جدل الصواريخ التي سقطت في بولندا هل حسم أمرها

بولندا ومثيلاتها من الدول المجاور لأوكرانيا هي على الدوام  في حالة ترقب شديد لما يجري في مسرح العمليات على جبهات أوكرانيا ، تَرصد وتُراقب حدودها براً وبحراً وجواً، وجيشها في حالة جاهزية قتالية عالية، ومتأهب في أي لحظة لرفع جاهزيته للكاملة في حال تعرض أرضها وأمنها للخطر.  

بولندا الجارة الغربية الشمالية لأوكرانيا ، تعرضت لسقوط صاروخين قتل على أثرها شخصين ، وكثر اللغط  حول مصدرها  فمن أين جاءت هذه الصواريخ ، هل هي صواريخ روسية سقطت على بولندا جراء الضربة الصاروخية الكثيفة نوع أرض أرض بعيدة المدى التي نفذتها روسية على البنية التحتية الأوكرانية ، والتي فاقت المائة صاروخ ، أم هي من بقايا شظايا صواريخ الـــ م/ ط  الأوكرانية ، التي تصدت للصواريخ الروسية وسقطت تحت تاثير ثقلها في مرحلة نهاية الحشوة الدافعة ، أوبإصطدامها وإصابتها لصاروخ روسي فسقطت شظاياهما معاً  فوق الاراضي البولندية لكن بالمحصلة كل ما حدث هو نتيجة الضربة الصاروخية الروسية المباغتة في توقيت واحد.

  من المعروف في علم التكتيك العسكري أنه من بين صنوف العلوم العسكرية ، توجد مادة إختصاصية  تسمى (علم الرمي) وهذه المادة تختص في دراسة الصفات الفنية والتعبوية والقوة التدميرية لكل سلاح من الأسلحة البرية والبحرية والجوية والصاروخية القريبة والبعيدة والبالستية , والأسلحة لخفيفة والثقيلة وصولاً للأسلحة البالستية ، فمن السهل على خبراء الأسلحة الصاروخية التفريق بين الصواريخ أرض أرض  وبين شظايا صواريخ  الـــ م/ ط الساقطة من الأعلى تحت تأثير ثقلها،  وذلك لأن ضباط التسليح في كل جيوش العالم ذو الاختصاصات الفنية قادرون على تحديد النوع من خلال القدرة التدميرية للصاروخ في محيط سقوطه ومعرفة ما إذا كان مباشراً أوغير مباشر.

كل ظل ما تم ذكره في السابق فليس من الصعب التفريق بين المصدرين ، وعليه فإن حلف الناتو والرئيس الأمريكي جو بايدن لم يستعجلوا في إطلاق الأحكام على ما إذا كان الصاروخ روسي أو اوكراني ، لأنه في حال ثبوت بانه صاروخ روسي سيكون لزاما على حلف الناتو وحسب المادة الرابعة من التدخل فوراً لمساندة دولة في الحلف ، علماً ان بولندا أيضا  سارعت على الفور بالحديث  والمطالبة بتفعيل هذه المادة الرابعة والخامسة قبل معرفة مصدر الصواريخ . 

سارع الرئيس الامريكي وتحسباً لمضاعفات ردود الأفعال باستلام زمام المبادرة من أجل نزع فتيل الازمة قبل ان يشعلها غيره ، من خلال دعوته لإجتماع طارئ لقادة مجموعة السبع وحلف الناتو (شمال الأطلسي) للإحاطة بالرد على ماحدث . وكان من المفرح جداً لأمريكا تُصريح روسيا بأن الصواريخ ليست روسية وإن إدعاءات اوكرانيا هي عبارة عن دعاية لينقذها الناتو من ضربات بوتين الصاروخية.

ياترى لماذا روسيا سارعت على الفور بنفي إدعاء بولندا ، هل لآن روسيا واثقة من عدم سقوط صواريخها داخل بولندا ،ام لأنها خائفة من تدخل الناتو .

في الواقع روسيا ليست بالواثق  وليست خائفة من تدخل الناتو ، بل ان روسيا  تريد المحافظة سمعة سلاحها من حيث الدقة العالية  في إصابة الأهداف دون حدوث نسبة خطأ ولو كانت ضئيلة ، وتحسباً للمسائلة الجنائية والقانونية حول جرائم الحرب مستقبلاً . إضافة الى حقيقة مرة تجرعتها  روسيا  بعد مرور حوالي الــــ  250 يوما على الحرب أصبحت تلتزم بمعطيات  تقدير الموقف العسكري والاستطلاعي والاستخباراتي  بعقلانية اكثر من سابق ، لأن تقدير الموقف الروسي للقوات الاوكرانية من القوى والوسائط والسلاح والعتاد والقوى البشرية ، والخطط القتالية المستقبلية  ، قبل  بداية المعركة كان ضبابيا ً وغير واقعياً أدى الى دفع الجيش الروسي الكثير من الخسائر بالسلاح والعتاد الثقيل والخفيف والمتوسط  والاستراتيجي وخسارتها عشرات ألاف الضحايا من القوى البشرية ،في البر والبحر والجو إضافة الى عدم قدرتها على مواكبة التطور الإلكتروني في مجال الحرب الالكترونية ومقاومة التشويش الالكتروني وتحدي الصراع الالكتروني السيبراني  ، وفشلها عن الاستمرارية في تشغيل وسائط ومنظومات الدفاع الذاتي للسفن وقواعد الدفاع الجوي ومنظومات الرادار ومقرات القيادة التي أصبحت عرضة للتدمير من أسلحة تقليدية ، وبانت سوءتها التقنية في عجزها  الكبير عن التصدي لتقنية أسلحة الدقة العالية الغربية ، و بدا ذلك جلياً عند تدمير الطراد الحربي الكبير (موسكافا )الذي أبطلت راشدات البحث الالكتروني الاوكراني المدعوم من الغرب ، منظومة الدفاع الذاتي المحيطة به وأغرقته.

لاشك بأن بولندا توصلت لنتيجة حول نوعية الصاروخ وتحفظت عليها ، وحتى أنها لم تقوم بإبلاغ أعضاء الحلف بالنتيجة لأنها لم تجد تفاعل إيجابي كبير وخاصة من الإدارة الامريكية بعد تصريح بايدن بالنفي شبه القاطع بعد الحادثة بأن لا تكون علاقة لروسيا في الصواريخ التي عبرت الحدود البولندية  ، كما أن  بولندا وغيرها من حلف الناتو أصبحوا على ثقة كبيرة بان دور أمريكا في الحرب الاوكرانية ، لايتعدى الدعم القتالي بالسلاح بمختلف أصنافه وتقديم العون والمساعدة لأوكرانيا بالمعلومات والإحداثيات إضافة للإمداد القتالي والإداري والطبوغرافي الجو فضائي، وهي ليست على استعداد في الوقت الحالي إلى توسيع رقعة مهامها تحت تأثير أي ظروف ، لان مهامها تتوقف على استنزاف روسيا بشكل وإنتزاع مخالبها رويداً رويداً ابتداءاً من الدبابة للمدفع والطيارة والصاروخ والى مختلف انواع صنوف الاسلحة الاختصاصية الاخرى.

ختاماً :  لم تعد ثقة الدول الأعضاء بحلف الناتو على ما يرام تجاه أمريكا التي أصبحت غير معنية بأمن الدول الأعضاء في حلف الناتو  ، فإن ما يجري من التعدي على أمن بعض دول الأعضاء في حلف الناتو وتعرضها للخطر كثيراً، ولم يتم تفعيل المواد الرابعة والخامسة والسابعة وهذا ما يجرى باستمرار في تركيا الدولة العضو من بين الثلاثين عضواً ، والتي يتعرض أمنها القومي لخطر دائم من قبل حزب الــ pkk ، وتقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإحتضان وتدريب ذراعه قسد وإمدادها بالسلاح والعتاد ، وتجهيز البنية  التحتية لها .   

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.