قمم قمم قمم … وفي فلسطين وسوريا احتلال وقمع وجوع


شهدت منطقة الشرق الأوسط أحداثا سياسية مهمة في الفترة من 13 الى 19 يوليو/تموز 2022.
فقد زار الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل لمدة 3 أيام وفلسطين المحتلة لمدة 45 دقيقة وشارك في قمة جدة للأمن والتنمية بمشاركة قادة دول الخليج والأردن ومصر والعراق ومن وراء الستار إسرائيل الحاضر الغائب . وعقدت بعدها في 19 يوليو قمة ثلاثية في طهران للدول التي تسمي نفسها ضامنة لوقف القتال والأمن والسلام في سوريا وهي روسيا وتركيا وإيران.
تأتي زيارة الرئيس بايدن على أنها الحدث الأهم كونها جاءت على خلفية الصراع العسكري الدائر في أوكرانيا بين روسيا التي اجتاحت أوكرانيا وبين الأوكران مدعومين بقوة ماليا وعسكريا من الغرب وخاصة الولايات المتحدة. وذلك يؤكد ان الصراع في أوكرانيا هو صراع دولي جيوسياسي عسكري بين روسيا والغرب عموما.
ومن اهداف زيارة الرئيس بايدن حشد دول المنطقة ضد الخطر الروسي والصيني والإيراني. ولكن قادة المنطقة كانوا محايدين في الموقف من روسيا والصين ومتحمسين ضد ايران باعتبارها تشكل خطرا على أمن واستقرار الدول العربية والمنطقة.
ولكن الهدف الأكبر على ما يبدو لبايدن هو تأكيد واشنطن على التزامها بأمن دولة إسرائيل وتفوقها العسكري وضرورة دمجها في المنطقة العربية من خلال تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه شمعون بيريز في تسعينيات القرن الماضي وأكدت عليه كونداليزا رايس بعد ذلك بأكثر من عشر سنوات بتسميته مشروع الشرق الأوسط الكبير وكلا المشروعين يهدف الى توجيه انظار دول المنطقة الى التنمية والتكامل الاقتصادي والتطور التكنولوجي وتنشيط السياحة والرياضة وغيرها من المشاريع التي تعتبر شكليا بعيدة عن السياسة. وليس صدفة ان يتحدث البعض عن مشروع انشاء ناتو شرق اوسطي يضم إسرائيل أيضا. ولم تحظ القضية الفلسطينية الا ببضع مئات من ملايين الدولارات وعبارات التعاطف العامة الخالية من أي مضمون سياسي فعلي لتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني العادلة.
وقد كانت موسكو قلقة من موقف إسرائيل الداعم لاوكرانيا وحذرت من تقديم الأسلحة لها. وكذلك أعرب الكريملين عن امله في ألا يتخذ قادة الخليج موقفا سلبيا من روسيا بضغط امريكي. وقد جاءت كلمات الشكر من الرئيس بوتين في قمة طهران الى المملكة العربية السعودية والامارات على موقفهما من الازمة الأوكرانية لتؤكد رضى روسي عن موقفي البلدين.
ولا ننسى أن زيارة بايدن للمملكة العربية السعودية كانت مهمة ثقيلة على كاهل بايدن الذي سبق وأن أدلى بتصريحات سلبية حادة ضد المملكة وقادتها. لكنه جاء الى الرياض مجبر أخاك لا بطل فهو مقبل على انتخابات برلمانية قد تؤثر على شعبيته في ظل ازمة ارتفاع الأسعار الناتجة عن الحرب في أوكرانيا.
وفي النتيجة يبدو أن الرئيس بايدن لم ينجح في اخضاع القرار الخليجي لواشنطن وانما واجه موقفا أكثر استقلالية وموضوعية لأن هذه الدول اختبرت مواقف الإدارات الامريكية ولم تعد تثق بها كما في السابق بل أصبحت تبحث عن تنويع العلاقات الخارجية وتوازنها مع الغرب والشرق.
ويمكن وصف اللقاءات والقمم الثنائية والقمة الثلاثية في طهران بالقول: “كلٌ جاء يغني على ليلاه”، أي جاء ليحل مشاكله الخاصة، وبقي الشعب السوري في آخر أولويات الدول الضامنة لمصالحها قبل مصلحة سوريا وأمنها واستقرارها وسيادتها فتلك الدول هي شريكة في الاحداث وأطراف فاعلة في الميدان ولذلك ان ارادت فعلا سيادة سوريا ووحدة أراضيها فعليهم الانسحاب من سوريا وفي مقدمتهم ميليشيات ايران الطائفية القادمة من لبنان والعراق وباكستان وافغانستان واليمن ومرتزقة فاغنر الروسية وعصابات حزب العمال الكردستاني واتباعه، وكذلك كل الدول المتواجدة على الأرض السورية بما فيها تركيا.
فروسيا بحاجة ماسة للتعاون مع تركيا في ظل الحصار والعقوبات الغربية الهائلة على روسيا وتركيا لم تؤيد العقوبات على روسيا ولا حتى على ايران. وبالرغم من عدم موافقة روسيا الفعلي على العملية العسكرية التركية المرتقبة في شمال سوريا، وكانت تصريحات المسؤولين الروس مرنة ودبلوماسية لكنهم لم يخفوا رغبة موسكو بعدم قيام تركيا بعمل عسكري، لأنه سيهدد الامن والاستقرار في سوريا ونفس العبارات قالها المرشد الإيراني خامنئي للرئيس التركي اردوغان بأن العمل العسكري سينعكس سلبا على سوريا وتركيا أيضا.
وقد أعلنت موسكو قبيل القمة باتفاق استراتيجي بين شركة النفط الإيرانية وشركة غازبروم الروسية حول الغاز بقيمة 40 مليار دولار ولكن الحقيقة ان الاتفاق هو مجرد مذكرة تفاهم وليس اتفاقية.
باختصار لم تحظ الخطة التركية حول عملية عسكرية، بتأييد روسيا ولا تأييد ايران لان الدولتين ترغبان بان يسيطر النظام الاسدي على المناطق السورية وليس تركيا. ويبدو من خلال البيان الختامي لقمة طهران بأن الدول الثلاثة لم تصل الى اتفاق حول الموضوع وكذلك لم يخرجوا بأي اتفاق جديد يتعلق بسوريا والتي من المفروض أن تحظى بأولوية في جدول أعمال القمة.
جاء الرؤساء الثلاثة وكل يغني على ليلاه ويريد حل مشاكل بلده. لذلك نجد ان اللقاءات الثنائية كانت مجدية ومثمرة اكثر من القمة الثلاثية.
حققت الدول الثلاثة مصالح لها ولم يحصل الشعب السوري ومثله مثل الشعب الفلسطيني على أي حق او مكسب يمنحه الامن والحرية والاستقلال والكرامة، بالرغم من بايدن قال يجب ان يحصل الفلسطينيون على الكرامة. ولكن ه كلام جميل لا قيمة له على ارض الواقع. ونفس الشيء تقول ايران وروسيا وتركيا بانهم يريدون وحدة سوريا وسيادة واستقلالها ولكنهم مع غيرهم من الدول هم اول من خرق السيادة والاستقلال والحرية وسيطروا على أراضي سورية مدعين انهم قدموا بشكل شرعي الى سوريا. فهل بقي شيء من الشرعية لدى حاكم دمر بلاده وهجر شعبه وباع ارضه لإيران وروسيا مثلما باع ابوه الجولان لإسرائيل.
لم يأتي بايدن الى المنطقة ولا بوتين ولا اردوغان ولا رئيسي باحثين عن إيجاد حلول عادلة لتحقيق استقرار دائم في المنطقة بل كلهم كانوا مهتمين بمصالح دولهم على حساب الشعوب العربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.