حقائق سورية وكلام سوري بحت

[بقلم د. محمود الحمزة]

منذ أن استلم حزب البعث السلطة في سوريا بانقلاب 8 آذار 1963، فرض قانون حالة الطوارئ وحرم على السوريين ممارسة السياسة والاهتمام بالشأن العام وأصبحت المحاكم الميدانية والخطابات الرنانة القومية منها والاجتماعية والسياسية والثقافية عنوان المرحلة. وجرت صراعات على السلطة لا تمت لمصلحة الشعب بأي صلة بل هي صراع على المناصب والثروة. واستقرت سوريا تحت حكم فردي ذو لون واحد هو الاستبداد وهيمنة الأجهزة الأمنية فأصبح في سورية دولة بوليسية بامتياز. وهذا يعرفه الجميع داخل النظام وخارجه.

ويعرف السوريون أن المبدأ الذي اعتمده حافظ الأسد هو يمكنك ان تسرق وتنهب بشرط الا تقترب من السلطة والسياسة.

لقد مسخ حكم البعث والأسد عقول الأطفال والشباب بشعارات مزيفة براقة من الخارج لكنها حق يراد به باطل.

أصبح السوري يخاف من أخيه ودرج القول بأن الحيطان لها آذان لكثرة تجسس المخابرات على السوريين. ويكفي ان نذكر بان المخابرات السورية تتابع كل سوري أينما ذهب واينما سكن ولو على سطح المريخ. فانا درست وعشت في روسيا لعشرات السنين واعرف مدى تغلغل الأجهزة الأمنية بين السوريين لدرجة انني اكتشفت بان أصدقاء مقربين ورفاق في الحزب الشيوعي ويساريين وقوميين واكراد وعرب واشوريين كشفوا في لحظة عن اهم تابعين للأجهزة الأمنية.

لقد أفسد النظام المجتمع السوري ودمر طاقات الشباب والكفاءات الوطنية العلمية والفكرية والتكنوقراطية. وليس صدفة أن ملايين السوريين تركوا سوريا مجبرين على مدى نصف قرن ومنهم كاتب هذه السطور، مع ان السوريين لديهم كفاءات عظيمة اثبتوا نفسهم في بلدان الاغتراب بأنهم علماء واساتذة جامعات وأطباء ومهندسين وفنانين ومخرجين سينمائيين ورجال أعمال واقتصاديين ومفكرين رائدين في العالم، إلا في وطنهم سورية فهم لا قيمة لهم!

لو أخذنا السياحة مثلا. السواحل السورية لا تقل جمالا وروعة عن مثيلاتها التركية والتونسية واللبنانية واليونانية. لكن السياحة في سوريا شبه معدومة. بينما الاتراك فقط من السياح الروس يجنون سنويا لا يقل عن 6-7 مليار دولار. وبلادنا يمكن ان تستقطب السياح لأسباب غير البحر والشواطئ الجميلة. فلدينا آثار حضارية عظيمة من قلاع وكنائس ومساجد ومسارح قديمة وأماكن اثرية تعود لحضارات قديمة رومانية ويونانية واشورية وفينيقية وآرامية وعربية وإسلامية عمرها آلاف السنين في كل ربوع سوريا، من بصرى الشام وصلخد مروراً بدمشق ومصايفها الجميلة في الزبداني وبلودان وعيون المياه النقية، والمسجد الاموي التاريخي والكنائس العظيمة والمتاحف والقصور والقلاع والمتاجر التي يأتيها الزوار من كل انحاء العالم، الى القلاع السورية: قلعة الحصن وقلعة المرقب وقلعة صلاح الدين في الساحل وأوغاريت، وجزيرة أرواد ، إلى كنائس حمص ومسجد خالد بن الوليد، الى أفاميا ونواعير حماه ، إلى قلعة حلب وقلعة سمعان في حلب والكنائس والجامع الاموي، الى مزارع الزيتون الخضراء في عفرين وادلب الى الرقة و مدينة هارون الرشيد في الرصافة ، إلى المدن الأثرية مثل مدينة ماري في دير الزور، إلى التلال الاثرية في محافظة الحسكة والتي يبلغ عددها 1000 تل، وتحت كل تل آثار بعضها يعود الى اكثر من 10 آلاف سنة مثل تل حلف بالقرب من رأس العين وتل خزنة بالقرب من الحسكة وتل براك وغيرها الكثير.

ويمكن أن تجني البلاد عشرات المليارات من السياحة فقط بشرط أن يكون في البلد نظام يحترم القانون ويكفل الأمان والحرية الشخصية للناس لا أن يتدخل الأمن في كل شيء وينفر السائح ويخيفه.

اذكر دراسة لرجل اعمال سوري قال لو اننا قضينا على الفساد فقط في كل مكان في الجمارك والمؤسسات الحكومية والاقتصاد واوقفنا التهريب ومنعنا تدخل السلطة في الاقتصاد لوفرنا عشرات المليارات والتي تغطي ميزانية سورية. بالإضافة إلى الموارد النفطية والزراعية والحيوانية.

انظروا الى أطفال سوريا وشبابها المهجرين كيف يبدعون أينما ذهبوا ويخترعون ويتفوقون، انظروا الى رجال الأعمال كيف يحركون اقتصاديات تركيا ومصر ولبنان ودول كثيرة.

مصيبة الشعب السوري أنه ابتلي بنظام سياسي مافيوي استبدادي وفاسد معادي لشعبه ويكره الحرية والابداع والتفوق ويريد شعبا مطيعا خنوعا لا إرادة له! ولا يمكن للشعب المظلوم والمخنوق أن يحلق تقدما.

السوريون جديرون بحياة كريمة يحترم فيها الانسان وتصان حقوقه في دستور ديمقراطي عصري يكفل حقوق كافة السوريين افرادا وجماعات.

ما أجمل ان يتحدث الكردي بلغته ويتعلم بها إذا رغب بذلك وما أروع الغناء والفولكلور الكردي والاشوري والسرياني والشركسي والارمني.  

وما أروع عادات الكرم والضيافة لدى اهل الريف السوريين في كل مكان فهؤلاء لا يميزون بين دين وطائفة وقومية بل هم سوريون ورثوا تراثا حضاريا وثقافيا عمره الاف السنين.

هل صدفة أن المطبخ السوري من أشهر المطابخ في العالم، إنه دليل على رقي الشعب ومستواه الاجتماعي المتقدم.

ولكي تستطيع سورية ان تستفيد من طاقات أبنائها وقدراتهم الهائلة في كل المجالات لا بد من نظام سياسي جديد ديمقراطي ودولة مدنية حيادية تجاه الجميع، حيث يسود القانون وحقوق المواطنة والحريات وفق دستور عصري ديمقراطي.

نريد دولة لكل السوريين من الطراز الحديث، حيث يكون الدين لله والوطن للجميع.

إقرأ أيضاً: دراسة حول البيئة الأمنة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.