القضية السورية ونتائجها الكاريثية

مقال رأي أركز من خلاله على النتائج المستقبلية الكاريثية غير المباشرة للقضية السورية إضافة لنتائجها المباشرة.
فما هي تلك النتائج التي الكاريثية والتي تغيب عن تصور غالبية السوريين أو يتجنبون الحديث عنها.
بقلم الأستاذ خالد حربا.
بعيداً عن المقدمات والمداخل لهذا الرأي نتاول تلك المخاطر بترتيب غير تفاوضلي :
أولاً التفكك المجتمعي بين مكونات المجتمع السوري.
إن السياسة الممنهجة للسلطة العصبوية الحاكمة في سوريا والتي تظهّرت بشكل طائفي جعلت الاحتقان بين مكونات المجتمع السوري يصل لذروته والذي تفجر مع انطلاق الثورة السورية ورغم تجنب غالبية مكونات بارزة بالمجتمع السوري ( كالمسي.. حيين والدر.. وز والإسماع. يليين)
لكنه كان تجلى بشكل جلي بين ( السنّة العرب والك ورد والعل ويين)
بصدام مسلح ارتكبت خلاله أفظع الجرائم بحق الشعب السوري بشكل عام ومكوناته بشكل خاص واستخدام الأسلحة الفتاكة المحرمة دولياً من خلال تحكم السلطة المجرمة بمصير العلو. يين والأحزاب الانفصالية الك وردية) المتحكمة بالقرار الكو ردي وحالة الممانعة والتصدي لمشاريع هاتين الجهتين والتي يقوم بها السنّة من خلال فصائلهم الثورية المسلحة.
ورغم نجاح السلطة المجرمة باختراق ( المسيح يين والدر وز والاسماع يليين) وحتى السنة العرب ( والك ورد) بإشراك بعضهم بأعمالها الإجرامية لزيادة تفتيت المجتمع السوري وتجذير التخندق والتموضع.
إلا أن العنوان العريض للصراع تجلى بالصراع بين مكونات ثلاث فقط وهم ( العلو يين والسنّة العرب والك ورد.)
وهذا الصراع سيولد مستقبلاً حالة مجتمعية متفككة يصعب تجاوزها.
ومهما حصل من مصالحات مستقبلية فإنها لن تخفي الشعور الداخلي الثأريّ والاحترازيّ بين تلك المكونات.
وأكثر ما يثير المخاوف بتلك المرحلة أن يبرز كما حصل بعد الحرب الأهلية اللبنانية بعد مؤتمر الطائف ظهور زعامات (طائف ية) تهيمن على تلك المكونات من خلال تفاهمات دولية وترتبط مصالح تلك الزعامات باستمرار حالة التفكك والاحتقان وظهور جيل جديد من تجار الدماء والأزمات مما سيدفعهم لإطالة عمر تلك الحالة ويمنع الاستقرار المجتمعي في سوريا والذي يعتبر ركناً أساسياً من أركان بناء دولة المؤسسات والسلطات الشرعية المنتخبة.
وهذا أحد أهم الأخطار المستقبلية على سوريا.
ويتوجب على الشعب السوري أن يضعه نصب أعينه كي يتجنب مخاطره.

ثانياً خطر الأمية وتدني مستوى التعليم

لم يكن التعليم في سوريا قبل الثورة بالمستوى المطلوب رغم سياسة التعليم الإلزامي لمرحلة التعليم الأساسي ورغم وجود المعاهد والجامعات متنوعة الاختصاصات وذلك بسبب النمط الفاشل في المناهج الذي يعزز دور الذاكرة والحفظ واسلوب التعليم والانماط الامتحانية وآلية القبول بالجامعات.
مما جعل المجتمع السوري تعليمياً بشكل عام عرضة للتأثر سلباً بأي هزة حقيقية.
وهذا ما حدث مع انطلاق الثورة السورية المباركة.
حيث كانت المؤسسات التعليمية من أولى المؤسسات التي تعرضت للخطر من الناحتين المادية والمعنوية.
فقد تأثر مادياً بتعرض المدارس للتدمير الممنهج بالاستهداف المباشر لها وتسيب المعلمين وطلاب الجامعات والمدارس وترك التعليم نتيجة فصل المناطق عن بعضها وقطع الطرقات
ومعنوياً باطلاق شعار ( لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس) وتطبيقه ذاتياً أحياناً وبالقوة والترهيب أحياناً أخرى وكان هذا الشعار أول طعنة وجهت للثورة السورية فلم يعد للتعليم أي ترتيب بين أولويات الشعب السوري الثائر باعتبار أن الحالة مؤقتة لن تطول ويمكن تعويض ذلك عند استقرار الأوضاع ولم يكن التعليم بمناطق سيطرة السلطة المجرمة أفضل حالاً بسبب الحملات الأمنية والاعتقالات للمعلمين وطلاب الجامعات وتدني المستوى المعيشي مما دفع الغالبية للسعي لتأمين لقمة العيش وزاد الخطر اكثر مع موجات التهجير الداخلي والخارجي وحالة الخوف والرعب الدائم من القصف المتعمد للمدارس وامتناع الأهالي عن ارسال أولادهم للمدارس والتي لم ترتق للمستوى المطلوب لعدة أسباب.
فكان لذلك كله وغيره نتائج خطيرة جداً.
فقد يتصور البعض أن الضرر الذي لحق بالتعليم يقاس بعدد السنوات فقط وهذا معيار قاصر لا يصور حجم الكارثة وهول الخطورة ويتعامى عن حقيقة ناصعة من المفيد ذكرها وهي

  • إن الطالب الجامعي الذي ترك جامعته والتحق بالثورة من خلال العمل المسلح أو غيره أو تركها وتوجه لتأمين لقمة العيش يكون قد هدر من عمره عشرون عاماً إضافة لما مضى وسيمضي من عمر الثورة ولن يقدم خلال عمره دعماً فكرياً لمجتمعه ومؤسساته.
    فهنا نلاحظ أن التدمير شمل جيلا كاملاً لعشرين عاماً قبل الثورة وكل من ولد خلال الثورة وانحرم من التعليم بسبب إهمال التعليم.
    والأخطر من ذلك سيتجلى مستقبلاً مع احلال الحل السياسي مهما كانت نتائجه من حيث السلبية والايجابية.
    فسوف تظهر النتائج الكاريثية عندما تأتي الاستحقاقات مستقبلاً لوجود خلل واضح بأعداد حملة الشهادات بين حاملي الفكر الثوري وداعمي الثورة من جهة وبين الموالين للسلطة المجرمة ومن تربوا بمناطقها من جهة أخرى.
    وهذا سيؤدي لسيطرة الموالين للسلطة المجرمة على غالبية ساحقة من الوظائف التعليمية وغيرها وهذا ما سيسهل نسف مكتسبات الثورة مستقبلاً إن تحقق بعض المكاسب المباشرة الملموسة. ويوجهون مؤسساتنا وفق توجههم الفكري.
    لهذا يتوجب التركيز على هذه الخطورة وجعلها بين أولوياتنا مستقبلاً كي نخفف من انعكساتها السلبية.

ثالثاً الفساد المالي والأخلاقي
لقد عمد المغتصب للسلطة والمجرم حافظ الأسد وبعد تمكنّه من السيطرة على مفاصل الدولة كافة إلى تدمير سوريا بالاتجاهات كافة وبشكل مدروس وممنهج.
ومن ذلك نشر الفساد الخلقي والمجتمعي وإسقاط القيم والمثل النبيلة التي كانت مترسخة لدى السوريين فكان منهج الإفساد أحد أهم الدعامات لاستمرار حكمه وسلطته العصبوية انطلاقاً من التضييق على الموظفين برواتبهم والغلاء والتساهل مع المرتشين والمختلسين والتغاضي عن المحسوبيات وهدر المال العام ونمّى شعور الأنانية لدى غالبية العاملين بالدولة وعين الأكثر فساد بمواقع صنع القرار لحمايتهم وزيادة هيبتهم وسطوتهم ورفع مكانتهم الاجتماعية من خلال تبادل المصالح والمنافع فيما بينهم وتلبية طلبات بعضهم البعض مما دفع الفاسدين الصغار للاستقواء بهم وربط مصالحهم بهم والدفاع عنهم.
وقد نجح بترسيخ الفساد خلال فترة حكمه وقد تغول الفساد بعهد القاصر والمجرم بشار الأسد حتى بلغ ذروته.
ومع انطلاق الثورة السورية المباركة والتي كان أحد أهم أسباب انطلاق هو التخلص من تلك المنظومة العصبوية الفاسدة وإصلاح مؤسسات الدولة.
إلا أن من تربوا على منهج العصابة الحاكمة وتغلغل الفساد في عروقهم وجيناتهم كانوا على أهبة الاستعداد لركوب موجة الثورة وبدعم متعدد الاتجاهات واستطاعوا تقلّد مواقع صنع القرار بالمجالات كافة فكانت الحالة الثورية غير المنضبطة والتي تفتقد لقيادة واعية في مرحلة انطلاقها بيئة خصبة ليترعرع الفساد أكثر وأكثر
ولإعادة تنظيم صفوف الفاسدين وربط مصالحهم بعضهم ببعض.
( حتى بات أو كاد أن يكون المتمسكون بالقيم الوطنية والأخلاق المجتمعية قلة نادرة ويقبضون عليها كالقابض على قطعة جمر)
ويحاربون بضراوة من كافة الجهات الداخلية والخارجية لمنعهم من أخذ دور قيادي ريادي في صفوف الثورة.
حتى بات الأخيار في مواقع صنع القرار قلة قليلة يفتقدون التأثير ومكبلون من الأكثرية المتحكمة من خلال أنظمة وتفاهمات لا يمكن تجاوزها.
والخطورة الحقيقية بأن أي حل سياسي مستقبلي في سوريا سيحرص أولئك الفاسدين على ضمان مستقبلهم ومستقبل الجهات التي يمثلونها وتقف خلفهم.
فأين نحن السوريون الأحرار من هذه المخاطر كافة وهل سنبقى نحصر تفكيرنا بالمخاطر المادية الظاهرة للعيان والتي تجلت بتدمير البنى التحتية وتدمير الاقتصاد ونهب خيرات البلاد وضحايا القتل والاعتقال والتهجير والإعاقات.
أم أننا سيكون أكثر وعياً وإدراكاً للمخاطر الحقيقية المستقبلية لتجنب منعكساتها السلبية خلال عملنا النضالي الثوري ومحافظتنا على ثوابت ثورتنا المباركة المظفرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.