قالها.. ولم يمت

الى روح ميشال كيلو ..
باق في وجدان الامة واعمار الطغاة قصار .

اتخيل انني عدت الى باريس مساء امس واتصلت كما في كل مرة بالاستاذ ميشال واخبرته انني ( هنا ) ليومين قبل ان اغادر الى روما ، واتخيل انه قال لي – كما في كل مرة – نلتقي في مكاننا المعروف في مقهى الشاتليت !
ويكمل : هل اتصلت ب الدكتور برهان وب أبو عدي ناصر ؟
وقبل ان اجيب يكمل فيقول : انا بخبرهم .
ونلتقي – كما في كل مرة – ونبدأ من حيث انتهينا في اخر لقاء .
الثورة ، وهل ثمة موضوع اخر لا يؤدي الى حديث الثورة مع ميشال كيلو وبرهان غليون وناصر سابا ؟
لازلت اسمع صوته :
الثورة لا تبدأ ولا تنتهي !
الثورة تحدث ثم بعد ذلك تواجهها ( الثورة المضادة بكل بشاعاتها وفجورها ) وهذا الذي نحن فيه .
هل انتهت ؟ -يسأل ابا ايهم ويجيب – بالطبع لا .
الثورة لا تبدأ ولا تنتهي
الثورة تحدث .. وقد حدثت
ولذلك فإن الصراع يستمر ويأخذ اشكالا متعددة ، وهذا الذي نحن فيه .
ولكن باريس اليوم باردة وحديث الثورة صامت ، وما من احد في المقهى في هذا السبت المتخم بالنزق الفرنسي ، ما من احد هنا سوى الفراغ ، رغم كل هؤلاء الذين يعبرون بكامل اناقتهم او الذين يتجالسون في نسق واحد على المقاعد الرصيفة .
لاشيء هنا الان سوى .. الصمت والاسئلة !
واسئلة السوري اليوم بحر لاضفاف له :
الى اين تذهب ايها السوري في هذا التيه الذي يطبق عليه الهواء الاصفر ويغلق اخر القصبات الهوائية في الرئتين ؟
الى الاعلى حيث الله في عليائه جل جلاله لتبتهل وتدعو ان يتدخل ام الى الاسفل حيث الموت الابدي والرطوبة والعفن والموعد الذي لا يؤجل ؟
الى اليمين ام الى اليسار ؟! وهل ثمة يمين ويسار في هذا العالم الذي تحكمه الضباع وسحالي الارض المهجورة وغربان السموات المكفهرة .؟
الى اين ؟
الى الماضي حيث يمد الجهل اياديه وانيابه عبر شيوخ الغفلة لمصادرة كل نبض في هذه الحياة ام الى المستقبل الذي يفتك به الجوع ويقف بالطابور في العتم الضروري ليمارس( واجبه الوطني ) من اجل جعالة لا تصرف الا بالبطاقة ( الذكية جدا في دولة لا ترى المواطنين الا كطرش من الاغبياء ) ؟!
الى التواطوء ام الى الصمت الذي يشبه الموت ام الى الثورة التي تاجرت فيها كل الاجهزة الامنية للدول التي لا تشبه الدول.
الى اين تذهب ايها السوري عندما ترى معظم الناس على ارصفة دمشق وحلب وحمص والسويداء وطرطوس وكل مدينة وبلدة يأكلهم الجوع وتفتك بهم الحاجة و ترى مواكب السيارات الفارهة التي تحمل اللصوص واثرياء الحرب وتجار البشر تشق الصفوف وسطهم في مشهد مثير للاشمئزاز .. ماذا تفهم ماذا تستنتج ثم ماذا تفعل ؟
او عندما ترى التغيير الديمغرافي ( القسري ) يمتد من حواري حلب الى بيادر دير الزور الى ما تبقى من غوطة دمشق بالترهيب والقتل والخطف او بالترغيب ورنين الذهب الفارسي المسحوب من النصوص القديمة ونظريات الثأر الذي لاينتهي .. ماذا تفهم ؟ ماذا تستنتج ؟ ماذا تفعل ؟
او عندما تقرأ لوائح المفقودين والمسجونين والمغيبين والمقتولين تحت التعذيب .؟
او عندما تتصفح دفاتر الدمار واسماء القتلة والخاطفين والمعفشين وناهبي عرق الفقير وادواته البسيطة ، عندما تستعيد وتتخيل صدى الاصوات الاخيرة لحظة كتم الانفاس في احد الاقبية لشاب اخذه الحماس ليقول ( رأيا ما في شؤون البلاد والعباد ) ليقول مجرد رأي ؟
ثم …
ماذا تفعل عندما تعرف ان شروط بقاء المرء على قيد هذه الحياة في هذا الوطن ( المعطاء ) او في دول الجوار ( التي فتحت حدودها واستثمرت في جراح السوريين ثم اغلقت هذه الحدود بعدما بدأت تتبدل شروط الاستثمار ) ماذا تفعل عندما تعرف ان هذه الشروط هي القهر والصمت والخنوع والنفاق ثم الموت ..
ماذا تفهم ؟ ماذا تستنتج ؟ ماذا تفعل ؟
انا شخصيا لا اعرف ماذا افعل !
ولكني افهم كل حرف مماقاله الشاعر الكبير معين بسيسو : ( الصمت موت
قلها ومتْ
فالقول ليس ما يقوله السلطان والأمير
وليس تلك الضحكة التي يبيعها المهرج الكبير للمهرج الصغير
فأنت إن نطقت متْ
وأنت إن سكت متْ
فقلها.. ومت )
المثير للدهشة ان ميشال كيلو قالها ولم يمت فهو باق في وجدان الأمة واعمار الطغاة قصار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.