المفاوضات السورية و خطة انتزاع فتيل الثورة

على مدار حوالي عشر سنوات تقريبا، وبالتحديد منذ شهر يونيو من عام 2012 ولا زالت تتواصل جولات وصولات ما يسمى بالمفاوضات والمباحثات السورية – السورية التي ترفع حزمة من الشعارات، وتعلن عن هدف التوصل إلى حلول سياسية لإنهاء حالة الاقتتال التي اندلعت بعد شهور قليلة من تفجر ثورة الشعب السوري السلمية ضد نظام بشار الأسد المستبدّ في مارس 2011
ومع ذلك فإن هذه المفاوضات لم تحقق أي تقدم ملموس على الأرض فظلت آلة القمع والقتل الأسدية مستمرة لتكون النتيجة أن أكثر من 20% من السوريين أضحوا ما بين قتلى أو مصابين ، حيث لقي نحو أكثر من مليون سوري مصرعهم على الأقل فيما أصيب نحو مليونين آخرين، هذا فضلا عن تشريد أكثر من 6.5 مليون في الداخل السوري، وتوزع مثل هذا العدد من اللاجئين في دول الجوار مثل تركيا ولبنان والأردن والعراق والدول الإقليمية مثل مصر ودول الخليج العربي، بالإضافة لأعداد كبيرة من السوريين الذين وصلوا أوروبا في موجات لجوء متلاحقة.
بل إن هذه المفاوضات في أساسها بدت وكأنها واحدة من الأدوات التي يتم استخدامها من قبل أطراف متعددة في المنطقة وخارجها ليس إلا، لتحقيق أهداف أخرى ربما يكون ما يتعرض له الشعب السوري من انتهاكات وجرائم ليس أسوأها على الإطلاق
فهذه المفاوضات المزعومة أريدَ لها أن تكون بلا نهاية وتستنزف الوقت والجهد وتضيع في تفاصيلها الكثيرة والمملة الهدف الحقيقي الذي لأجله اندلعت الثورة، بل إنها تحيل هذه الثورة التي ما قامت إلا لينتزع السوريون حقوقهم في حياة تتسم بالحرية وبالحفاظ على الكرامة إلى باب واسع للتدخل الأجنبي السافر الذي يضع الشروط والإملاءات ويحدد ما يجب أن تكون عليه الأوضاع، فبدلا من أن تكون سوريا ضحية استبداد بشار الأسد تضحي أسيرة الاستبداد والتدخلات الأجنبية السافرة، التي وبكل تأكيد لن تكون أبدا عاكسة لطموحات وتطلعات الشعب السوري الذي كان يأمل في غد أفضل يستعيد خلاله -بجانب حريته المسلوبة- هويته المفقودة، ويبصر طريق ابتعاث حضارته التائهة.
كانت الخطوة الأهم والأخطر في خطة نظام الأسد هي حين أطلق سراح العشرات ممّن يتبنّون أفكارا إسلامية متشددة ذلك أنه أراد أن يضرب الثورة في مقتلٍ بإثارة حالة من الرعب الدولي فيصور للعالم كله أنه يحمي العالم من الإرهاب متمثلا في هؤلاء الإسلاميين المتشددين الذين إذ قُدر لهم الوصول إلى حكم سوريا فلن يستطيع أحد أن يكبح جماحهم.
وبالطبع، فكما كان من بين هؤلاء من لا يمكننا التشكيك في نواياه المخلصة في المشاركة في جهاد بشار الأسد وقواته فإن بعضهم وبكل أسف ربما كان بالفعل أداة وظيفية في يد النظام الذي أراد أن يحوّل المعركة إلى قتال ضد الإرهاب السني، الأمر الذي سوّغ له أيضا أن يستدعي الميلشيات الطائفية من العديد من البلدان “إيران – العراق – لبنان – أفغانستان – باكستان ..” بزعم الدفاع عن المقدسات الشيعية وحماية مذهب آل البيت.
لم تمر شهور على الثورة السورية حتى كان لنظام الأسد ما أراد، فتحولت الثورة إلى استقطاب إقليمي ودولي لتتشابك وتتعقد الأوضاع، وتصبح سوريا ساحة لصراعات أخرى وميدانا لتصفية الحسابات، ويتحول نضال الشعب إلى قضية نزاع سياسي فيه أخْذ وردّ، ويقبل بالتفاوض والتباحث ويسمح بوساطة الأطراف الخارجية.
ومن جديد لم تمر شهور أخرى حتى بدأت اللعبة السياسية بتدخل من الأمم المتحدة وتكليف مبعوثين أمميين للبحث عن حل للأزمة كان أولهم كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والذي تقدم في فبراير من عام 2012 بخطة سلام من ست نقاط أبرزها فرض وقف لإطلاق النار، وهي الخطة التي وعلى الرغم من إعلان مختلف الأطراف قبولها إلا أنها لم تنفذ على الأرض، ليعقب ذلك الرفض من قبل بعض الأطراف الدولية التجديد لعنان وطاقمه ليستقيل أوائل أغسطس من نفس العام.
ثم يعقب عنان تعيين الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي يفترض أن لديه خبرة كبيرة بشئون المنطقة، غير أنه ومع ذلك مُني بالفشل، هو الآخر، فتقدم باستقالته في منتصف عام 2014م دون أن يحقق أي تطور.
وفي 10 يوليو 2014 تم الإعلان عن تعيين ستيفان دي مستورا، الذي وعلى مدار أكثر من عامين رعى المفاوضات، من أجل التوصل إلى حل للأزمة التي بات ثمة توافق بين الجميع على أن حلها يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا.
ثم لياتي بعده بيدرسون وتدور الاحداث نفسها فلا جديد يذكر
وربما يرى البعض أن الدور الذي لعبته الأمم المتحدة هو الدور المنوط بها حيث العمل على تهدئة الأجواء ورعاية المباحثات للوصول إلى أفضل تسوية، خاصة وأن القضية كما أشرنا آنفا خضعت لحالة من الاستقطاب الإقليمي والدولي، غير أن هذا المبرر لا يمكن استساغته فيما يتعلق بالدور الأمريكي من الأزمة السورية، الذي وضح جيدا إلى أي مدى كان متماهيا مع رغبة دفينة في أن يطول أمد هذا الصراع السوري – السوري وأن يمتد أمد الحرب إلى أقصى فترة ممكنة، وأن الادّعاء الأمريكي بدعم مطالب الشعب السوري ضد ديكتاتورية بشار الأسد ونظامه لم يتجاوز حد الكلمات والشعارات الرنانة التي لم تعكسها أية أفعال على الأرض، الّلهم إلا الدعم المحدود على المستويين السياسي والعسكري لضمان أن لا يحقق الأسد ونظامه انتصارا على المعارضة والثورة.
وجاء الموقف الروسي من الأزمة السورية دعما لإطالة أمد هذا الصراع أيضا، فالتدخل العسكري المباشر الذي جاء في سبتمبر من عام 2015م، أي بعد أكثر من أربع سنوات من عسكرة الثورة السورية، إنما كان محاولة لإنقاذ قوات الأسد من الهزيمة التي كادت أن تعصف بها في حين برّرت موسكو تدخلها العسكري بحصولها على طلب رسمي من دمشق للمساعدة في محاربة “الإرهاب”، غير معتبرة للتحالف الدولي الذي تم تشكيله في 2014 لقتال تنظيم “داعش”، حيث رأت روسيا أن هذا التحالف غير شرعي ولا يمكن أن ينجح في مهمة القضاء على التنظيم لأنه لا ينسّق مع “الحكومة السورية الشرعية” على الأرض وهو ما اعتبر قبلة الحياة لنظام الأسد، إذ لم تكن الهجمات الروسية موجهة للإرهاب كما ادّعت وإنما كانت تستهدف بالأساس قوات المعارضة والثورة السورية، الأمر الذي منح الأسد قدرات جديدة للوقوف على قدميه في مواجهة الثورة.
ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبته إيران في سوريا وكان له انعكاسه على واقع التطورات في سوريا وهو الدور الذي بدأ منذ العام الأول لاندلاع الثورة السورية حيث أعلن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي في سبتمبر 2011 فتوى بالجهاد لصالح الحكومة السورية، الأمر الذي دفع بالدولة الإيرانية أن تكون فاعلا أساسيا على الأرض، فتقدم أكثر من عشرة آلاف من أبنائها للقتال في صفوف قوات الأسد فيما تدفع بحزب الله اللبناني الموالي لها بأن يقوم أيضا بالمشاركة في القتال، فضلا عن الآلاف من مرتزقة الميلشيات الشيعية من بلدان أخرى كالعراق وباكستان وأفغانستان وغيرها.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن إيران لم تتوقف عن تقديم الدعم المالي واللوجستي للسوريين الموالين للأسد، فقامت بتدريب قواته، وإمداده بالأسلحة وصرف رواتب المرتزقة.
 وكان من أهم تداعيات هذا التدخل الإيراني إسباغ الطابع الطائفي على الثورة السورية، فسعت إيران ومعها نظام الأسد إلى أن تصوّر الثورة السورية وكأنها حرب سنية على الشيعة، فروّجت لهذا الزعم حتى أضحى حقيقة ثابتة لدى قطاعات شيعية كثيرة ومن ثم يصبح بشار الأسد بطلا يدافع عن مراقد آل البيت وتصبح قواته جنودا يجاهدون في سبيل الله، فيما تصبح مجازره ومذابحه بحق السوريين بطولات وأمجادا يتغنى بها الأشاوس المغاوير.
كما أن مواقف بعض الدول كانت سببا أيضا في إطالة أمد النزاع في سوريا، وإن كان بشكل مختلف، حيث كان تراخي هذه الدول وتقصيرها في تقديم دعم قوي وحسْم الموقف منذ البداية سببا في أن تبقى المعارضة السورية عند مستوى عدم القدرة على الحسم، ومن ثم أفرزت الساحة السورية فصائل كثيرة تباينت مواقفها، الأمر الذي شتّت جهود المعارضة السورية وأدخل بعضها في حالة اقتتال بينيٍّ بدلا من مواجهة قوات النظام لتتشابك الأمور وتتعقد لدرجة يصعب على الكثير من المراقبين فك علائقها.
فالثورة السورية الشعبية وبعد فترة من العسكرة تحولت إلى فصائل بالعشرات وتتخذ أسماء عديدة بالعشرات فأصبحت “جيوشا وألوية وأفواجا وسرايا وحركات وأجنادا وكتائب وفرقا وجبهات واتحادات وجماعات وفتوحا وإمارات” وغير ذلك من الأسماء التي حاول القائمون عليها أن يظهروا فصائلهم وكأنها المكون الوحيد المعبّر عن السوريين وتطلعاتهم، والقادر على أن يظفر بالانتصار على جيش الأسد ومن يواليه، في حين كانت النتيجة المؤسفة هي استمرار الاقتتال الذي لم يحسم بعد، فكان الخاسر الأكبر هو الشعب السوري.
وبالطبع وحتى يتم حبك المسرحيات الهزلية التي وضعت فصولها من أجل تضييع الثورة السورية كان لا بد من أن تكون هناك عقدة درامية يتفاعل معها المشاهد فيتوه مع تفاصيلها وتفاصيل تفاصيلها حتى ينسى صلب القضية الرئيسة ويبقى متعلقا بما أريد له أن يتعلق به، فجاءت جولات التفاوض والمباحثات لتلعب هذا الدور الخطير في تخدير المتفاعلين، فمن ناحية تبدو هذه المفاوضات وكأنها معبّرة عن حسن النوايا والرغبة الملحّة لدى الأطراف الراعية في إنهاء معاناة الشعب السوري، ومن ناحية أخرى فإنها أكدت وعبر العديد من التجارب التاريخية أنها أفضل ما يمكن استخدامه، ولنا في تونس والجزائر والمغرب ومصر بل وفي القضية الفلسطينية التي دخلت نفق المفاوضات منذ نحو مائة عام ولم تخرج منه بعد النموذج والقدوة.
ويبدو أن المفاوضات السورية التي بدأت في عام 2012م برعاية أمميّة وأطراف دولية ستكرر نفس سيناريوهات مفاوضات البلدان العربية مع الاحتلال الأجنبي “بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا ..” طيلة القرن العشرين الميلادي، والتي كانت خدعة كبيرة، حيث نجحت بلدان الاحتلال عبرها أن تستنزف بها الطاقات والجهود وتكسب بها المزيد من الوقت لتحقيق أكبر قدر من المصالح وتثبيت أقدام مشاريعها الاستعمارية عبر تكوين طبقة جديدة من الموالين لها سياسيا وثقافيا، والذين كانوا الطابور الخامس الذي يحقق للاستعمار مصالحه دون أية مشقة بعد أن يرحل بقواته.  
وليس ثمة مبالغة في المقارنة بما كانت عليه مفاوضات البلدان العربية مع بلدان الاحتلال وما يحدث فيما يتعلق بالمفاوضات السورية، فها هي نحو عشرة أعوام من المفاوضات السورية التي شهدت الكثير من الجولات والاجتماعات واللقاءات في بلدان كثيرة، وبرعاية متعددة مثل جنيف وأستانا واتفاق ميونيخ واجتماع لوزان وغيرها وغيرها من اللقاءات التي تم التوصل خلالها للعديد من التوافقات التي لم تنعكس عمليا على الواقع السوري.
بل لقد كان انعكاس هذه المفاوضات الطويلة والمملّة سلبيا إلى أقصى درجة على واقع هذه الثورة، ففى الوقت الذي كان يفترض فيه أنه تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو عقد هدنة مؤقتة تسمح للمدنيين بالخروج من الأماكن المتوترة أو إيصال المساعدات الإنسانية لهم كان نظام الأسد يسعى إلى توجيه أشد الضربات الانتقامية التي كان ضحيتها الآلاف حتى أضحت الأنباء التي تتحدث عن التوصل لهدنة بمثابة كارثة بالنسبة للشعب السوري الذي خبر أن مثل هذا الاتفاق إعلان بتوجيه ضربة جديدة لإحدى مناطق سوريا المنكوبة.
ويمثل ما حدث في أعقاب مؤتمر “جنيف 5” والذي عقد في نهاية شهر مارس من العام الجاري نموذجا جليا يكشف عن زيف وخدعة هذه المفاوضات، إذ أعقب هذه المفاوضات والتي أعرب بعدها دي ميستورا عن أن هناك تقدما في المحادثات بين أطراف الأزمة وقوع جريمة بشعة ارتكبها النظام يوم الرابع من إبريل حيث قام بقصف مدينة خان شيخون بريف إدلب غربي سوريا بغاز السارين السام، الأمر الذي خلّف أكثر من مائة قتيل من المدنيين وأكثر من أربعمائة جريح، معظمهم من الأطفال، ليؤكد الواقع أن مثل هذه المفاوضات ليست إلا مجرد عبارات إنشائية للاستهلاك المحلي.
كذلك فقد منحت هذه المفاوضات فرصة ذهبية لنظام الأسد وداعميه لأن يشوشوا على الأهداف الحقيقية للثورة التي كانت واضحة في مطالبها حيث إزاحة بشار الأسد عن الحكم ووضع دستور جديد وتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهو ما تجلى بوضوح في واحدة من جولات جنيف إذ وفي مناورة جديدة لنظام الأسد طلب وفد النظام المفاوض برئاسة بشار الجعفري دي ميستورا بإضافة بند “مكافحة الإرهاب” على جدول أعمال المفاوضات الأمر الذي اعتبرته المعارضة مناورة وأن الأولوية هي بحث “الانتقال السياسي” وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254 وبيان جنيف 1 كملف مركزي في مفاوضات جنيف.
وبالطبع فقد كان واضحا أن نظام الأسد يحاول بمختلف الطرق أن يصنّف الثورة السورية والفصائل التي تقاتله باعتبارهم إرهابيين، متجاهلا أن الإرهاب الحقيقي هو الذي يمارسه هو وداعموه، وأن تمدد بعض التنظيمات المتشددة جزء من المخطط الذي نفذه الأسد بالتعاون مع إيران بهدف تشويه الثورة واستعداء القوى الدولية ضدها، أو على أقل تقدير التوقف عن دعمها يدلل على ذلك أن الجيش السوري الحرّ كان أول من حارب الإرهاب في إدلب وحلب والغوطة ودرعا.
كذلك فقد كان من أخطر ما أراده نظام الأسد ومن يدعمه من إطالة أمد هذه المفاوضات وتعددها هو التلاعب بممثلي الثورة وتبديل المفاوضين الشرفاء بآخرين من عملائه والموالين له او من الرماديين ممّن تم اصطناعهم على عين النظام والترويج باعتبار أنهم من بين صفوف المعارضة، في الوقت الذي يعلم الجميع أنهم شخصيات تابعة وأن ما يقومون به دور تمثيلي يقصد به التغطية على المعارضة الحقيقية، وكان أبرز هؤلاء من يطلق عليهم “معارضة الداخل” و”معارضة موسكو” فضلا عن مجموعات ممّن ليس لها أي ظهير شعبي كما هو الحادث مع ما يسمى بـ “معارضة القاهرة”.
وقد تجلى ذلك بوضوح شديد في جنيف، وكذلك في اجتماعات العاصمة الكازاخستانية “أستانا” التي شهدت مشاركة واسعة وفاعلة من أطراف صَنفت نفسها باعتبارها “معارضة وطنية” في حين يعلم المتابعون أنهم موالون للأسد وأنهم لا يلقّبونه إلا بالرئيس الأسد، كاعتراف واضح وصريح برئاسته فيما كان إصرار هؤلاء وتوحدهم على شعار “أنه لا حل عسكريا في سوريا” وهو الشعار الذي ربما ينطلي على كثيرين لكن بكل تأكيد يعني نزع حق المعارضة المسلحة في أن تقف ضد الأسد والميلشيات الداعمة له والتي لا تتوقف عن ممارسة أبشع الانتهاكات بحق السوريين.
وسعى نظام الأسد وداعموه من خلال هذه المفاوضات أيضا إلى تحقيق العديد من الانتصارات على فصائل الثورة السورية إذ كانوا يحاولون من خلالها الحصول على تعهدات الفصائل الثورية بوقف المعارك في بعض المناطق في حين لم تكن تشمل هذه التعهدات القوات الروسية مثلا، رغم أنه من المعلوم أن القوات الروسية ليست محايدة وأنها جاءت لدعم الأسد، وهو ما تجلى في اتفاق ميونخ الذي توصلت إليه أمريكا وروسيا والقوى الإقليمية 12 فبراير 2016 بعد أكثر من سبع ساعات من المفاوضات وتم الاتفاق خلاله على تخفيف حدة العنف تدريجيا وصولا إلى “وقف المعارك” في كامل البلاد في غضون أسبوع من خلال “وقف الأعمال العدائية” بهدنة عسكرية مدتها أسبوع بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة غير أن الاتفاق لم يلزم روسيا بإيقاف هجماتها الجوية كما لا يستثني من وقف الاستهداف تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة والتنظيمات المصنّفة في “قائمة الإرهاب” لدى مجلس الأمن الدولي.
والخلاصة أن المؤشرات الموضوعية حتى اللحظة تنطق بأن هذه المفاوضات والمباحثات والحوارات لن تجدي نفعا ولن تتوصل إلى ما يرفع عن كاهل السوريين هذا الحمل الثقيل، بل إنها تدفع دفعا إلى تفريغ الثورة من مضمونها وأهدافها الحقيقية والدخول بها في سراديب وأنفاق لا نهاية لها بقصد كسر شوكة الثورة وإضعاف فصائلها إلى أقصى درجة، بل والعمل على توتير العلاقات فيما بين هذه الفصائل إلى حد أن يدخل بعضها في اقتتال بينيّ، يدلل على ذلك عدم منطقية السير في عمليتين تفاوضيتين في وقت واحد إحداهما في جنيف والأخرى في أستانا، إذ لو كانت ثمة نية جادة وحقيقية في التوصل لاتفاق فلماذا لا توحّد جهود التسوية؟ ولماذا لا تكون هناك ضمانات حقيقية من الأطراف التي تزعم أنها ترعى هذه المباحثات لتنفيذ ما يتم التوصل إليه والاتفاق عليه وتحديد عقوبات لأي طرف مخالف وتشكيل لجان تحقيق على مستوى دولي رفيع للتحقق من الانتهاكات؟.. بالتأكيد هي أسئلة لن تجد لها إجابة طالما أن النية الحقيقية لدى الأطراف الدولية الكبرى هي استمرار هذا الوضع في سوريا.


 سوريا الأمل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.