واستطاعت جراء ذلك تحويل منافع الناس واحتياجاتهم الى أدوات تجبرهم على طاعة مشيئة ذوي القوة والنفوذ فجرى إعادة تفصيل الدستور لتكريس سلطة بشار الأسد ومنحه صلاحيات واسعة مع تحصينه من المسؤولية والمساءلة على حساب دور مؤسسات الدولة التي جرى تحويلها الى واجهات شكلية خالية من المحتوى فصارت رغبات وامزجة الأسد هي المحور الذي تدور حوله مختلف السياسات والتوجهات كما وضعت ثروات وموارد البلاد كلها في خدمة تعزيز تسلطه وتملكه للسلطة والدولة وهو ما افضى الى حالة من الشخصنة للدولة والسلطة والنظام حيث سيطر القائم على رأس السلطة بذاته على مفاتيح السلطة والثروة وحل الولاء لشخص الحاكم محل الولاء للوطن والدولة فيما حلت العلاقة الشخصية داخل جهاز الدولة محل علاقات العمل الموضوعية وهكذا جرت عملية تحويل الدولة من مشروع سياسي وطني الى مشروع عائلي ضيق يقوم على اهدار نضالات وتضحيات أبناء سورية للاستحواذ الكامل على السلطة والاستئثار بالثروة.

الثورة السورية:

الثورة السورية في جوهرها هي اعلان عن سقوط العقد بين الشعب السوري ونظام الأسد نتيجة المفاسد الهائلة على مدى قرابة نصف قرن في النواحي الاقتصادية والاجتماعية وانعدام الحياة المدنية والسياسية وبما أن مفهوم الثورة يعتمد على مطالب الشعب المحقة وتطلعاته وينهي أزمة التناقض الذي بلغ حدا لا يطاق فالثورة بهذا المنطلق هي انسلاخ من سيادة الماضي ووصايته المستبدة وارتباط بالفكر المدني الحديث المعتمد على حقوق المواطنة الكاملة والمساواة.

هذا يعني أن الثورة في أساسها تشكل قطيعة مع النظام الاسدي الذي لم يعد بمقدوره قيادة هذا الشعب بعد أن ذهبت شرعيته ومصداقيته.

وفي نفس الوقت يجب أن نعلم أن عملية الانتقال الى بيئة مستقلة وآمنة ليست سهلة وتتطلب تجسيد أفكار جديدة وجهود مضنية ونحن بحاجة الى شرعية سياسية تمثل الإرادة الشعبية وحماية حقوق الافراد الطبيعية على أن تتمحور الشرعية الجديدة حول الإنسان السوري وحقوق المواطنة لديه وحريته وأمنه الاجتماعي والاقتصادي وحقه في المشاركة الكاملة والمساواة.

الشعب السوري بحاجة الى بيئة تغلف بالطمأنينة والأمن والأمان وتعطي للحياة نكهة مميزة تدفع المواطن للإبداع والتميز بحيث يرى نفسه محميا ومصانا في بلده كما أن الحاكم لا يأبه للأجهزة الأمنية لأن القوانين هي التي تعطي السلطة حقها وبالتالي لا داعي لعسكرة المجتمع في الداخل ولا داعي لأن تكون بعثيا مواليا من أجل لقمة العيش او الوظيفة ولا داعي أن يتدرج الطفل من المهد حتى الوفاة من طليعي الى شبيبي الى عضو نصير الى عضو عامل ….الخ.

المطلوب ديمقراطية حقة وتداول سلمي للسلطة وإلغاء كل ما يتعلق بالأجهزة الأمنية وأفرع مخابراتها واستبداله بالوطن والمواطن وأن يتحول الجيش إلى حماية الحدود والوطن بدلا من تكريس الجهد لحماية الأسد لان الحاكم الجديد يفترض ان يكون عادلا وبالتالي سيكون بحماية الدستور والقانون ولا تطاله أي قوة خارجية ولن يسمح لأي قوة داخلية التآمر عليه.

لا بد من إعادة تأكيد جملة ان القيم والقواعد الأساسية وتطويرها في تأطير العلاقة الداخلية مثل دولة القانون والمشروعية السياسية والمواطنة واستثمار الثورة وتضحياتها لتطوير توق الناس الى تطوير حياتهم السياسية والتحرر والخلاص من مرض انعدام الثقة ومن كونهم مخبرين على بعضهم البعض الأمر الذي اصبح يهدد مشروعية الدولة ومؤسساتها.

وانطلاقا من ترابط مفهوم سيادة القانون بأسس جديدة وخضوع مؤسسات الدولة والأفراد له وما يستند اليه ذلك من شرط أساسي ومحوري يتمثل في المدنية والديمقراطية وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم العامة مع مفهوم المشروعية السياسية التي تتمثل في الحاكمية الرشيدة واحترام الدولة ومؤسساتها للدستور والقانون والتعامل مع المواطنين جميعا بالتساوي مع المفهوم الذي يمثل الركيزة الأساسية وهو المواطنة أي الأساس لإقامة نظام جديد وتطويره بعيدا عن نظام الاستعباد والقهر والظلم.

من الضروري والهام لخلق بيئة آمنة للشعب السوري أن تكون هناك مرتكزات ومبادئ أساسية لتكون العلاقة بين كل الأطراف مجتمعة علاقة تحترم الدستور والقانون والحقوق والعدالة ومن الطبيعي أن لا يتم التركيز فقط على الحقوق المدنية والسياسية وانما تضاف الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وهي مكمل طبيعي واساسي بمعنى أن يتم تكوين مظلة للحماية لجميع المواطنين بكافة نواحي الحياة.
أمة مكونات عريقة

الأمة السورية أمة مكونات عريقة وأساســــــاتها وتنوعاتها، الدينيــــــــة والإثنية والقومية والطائفية، تمتد الى أعماق التاريخ، ولكن قوامها ووئامها بحاجة الى إعادة البناء لتصمد بوجه المؤثرات والتحديات التي تواجهها. وحيث أن عملية بناء الأمم عملية منهجية وتتكون من مراحل بنسق محدد، فينبغي علينا اولاً الاتفاق على الإطار العام الذي يحدد الرؤى الأساسية الأربع التي يُرجى تحقيقها، ايجاد الامن والرفاه وحفظ القيم والتاريخ. وينبغي أيضاً تحديد الاهداف التي يمكن بتحقيقها ان تتجسد تلك الرؤى، ومن ثم تحديد الاستراتيجيات التي تعتمد على الموارد المتاحة للوصول الى الأهداف المحددة سواء كانت عسكرية أم اقتصادية أم اجتماعية أو ثقافية أو غيرها، وينبغي بعد ذلك وضع برامج قصيرة وبعيدة المدى ضمن إطار الإستراتيجيات المحددة وتسمية المشاريع الواجب تنفيذها لكل برنامج. والأهم الذي نسعى اليه حالياً، هو اعداد الآليات وسن القوانين لمتابعة ومراقبة سير المشاريع للتأكد من تحقيقها للنتائج المطلوبة ومراجعة النتائج ووضع الخطط البديلة عند حدوث أي فشل او خلل وتحديد سبل التطور والتقدم. في هذه المرحلة تحديداً، نحن بحاجة ماسّة الى وقفة صريحة وحقيقية لتحديد نوع خطط العلاج وماهيتها بمعنى اخر ان يكون العلاج من منطلق تغيير الواقع بشكل جذري.

البيئة الامنة

يأتي شعور الإنسان بالأمان ضمن مدرّج احتياجات البشر الرئيسية في ثاني مرتبة بعد الحاجة الى الهواء والماء والغذاء واللباس. ولعله من أهم أسباب نشوء أنظمة العيش والمجتمعات بدءاً من تكون الجماعة والقبيلة، وصولاً الى نشوء الدول كنظام متكامل لضمان أمن البشر ونشوء الحكومات كآلية لتطبيق وإدامة النظام الذي يهدف في صلب أسباب نشوئه الى نقل المواطن من واقع حال معين الى واقع حال أفضل، ليضمن توفير متطلبات العيش الكريم التي يتصدرها في الأولوية توفير الأمن على مختلف الأصعدة ضمن أهداف محددة، ولكنها جوهرية، لدعم الشرعية. ويتصدر هذه الأهداف رفع مستوى معيشة المواطن بما يؤدي الى الرفاه وتحصين أمن وسلامة المواطن والوطن و المحافظة على قيم المجتمع والحفاظ على تاريخه وتراثه.

البيئة الآمنة من أهم الأهداف التي نسعى الى تحقيقها، فهي عامل أساسي ومن أهم المقوّمات التي يعتمد عليها تحقيق الأهداف الاخرى.

بالتأكيد فان مهمة تحقيق البيئة الامنة مهمة ليست سهلة، خصوصاً وان سورية التي تواجه محناً وكوارث تجد صعوبة في تحديد الأهداف التي تكفل معالجة التحديات الآنية التي تتعرض لها وتحقق أهدافها المرجوة ضمن جدول زمني وبرنامج عمل واضح ودقيق وواقعي بالنسبة للسوريين فلا يمكن وصف مهمة علاج التداعيات الخطيرة التي تمر بها سوريا بأي مصطلح قريب من البساطة او السهولة، فهي مهمة صعبة ومعقدة جداً، إذ أنها تحتاج الى تقييم دقيق ومتابعة موضوعية للتحولات والتغيرات السياسية والثقافية والامنية وغيرها من المتغيرات.

بعبارة مختصرة، لابد أن تقوم الاستراتيجية الكفيلة ببناء منظومة أمن وطني سوري ناجحة على أسس مدروسة وفق برنامج قد يحتاج الى مدة من الزمن لتنفيذه، وان يتم تنفيذها على مراحل محددة بحيث تضمن برامجها ومشاريعها بناء الإنسان السوري وفقاً لطموحاته وقدراته ورؤاه.

هذا البناء لا يمكن ان يتم ولا يعطي نتائج إيجابية مضمونة من دون الاستثمار في بنى البلاد التحتية الأساسية والإنسانية. وينبغي ان نأخذ الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بنظر الاعتبار في كل مرحلة من مراحل البناء، مع الاهتمام بآليات المراجعة والتدقيق والادارة الرشيدة، وبذل الجهود للحصول على قبول الاطراف المعنية من أجل إدامة نجاح المراحل التي يتم انجازها، فبتحقيق وترسيخ الأمن وببناء الانسان تتمكن الشعوب من بناء مجتمعاتها والنهوض بأممها.

ان تغير النظام الأسدي الديكتاتوري أصبح ضرورة ملحة من اجل حماية الحقوق الشخصية للمواطن من خلال بناء نظم دستورية قائمة على الممارسة الديمقراطية تحترم القانون وتؤمن باستقلالية القضاء وتخضع لإرادته ويكون الحسم الانتخابي هو الفيصل الوحيد في تشكيل الحكومات وادارة دفة الحكم.

مكونات النظام التي تحول دون تحقيق البيئة الامنة:

النظام كائن طفيلي تسلق على الدولة واقتات عليها والعناصر الأساسية لهذا الكيان هي:

1- الكيان السياسي: ويعني الأسد وعائلته وحزب البعث والقيادات القطرية والقومية والتي يتربع بشار الأسد على رأسها والتي لعب الحزب فيها دور موزع الغنائم باعتبار وظائف الدولة غنيمة فكان يوظف الأشخاص الأكثر اخلاصا لراس هذا الكيان بغض النظر عن الكفاءة والمستوى العملي.
2- المكون العسكري: كافة الضباط المقربين من عائلة الأسد وأجهزة الأمن وبالتالي فهم يحصلون على مزايا تتجاوز صلاحيات موقعهم وهم يمثلون مواقع قيادية كأجهزة امنية وفيالق وفرق.
3- المكون الأمني: أي كافة أجهزة المخابرات والأمن وفروعهم المنتشرة في المحافظات والبلدات والقرى وازلامهم المنتشرين في كل مجالات الحياة حتى في الجيش ترهب الناس وتحصي أنفاسها وحاليا زادت اعدادهم بوجود الشبيحة.
4- المكون الاقتصادي: أي رجال الاعمال الذين استولوا على مقدرات البلاد وطالت أيديهم حتى القطاع العام من خلال علاقاتهم بعائلة الأسد وأجهزة الأمن ويتميزون بالسلطة والقوة.

الخطوط العامة لاستراتيجية النظام في ضرب البيئة الآمنة

تتمحور استراتيجية النظام في نسف وجود بيئة آمنه حول النقاط التالية:

أ‌- الدعم الخارجي (الدولي) هو الأساس لضمان البقاء فقد اعتمد النظام على الدعم الاقتصادي، والتقني والعسكري غير المحدود الذي يصله من حلفائه في إيران والعراق وروسيا. بمعنى ان النظام البعثي كان يفضل دوما تقديم الخدمات والتنازلات وتلبية الطلبات للقوى الخارجية وخاصة الكبرى منها كوسيلة لضمان البقاء في السلطة بدلا عن تلبية المطالب الشعبية ومطالب القوى الوطنية المعارضة.

ب‌- الاستخدام المبالغ فيه للقمع والقتل وارتكاب الجرائم وكل أساليب انتهاك حقوق المواطن السوري وحقوق الجماعات السياسية المعارضة،وتصفية المعارضين والموالين وقت الضرورة للتخلص من المخاطر التي تهدد السلطة وعدم الحوار والاتفاق مع القوى المعارضة والقيادات الاجتماعية والدينية إلا لأغراض تكتيكية ومؤقتة لا تتيح الفرصة مطلقا لنمو مؤسسات دستورية وآليات ديمقراطية تتيح للشعب ممارسة دوره ونيل حريته وكسب حقوقه السياسية وأدى ذلك الى بناء عشرات الأجهزة القمعية المرعبة والعديد من التشكيلات المسلحة الرسمية وشبه الرسمية والمئات من القوانين المجحفة التي تتحكم بكل صغيرة وكبيرة شخصية او غير شخصية.اعتمد النظام في تعامله مع الحاضنة الشعبية للثورة على سياسة الأرض المحروقة، التي سعت لمحاصرة المدنيين ضمن خيارات كلها سيئة فإما الهجرة والتشرد أو التعرض للحصار القاتل أو العيش تحت خطر الاعتقال العبثي أو الموت والتصفيات الجسدية.

ت‌- السعي لتدمير القيم والمنظومات الفكرية والأخلاقية والعقائدية والتراثية للمجتمع السوري لقطع الارتباط بالتاريخ الحضاري ومحاولة إعادة تشكيل المجتمع السوري لتحويله الى مجتمع فاقد لأية هوية حضارية ومجتمع خانع وذليل ومستعبد ومهيأ لخدمة سياسات وخطط يحددها النظام البعثي الحاكم لأهداف محلية او خارجية والتركيز على الحرب النفسية ونشر الرعب والفقر وفرض الحصار الكامل على المواطن لتحقيق ذلك. والأخطر من ذلك هو أن النظام قد سعى لتغيير التركيبة السكانية للشعب السوري باستقدام مواطني دول أخرى وكذلك السعي لتغيير البيئة الجغرافية والطبيعية لمجموعات سكانية كاملة خدمة لنفس الهدف.

ث‌- اعتمد النظام البعثي سياسات القصاص الجماعي والمحاسبة على النوايا وتفتيت الحركات من الداخل واثارة الصراعات العنصرية والطائفية والمناطقية في المجتمع ووضع المواطن امام خيارين لا ثالث لهما: اما الانتماء الى حزب السلطة وخدمة سياساته وخططه وحتى الاشتراك في تنفيذ جرائمه او اعتباره عدوا للنظام يستحق اقصى درجات العقاب بما فيها الإعدام فيما لو انتمى الى حزب او مارس نشاط لا يرتضيه النظام البعثي

ج‌-بناء جهاز أمني كبير وفعال ومن عناصر لا تحمل اية قيم وطنية او إنسانية ومستعدة لارتكاب ابشع الجرائم من اجل المال والملذات وارضاء الأسد.

ح‌- منع القوى الوطنية السورية من تشكيل أي مجلس لإدارة الأوضاع حفاظا منه على ضمان بقاءه وتكريسا منه بأن الوطن هو بشار الاسد وكل من لا يذعن لذلك فهو عميل وخائن.

خ‌- الاستيلاء على أملاك السوريين من قبل نظام الأسد وايران وقد تجلى ذلك واضحاً من خلال مجموعة من المراسيم والإجراءات وابرزها:
– المرسوم رقم 19 الذي صدر عن رأس النظام والذي أجاز انشاء شركات سورية قابضة بهدف إدارة واستثمار أملاك الوحدات الإدارية في المحافظات او جزء منها وهذا المرسوم عبارة عن صفقة لتسليم أملاك السوريين العامة الى إيران من باب إعادة الإعمار ويمكن للإيرانيين أن يشتروا أملاك رجال الأعمال المتعثرين ويحولوها لشركات قابضة تستثمر الأملاك العامة حسب المرسوم.

  • المحاكمة المصرفية أحدثت للنظر في القضايا المصرفية التي يكون احد أطرافها محكمة وقراراتها بالمحكمة الاستئنافية مبرمة (معظم السوريين في الخارج ومهجرين وأي مقترض يمكن بيع أملاكه بالمزاد العلني) ويعتبر الإيرانيين زبائن مهمين لهذه العقارات.
    – تزوير عقود بيع من قبل أطراف تابعين لإيران لأملاك السوريين المهجرين والحصول على قرارات حكم من المحاكم التابعة للنظام بتثبيت هذه البيوع.
  • أصدر الأسد في كانون الأول عام 2015 القانون الناظم لأصول المحاكمات الجديدة الذي تنص المادة 34 منه على أنه اذا تعذر تبليغ المدعى عليه وفق أحكام المادة 22 وما يليها يجري التبليغ بإحدى الصحف اليومية وفي لوحة إعلانات المحكمة على أن يتم التبليغ خلال 15 يوم من تاريخ موعد الجلسة. هذا الباب القانوني فتحه النظام ليشكل ثغرة سمحت بالوصول الى شراء العقارات من دون وجود السجلات الأصلية التي تؤكد عدم صحة الوثيقة المقدمة فكيف يستطيع 15 مليون سوري مراجعة الدوائر المختصة وهم مهجرون ومطلوبون للأمن؟
    أكثر من يعمل في شراء الأراضي هو ( المجلس السوري الإيراني ) ومن رجالاته رستم قاسمي وهو رجل اعمال إيراني وسامر الأسعد ومازن الترازي وبشار كيوان وبذلك يكون المجلس الغطاء القانوني الذي تنتقل فيه ملكية السوريين الى الإيرانيين.
    أنشئ هذا المجلس بعد الثورة السورية عام 2011 ووفقا للقانون السوري يسمح فقط للمؤسسات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية المسجلة في سوريا بامتلاك أراضي وعقارات ( تفصيل مناسب على قياس ايران )
  • صدرت عشرات الالاف من قرارات الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لجميع السوريين المنضمين للثورة السورية المباركة مما هيأ أرضية جيدة للنظام لبيع ممتلكاتهم في المزاد العلني.
  • القانون رقم 25 لعام 2013 أصدره بشار الأسد الذي سمح بتبليغ المدعى عليه غيابيا عن طريق الصحف في المناطق الساخنة وبالطبع السوريين المدعى عليهم غير متواجدين ولا يستطيعون المراجعة وبالتالي يتم مصادرة املاكهم .
  • أصدر رأس النظام في سوريا بشار الأسد، مرسوماً تشريعياً حمل الرقم (10) لعام 2018 يسمح بإحداث مناطق تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي، الأمر الذي قد يحرم الذين هجرتهم آلة النظام العسكرية من مناطقهم على مدار السنوات السبع الماضية من ممتلكاتهم.
    هذا غيض من فيض ضمن خطة ممنهجة للتغيير الديموغرافي والاستيلاء على أملاك السوريين
    د‌- القضاء: إن النظام القضائي الذي رسخه الأسد (الأب والولد) بكل ما حمله من رموز هو في النهاية نظام عصي على الإصلاح لأنه فاسد بجوهره وشكله، وفي أصله وفروعه.. فاسد لوجود العديد من الهيئات الخارجة فيه عن القانون، ومن أبرزها “محكمة الإرهاب”، التي تعد بمثابة فرع مخابرات تم إلباسه رداء القضاء، وفاسد كذلك لأن التدخل في عمل القضاء يبدأ من رئيس البلاد وقد لا ينتهي عند أدنى رتبة في المخابرات، وفاسد لأن الفاسدين فيه لم يحاسبوا يوما، وكانت أقصى عقوبة لهم تجميدهم، وتقييد أيديهم، قبل أن تتم الاستعانة بهم مجددا، وفاسد حتى النخاع لأن رأس النظام الذي يتولى منصب “رئيس القضاء الأعلى” هو رمز الفساد والاحتيال والخداع والإجرام، وربما تكون واحدة من هذه الصفات كفيلة بالحط من قيمة الكائن الحي، وإخراجه عن نطاق البشرية، فكيف إذا اجتمعت في شخص واحد. القضاء، همّش دوره لصالح استحداث لجان ومحاكم استثنائية، أتاحت له التحكم بمحاكمة الناس وإصدار الأحكام كيفما يريد. ومن ضمن الإجراءات التي اتخذها النظام في هذا الصدد:
  • أحدث محاكم الميدان العسكرية بالقانون رقم 109 عام 1968 بهدف محاكمة العسكريين الفارين من الخدمة خلال المعارك مع العدو، وقام بتعديله لاحقًا ليشمل محاكمة المدنيين والنساء والأطفال، وخوّل وزير الدفاع تعيين أعضائها من العسكريين، وتعقد جلساتها في مكان سرّي، ولا تستغرق الجلسة فيها أكثر من خمس دقائق، وأحكامها تصدر بصورة مبرمة، ولا تسمح بحضور محامين أمامها. وفي العام نفسه استحدث محكمة أمن الدولة العليا، وأعفاها من التقيد بالأصول القانونية، وحصّن أحكامها من الطعن، وأخضعها للتصديق من قبل الحاكم العرفي الذي قام بدور الخصم والحكم، وحاكمت آلاف السوريين، وأصدرت أحكامًا بحقهم وصلت إلى السجن المؤبد والإعدام.
  • تمّ إحداث محكمة قضايا الإرهاب بالقانون رقم 22 لعام 2012 لتكون بديلاً عن “محكمة أمن الدولة العليا” سيئة الصيت التي تم إلغاؤها في شهر نيسان 2011 تحت ضغط مطالب الحراك الشعبيّ في سورية. إلا أنه في الواقع جاء تشكيل محكمة قضايا الإرهاب كالتفاف على هذا الحراك، حيث بدت هذه المحكمة أكثر سوءا من محكمة أمن الدولة العليا. فالمحالون إليها يحاكمون أمامها في ظروف صعبة لا تُحترم فيها حتى أدنى المعايير الدولية للمحاكمات العادلة. كما أنّ لأجهزة الأمن سطوة وهيمنة كبيرتين عليها بقضاتها وموظفيها، فالعناصر الأمنية تشرف على عملها من بابها لمحرابها كما يقول المثل الشعبي.
    ذ‌- قوانين وأنظمة الأسد :لقد تشعبت وتعددت الوسائل القانونية التي ابتكرها النظام تباعًا للتحكم بالمجتمع
  • البداية كانت مع فرض حالة الطوارئ لحظة الانقضاض على السلطة صبيحة الثامن من آذار/ مارس عام 1963، حيث منح النظام الجديد نفسَه صلاحيات استثنائية في اتخاذ ما يشاء من إجراءات وقرارات، تتيح له التحكم بكل شاردة وواردة، واستمرت في فرض حالة الطوارئ حتى اضطرت مرغمة إلى رفعها في استجابة ظاهرية لمطالب الشعب في نيسان/ أبريل 2011، إلا أنها سرعان ما التفّت على ذلك بالمرسوم 55 الذي أصدرته تزامنًا مع قرار رفع حالة الطوارئ، وقضى باعتبار جميع أجهزة الأمن من عناصر الضابطة العدلية، ومنحها صلاحيات واسعة في ملاحقة الأشخاص وتوقيفهم على الشبهة مدة ستين يومًا، إلا أن هذه المدة بقيت في واقع الأمن مفتوحة، وهذا ما يفسر استمرار أجهزة الأمن بالتوقيف مدة تفوق ستين يومًا، لتصل إلى سنوات كما هو حاصل اليوم مع عشرات الآلاف من المعتقلين.
  • ولإحكام سيطرته إحكامًا مطلقًا على المجتمع، تابع النظام إصدار سلسلة من القوانين المقيدة لحركة المجتمع المقيدة أصلًا، فأصدر قانون حماية أهداف الثورة رقم 6 لعام 1964 وقضى بتجريم ومعاقبة كل من يناهض أهداف ما سماه “ثورة 8 أذار” بالقول أو بالكتابة أو بالفعل، بالسجن مدة طويلة. ثم أتبعه بإصدار المرسوم التشريعي رقم 4 لعام 1965 الخاص بعرقلة تنفيذ التشريعات الاشتراكية، لإكمال دائرة سيطرته على الحركة الاقتصادية، وبموجب هذا المرسوم حُوكمَ آلاف الناس بذريعة مقاومة النظام الاشتراكي.
  • ومن أجل ضمان استمرار سيطرته، منح النظام الحصانةَ لعناصر إدارة المخابرات العامة بالمرسوم 14 لعام 1968 الذي نص في المادة 16 على منح العاملين في إدارة المخابرات العامة حصانةً بعدم الملاحقة القانونية تجاه الجرائم التي يرتكبونها في أثناء تأديتهم عملهم إلا بإذن خاص من مدير إدارة المخابرات. وفي العام 2008 مدّ هذه الحصانة لتشمل عناصر الشرطة وشعبة الأمن السياسي والجمارك، وهو ما كرّس نهائيًا سياسة الإفلات من العقاب، وإحكام قبضة النظام نهائيًا على المجتمع، مانعًا عنه حتى الهواء والماء.
  • في العام 1973، قرّر النظام إضفاء الشرعية على طريقة حكمه للبلاد فكرّسها ضمن نصوص الدستور الذي أصدره عام 1973 وحصر فيه قيادة الدولة والمجتمع بحزب البعث، كما منح الرئيس فيه سلطاتٍ واسعةٍ توازي صلاحيات إمبراطور، وفي 1979 أصدر القانون رقم 52 الخاص بأمن حزب البعث، ونصّ على عقوبات مشددة تصل إلى حد الإعدام لكل من يتعرض للمنتمين للبعث وممتلكاته، وبعد الأحداث التي شهدتها البلاد في 1980 أصدر القانون رقم 49 الذي يقضي بإعدام كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، حتى ولو لم يقم بأي فعل مخالف للقانون.
  • وبُعيد اندلاع التظاهرات الصاخبة، أصدر النظام في 21 نيسان/ أبريل 2011 المرسومَ 54 الخاص بتنظيم التظاهر، وأطلق عليه السوريون تهكمًا “قانون منع التظاهر” نظرًا إلى الشروط القاسية التي فرضها القانون على حركة التظاهر، وفي 2 تموز/ يونيو 2012 أصدر المرسوم 20 وهو يقضي بتسريح الموظف في الدولة وحرمانه من المعاش التقاعدي إذا ثبتت إدانته بحكم قضائي بالقيام بأي عمل إرهابي حتى ولو كان معنويًا، وبحجة مكافحة الإرهاب أصدر القانون رقم 19 الخاص بمكافحة الإرهاب، وتراوحت العقوبة فيه بين ثلاث سنوات والمؤبد وصولًا إلى الإعدام، وفي ظل هذا القانون تمت محاكمة عشرات الآلاف من المعتقلين، والحبل ما زال على الجرار. وطبعا هناك مجموعة كبيرة من القوانين التي أصدرها الأسد ولكننا لسنا بمعرض ذكرها كلها ومن حيث المبدأ هي بمجملها ضد الشعب السوري وتطلعاته
    ر‌- دور الإعلام: كان لا بد لاكتمال المشهد بسوريا من السيطرة على الإعلام بأنواعه المرئي و المسموع و المقروء من خلال فلسفة تحددها منظومة الأسد و شبكات فساده حيث يقوم صندوق الإعلام في هذا المقام كأهم أدوات التمكين لهذه القوى التي اجتمعت مصالحها و مكنت السلطة و آليات استبدادها من خلال صناعة الصورة و صناعة الإرهاب و تشويه الشرفاء و صناعة التعبئة و مجتمع الفرجة في إطار يستغل التمكين لعقلية الشعب ليصل بالتدريج إلى قناعة بصناعة الاستبداد الثقيلة وكذلك تكريس مجتمع الفساد في إطار يقوم على صناعة كبرى تتولد عنها و تتعلق بصناعة مجتمع العبيد أي السيد و العبد لإحكام العلاقة التي تسمح بشكل أو بآخر بإدارة العبيد مستخدمة في ذلك مصانع الكذب التي يمكن أن تتطلع بها ساحات الإعلام و أدواته و آلياته التي تستخدم في إطار الصورة و الرضى و الكذب و مجتمع الإذعان .
    من الضروري التأكيد على أن هذه البيئة التي صنعها الإعلام لخدمة الأسد في سورية بما تقدمه من رسالة إعلامية تسيطر على كافة عناصرها من إرسال و استقبال و محتوى و أدوات و أهداف و غايات و أكثر المساحات التي يتعاظم تأثيره فيها هي مساحة الإرسال و المحتوى و الذي يصنع به المواقف و يزيف به الحقائق و يقدم كل ما يمكن لإرضاء كاذب أو هندسة الإذعان أو إحكام دخول الناس إلى صندوق الخوف و الترويع و هكذا ظهرت صورة القائد الخالد الملهم الأسد الأوحد الذي يهابه الجميع و لا يرضى إلا أن يكونوا عبيد مطيعين يدخلون عن بكرة أبيهم بيت الطاعة و تحركهم عناصر الخوف و التضليل .
    هذا الإعلام رسم ضمن خريطة تتعلق بالإعلام الحكومي الرسمي و الإعلام غير الحكومي المحدود جدا و المسيطر عليه لمصلحة الإعلام الرسمي ليصل مجتمعا إلى مرحلة النفاق الأسطوري المتنافس على رضى الأسد أو إلى نظرة من عينه بالعطف و الرعاية.
    يترافق معهم إعلاميون و مثقفون ومفكرون يقومون بدور ماسحي الأحذية يجلسون القرفصاء عند أقدام سيدهم يقومون بكل ما من شأنه تلميع حذائه ينتظرون منه العطايا و الهبات مندفعين إلى مرحلة الهوس في إثبات حالة من الولاء و الإنتماء و العمل على خدمته و توطيد أركان حكمه حتى يكونوا معه و ضمن جوقة استبداده و شبكات فساده . هناك مجموعة أخرى من المثقفين و الإعلاميين الذين قاموا بدور كلب الحراسة للأسد و ذلك بالنباح على كل من يقترب من الهالة القدسية له و يمارسون دور البلطجة الإعلامية و لا بأس بإهانة كل معارض أو شبه معارض مهما كانت مكانته ليشكلوا بمجموعهم فرقة اغتيال معنوية لكل من يجرؤ على مخالفته أو التقليل من شأنه أو اتخاذ مواقف مضادة لممارساته و سياساته .
    هناك مجموعة أخرى من العلماء و الأكاديميين كان لها دور هو تبرير كل ما يتعلق بالأسد من خطابات و سياسات و هؤلاء المدعين للحكمة و يلعبون دور المفكرين و المحللين و المنظرين الاستراتيجيين لفكر هذا الأبله المعتوه يجتمع مع هؤلاء عناصر إعلامية يتراوح عملها بين صناعة الكراهية مع كل طريق و صياغة الإتهامات و فبركة الأخبار بينما يقوم بعض منهم بصناعة التفاهة في إطار لفت الأنظار و صناعة الإلهاء و الإشغال و تبديل سلم الأولويات للشعب بنشر أخبار تافهة تكون موضع اهتمام الناس لتمرير أمور تتعلق بشؤون عظيمة و أمور يمكن أن تؤثر على مستقبل البلد السياسي و الاقتصادي كل هذا يتم ضمن مصانع الكذب و ورش التضليل الإعلامي في إطار صناعة العبد و سيده و في هذا السياق يستغلون كل ما يتعلق بمجتمع الفرجة واللامبالاة يهمشون فيه المواطن ليصل إلى متوالية العبد المطلق و بذلك أصبحت وسائل الإعلام بأنواعها لا تمثل أطياف المجتمع و لا تعبر عن مشاكلهم و أوضاعهم بصورة فعلية و لا تمثل إلا وجهة نظر الأسد و التي يتم تقديمها على أنها حقائق مطلقة لا تقبل الجدل فهي الصواب المعياري و ما دونه خطأ أو تحامل أو تآمر لذلك كانت وسائل الإعلام لدى الأسد أحد أهم أدوات تكريس القمع و الفساد و الاستبداد و أهم أسباب التخلف السياسي و الجهل الكبير لدى قطاعات عريضة من الشعب .
    هذا المجتمع أهان و شرد وهجر و زج في السجون علماءه و مفكريه و فلاسفته و مثقفيه.
    ز‌- الوضع الديني
    عمد الأسد إلى تأميم المؤسسة الدينية و ذلك عن طريق التقرب من تياراتها و نجح في استخدام رجال الدين لتثبيت شرعية دينية على حكمه بعد أن أصبح الحكم عسكريا استفرد به و من حوله ضباط الأمن و المخابرات من طائفته، وكان الأسد يعلم أن وضعه غير طبيعي إذ كيف يحكم الأكثرية و هو من طائفة قليلة العدد لذلك كان لا بد من الاستعانة بالمشايخ الذين ينافقون له و يحملون صورته فعين بعضا منهم في مناصب وزير الأوقاف بالإضافة إلى جوقة من الرجال يسيطرون على الساحة الدينية و لا ينطقون سوى بتعظيم القائد و تأليه كل حرف يقوله لدرجة تصويره أنه معصوم عن الخطأ و الدعاء بتثبيت حكمه عقب كل صلاة و رغم توجيه التحذير لرجال الدين بعدم الدخول إلى الساحة السياسية إلا أنه لم يمنعهم و عبر قاعدتهم الشعبية العريضة البسيطة من دعم مرشحي مجلس الشعب من أتباع البعث و تأييد قراراته و آرائه و صوابيتها في كل محفل و اجتماع و بالمحصلة تم احتواء القطاع الديني و أصبحت وزارة الأوقاف و مديرياتها المنتشرة في كل المحافظات أشبه بملحقيات لأفرع الأمن عن طريق تقديم التقارير المتواصلة و التي تشمل كل شاردة و واردة في القطاع الديني إلى الأفرع الأمنية بحيث لا ترى إلا من يهتف بحياة القائد و يتشدق بأفكار البعث و غيب الصوت الآخر إما بالسجن أو الإبعاد أو القتل.
    س‌- عسكرة المجتمع
    تعيش سورية مفهوم العسكرة بثقافتها وسلوكياتها وأساليب تفكيرها منذ عهد الأسد الأب والعسكرة بمفهومها الفني المحض استراتيجية تعبوية وتدابير احترازية لا غبار عليها.لا نقصد بالعسكرة هو أن يكون الجميع في حالة خضوع للماكنة العسكرية ومنظومتها الاستخبارية بل ان العسكرة قد تنتج بشيء تتابعي ناتج من خضوع الدولة بسائر مؤسساتها لقرار المنظومة العسكرية تخطيطا وتنفيذا، حيث يعيش المجتمع حالة من التسلط المقيت للأجهزة الامنية وتدخلها السافر في جميع نواحي الحياة، بحيث أن المواطن البسيط لا يمكن تعيينه او توظيفه في دائرة ما الا بموافقة أجهزة الأمن والاستخبارت وكذا الحال في الترشح لمنصب معين أو حتى التنافس على مقعد دراسي وغير ذلك، بل ويصبح الفرد في مثل تلك الدول لا يخاف من أي جهاز قضائي ورقابي بقدر خوفه من الأجهزة الامنية والإستخبارية بعنوانها القمعي لا القانوني. إن الأجهزة الأمنية في سورية تعتبر صاحبة القرار النهائي الذي تبنى عليه السلطة سياساتها، ولاعجب في ذلك لقد شكلت العسكرة في سورية حالة من الكبت النفسي للشعب وطوقته بأسوار متعددة أولها التنصت السري والمتابعة (الظلية) وآخرها الاعتقال التعسفي لتكون بذلك ثقافة مستشرية وحالة معاشة يوميا. أما شعارات الأجهزة الأمنية المنفذة لمفهوم العمل العسكري ومدى خدمتها للمجتمع وحفظها لأمنه فهي أصبحت لدى المواطن لا تتعدى كلمات توضع على الجدران لتغازل مشاعر المسؤولين المهمين على أساس أنهم يملكون دولة مثالية الحكم والادارة.
    ش‌- دور العلم والتعليم: قبل عام 2011، كان المشهد السائد على مدى عقود في سوريا هو اعتلاء عَلمُ حزب البعث الحاكم “للدولة والمجتمع”، وصورة الرئيس “القائد” ونُصبه على كل المنصات العامة، وفي أروقة مؤسسات الدولة وأجهزتها، وفي الساحات العامة، وحتى في المؤسسات غير الحكومية.
    ونالت مؤسسات التعليم النصيب الأوفر من ذاك المشهد: الجامعات، والمدارس، مؤسسات المنظمات الطلابية. حيث طغى على كل عناصر المنظومة التعليمية، فعَلمُ البعث وصور الأسد مطبوعة على الوثائق التعليمية: أغلفة الكتب التعليمية والسجلات الرسمية، وفي أركان الجامعات والمدارس وداخل حجرات وقاعات التعليم، وتم تشريب مضامين جميع المناهج تقريباً بأفكار الحزب والقائد، وبات على الطلاب حفظ أقواله وسيرته، ومؤتمرات الحزب ودور القائد فيها…
    لقد أولى حزب البعث منذ تسلمه السلطة اهتماماً خاصاً بالنظام التعليمي. ومنذ مطلع سبعينات القرن الماضي غدت السياسة التعليمية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالسياسة، حيث جرى العمل على تطبيع المنظومة الثقافية – التربوية- الرسمية وغير الرسمية – وجعلها منظومة موجهة بأهداف سياسية حزبية غايتها إعادة إنتاج النظام السياسي – الاقتصادي المسيطر واستمراره. وذلك من خلال الدستور والقوانين، وآليات تنفيذ ملائمة.
    وتم استثناء قطاع التعليم من التنافس الحزبي في ميثاق الجبهة “على أطراف الجبهة غير البعثية أن تتعهد بالعمل على وقف نشاطاتها التنظيمية والتوجيهية في هذا القطاع”. (ميثاق “الجبهة الوطنية التقدمية”، 1972). وشكلت المنطلقات الفكرية لحزب البعث ورؤيته للمجتمع والدولة إطاراً مرجعياً للسياسة التعليمية، وباتت “الديموقراطية الشعبية” الأنموذج الذي يتم العمل في إطاره لإعداد المتعلمين. وتولت قيادة الحزب أمر توجيه العملية التعليمية من خلال مكتبين: “مكتب التربية والطلائع لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي”، تتبعه مكاتب تعمل في إطار فروع الحزب في المحافظات. و”مكتب التعليم العالي لمرحلة التعليم الجامعي”، وترتبط به فروع الحزب في الجامعات.
    ومع وجود قاعدة خطية للدستور، تصوغ المكاتب الحزبية السياسة التعليمية، وتُعيّن غاياتها، وتحدد بناها المؤسسية، وتصدر التعيينات للمناصب الرفيعة بعد أن تنال الموافقات الأمنية اللازمة ومروراً بمكتب رئيس الجمهورية وذلك لإدارة المؤسسات التعليمية.
    وتوثيقاً لربط التعليم بالحزب تم إحداث “منظمات تربوية غير نظامية تعمل إلى جوار المنظومة التربوية الرسمية، وتكمل وظيفتها وهي: منظمة طلائع البعث، واتحاد شبيبة الثورة، والاتحاد الوطني لطلبة سوريا، تتمتع بهياكل تنظيمية مستقلة وأطر قانونية ومالية، تعمل مع جمهور واسع من الطلبة من سن السادسة وحتى سن الرابعة والعشرين. أوكلت لها وظيفة دعم المؤسسات النظامية في تحقيق أهداف السياسة التربوية. فهي بمثابة منظمات رديفة للحزب تسهم في تحقيق أهدافه.
    لقد تأسس الاتحاد الوطني للطلبة عام 1963 باعتباره منظمة “تعمل على تنظيم الطلبة في الجامعات والمعاهد، ومنذ عام 1966 عُدَّ الممثل الوحيد الرسمي لجميع طلاب سوريا في المرحلة الجامعية. ومن أهدافه تعزيز روح انتماء الجماهير الطلابية إلى الوطن، والولاء لقائده.
    وفي عام 1968 تم إنشاء “اتحاد شبيبة الثورة” باعتباره منظمة تربوية سياسية تعنى بتربية الفتية من عمر 12-18 سنة، ويشترط أن لا يكون الشاب المنتسب لها منتمياً لأي تنظيم سياسي غير حزب البعث. علماً بأن جميع الطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانوية أعضاء طبيعيين فيه فهو الممثل الوحيد لهم.
    وفى عام 1974، تم تأسيس “منظمة طلائع البعث” بقرار من القيادة القطرية للحزب وتضم كل أطفال المرحلة الابتدائية وقد عُرِّفت بأنها “منظمة تربوية سياسية تضم أطفال القطر العربي السوري في مرحلة التعليم الابتدائي، وتعمل على تربيتهم تربية قومية اشتراكية، مستمدة مضامينها الفكرية والعقائدية من فكر حزب البعث ومقررات مؤتمراته القومية والقطرية”.
    وعلى مدى خمسة عقود انتشرت في المجتمع السوري وفي مؤسساته منظومة من القيم والسلوكيات كان للنظام التعليمي النصيب الأوفر في إنتاجها ورعايتها: الولاء للحزب، الطاعة للقائد والإيمان بقدراته، وخلود فكره، الانغلاق السياسي والثقافي، القمع كسبيل لحسم الاختلاف والصراع والتوتر، الدوغمائية، التزلف والتقرب من مراكز السلطة. وأصبح معيار الوطنية الموالاة للحزب والدولة، والافتخار والطاعة للقوانين والوعي بالواجبات، إنها “تربية وطنية” يصبح الفرد من خلالها منتمياً ومفتخراً بالوطن وبقيادته السياسية الحكيمة”.
    هكذا يمكن القول بأن ثمة مجموعة من السمات تطبع السياسة التعليمية في سوريا ومنها إطارها المرجعي هو مزيج من الثقافة المجتمعية العامة، والفكر القومي الوطني وتجلى في مبادئ الحزب، وفكر القائد ورؤيته للمجتمع والدولة والفرد، والغاية هي تنشئة أجيال تتعايش مع مجتمع شمولي ذات نزعة وطنية قومية متعالية، من خلال تكوين وعي جمعي يوحد أفراد المجتمع في بوتقة ثقافية واحدة، لأن ذلك شرط أساسي من شروط استقرار النظام الاجتماعي- السياسي..
    ص‌- الطائفية: بينما كان النظام يقوم بتشجيع العلاقات الاعتمادية، ما بين السنّة والمؤسسات الدينية، عمل على الربط ما بين الجموع العلوية والنظام مباشرة، إن لم نقل بعائلة الأسد. فقام النظام باعتماد سياسات مختلفة، منها ضرب أي حالة اعتراضية على النظام، ضمن العلويين، بالإضافة إلى محاولة تحويل الطائفة العلوية إلى طائفة سياسية، مربوطة مباشرة بعائلة الأسد.
    في المقابل، فإن ظروف الفقر المدقع التي عاناها العلويون، بفعل السياسات الاقتصادية لنظام الأسد، دفعت الكثير منهم نحو الالتحاق بالجيش، أو بالأجهزة الأمنية، التي كانت تحت سيطرة العائلة الحاكمة مباشرة. ففي تقرير لمجموعة الأزمة الدولية (انترناشيونال كريسيس غروب) ذكر أن الريف العلوي بقي من دون أي إنماء؛ والكثير من السكان التحقوا بالجيش؛ لغياب أي بديل اقتصادي فعلي؛ وموظفو الأجهزة الأمنية كانوا ذوي دخل قليل، بينما يعملون لفترات طويلة. والأفراد حديثو السن من العلويين، انتسبوا في غالبيتهم إلى القوى العسكرية والأمنية، لكون النظام لا يسمح لهم بأي خيار ثانٍ
    فهذا الربط، أو إحكام السيطرة على الطائفة العلوية، اتخذ شكله الفعلي بمحاولة نظام الأسد عسكرة العلويين تحت سيطرته، فأصبحت بالتالي الطائفة العلوية خزانا بشريا لنظام حكم حافظ الأسد، ومن ثم ابنه بشار، وهذا الواقع كان أحد أبرز الأمور التي أسست للبيئة الطائفية الناتجة عن الصراع مع النظام الأمني للأسد، في الثورة السورية اليوم.

خلاصة استراتيجية الاسد

  1. قمع الشعب، ومصادرة ُإرادته في اختيار شكل نظام الحكم الذي يريده.
  2. مصادرة الحريّات والحقوق الديمقراطية الفردية والجماعية، والتعدّي على حقوق الإنسان.
  3. إيجاد صيغ دستورية وقانونية خاصّة تخدم السلطة الديكتاتورية
  4. الاستقواء بالحزب أو الطائفة أو المذهب أو العشيرة أو القومية…الخ.
  5. تنامي وتوسّع الأجهزة الأمنية ، وبروزُ دورها في مختلف أوجه الحياة داخل المجتمع.
  6. إلغاء دور الأحزاب، أو احتواءُ وتدجين ُبعضها، وتوظيفُها لتدعيم الديكتاتورية.
  7. بناء أدوات قمع أمنية وعسكرية قويّة وتسخيرُها لحماية النظام الديكتاتوري.
  8. إحاطة الديكتاتور بهالة من التعظيم والتمجيد والتقديس.
  9. وضع اليد على مصادر الثروة ، والتحكّمُ بإدارتها واستغلالها، وتوزيعها .
  10. اعتماد العنف كوسيلة أساسية في فرض سلطة الديكتاتور وترسيخها في المجتمع ، وخاصة العنف السياسي .
  11. العنف الجسدي بطرقه الوحشيّة القذرة، والذي يرتكز في بلداننا على عقليّة ومفاهيم وأساليب الاستبداد وتكنولوجيا التعذيب الحديثة المستوردة، ويُستعمل عادة على نطاق واسع في اعتقال المواطنين.
  12. العنف الاقتصادي الذي يحرم المواطن من الوظيفة والعمل، أو ممارسة أي نشاط اقتصادي في مجالات معيّنة، أو التسريح من العمل وحرمانه من التعويض والتقاعد.. و يتجلّى أيضاً بنهب ثروة الوطن والاستئثار بالقسم الأكبر منها داخل القطر أوخارجه.
  13. الملاحقة الأمنية، والتشريد، أو النفي والإبعاد عن الأسرة والوطن.
  14. التجريد من الحقوق السياسية والمدنية وما ينجم عن ذلك من تبعات ومآسٍ على الشخص في حياته داخل المجتمع.
  15. العنف الإعلامي، وما يتضمّنه من تشهير وتشويه بسمعة الشخص أو المكوّن الاجتماعي … وقد برز مؤخّرا العنف “الفيسبوكي ” المنفلت من عقاله على نطاق واسع دون رادع أو رقيب وهو من أخطر أشكال العنف الإعلامي، لأنّه يأتي أحياناً من أطراف تتخفّى تحت أسماء مستعارة متحرّرة من أيّ وقيد، ومتجرّدة من أيّة قيم وأخلاق.
  16. العنف النفسي داخل المعتقلات وخارجها، السرّي والعلني منه، وله آثار اجتماعية وأسرية خطيرة، وعادة ما تعتمده أجهزة المخابرات لتلويث سمعة بعض أفراد أسر المعتقلين من قبل تلك الأجهزة، وتوريط بعضهم بأمور مسيئة للسمعة وتوثيقها ثمّ نقلها للسجين بهدف التأثير على أعصابه، أو تسريب معلومات كاذبة للمعتقل لزعزعة صموده في السجن، وكثيراً ما تسبّب له متاعب كبيرة عند إطلاق سراحه قد تؤدّي إلى شعوره بالغربة عن أسرته ثمّ تفكيكها، وحرقه سياسيّاً، وإرهاقه معنويّاً ونفسيّاً وجسديّاً
    وقد يُستخدم العنف داخل مكوّنات السلطة الديكتاتورية ذاتها لتصفية مراكز قوى نشأت في رحمها وتشكّل تهديداً للديكتاتور، أو بالعكس لاستهداف سلطته عندما تضعف قبضته وسيطرته على أجهزة الاستبداد والقمع التي أنشأها.
  17. التحكّم بتنظيمات ومنظمات المجتمع المدني وتحويلها إلى هياكل تابعة لأجهزة المخابرات والقيادة القطرية، وبالتالي تفريغها من كثير من وظائفها ومهامها الاجتماعية. وحرف دورها الحقيقي وجعلها مسخّرة لخدمة السلطة الديكتاتورية.
  18. تعزيز وتوسيع أجهزة المخابرات، وإطلاق يدها في التحكّم والهيمنة على مختلف أوجه الحياة في سورية، ومنحها حصانة من المساءلة والمحاسبة… ممّا زاد تغوّلها في كلّ مجالات الحياة .
  19. فرض هيمنة كاملة على القوات المسلّحة من قبل رأس الهرم.
  20. إطلاق العنان لخلق هالة من التقديس والتمجيد حول رأس السلطة، وبناء تماثيل له في مناطق عديدة من سوريّة كظاهرة لم يعرف تاريخ سورية مثيلاً له.
  21. إقرار الحلّ الأمني- العسكري في ٢٥ نيسان ٢٠١١ وزجّ الجيش في مواجهة الشعب والمستمرّ حتى الآن.
  22. وقوع مئات الآلاف من الضحايا والشهداء مدنيين وعسكريين نتيجة عنف النظام هذا بالإضافة إلى مئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين.
  23. العنف الإعلامي تجاه المعارضة، وتشويه الوقائع، وحجب الحقائق عن الشعب.
  24. اختطاف نشطاء المعارضة، واعتقال أقاربهم، ومصادرة أملاك بعضهم.
  25. ممارسة العنف الاقتصادي من خلال تسريح البعض من وظائفهم، أوملاحقتهم قضائياً.
  26. إطلاق يد الأجهزة الأمنية والمخبرين والمتعاونين معها (وما أطلِق عليه اسم الشبّيحة) .
  27. إقدام عناصر من اللجان الشعبية المساندة للنظام على تنفيذ عمليات الخطف، والاغتصاب، وأخذ الرهائن، ونهب الممتلكات.
  28. لجأ إلى الأسلحة الثقيلة من مدفعية ودبّابات، وطائرات بمختلف أنواعها، ممّا زاد من حجم الخسائر بالأرواح بشكل مرعب، ومن تدمير المنشآت والمباني.. وهذا دليل قاطع على الحالة الخطيرة من اليأس التي وصل إليها هذا النظام، وتصميمه على القتال حتى النهاية مهما كانت النتائج والانعكاسات.
  29. الاغتيالات الفردية، وقد شملت الكثير من الكوادر العلمية والعسكرية.
  30. التفجيرات الإرهابية بالسيارات، أو غيرها، والتي راح ضحيتها الكثير من المواطنين الأبرياء.
  31. تدمير البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية، وهنا تبرز أصابع مخابرات تدفع وتحرّك الأمور بهذا الاتجاه .
  32. الإرهاب الطائفي والقتل على الهويّة، والاغتصاب.
  33. استقدام الميليشيات الإرهابية الى سورية لقتل الشعب.
  34. محاصرة القرى والأحياء ومنع وصول الغذاء والدواء والمحروقات بدوافع طائفية أو سياسية، وبشكل يتنافى مع كل الأعراف والمواثيق والاتفاقات الدوليّة، والقيم الإسلامية .
  35. تهجير المواطنين من أحيائهم لأغراض طائفية وهكذا، وفي ظلّ القمع والفساد والاستغلال ولأهداف وغايات أمنية وسياسية تستهدف تدمير سورية كدولة، وتمزيقها كأرض وشعب فقد تحوّلت الأرض السورية إلى غابة من العنف المزدوج المنفلت العقال، وبذلك أُستبيح الوطن، وهُدِرَت كرامات المواطنين وأرواحهم ودماؤهم، ودُمّرت المنشآت العامّة والخاصّة، والشوارع والأحياء… ودخلت سوريٌة في دوّامة العنف المجنون الذي أدى إلى تدمير البلاد وتفتيتها، وتخريب النسيج الوطني.
  36. تسليم مقدرات سورية بالكامل الى دول الاحتلال التي استقدمها.
    ومن هنا، وبناءً على ما ذُكِر، فإنّ الواجب الوطني والقومي والإنساني يتطلّب من الجميع بذل كلِّ الجهود لإيجاد حلّ سياسي للأزمة السوريّة والسعي الجادّ والصادق لتحقيقه، وبشكلٍ مضمونٍ دوليّاً يوفّر ويصون سورية وشعبها، ويعيد النازحين واللاجئين والمشرّدين السوريين والمعتقلين والمخطوفين إلى أرضهم وديارهم وذويهم، وتأمين إغاثتهم وحمايتهم من كل أنواع العنف ومن أيّ مصدر جاء، وأنْ تُبذَل كلّ المساعي لترميم الوحدة الوطنية، والسير بخطاً جادّة وثابتة لتحقيق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل، وتمكين الشعب من التعبير عن إرادته بحريّة تامّة.

  37. تدرك المعارضة السياسية السورية حجم التبعات التي خلفها حكم الأسد لسورية على مدى عقود من الزمن وتدرك حجم التضحيات التي قدمها الشعب السوري على مدار سنين هذا الحكم التسلطي المستبد.
    ان الشعب السوري ضمن مفهوم العصرنة والحداثة وضمن مفهموم التكوين السياسي يمثل تكتلاً من العطاء يشترك بمجموعة مقومات مصلحية وراثية من شأنها ان تعطي الدافع لهذا الشعب المبدع الخلاق ان يطرح مشروعاً فكرياً وحضارياً ويعمل على تحقيقه
    وعليه وفي ظل الظرف التي فرضت على هذا الشعب الحضاري هناك حاجة الى اعادة النظر في كل التوجهات الايديولوجية المزيفة والضيقة والمتخلفة، فهو ليس بحاجة الى مثل هذه الايديولوجيات العقيمة، هو بحاجة الى رؤيا سياسية جديدة تدله كيف يتعامل مع مصلحته ومصلحة الآخرين في ضوء متغيرات الحياة المتطورة، وفي ظل هذا الوضع المأزوم تطرح الأسئلة التالية:
    ما هو الحل الأمثل للخروج من الازمة؟
    هل نستطيع الوصول الى بيئة آمنة يستطيع الشعب من خلالها العيش باستقرار وآمان وآن يعبر عن رأيه دون ضغط أمني وسلطوي؟
    هل سيتوقف الشحن الطائفي وتأثيره السلبي على النسيج السوري؟
    هل سيتم التخلص من نفوذ الأطراف الإقليمية والدولية واجنداتها غير المتفقة – مما أدى الى اذكاء التناقضات والصراعات وافتعال الفوضى- مع قيام بلد مستقر ؟
    هل يمكن بناء بلد ديمقراطي مستقر يعتمد المصالحة الوطنية وسيلة للتنمية والبناء؟
    أسئلة كثيرة أكبر من الأجوبة ومن هنا تبرز الحاجة الى اعتماد آليات واضحة باتجاه إرساء البيئة الآمنة لتطبيع الأوضاع السياسية واعتماد الحوار الوطني الشامل وبناء وتعزيز ثقافة البناء المؤسسي والإدارة المؤسسية (وليس الشخصانية) لأجهزة الدولة من هنا تظهر ضرورة بيئة آمنة وفق آليات عمل سليمة بدلا من منهجية المواجهة العنيفة وتقرن ذلك بتوافق مشترك وطني بهدف تقريب وجهات النظر وتقليص الفجوات بين الأطراف صوب صياغة مشروع مجتمعي مشترك يقوم على الاعتراف بتعددية المصالح وتعددية تمثيلها الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي لتصبح المعالجة أكبر من مجرد آلية بل وسعي مشترك نحو الغاء عوائق الماضي وعوائق الحاضر و استمراريتها السياسية والتشريعية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتصحيح ما نتج من أخطاء وخطايا وجرائم والقطيعة – من كل الأطراف- مع الحلول العنيفة وبالتالي فالبيئة الآمنة مشروع وطني مجتمعي طويل الأمد يقترن بإنجاز توافق وطني بين مكونات المجتمع وفق خطة وبرنامج عمل شاملين على أن يتم عند وضع خطة وبرنامج العمل الاسترشاد بتجارب العالم في فض النزاعات سلميا و يخضع كل ذلك لمبادئ وقواعد القانون الدولي واجراءاته الآمرة لخلق بيئة آمنة بين المكونات بما يؤدي الى تحقيق التوقعات والمصالح والاهداف التي تعبر عنها الجماعات وهي ليست تسويات او صفقات بين أحزاب أو جماعات أو أفراد ويصبح الحوار هو الوسيلة لتحقيق المصالحة والآمن والاستقرار من خلال القبول والاعتراف بالآخر ونبذ العنف.
    ان الحفر الاثري في الماضي لتفسير الحاضر يطرح في فرضيات عديدة ويضيف خبرات فريدة في التحول الديمقراطي بعدما تأكد وجود ازمة حقيقية في علاقة الدولة بمجتمعها وبين الفهم التقليدي للدولة القائم على الولاءات والانتماءات الضيقة والفهم الحداثي للدولة القائم على المواطنة المدنية الجامعة، ويتضح أن هناك بون شاسع بين الفهمين توضحه طبيعة العقد الاجتماعي الناظم لعلاقة الدولة بالمجتمع وتبرز ارتباطا بذلك جملة التحديات والاشكاليات المتعلقة ليس فقط في الممارسة والمستقبل بل والمفاهيم وآفاق تطور عملية الانتقال والتحول الديمقراطي وشروطها الرئيسة فالمؤسسات الدستورية تشكل الاطار الحقوقي الذي تنظم فيه العملية السياسية وتحدد آليات ممارسة السلطة ونطاقها والقواعد التي يجب ان تخضع لها غير ان الممارسة السياسية في اطار المؤسسات تبقى مرهونة بالقوة السياسية وبطبيعتها ومصدر وجودها وبالقيم الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تحكم تصرفاتها.
    أثبتت التجربة أنه رغم النجاح في التخلص من الاستعمار جاءت الأنظمة الاستبدادية لتحاصر المجتمع بقوة القهر والقمع وبات العقد الاجتماعي بين طرفي الدولة والمجتمع عاجزا عن تحقيق حد ادنى من التوازن فوجدنا نظام الأسد قد استولى على الدولة واستبد بالمجتمع حتى تحولت الدولة الى مجرد أداة تسلط و المجتمع المدني اندثر بالكامل وهكذا ظلت الدولة منذ حكم الأسد على صورة النظام الحاكم فيها فكلما اتسم النظام بالاستبداد والشمولية المطلقتين تميزت الدولة بالمركزية والصلابة المحكمتين ولم تراع الدولة – السلطة الطابع المركب والمتنوع لمجتمعاتها ولم تفسح المجال امام أي شكل من اشكال التعبير السياسي والمؤسسي أمام المكونات المشكلة لهذا التنوع كما ونجد ان النظام التسلطي الاسدي تحايل على الديمقراطية حيث أنه بدلا من أن يقوم بعقلنة مشاعر الناس وترشيدها ديمقراطيا يقوم بالتلاعب الانفعالي والنفعي بها واستغراق معنى الوطن في معنى النظام (بمعنى ان المصلحة الوطنية تتماهى مع مصلحة النظام: مثال ذلك الشعار الذي روجه النظام السوري: الأسد او لا أحد) وبالتالي كل معارض هو خائن وأصبح التخويف هو الشكل الوحيد للتعاطي السياسي مع الآخرين بالاقتران مع سيطرة عصبيات اجتماعية على الدولة بحيث تحاول كل عصبية من هذه العصبيات ان تماهي نفسها بالمصالحة الوطنية ولهذا نلحظ ان فشل الدولة في بلورة هوية وطنية جامعة متأتيا من عنفها المفرط ومن عدم القدرة على احتواء الهويات وادارتها سلميا وقد استسهل الأسد كثيرا استتباع الدولة والمجتمع معا والتحكم بهما معا حتى تحولت الدولة الى مجرد أداة تسلط وقمع وقادت هذه السياسات الى تدهور الدولة والمجتمع معا لذلك فالمطلوب اليوم لا تحرير الدولة بل إعادة بنائها ولا تحرر المجتمع بل اثبات وجوده بعدما تم تقطيع منهجي لأوصاله مذهبيا وجهويا وقبليا ولذلك فالمطلوب ليس فقط هدم قواعد وأركان الاستبداد وانما أيضا السعي إلى بناء دولة العدالة والمساواة والحرية.
    فالحكم ينبغي ان ينطوي على الإجراءات والوسائل التي اعتمدها ويعتمدها المجتمع في تعزيز العمل الجماعي وتقديم الحلول والمعالجات في السعي لتحقيق الأهداف المشتركة وبالتالي فالانتقال من السلطوية الى الديمقراطية يحتاج الى مجموعة شروط ومستلزمات من بينها إعادة التربية المجتمعية مع التأكيد على ان لكل تجربة قضايا مشتركة وخصائص منفردة وعوائق وتحديات مختلفة حيث لا توجد مسارات ثابتة أو نماذج تقليدية والمهم بالأمر أن مجرد الحاق الهزيمة بالنظام التسلطي لا يعني التحول للديمقراطية.
    والديمقراطية بالإضافة الى كونها شكلا من أشكال الحكم فهي نمط وأسلوب حياة وتدخل في مضامين العلاقات بين المواطنين وإن واحدة من أهم إشكاليات قضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي تكمن في ضعف الثقافة السياسية لأن جوهر الديمقراطية يكمن في كونها قيم ثقافية توفر علاقات المواطنين العامة مثلما أن الثقافة هي مبادئ للسياسات سواء تعلق الأمر بالسياسة
    الاقتصادية او التعليمية او التربوية أو أسس العمل السياسي ذلك أن الشعب قد يكون تحت تأثير ثقافة لا ديمقراطية لا تحترم التعددية وحرية الفرد وقبول الاختلاف والتعايش معه وهذه ثقافة مناقضة للقيم والمبادئ الديمقراطية فتحمل إلى سدة الحكم نظاما شموليا متعصبا فالثقافة هي تربية وتنشئة وليس فقط معرفة ولكي تتحقق الديمقراطية يجب أن يكون الناس مؤمنين بقيمة المبادئ الديمقراطية وهذا يتطلب قدرا من الثقافة والنضج السياسي ويجب أن تكون الديمقراطية راسخة في عقول الناس والحكام ولابد من وجود ثقافة سياسية تقوم على أسس التسامح نحو المرأة و التسامح نحو الأقليات وكذلك التسامح نحو المعارضة السياسية وبالتالي فالديمقراطية هي النظام الأفضل للحكم، ولا بد لضمان تحقق ذلك من مواطنين ديمقراطيي الثقافة والتفكير والسلوك وقبل ذلك وبعده حكام يؤمنون قولا وفعلا بالديمقراطية ونتائجها.
    إستراتيجية البيئة الآمنة
    استراتيجية البيئة الآمنة منهج متكامل متعدد الأبعاد والجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية يهدف إلى قراءة الواقع السوري قراءة صحيحة وتشخيصه وفقاً للتكاملية العلمية والحقائق الواقعية الملموسة والنهوض بهذا الواقع والرقي والسمو بمصالحه الوطنية نحو حالة متقدمة متطورة كما أن هذه الاستراتيجية تعتبر منهج لتحقيق الإخوة والمصالحة بين أبناء الوطن الواحد بالإضافة إلى الحد من التهديدات والمخاطر الخارجية والداخلية المحيقة بسورية

سوريا أولاً

لاستراتيجية البيئة الامنة ميزة مهمة تكمن في تسميتها حيث كان لشعارها وكما هو مشار اليه سوريا أولا ً أعتبارات مهمة ومدلولات كبيرة فسوريا هي الهدف المنشود والغاية الأساسية من هذه الاستراتيجية وليست المصالح الفئوية أو المذهبية أو الطائفية أو القومية أو العرقية أو حتى الشخصية .
هذا من حيث الشعار… أما تعريفها فهي تمثل سياسة هيئة الحكم الانتقالي في تحقيق المصالح الوطنية وتحديد ودرء التهديدات والمخاطر وآليات مواجهتها ، والتي تعتمدها كجزء من برنامجها السياسي والعملي من خلال المؤسسات السورية وهذا التعريف يضم بين دفتيه محورين عسكري وسياسي, والجانب العسكري يركز على مواجه العنف وتشخيص التهديدات التي تواجه سوريا والتي هي الإرهاب والتمرد والتخريب والفساد والجريمة المنظمة والتهديد الإقليمي والتدخل في الشؤون الداخلية والمليشيات والفكر الدكتاتوري والعنف الطائفي والمهجرون والمهاجرون والبطالة وغيرها .
أما الجانب السياسي فيتمثل في أجراء مصالحة وطنية حقيقية بين أبناء الشعب السوري سواء كانوا من الساسة أو من عموم الشعب، والمصالحة الوطنية اعتبرتها البيئة الآمنة من الوسائل الاستراتيجية المهمة التي تعمل على رأب الصدع وردم الهوة الطائفية التي صنعها فكر الاستبداد الذي كرسه الأسد واقعا مؤلما بين أبناء الشعب.

أهمية الإستراتيجية

إن لاستراتيجية البيئة الآمنة أهمية كبيرة تكمن في النقاط التالية:
1- أدراك التهديدات والمخاطر الحقيقية التي تواجه سوريا سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة وعلى كافة المستويات من اجل تهيئة السبل الكفيلة بمواجهتها والقضاء عليها.
2- توفير آلية استراتيجية فعالة لتوحيد وتنسيق الجهود والمواقف السياسية السورية إزاء القضايا الحساسة الأمنية الكبرى التي تتطلب استجابة سريعة مدروسة وقرار حاسم فعٌال .
3- تنظيم عمل الوزرات السورية حيث ستخلق الاستراتيجية بيئة سليمة لعمل رؤية منظمة وعمل منسق متكامل أذا استطاعت هذه الوزارات ومؤسسات الدولة السورية أن تطبق الاستراتيجية وتستند لها في وضع سياستها وخططها فيما يتعلق بالأمن القومي السوري.
4- فتح أواصر من العلاقات الجديدة الإيجابية مع المجتمع الدولي من جهة أولى والدول الإقليمية المجاورة من جهة ثانية والتي سوف تؤدي إلى أقناع الجميع بتوجهات سوريا ونواياها التي تكمن في بناء بلد ديمقراطي حر مستقل .
5- خلق رابط وطني بين الشعب السوري و قيادته الجديدة من أجل العمل المشترك يداً بيد لبناء سورية وإعادة أعمارها وتأسيس دولة القانون وإرساء أسس الديمقراطية والعدالة .
6- إيجاد بيئة ايجابية مشجعة تفتح الباب للحوار والمصالحة والتلاقي من أجل وأد الخلافات الجانبية وإجهاض كل محاولات الفتنة.
7- تأمين كيان الدولة داخليا وخارجيا.
8- تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
9- تحقيق الرضا التام لأفراد المجتمع (عدالة انتقالية – محاربة فساد – تعديل القوانين -…الخ).
10- تفكيك المنظومة النزاعية التعبوية لكل الأطراف .
11- العودة الامنة والطوعية للاجئين.
12- حماية أمن الأقليات .
13- تجريد الأطراف من السلاح .
14- القضاء على بقايا الحرب الخطرة كحقول الألغام التي زرعها نظام الأسد وخاصة في الأرياف.
15- استعادة الحد الأدنى من المعايير الاجتماعية .
16- انطلاقة سياسية جديدة (الديمقراطية – حماية الأقليات – الاندماج المجتمعي – تعويض المتضررين – التأسيس لقيم جديدة).
17-ضمان الحقوق بممارسة الشعائر الدينية واحترام كل مكونات الشعب السوري.

إن اعتبارالبيئة الامنة مسألة وطنية مصيرية تتعلق بهويتنا السورية يمكن ان تؤدي إلى جملة من الآثار الإيجابية وابرزها:
1- البيئة الامنة تعكس تماسك الجبهة الداخلية وانسجامها على أصول ومبادئ ومنطلقات مشتركة.
2- تؤدي البيئة الامنة تؤدي الى هيكلة حقيقية في الجهاز الحكومي التنفيذي حتى يتمكن من القيام بدوره في تعزيز بيئة الأمن والأمان.
3- تقود البيئة الآمنة الى التنمية الاجتماعية وهي علاقة تلازمية فكلما ارتفع مستوى التنمية والتطور الاجتماعي كلما ازداد الأمن والاستقرار.
4- تفرز البيئة الآمنة تفرز التربية والمعرفة وهي ضرورية لنشر الوعي والمحافظة على القيم والأخلاق.
يعتبر خلق البيئة الآمنة مهمة تشاركية ومسؤولية المجتمع بالكامل ، وتتعزز البيئة الآمنة بالعدالة الاجتماعية والمساواة والحاكمية الجيدة وهي عوامل تؤدي الى تعزيز قوة الإنتاج واذكاء روح المواطنة والنهوض المتسارع بكل فئات المجتمع.

هذه هي استراتيجية البيئة الآمنة غرست نبتتها عقول وطنية سورية ورعتها وسقتها سواعد وطنية حاولت أن تؤسس منهجا واضحا ورؤية سليمة لعمل سورية ومؤسساتها المختلفة وهي لا تدعي الكمال ولا الخلو من المثالب فلا عمل كامل تام ولا أنجاز نهائي وهي تنتظر الرأي الساند والأفكار الايجابية التي يمكن أن تعضدها وتبين مواطن الإيجاب والنجاح من جهة والسهو والخطأ من جهة أخرى خدمة لهذا الشعب الذي ضرب أروع الأمثال في صبره وقوة أيمانه وتضحياته.

المعارضة للنظام هي مسؤولية الجميع… ولا أحد يتحمل المسؤولية بمفرده سواء كان فردا أم جماعة أو تنظيم… الكل يجب أن يساهم مساهمات إيجابية وفعّالة بما يستطيع… ولا يكتفى بالانتقاد لكل من يحاول ان يعمل. من لا يعمل… من لا يشارك في المقاومة… لا يحق له الانتقاد السلبي… لأنه هو جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل… الانتقاد يكون مع العمل… لتصحيح الأخطاء… طبعا “من لا يعمل لا يخطأ”.

البيئة الآمنة وهيكلة الأجهزة الأمنية والجيش

في سوريا التي تعج بالأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية فهي تمثل إحدى البؤر التي تتمثل فيها أزمة الديمقراطية وحكم القانون ، بحيث تتقاطع في عملها الاختلالات الجوهرية في عمل وعلاقات سلطات الدولة مع بعضها البعض ، لقد شكلت ظاهرة تعدد الأجهزة وعدم وضوح صلاحيات كلا منها وغياب قيادة مؤسساتية تشكل مرجعية لها بالترافق اللهم سوى قيادة الأسد لها حيث يعتبر هو المرجعية الوحيدة مع غياب قانون واضح منظم لإعمالها واستمرار بقاء نفس الأشخاص على قمة هرم كل منها، كل ذلك ساهم في تحويل هذه الأجهزة إلى إقطاعيات لمسؤوليها ومركز نفوذ لقادتها، مما افقدها مصداقيتها على ضوء هذه الحقيقة وهدد السلم الاجتماعي في غياب الشعور بالأمن والأمان بالرغم من الكلفة المالية المهولة لتغطية نفقات هذه الأجهزة ، مما يتطلب من القيادة الجديدة ان تضع نصب أعينها الإصلاح الجوهري في الهيكل الدستوري والقانوني والإداري للأمن السوري .
عند تناول هيكلة الأمن السوري يلزمنا الكثير من البحث المفصل والموضوعي والجريء في ذات الوقت، وتناولها هنا كعناوين عريضة ما هو إلا فاتحة ومدخل لذلك.

من أين تبدأ هيكلة الجهاز العسكري و الامني؟

ليس هناك ترياق جاهز ، إنما الهيكلة عبارة عن حالة تتكون في لحظة تاريخية متميزة تسود فيها إرادة سياسية جماعية للإصلاح ومستوىً من الأخلاقيات التي ترقى إلى أهمية تلك اللحظة ، وكما أن أسباب الخلل هي حصيلة تراكم فساد ومصالح اختلطت باجتهادات تكونت واستقرت عبر مراحل طويلة من الزمن، فقد يكون للإصلاح استحقاقاته ووقته ، وبطبيعة الحال، فإن أسباب الخلل قد انعكست من خلال نظام الحكم الذي كرسه الأب وتابع به الإبن والدستور والقوانين والأنظمة ، أن أزمة القطاع الأمني في سوريا إنما هي أزمة ديمقراطية وضعف في حكم القانون، لكون المؤسسة الأمنية بأشكالها وأنواعها المختلفة وقياداتها لم تكن محايدة إزاء الموقف من الشأن العام في مختلف الحقب التاريخية المعاصرة التي مر فيها البلد ، بل شكلت عنصرا هاماً في شبكة السلطة الأسدية وعملت دائماً على حمايتها وتنفيذ قرارتها الخاطئة وأضعفت من فكرة فصل السلطات المتوازن ، فالحديث عن إصلاح الامن يقتضي النظر إلى العلة، والعلة في فساد الجهاز الأمني، بتغوّل السلطة الحاكمة على السلطات الأخرى وضعف أو غياب الرقابة عليها، وبما أن الرقابة هي المهمة الرئيسية التي يمارسها القضاء ومجلس النواب على السلطة التنفيذية، فمحاور الأزمة والإصلاح فيه هي ذاتها ، فاختلال العلاقة فيما بين سلطات الدولة واستئثار السلطة بالحكم وتغوّلها على القضاء والبرلمان وكافة المؤسسات هو أساس معظم الاختلالات والأزمات، وما يتفرع عنها من مواضيع.

هناك ثلاثة نقاط أساسية توضع نصب الأعين عند التفكير بالهيكلة الأمنية:

اولا: إذا كانت السلطة التنفيذية قابلة للمحاسبة والمساءلة، وثانيا إذا كان القضاء مستقلاً وقادراً على بسط رقابته الدستورية، وثالثا معرفة فيما إذا كانت السلطة التشريعية قادرة على ممارسة رقابتها على السلطة التنفيذية .
وفي باب إصلاح الإطار القانوني للأمن، ينبغي التركيز على أن المطلوب في هذا المجال هو النص الدستوري الواضح والصريح على وجوب مهنية هذه الأجهزة والعاملين فيها وحيادها ووضعها تحت مسؤولية السلطة السياسية، واخضاعها للمراقبة والمساءلة والقانون كبقية مؤسسات الدولة الأخرى، وتوضيح صلاحياتها ، وتنظيم هياكلها وتحديد اعددها ، وفقاً للحاجة الفعلية، والغاء حالات الاستنفار التي توفر الغطاء لتعسفها واستخدامها للصلاحيات الواسعة غير المبررة ، وفي جانب التعبئة والتثقيف والتوجيه ، من الضروري مراجعة مضمون العقيدة التي يتم بموجبها بناء منظومة القيم التي يعبأ بها الكادر، بحيث يتم الولاء للوطن، حيث أن المؤشرات وطريقة تصرف الكادر الأمني تشير أن العقيدة الأساس التي يجري شحن الكادر بها تركز على الولاء للأسد وليس للوطن وكان نتيجته دمار البلد وفقدان الكثير من الأرواح بسبب ارتكاب النظام جرائم الإبادة الجماعية (كيماوي- براميل متفجرة) والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي والاعتقال التعسفي وموت مئات الالاف في السجون.
وخلاصة القول إن الخلل في الأمن السوري ما هو إلا نتاج طبيعي لمعادلة الوضع السائد المختل فيها لتوازن السلطات بشكل فاضح .
يبدأ الإصلاح إذا توافرت إرادة سياسية جماعية لدى كافة أطراف المعادلة أو لدى الأطراف القادرة على ترجيح كفة الهيكلة ، وعلى الجميع أن يدرك أن المؤسسات الأمنية يجب أن تخضع كغيرها إلى حكم القانون، وهو ما لا يتيسر إلا بتمكين سلطتي القضاء والتشريع من بسط رقابتهما الدستورية الواجبة، وبخلاف ذلك، فإن وضع القطاع الأمني سوف يبقى على ما هو عليه في خدمة معادلة الأمر الواقع ودفاعاً عن استئثار الأسد بالسلطة واحتكارها.

واقع استراتيجية البيئة الآمنة ومقومات تطبيقها

اولا : واقع الاستراتيجية
ان المقصود بالبيئة الامنة تحديدا هو امن سوريا الداخلي والخارجي فـالأمان يمتلـك عناصـر لبنـاء مرتكـزات اسـتراتيجية ذاتيـة تعكـس الجـوهر الأصـيل لهـذا الامـن ، فهنـاك الامكانـات الاقتصـادية والقـوة الحضـارية والكـم الـديمغرافي والبعـد الجغـرافي والقـيم الأصـيلة والمصـير الواحـد.
ان الأمـن أصـبح وفـق ما تم ذكره يفهـم بـدلالتين:
• الاولى ربـط الأمـن القـومي بالتنميـة.
• والثانيـة ربـط الأمـن القومي بالاستراتيجية ، ويقصد به قدرة هيئة الحكم الانتقالي على حماية البلد و قيمها الذاتية من التهديدات أيا كان مصـدرها. وهـذا يعـني ارتكـاز البيئة الآمنة علـى أسـس موضـوعية هـي حمايـة مصـالح الوطن وعلـى أسـس ذاتيـة هـي القـدرة علـى امتلاك الفاعلية لتوفير الحماية و دورها في احتواء مصادر التهديد المحتمل للحفاظ على سيادته واستقلاله وبـالرجوع الى المفـاهيم والمعطيـات الآنفـة الـذكر فـان البيئة الامنة بشـكل خـاص تتطلب توفر مبدأين أساسيين هما :
أ‌- مبـدأ ثابـت تفرضـه الظـروف الجيويولوتيكيـة لسوريا ويرتبط بسـلامة أراضـيها.
ب‌- مبدأ متحرك او متغير ويرتبط بالأهداف السياسية للنظام السياسي المستهدف (الذي مازالت ملامحه في سوريا في طـور التبلور) ونوعية القيادة فيه وما تضعه هذه القيادة من أهداف ومبادئ ووسائل لتحقيق هذه الأهداف.
تختلف مصادر تحديد الأمن القومي في المجال الـداخلي، عنهـا في المجـال الخـارجي، لـذلك فـإن البيئة الامنة تحـدد وسـائل ً
أولا : الوسائل الداخلية :
أ- سياسيا : تقوم بتنمية سياسة شاملة، تتضمن التوعية، وتحقيق التماسك السياسي
ب- اقتصـاديا ً وإتبـاع سياسـات اقتصـادية مدروسـة، وخطـط تنميـة اقتصـادية، تحقـق اسـتقلالاً اقتصـاديا ً، بمـا يحمـي الاقتصـاد ًوفقا للأهـداف الوطنيـة، ويضمن الـتخلص مـن التبعيـة اقتصـاديا ً ويؤدي إلى خلق بيئة مناسـبه ذاتيـا للاقتصاد الـوطني وحمايته مـن التهديـد، أو الهـزات الاقتصادية المصطنعة.
ج- اجتماعيــا المحافظة على مبادئ وقيم المجتمع، وتراثه الوطني والديني والعمــل علــى زيــادة التماســك الاجتمــاعي للدولــة (انــدماج الاقليــات والطوائــف والطبقــات ).
تمثـل استراتيجية البيئة الآمنة مـنهجا متكامـلا متعدد الأبعاد والجوانب سواء كانت السياسية أو العسكرية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية ويهدف المنهج إلى قراءة الواقع السوري قـراءة ً للتكامليـة العلميـة والحقـائق الواقعيـة الملموسـة والنهـوض بهذا الواقـع والرقـي والسـمو بمصـالحه صـحيحة وتشخيصـه وفقـا للمصلحة الوطنيـة نحـو حالـة متقدمـة متطـورة، كمـا أن هـذه الاسـتراتيجية تعتـبر مـنهجا لتحقيـق الأخـوة والمصـالحة بـين أبنـاء الـوطن الواحد بالإضافة إلى الحد من التهديدات والمخاطر الخارجية والداخلية المحيطة بسورية.
ان لاستراتيجية البيئة الامنة ميـزة مهمـة ومـدلولات كبـيرة فالوطن هـو الهـدف المنشـود والغايـة الأساسـية مـن هـذه الاسـتراتيجية وليسـت المصـالح الفئويـة أو المذهبيـة أو الطائفيـة أو القوميـة أو العرقيـة أو حـتى الشخصـية ، أمـا الجانـب السياسـي فتمثـل في انتقال سياسي وإجـراء مصـالحة وطنيـة حقيقيـة بـين أبنـاء الشـعب السوري سـواء كـانوا مـن الساسـة أو مـن عمـوم الشـعب.
وتضم هذه الاستراتيجية أربعـة مـداخل هـي
المـدخل الأول: الـذي احتـوى الرؤيـة الوطنيـة السورية والبيئـة الاسـتراتيجية .
المـدخل الثـاني: بـاب المصـالح الوطنيـة والـذي يشـمل (المصـالح السياسـية والمصـالح الامنيـة والمصـالح الاقتصـادية والمصـالح الاجتماعيـة).
المـدخل الثالـث: العنـف والتمـرد والتخريـب والفسـاد والجريمـة المنظمـة والميليشـيات المسلحة وأهمها الشيعية بمختلف تنوعاتها حسب مصادرها.
المـدخل الرابـع :الوسـائل الاستراتيجية وتشمل المجال السياسي العام (المصالحة الوطنية والمراجع الدستورية وسيادة القانون وهيكلة المؤسسات العسكرية والامنية .
وفي اطـار ذلـك البيئة الامنة تأخذ بعين الاعتبار البيئة المحيطة وما يستجد من ظروف وهي البيئة الخارجية وأبرز عواملها المؤثرة حاليا في الوضع السوري هي:
1- قوات الاحتلال المتواجدة في سوريا .
2- التهديد الإسرائيلي.
3- الدور الإيراني في سوريا والميليشيات الإرهابية التابعة له.
4- دوائر المخابرات الأجنبية المختلفة في سوريا.
5- عصابات الجريمة المنظمة ومنظمات الظل العاملة على أرض سورية كميليشات الدفاع الوطني وكتائب البعث كأمثلة.
6- القانون الدولي والضغوط الروسية على الأمم المتحدة.
7- التعويضات المالية وإعادة أعمار سوريا دوليا وعربيا بعد الحرب.
8- دور الدول العربية في سوريا.
9- الثروات الطبيعية الاستراتيجية وكيفية تداولها والحفاظ عليها وفق المنظور الوطني بما يحقق الرفاهية للشعب السوري وحمايتها من القرصنة الخارجية.
10- الموقف الدولي وعودة سوريا كدولة مستقلة ذات سيادة كاملة .
البيئة الداخلية وتضم
• فصائل المقاومة السورية .
• القـوى والأحـزاب السياسـية والجماهيريـة والعشـائرية الوطنيـة السورية المعارضـة ودورها في ترصين سيادة واستقلال سوريا وإعادتها إلى محيطها العربي والإسلامي والدولي.
• الشخصيات الوطنية والنخب العلمية السورية المناهضة للاحتلال والنظام والعملية السياسية والنخب العلمية ورؤوس الأمـوال المهجـرة والمهـاجرة ودورهـا في ترصـين سـيادة واسـتقلال الوطن وإعادتـه إلى محيطـه العـربي والإسلامي والدولي.
• ضباط ومنتسبي الجيش المنشقين ودورهم في ترصين استقلال سورية.
• أعادة هيكلة أساليب وطرق وعقيدة الجيش الحالي والقوات المسلحة الحالية والمنظور المهني الوطني المستقل.
• المعتقلـين وخطـة إطـلاق سـراحهم وحقـوقهم الماديـة والمعنويـة وكيفيـة تعـويض الأضـرار الـتي لحقـت بهـم وعـوائلهم وإعادة تأهلهم نفسيا وماديا.
• المهجرين والنازحين في الداخل ودول الجوار الاخرى .
• حقوق المرآة والأرامل الذي بلغ عددهن الملايين وهذه مشاكل اجتماعية في غاية الخطورة.
ثانيا: مقومات تطبيقها
يعتمد تطبيق استراتيجية البيئة الآمنة على ثلاثة أسس أساسية :
1- تحديـد الأهـداف فهـي الغايـات النهائيـة المطلـوب الوصـول اليهـا ، ويـتم تحديـد الأهـداف العليـا عـبر السـلطة السياسـية الانتقالية المختصـة ممـا يحتـاج الى ترتيـب هـذه الأهـداف فيمـا بينهـا علـى أسـاس وضـع أولويـة وأسـبقية في التنفيـذ. وتجري المفاضلة بين تلك الأهداف على أساس مدى تعلقها بالأمن والمصالح مما يـدفع للاختيـار بين بدائل معينة ومحاولة توجيه العمل عبر اتباع سياسات مدروسة محددة الأهداف والنتائج.
2- تحديد الوسائل : بعد تحديد الأهداف يتم تحديد الوسائل التي يمكـن بها تحقيق الأهداف وتسـتلزم جمـع المعلومـات وتحليلهـا اللازمة ،و تحديد الموارد اللازمة لتنفيذ الخطة والجهاز البشري اللازم لتنفيذها ، ووضع عدد مـن الخطـط البديلـة وتوضــيح إيجابيـات وسـلبيات كـل منهــا لكـي تسـتطيع في ضـوء ذلــك اختيـار الخطـة الافضــل واقرارها .
3- تحديد التوقيت الزمني : يتطلب التخطيط تحديد موعد بدء التنفيذ والانتهاء منه عبر إعداد جدول زمني للتنفيذ والاعتماد على مرحلية الأهداف ، خاصة وأن الوقت عنصر مهم في أية خطة لضـمان الموازنـة في التنفيـذ فلايكـون هناك تقصير وإطالة في الخطة .
وعليه فأن نجاح استراتيجية البيئة الآمنة يتطلب الاعتماد على مجموعة من المقومات الأساسية مع ضرورة التنسيق الفعلي بينها لضمان التنفيذ وهذه المقومات هي:
1- المقوم السياسي: ويشمل السياسة الداخلية ويجب أن تأخذ بالاعتبار المكونات السياسية السورية والتطـور السياسـي والديناميكيـة السياسـية وكـل واحـدة من هذه العناصر تشتمل على عناصر أخرى. فالمكونات السياسية هي مجموعة الأفكار والقيم والاتجاهات التي تسير بمقتضاها الحركة السياسية والديناميكية السياسية تحتـوي علـى أسـلوب القيـادة السياسـية وسـلطة اتخـاذ القـرار والقواعـد المنظمـة لـذلك، ودرجـة التطـور السياسـي تشـتمل قـدرة الجهـاز القيـادي علـى التنسـيق بـين جميـع العناصر.
2- السياسة الخارجية : وتشمل وضع السياسة الخارجية والجهاز الدبلوماسي الذي يقوم بتنفيذها وكيفية استخدام مصادر القوة عندها وكيفية ممارسة ذلك في المنظمات الدولية والرأي العام الـدولي ومـع الـدول الأخـرى وكيفية التعامل مع المصالح الحيوية في الخارج والقدرة على مد النفوذ وشرح الأهداف للمجتمع الدولي.
3- المؤسسات السياسية : وتشمل التنظيمات السياسية وسائل الإعلام وخبرات القيادة السياسية في حشد الجماهير خلف سياستها .
4- المقوم الاقتصادي: ويلعب العامل الأقوىً في وضع الاستراتيجية بل يشكل الاقتصاد عاملاً أساسيا ً مهما في خدمة الاستراتيجية وخاصة في بعدها العسكري والاجتماعي ويشمل المجال الاقتصادي ما يلي:
• القـدرة الاقتصـادية لسوريا ومـدى تـوفر المـواد الغذائيـة مـن مصـادر محليـة أو صـديقة ومـدى قـدرة تأمينهـا. وتوفر الموارد الطبيعية (طاقة – معادن – ثروات طبيعية – مياه).
• المؤثرات علـى العنصـر الاقتصـادي: وتشـمل فـروع الاقتصـاد مـن زراعـة – صـناعة – تجـارة وتكنولوجيـا متاحـة محليـة أو مستوردة. ويدخل في العامل التجاري وضع ميزان المدفوعات في الدولة ومديونية الدولة والإنتاج والاسـتهلاك والتضـخم ومعدل التنمية وغير ذلك من العوامل.
5- المقـوم الثقـافي والمعنـوي : للثقافة دور مهم في الاسـتراتيجية لخلق اللبيئة الآمنة مـن حيـث تـاريخ الشـعب والأمـة وتبيان الإرث الثقافي للأمة وقيمها الحضارية والثقافيـة ومـدى إسـهامها الحضـاري والإنسـاني في مجـال الثقافـة العالميـة أو محيطهـا الإقليمـي لأن هـذه العوامـل تشـكل الـروح القوميـة للأمـة. ويقـوم التعلـيم والمؤسسـات العلميـة والثقافيـة مقـام الحجـر الأسـاس للقاعـدة الثقافيـة للدولـة وعـدد الجامعـات والمـدارس ونسـبة المتعلمـين وقـدرة التعلـيم علـى تحقيـق التنميـة الروحيـة والثقافيـة وإسـهام العلـم والثقافـة والتكنولوجيـا في تقويـة التعبـير عـن القـوة الماديـة للدولـة والأمـة. كمـا أن ً في تقوية المناعة الفكرية والثقافية للدولـة أثرا قويا في تحديد شخصـيتها الفكريـة لا باعتبارهـا معزولة بثقافتها عن الآخر وإنما بتكاملها مع الآخـر وقـدرتها علـى الإفـادة والاسـتفادة في محـيط إنسـاني يأخـذ مـن الثقافـة العالمية ويعطيها دون تعصب أو تمييز أو هيمنة. أي الإيمان بحوار الثقافات وتفاعلها الإنساني.
6- المقوم العسكري والأمني: وتشمل قدرة البيئة الامنة على بناء قوة عسكرية سورية قادرة على حماية القـيم الحيويـة للأمـة وحمايـة ً أمنها الخارجي والداخلي. وتضم القوة العسكرية إطارا وتتطور وتحقق أهداف البيئة الامنة بمفهومها الشامل. وإذا كان الأمن الخارجي يشمل إقامة منظومـة عسـكرية متكاملـة لردع العدو المحتمل وحماية الوطن وتحقيـق الأمـن مـن التهديـد الخـارجي فـإن الأمـن الـداخلي يشـمل إشـباع حاجـة المـواطن للشعور بالطمأنينة في الداخل وحماية حقه داخل الجماعة وتحقيق حقوقـه المشـروعة في البيئـة الاجتماعيـة المحيطـة والـدفاع عنها وحمايتها.
7- المقــوم الاجتمــاعي : ويضــم مجموعــة مــن العوامــل الــتي تكــون الأمــن الاجتمــاعي وتعكــس درجــة الــوعي ً، ومــدى ممارســة المــواطن لحقوقــه السياســية والاجتماعيــة وشــكل ً المؤسســات الاجتماعيــة الــتي تعكــس درجــة تطــور المجتمــع، ومــدى علاقــة هــذه التنظيمــات في ممارســة الحقــوق السياسـية وشـكل الهـرم الاجتمـاعي والشـعور بالسلم المجتمعي والطبقـي وحقـوق المـواطن في التعلـيم والصـحة والعمل ومدى تطور القوانين التي تحمي المواطن وحقه في التقاضي، والفصل بين السلطات.
ونخلـص مـن ذلـك إلى وضـع قاعـدة عامـة مؤداهـا أن اسـتراتيجية البيئة الامنة يجـب أن تتضـمن جميـع المبادئ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والأمنية لوضع القواعـد العامـة والـنظم والخطـط والوسـائل الـتي تأخـذهـا القيـادة الجديدة لتـأمين الدولـة لأمنهـا الـداخلي والخـارجي . فالاهـداف الاسـتراتيجية يجب ان ترتكز على ضمان الاستقرار باحتواء التهديدات العسكرية وغير العسكرية التي تشمل الجوانب الفكرية والاقتصادية والسياسية ذات الصلة بالإرهاب وقطع الإمدادات الخارجية عنها فالتخطيط الدقيق للأمن يجب أن لايهمل دور المواطن في دعم الخطط التي ستوفر المناعة له بما يجعله قادرا على التصدي للتحديات الداخلية والتهديدات الخارجية مع مراعاة الانسجام بين أهداف الأمن القومي الداخلي وحقوق الإنسان والانسجام المجتمعي والاستقرار السياسي وتوسيع قاعدة الاتفاق على الرأي بوسائل ديمقراطية هدفها المصلحة الوطنية العليـا ، ممـا سـيعزز قـدرة الشـعب على التماسك أمـام الضـغوط النفسـية والماديـة الـتي تمارسـها أطـراف أخـرى ، لـذلك فـأن الأمـن الـداخلي مـرتبط بالخـارج ويجـب الانتبـاه الى ضـرورة إيجـاد بيئـة إقليميـة ملائمـة معتمـدين الصـيغ السـليمة كـالحوار والاقنـاع ورفـض التدخل في الشؤون الداخلية بكافة أشكاله المباشرة وغير المباشرة.
ثالثا: مبادئ العمل اللازمة لاستراتيجية البيئة الامنة
طالما أن المواجهة مع أي عدو محتمل هي مواجهة ثقافية وسياسية وعسكرية وحضارية لذلك لابـد مـن تـوفر الآتي:
1- وحـدة الفكـر الاسـتراتيجي: ويشـتمل مجموعـة مـن الأفكـار والوسـائل التكتيكيـة الخاصـة لـدفع الخطـة الناجحـة لتحقيـق هدف أساسي يتوخى مواجهة العدو والانتصار عليه .
2- العقائد الاستراتيجية: وتشمل التعرف على تاريخ الأمة ومعاركها والدروس المسـتفادة منهـا وعوامـل القـوة فيهـا ويجـب أن تحتـــوي الاســـتراتيجية علـــى محتـــويين
الأول مفهـــوم تقـــني خـــاص بـــالعلم الاســـتراتيجي ووســـائل عقلنـــة الاستراتيجية وفق نماذج خاصـة واضـحة ومدروسـة وممكنـة التنفيـذ .
الثـاني دراسـة المنظومـات السـلوكية لردات الفعل من اتباع الأسد والتعـرف على إمكانيات القدرة وعلى توقع السلوك والتصرفات التي يقومون بها في كـل مرحلـة من مراحل الصراع.
3- الثقافة العامة : والمقصود بها معرفة التطور النظـري والعملـي في المجـال العسـكري بعد الهيكلة وغـيره، والتطـورات الحاصـلة لديـه والخبرات المكتسبة ويجب النظر إليها من الناحيـة الكميـة والنوعيـة أي النظـر للـتراكم في الماضـي والمسـتقبل ور صـد التطـور الحركي مثل التطورات التي تطرأ على القوات المسلحة .
رابعا : آليات تفعيل الاستراتيجية الشاملة للبيئة الامنة
ان من الضروري اعتماد الاستراتيجية الشاملة على مجموعـة مـن المراحـل لضـمان تفعيلهـا وانجاحهـا وتتمثل هذه المراحل بالاتي
1- التخطيط المعتمد على التركيز في اعداد الموازنة الاستراتيجية للأهداف والموارد والامكانيات وتنفيذها.
2- يكون التركيز على مرحلة التخطيط المستند على التنبؤ لسنوات قادمة وغالبا الأداء في الامد القصير او المتوسط فضلاً عن مشاكل توفير البيانات اللازمة للتخطيط.
3- اكتشاف طرائـق جديـدة لتحديـد الحاجـات وتبـني نظـرة اكثـر ديناميكيـة خلال مرحلة التخطيط الموجه لمسألة تخصيص الموارد البديلة لاستخداماتها.
4- يتم الاندماج بين التخطيط والادارة في عملية واحدة هي عملية التخطيط المكثف والعميق والمرن والخـلاق ونظـام القـيم المساند الذي يعكس الاتجاهات الخاصة ببعض القضايا .
الإطار العام لاستراتيجية البيئة الآمنة في سوريا
يتضمن الإطار العام لاستراتيجية بيئة العمل الآمنة في سوريا النقاط التالية:
• الموقف الذي تسعى الاستراتيجية الى مواجهته.
• الاهداف المطلوبة.
• الموارد والامكانيات المتوافرة لاستخدامها في تحقيق الاهداف.
• الوسـائل والادوات الـتي يـتم ترجيحهـا والتنسـيق بينهـا لتحقيـق الاهـداف ممـا يـؤدي الى تفعيـل القـدرات والحـد مـن التناقضات.
• الخطط الفرعية التي من خلالها تتميز الاستراتيجية بالمرونة في مواجهة ما يستجد من احداث وعليه توجد مجموعة من الآليات المطروحة للنهوض باستراتيجية البيئة الآمنة وتفعيلهـا في ضـوء التجربـة السورية فضـلاً عن تجارب الدول السابقة ومن هذه الأليات
1- أدراك التهديدات والمخاطر الحقيقية التي تواجه سوريا سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة وعلى كافـة المسـتويات من اجل تهيئة السبل الكفيلة بمواجهتها والقضاء عليها.
2- تـوفير آليـة إسـتراتيجية فعالـة لتوحيـد وتنسـيق الجهـود والمواقـف السياسـية إزاء القضـايا الحساسـة الأمنيـة الكبرى التي تتطلب استجابة سريعة مدروسة وقرار حاسم.3- تنظيم عمل الوزارات السورية حيث ستخلق الاستراتيجية بيئة سليمة لعمل رؤية منظمة وعمل منسق متكامل أذا اسـتطاعت هـذه الـوزارات ومؤسسـات الدولـة أن تطبـق الاستراتيجية وتسـتند لهـا في وضـع سياسـتها وخططها فيما يتعلق بالبيئة الآمنة.
4- فتح أواصر من العلاقات الجديـدة الإيجابيـة مـع المجتمـع الـدولي مـن جهـة أولى والدول الإقليميـة المجاورة مـن جهـة ثانية والتي سوف تؤدي إلى أقناع الجميع بتوجهات هيئة الحكم الانتقالي ونواياها التي تكمن في بناء وطن ديمقراطـي حر مستقل.
5- خلـق رابـط وطـني بـين الشـعب السوري وحكومتـه الانتقالية مـن اجـل العمـل المشـترك يـدا بيـد لبنـاء سوريا وإعادة أعمارة وتأسيس دولة القانون وإرساء أسس الديمقراطية والعدالة.
6- إيجاد بيئة ايجابية مشجعة تفتح الباب للحوار والمصالحة والتلاقي بين مكونات المجتمع من اجل وأد الخلافات الجانبية وأجهاض كل محاولات الفتنة
7- – تكريس مشروعية دستورية ـ شعبية للانتقال السياسي للحكم وإقامة المؤسسات الضرورية التي تكفل ذلك.
8- تكريس ملكية شعبية وطنية عامة للثروات الطبيعية ووضع آلية رقابة ومحاسبة فعالة لطرق استغلالها وانفاقهـا وتطال هذه الملكية كافة الموارد والودائع والاستثمارات الخارجية.
9- تكـريس تنميـة داخليـة وطنيـة متوازنـة تطـال كامـل الرقعـة الجغرافيـة ـ السـكانية وتسـتجيب للحاجـات الاقتصـادية والاجتماعيـة، المعيشـية، الثقافيـة والفنيـة للشـعب وتأخـذ في الاعتبـار حرصـها علـى التكامـل التنمـوي الاقتصـادي مـع البيئـة العربيـة المحيطـة مباشـرة والأبعـد، والتنبـه إلى مخـاطر توسـيع الفجـوة التنمويـة مـع الـدول العربيـة الأخـرى.
10- وضع الخطط الضرورية التي تكفل تقليص معدلات البطالة على المستويين الوطني والقومي .
11- التوقـف بجديـة أمـام وجود كافة القوى العسـكرية والأمنيـة الأجنبيـة، ومـا يرافقهـا مـن مـنح تسـهيلات وقواعد دائمة ومراجعة الاتفاقيات التي أبرمها نظام الأسد لتعديلها او الغائها .
12- التفهم الاكثر شمولاً لموضوع التفكير الاستراتيجي وكيفية استخدامه في الادارة والتوجيه .
13- اعادة صياغة الاتجاه الاستراتيجي المحدد وتأكيده وادخال التغييرات المطلوبة عليه.
14- اكتساب المهارة عند صياغة السياسات والاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق الاهداف.
15- الشروع بتنفيذ تلك الاستراتيجيات.
16- التلاؤم مع سلوكيات مختلفة كممارسة الأنشطة النظرية الهادفة بدلا من حالة الجمود الناتجة عن الاستمرار في ممارسة الاجراءات العملية الاعتيادية
17- التعـود بشـكل اكـبر علــى ممارسـة عمليـة التكامـل الـذهني بـين الفكـر والاسـتراتيجية عـبر تحقيـق مهـارة أكـبر في الانتقال من أسلوب الى آخر بديل حسبما يتطلب الوقت ذلك.
18- تنمية القدرات ودرجـة الفهـم للأسـاليب والكيفيـات وطريقـة اسـتخدامها كلمـا ظهـر ت الحاجـة لـذلك أي وفقـا لمتطلبات الموقف المعين الذي تواجهه .
19- التعـرف علـى مجمـل القضـايا الـتي تواجـه المفكـر الاسـتراتيجي والتعامـل معـه بطريقـة تتسـم بالإبداع عنـد اختيـار الاسلوب المحدد في اتخاذ الاجراءات.
20- القدرة على اقتناص الفرص والعمل بابتكار بدل استغلال الفرص المتاحة.
21- الاستغلال الأمثل للوقت في معالجة المسائل المهمة.
22- امتلاك الثقة في امكانية التفكير استراتيجيا ازاء القضايا الرئيسة او الثانوية.
23- دور القيادات الدينية والروحية والفكرية:
أ‌- إعادة الثقة ورتق النسيج الاجتماعي من المستوى القاعدي للجماعات وإزالة القلق والخوف والشك من نفوس المهجرين العائدين وتشجيع الناس وتطمينهم للعودة الى ديارهم وتأكيد الحماية لهم من قبل القوة الجمعية للمجتمع والدفاع الجماعي والزود عنهم .
ب‌- احتواء النزاع ومنع تصاعده تمهيدا لحله والحوار والتفاوض لحل النزاعات حتى التي تحمل الطابع السياسي وفض النزاعات المحلية ونشر روح التسامح وتشجيع حملة السلاح على تسليم أسلحتهم .
ت‌- المساهمة في خلق بيئة آمنة وسلام مستدام بسبب معرفتهم بسلوك افراد مجتمعاتهم واقتراح المشاريع التي تساهم في عودة روح الاندماج .

رسالة البيئة الامنة الى الطائفة العلوية

أثبتت الأحداث منذ الثورة ضد حكم النظام الاسدي وحكم البعث أن الطائفة العلوية يمكن أن تكون وقودا وحطبا لنيران الحقد الطائفي والقومي، وأن الأجندات الخارجية يمكنها توظيف ارتباكهم وعدم وضوح رؤيتهم في التعامل مع مستجدات الأحداث بطريقة لا تحقق مصالحهم. وعندما يستوعب العلويين هذا الدرس القاسي الذي مروا به عليهم الانتباه إلى ما يلي:
أولا: عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء: ويقصد بهذا من المفيد أن يدرك العلويين في سوريا واقع التغيير السياسي فالجميع يعلم أن المعادلة السياسية قبل تاريخ الثورة كانت تميل لصالحهم بشكل مجحف على حساب السنة والكرد وغيرهم من مكونات الشعب السوري ، مع اتصاف أنظمة الحكم التي مثلتهم بطابع استبدادي مسرف جلب الخراب والدمار إلى البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلد، ولم يسلم من هذا الضرر جزئيا حتى أبناء المكون العلوي أنفسهم. لقد سقطت هذه المعادلة السياسية بسقوط نظام الأسد وفقدانه الشرعية ولن تعود مرة أخرى، وعلى قادة المكون العلوي إدراك ذلك والإيمان بالتغيير والعمل وفقا للحقائق الجديدة؛ لأسباب عدة منها:
– إن توقع عودة الأمور إلى ما كانت عليه سابقا أمر يخالف المنطق، فجميع مكونات الشعب السوري الأخرى متمسكة بعناد بخيار رحيل السلطة ومحاكمتها وترفض تهميشها وإنكار وجودها مرة أخرى من أي طرف.
– من شأن الاعتقاد بعودة عقارب الساعة إلى الوراء أن يؤدي إلى إضعاف الفاعلية القيادية للساسة العلويين من جانب، ومن جانب آخر سوف يوسع الفجوة الموجودة فعلا بينهم وبين شركائهم من المكونات الأخرى، وهذا الأمر ليس في مصلحة البلد.
– إن اعتماد هكذا أسلوب تفكير سوف يدفع معتنقه إلى إنكار الواقع السياسي الجديد القائم في سوريا ، وعرقلة مسيرة العملية السياسية، وترويج العقلية التآمرية في السلوك السياسي للنخب الحاكمة .
– كما سيقود هكذا خطأ سياسي إلى تأزم العلاقة بين مكونات الشعب الواحد، وتحطيم جسور الثقة بينها، ومنع تعزيز التعايش السلمي والحوار المتبادل.

رسالة البيئة الآمنة الى أكراد سوريا

القول بأن الكرد يمكنهم الشعور بالأمان بعيدا عن سوريا ، ربما لا يمثل المصلحة الكردية العليا، والأمن ليس الدافع الوحيد لربط الكرد بسوريا واحدة بل إن المصلحة الاقتصادية تعد رابطا عظيم الأهمية، فضلا على الثقل السياسي في المحيط الإقليمي والدولي. ومن حق الكرد أن يساهموا بفاعلية في إدارة بلادهم كشركاء حقيقيين من خلال:
أولا: ترك الاندفاع السياسي وراء حلم كردستان: كثيرا ما جرى الحديث في الأدبيات الكردية السياسية ومنذ بداية الثورة وحتى الوقت الحاضر عن حلم إقامة دولة كردستان الكبرى التي تمتد قوميا لتضم كل الأكراد في سوريا والدول المجاورة، والحديث عن هذا الحلم هو حق قومي لهم لا يمكن لومهم عليه، كما كان وما زال للعرب حلمهم القومي في قيام دولة عربية واحدة تشمل كل العرب في آسيا وشمال أفريقيا، لكن من الجيد أن لا يتجاوز الأمر حد الحلم والأمنيات إلى الادلجة السياسية في إطار مشروع سياسي؛ وذلك للأسباب الآتية:
– إن عصر الاندفاعات القومية قد ولى زمنه ودخل العالم منذ وقت طويل إلى عصر احترام واقع الدول كما هو عليه الآن، وليس من مصلحة الكرد في سوريا العمل خارج إطار المتغيرات القائمة في الوضع الدولي والإقليمي القائــم.
– سوف يستجلب العمل السياسي في إطار هذا الموضوع نقمة وعداوة الدول الإقليمية التي فيها أقليات من القومية الكردية مما قد يزعزع الأمن والاستقرار في سوريا بشكل عام وخسارة جميع المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حققها أكراد سوريا بعد وقت طويل من النضال والتضحيات التي قدمها الشعب السوري من خلال ثورته معترفا بحقوق الاكراد التي حرمهم منها نظام الأسد.
– سينمّي الاندفاع السياسي وراء هذا المشروع الأفكار العنيفة والمتطرفة في الشارع السياسي الكردي من قبل قوميين كرد متطرفين يعميهم الجري وراء المشروع القومي عن حقائق الواقع الوطني والإقليمي وسيلحقون الأذى بأنفسهم وشركائهم في الوطن كما أعمت هذه الاندفاعات القومية من قبل إخوانهم من القوميين العرب.
– لا شك أن الإيمان السياسي بالوطن القومي الكردي سيقطع الصلة بين الكرد وغيرهم من مكونات الشعب السوري ؛ لأنهم لن يشعروا بالانتماء إلى هذا البلد، بل سوف يشعرون أن وجودهم في إطاره وجودا مؤقتا وغير دائم مما سينعكس على فاعلية دورهم في بنائه، وترسيخ عدم ثقة بقية المكونات بهم، وهكذا وضع سيترك نتائج لا تحمد عقباها على الجميع .
ثانيا: ترك التفكير بإمكانية الانفصال السياسي عن سوريا :- ربما يعتقد بعض الساسة الكرد أنهم ليسوا في إطار التفكير في إقامة وطن قومي لهم يحقق حلم كردستان ، ولكنهم قد يفكرون جديا بالانفصال السياسي عن سوريا وإقامة دولة مستقلة في حدود إقليم ، مستفيدين من العلاقات الجيدة مع عدد من الدول الكبرى، ومن إغراءات ووعود دول معينة، وراغبين بالنأي بأنفسهم عن المشاكل والأزمات السياسية. لكن هذا التفكير سيكون خاطئا تماما وغير محسوب النتائج بدقة من معتنقيه على الرغم من السيناريو الايجابي الذي سيقدمونه به للرأي العام الكردي، وذلك للحقائق الآتية :
– واقع الأمور في سوريا لا يسمح لهم بمجرد التفكير بالانفصال وخرق هذه الحقائق لن يجر إلا الدمار والخراب والألم على الجميع.
– سيواجه الكرد في حال إعلانهم الانفصال تدخلا سافرا ونقمة عارمة من كل من إيران وتركيا وهي دول لديها أقليات كردية ولا تريد أن يكون أكراد سوريا أنموذجا لهم في المطالبة بالانفصال، ولا يتوقع الكرد أن تتغير قناعات هذه الدول على الرغم من العلاقات الجيدة معها؛ لأن القضية قضية أمن قومي على أعلى درجات الخطورة.
– إذا عمل الكرد مع شركائهم الآخرين في الحكم وهم يحملون التفكير بعقلية الانفصال من شأن ذلك أن يهز ثقة شركائهم بهم مما سيقود إلى حالة من التوتر والتأزم في العلاقة بين الجانبين.
– سيؤثر هكذا نمط من التفكير على مستوى الولاء والانتماء الذي يحمله معتنقه لسوريا ؛ إذ سيفقـد حبه وانتماءه ورغبته في العمل كشريــك فاعـــــــل في بناء البـلــد.
– لا يستبعد أن يندفع بعض المعتنقين لهذا التفكير إلى أسلوب متطرف وعنيف من السلوك السياسي يضر به نفسه أولا وأبناء وطنه الآخرين ثانيا.
– يجب أن لا يطمئن الساسة الكرد إلى وعود بعض الأطراف الدولية والإقليمية للاندفاع وراء هكذا توجه، فهذه الأطراف لديها صراعاتها وتحدياتها وتحالفاتها في المنطقة ولا تستطيع عند نقطة معينة أن تضحي بمصالحها الخاصة لحساب مصلحة الكرد في سوريا .
ثالثا: التحرر من معاناة عقدة المظلومية السياسية: لا شك أن الكرد في سوريا تعرضوا لكثير من الظلم والإقصاء والتهميش من قِبل نظام الحكم الأسدي شأنهم شأن مواطني سوريا ، وهذا الأمر شكل صدمات اجتماعية وسياسية تركت تأثيرها على العقل الجمعي والفردي والوضع النفسي لهم. لكن الوضع بعد الثورة تغير واستعادوا كثيرا من حقوقهم، وأصبحوا شركاء رئيسيين في كافة هيئات ومؤسسات الثورة ، وعليهم الآن التحرر من عقدة المظلومية السياسية ووضع البرامج المناسبة لمعالجة الآثار الاجتماعية والسياسية التي تركتها عليهم معاناتهم في العهود السابقة، والاندفاع باتجاه تكييف وجودهم في إطار مجتمع سوري معافى من العقد والأزمات السابقة، أما إذا لم يتحرروا من الشعور بعقدة المظلومية السياسية، فستكون لذلك انعكاسات سلبية عليهم .
ملخص
تمثل استراتيجية البيئة الامنة خطة عامة لخلق بيئة ملائمة للانتقال السياسي للحفاظ على مصالح سوريا الحيوية من خلال رسم وتحقيق الأهداف الاستراتيجية لهذه المرحلة، وتحديد أولويات التهديدات، والمخاطر على المصالح الحيوية باستخدام كل الوسائل المتيسرة الأمنية والسياسية والثقافية وغيرها ضمن نظرة شمولية تضمن تكامل القناعات المختلفة
وانصب الاهتمام الرئيسي لهذه الاستراتيجية على مسائل حيوية في مقدمتها:

1- تحرير المناطق والمواطنين من سيطرة داعش.
2- تلبية الاحتياجات الأساسية لضحايا مناطق الصراع.
3- إعادة النازحين والمهجرين قسريا.
4- تحقيق المصالحة الوطنية.
5- إصلاح القطاع الأمني.
6- مكافحة الإرهاب.
7- تفعيل سياسة الاصلاح ومكافحة الفساد7.
8- التشديد على حكم القانون بعد ادخال التعديلات اللازمة وإلغاء بعض القوانين.

9- ضمان حقوق الانسان وتقديم الخدمات9
10- بناء مؤسسات الدولة وفقا للمبادئ التي تحقق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
11- بناء الثقة في مؤسسات الدولة لتحقيق الأمن والتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
12- تعزيز الوحدة الوطنية.
13- تاكيد الدور الريادي للدبلوماسية السورية في تعزيز روابط العلاقات الاقليمية والدولية ومعالجة المشاكل عن طريق الحوار.
14- اخراج الميليشيات الشيعية وايران وكافة القوات المحتلة من سورية .
15- وحدة الشعب بدلا من الطائفية التي كرسها حكم الأسد .
16- الاستقلال في مجابهة الاحتلال بكافة اوجهه .
17- التنمية في مواجهة التخلف.
18- لعدالة في مواجهة الاستغلال .
19- الديمقراطية في مواجهة الاستبداد.
20- لتجدد الحضاري الأصيل للشعب السوري في مجابهة المسخ الثقافي المتمثل في شخصية الولاء للأسد .
مضمون الاستراتيجية
تضمنت الاستراتيجية تحديد المرتكزات والرؤية والمخاطر والتحديات والأهداف الاستراتيجية التي تم تقسيمها الى خمسة حقول:
1- أهداف الأمن والدفاع.
2- أهداف السياسة الداخلية.
3- أهداف السياسة الخارجة.
4- أهداف ثقافية واجتماعية.
5- أهداف اقتصادية وإدارية.

ونستطيع القول أن هذه الاستراتيجية نجحت في تشخيص التهديدات والمخاطر الحالية والمتوقعة الخارجية والداخلية في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية التي تهدد المصالح الوطنية الحيوية، وتحديد مستويات خطورتها، ووضع الأهداف الاستراتيجية ومعالجة المخاطر والتهديدات ووسائل الوصول اليها.

هذا بالإضافة الى تحديد أولويات التهديدات والمخاطر على المصالح الحيوية، باستخدام كل الوسائل المتيسرة الأمنية والسياسية والثقافية وغيرها.

اذن هذه الاستراتيجية هي بمثابة دليل عمل لجميع الاطراف المعنية بتحقيق الامن والاستقرار والازدهار للشعب.

خاتمة

تمر سوريا اليوم بوضع شائك وفي غاية الصعوبة وتحيط بها تحديات كبيرة لعل أبرزها وجود الأسد وعائلته في رأس السلطة والاحتلال والتدخل الأجنبي وفقدان السيادة والاستقلال وعسكرة المجتمع وتمزيقه وغياب الدليل الوطني والانحدار نحو التقسيم ناهيك عن سيل من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية …الخ والمفروض من المخطط الاستراتيجي أن يسعى لوضع استراتيجية علمية وطنية تحقق الوصول إلى الدولة العصرية حلم السوريين الشرفاء.
يتضح مما سبق ومن خلال دراسـتنا لاسـتراتيجية البيئة الآمنة الشـاملة أن مفهـومها في الدولـة السورية الجديدة يعني رحيل الأسد وعائلته ونظامه الى اقرب محكمة للمحاسبة على ما تم اقترافه من جرائم لاتعد ولا توصف بحق سوريا والسوريين و قدرة الحماية الذاتية المتكاملة المتأتية من الخطط الشاملة والتطبيقات المتجانسـة الـتي تمكن الدولـة مـن خـلال منـابع قـدراتها السياسـية والاقتصـادية والعسـكرية والثقافيـة من حفـظ المـواطن والـوطن والمصـالح الوطنيـة في السـلم والحــرب رغم تنــوع مســاحات الحقــوق والواجبــات والمســؤوليات والأهــداف في دوائرهــا الشخصــية والجماعيــة الشــعبية والرسمية.
إن الرقعـة المفهوميـة للبيئة الآمنة تتركـز لـدينا علـى التطـور والتنميـة في كافـة الأبعـاد والحقـول والتطبيقـات في ظل حماية مدروسة ومضمونة تنبـع مـن المعرفـة العميقـة بالإمكانات الذاتيـة وبمصـادر التهديـد القائمـة والمتوقعـة الـتي تحـيط بسوريا. ان في طليعـة ركـائز الامـن الجديـد اعتبـار المـواطن السوري قيمـة انسـانيه وقيمـة وطنيـه بمـا يحفـظ كرامتـه وحقوقـه الأساسـية ويضـمن تأديـة واجباتـه الرئيسـية وتـوفير المناخـات اللازمـة لتلبيـة احتياجاتـه الماديـة والمعنويـة اذ لا أمـن مـع انتفـاء مقومات الكرامة والحقوق الانسانية والوطنية فالدولة التي تهمل وتستعبد مواطنيها لن تظفر بالأمن وفق أية صورة. إن أي مفهوم حقيقـي للأمـن لابـد وأن يرتكـز علـى الإنسـان المـواطن ولـيس علـى الدولـة وحسـب، فـان أمـن الفـرد جزء من أمن الدولة.

تعليق 1
  1. حسن درويش يقول

    دراسة قيمة تستوجب عمل ندوة لشرح مضامينها للوقوف على أهم ما جاء فيها من قراءة واقعية سياسية بنظرة ثورية و ليتها تترجم إلى أكثر من لغة و تنشر على نطاق واسع .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.