ما بعد أوكرانيا ليس كما قبلها…روسيا لن تعود قطبا عالميا

بعد ان استكانت الولايات المتحدة لانتصارها العظيم على الاتحاد السوفييتي بنهاية الحرب الباردة وتفردها الكامل كقطبية أحادية…وامتلاكها فائض قوة هائل تشكل عبر سباق التسلح مع المعسكر الشيوعي…سادت فترة غفوة استراتيجية امريكية استمرت طويلا…
إنشغلت الولايات المتحدة بها بمحاربة العدو الجديد “الإرهاب العالمي” واستمرت تلك الفترة لحين الانسحاب من العراق 2011..ثم استمرت بمحاربة داعش الى حين هزيمته بعام 2019..تخلل تلك المرحلة غزوها لبلدين هما افغانستان والعراق ..
استغلت القوى الصاعدة ذلك الانشغال الامريكي بالحرب على الارهاب…حيث بات الصعود الصاروخي للصين امرا مقلقا جدا والتعافي الروسي من اسقام الانهيار السوفييتي ..ناهيك عن التمدد الايراني وهلاله ذو العواصم الاربعة +غزة
التقدم الروسي بزعامة بوتين بدأ منذ حرب الشيشان في نهاية القرن الماضي…اعقب ذلك تشكيل بوتين لسلطة امنية عسكرية تم بنارها بشكل عمودي من الأعلى للأسفل(وهذا النوع من تكوينات السلطة يعزلها عن القاعدة الشعبية تماما بحيث يتم استبعادها من اي مشاركة بالقرار او حتى مشاورتها او إخبارها او مراعاة مصالحها..ولكن هذه السلطة الاوليغراشية تنهار دفعة واحدة عند حدوث شروخ او تصدعات عميقة لاتملك امكانية التعامل معها بعكس النموذج الغربي الديمقراطي ذو البناء الافقي للسلطة من الاسفل للاعلى والذي بامكانه معالجة اي خلل قد يحدث واصلاحه)..الاوليغراشية الروسية ضمت حولها نخبة من رجال المال احاطت بالرئيس واستحوذت على خيرات البلد كلها…
تتميز روسيا باقتصاد ريعي يعتمد على تصدير المواد الخام بنسبة كبيرة من مداخيلها بحيث..تاتي الاموال للسلطة المركزية وتقوم بتوزيعها على الاقاليم لعتاش منها..دون وجود اقتصاد انتاجي صناعي حقيقي….ما اود الاشارة اليه ان هذه الانظمة تتاثر كثيرا بالعقوبات لانها تصيب الناتج القومي بمقتل ممايؤدي لثورة او احتجاج في الاقاليم التي تنتظر ميزانياتها من المركز..
الصعود البوتيني استمر بعام 2008 عندما انتزع اقليمين من جمهورية جورجيا دون ان يوقفه احد
تابع الصعود البوتيني مساره بعام 2014 عندما اجتزأ من اراضي دولة مجاورة عضو بالامم مقاطعتي الدونباس وشبه جزيرة القرم…وكان الرد الدولي على هذا الجموح الروسي عقوبات اقتصادية اصابت الشعب الروسي ولم تؤثر بالطبقة السياسية الحاكمة…
استمر الجموح البوتيني هذه المرة خارج المجال الحيوي الروسي وحصل التدخل العسكري الروسي في سورية والذي ارتكب افظع المجازر دون ارادة دولية بوقفه..
استعانت السلطة الروسية المتمحورة حول شخصية القيصر الى منظر استراتيجي وجدته بحيث بدا بالتنظير لها باعادة احياء واستعادة امجاد روسية القيصرية…
ومع بدء الازمة الاوكرانية..طلب بوتين طلبات من الغرب سميت بالضمانات الامنية رفضها الامريكان وتعاملوا معها باستخفاف..
بدا الحشد الروسي على الحدود يتعاظم وبوتين يتقدم…وبدا التلميح بعقوبات قصوى اذا ماتم اجتياح اوكرانيا وبوتين يتقدم.
ابتدا موسم الحج الى موسكو وبدا القادة يتقاطرون اليها وبوتين يتقدم…
وصل به الامر للاستخفاف بابرز زعيمين اوربيين (ماكرون وشولتز) وتم مناشدته العدول عن حماقته لم يلتفت اليهم وكان بوتين يتقدم
صرح رئيس اركان الجيش الاوكراني مخاطبا الروس اهلا بكم في الجحيم..وبوتين يتقدم.
تم التهديد بزيادة تسليح الجيش الاوكراني باسلحة نوعية …وبوتين يتقدم..
وهنا لابد من الاشارة لما قاله الرئيس الامريكي من عدة ايام .حيث أشار الى أننا امام نقطة إنعطاف حاسمة وحقيقية في تاربخ العالم (وبالعادة لايحدث الانعطاف الا خلال اربع او خمس أجيال) ..وان ماسيشهده العالم خلال العشر سنوات المقبلة سيفوق كثيرا بمتغيراته ماشهده العالم خلال الخمسون عاما الماضية..
واشار ان النتائج لافعال بوتين ستكون عكسية لما يفكر بتحقيقه..
والمح الى أنهىاذا صمدت الديمقراطيات خلال الازمة الحالية مع روسية(وضمنا يمكن ان يكون ذلك يشمل الصين وايران)..فانه سيتم منع انتشار الفوضى العالمية..
ومن أهم ماقاله الرئيس الامريكي ..أننا وضعنا خياران امام الرئيس الروسي ..إما الدخول بحرب عالمية ثالثة…او معاقبة روسيا او غيرها على خرقها لقواعد النظام الدولي (الذي تقوده امريكا) وأنه سبدفع ثمن ذلك غاليا وهو ما يحصل الان…
ولابد من التذكير بقول الرئيس بايدن لبوتين في عام 2011 أنتم خسرتم الحرب الباردة معنا ..ولايمكن شطب ذلك او تناسيه او القفز عليه..لن تعود روسيا قطبا عالميا يحب ان تدرك هذا ..وهو ما ينطبق مع اقوال الرئيس السابقىاوباما حيث كان مصرا على اعتبار روسيا الاتحادية دولة إقليمية كبرى وليست قوة عظمى
بدات العقوبات تنهش الاقتصاد الروسي قبل ان يتمكن الجيش الروسي من تحقيق اي تقدم ملموس وحقيقي على الارض..حيث راهن بوتين على عملية عسكرية خاطفة وليس حربا تتيح استنزافا بشريا واقتصاديا لايستطيع المجتمع الروسي تحمله..وبات السؤال يطرح الان كان هدف الرئيس الروسي تنصيب حكومة موالية له في كييف…لماذا لايحدث العكس ويتم تنصيب حكومة ديمقراطية ليبرالية في موسكو بعد خلع بوتين…
لاشك ان بعزلة الديكتاتور الروسي وتوحد الناتو واغلب المجتمع الدولي ضده..وشماتة الصين به ..قد تؤدي لفوضى خلاقة تنبأت بها غونداليزا رايس مؤخرا ان تلك الفوضى الخلاقة ستنتج من ربيع روسي قادم يضع روسيا في مكانها الطبيعي كدولة غربية ديمقراطية وتخلع العباءة السوفييتية العتيقة الذي حاول الدب الروسي العجوز الباسها لها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.