خط الغاز الروسي نوردستريم2 يضع اللاجئين بين مطرقة بوتين وسندان الاتحاد الاوربي

لم يكن غريبا مشاهدة ذلك المنظر الذي تنفطر له القلوب…لاجئون هاربون من جحيم بلدانهم عوائل باكملها انفقت كل ماتملك ودفعت لشبكات الاتجار بالبشر جنى عمرها لتصل الى ابواب الجنة الموعودة..فيصادفها رجال مسلحون من الجنة الموعودة يتحصنون خلف اسلاك شائكة وبيدهم الهراوات والاسلحة الفردية لردع من يتمكن من اجتياز الخط الدفاعي…
تجمع تلك الالاف من المهاجرين والذين ينحدرون من بلدان مختلفة صعوبة البقاء في اوطانهم والتي انعدمت فيها فرص الحياة المستقرة او الامنة لايطلب الاباء والامهات الى العبور باطفالهم لضمان مستقبلهم وعدم الخشية ان يحل بهم ماحل بآبائهم …
ويدرك اللاجئون ومن يحاول منعهم من العبور للاماكن الامنة ان مأساتهم لم تكون لولا تدخل الدول التي تدعي المحافظة على حقوق الانسان..تدخل تلك الدول في نزاعات تشهدها بلدانهم بشكل او بآخر…
لاشك ان بلدان الاتحاد الاوربي هي الاقرب للدول التي تشهد حالات من الاضطرابات او الحروب الاهلية او شتى الاسباب المصدرة للاجئين فهذه الدول كتلة اقتصادية غنية قريبة بل مجاورة للشرق الاوسط الكبير وافريقيا…فيما تتحصن الولايات المتحدة بالمياه الزرقاء التي تشكل مانعا طبيعيا امام تدفق اللاجئون..وان كانت تعاني بين الفينة والاخرى تدفقات لاجئون بسبب الاضطرابات او حالات عدم الاستقرار من دول الكاريبي او امريكا اللاتينية
بدأت الازمة الاخيرة على الحدود البلاروسية-البولندية بقيام عصابات تهريب الاتجار بالبشر عبر شركات طيران مختلفة ومن بلدان مختلفة باحضار 3ل4 الاف لاجئ من سورية والعراق وافغانستان واماكن اخرى وتسهيل وصولهم الى بيلاروسيا(التي تمنح شهرا على اراضيها بدون فيزا من الخارج)..وقذفهم على الحدود لابتزاز ليس بولندا فقط بل الاتحاد الاوربي كله والى حد ما الولايات المتحدة ..وهذا اكبر من امكانات او مخططات الديكتاتور البيلاروسي لوكاشنكو والذي يحكم تلك الدولة منذ عام 1994..ويعتبر كالعوبة بيد الديكتاتور الروسي بوتين…عليه عقوبات اوربية صارمة بسبب نتائج الانتخابات التي اجراها العام الماضي وفاز فيها واقصى كل منافسيه…وتم زيادة تلك العقوبات على إثر ايقاف طائرة ايرلندية في ايار الماضي وارغامها على الهبوط في احد مطارات بيلاروسيا بحجة وجود انذار ارهابي…ليكتشف العالم بعد ذلك انه تم اعتقال اثنان من المعارضين للرئيس البيلاروسي ومتابعة الطائرة لوجهتها دون اي انذار او ماشابه..
من الشائع استخدام اللاجئون(او التهديد باستخدامهم) كسلاح في المنازعات الدولية لتحقيق اهداف سياسية او اقتصادية او عسكرية…
في ربيع العام الحالي استعملت المغرب هذا السلاح ضد اسبانيا عندما استقبلت الامين العام لجبهة البوليساريو للعلاج حيث سهلت السلطات تدفق حوالي 15 الفا من المغاربة الى مدينة سبتة الاسبانية الواقعة في البر المغربي.. وفي عام 2015 عندما استقبلت تركيا ما مجموعه ثلاثة وملايبن نصف سوري هارب من جحيم النظام السوري ولم يوف الاتحاد الاوربي بالتزاماته المالية اتجاه تركيا ..تم فتح الحدود لتدفق الاف اللاجئين السوريين ..الامر الذي ارغم الاتحاد الاوربي على الايفاء بتعهداته المالية لمساعدة الحكومة التركية بتحمل اعباء استضافتهم…وتكرر الامر بشكل محدود بعام 2019 على الحدود التركية اليونانية
فيديل كاسترو في عام 1980 عندما ازدادت العقوبات الامريكية على كوبا ارسل عبر البحر موجة لاجئين بلغت 125 الفا اخرج من سجونه كل اصحاب السوابق والمجرمين والمصابين بامراض عقلية وارسلهم مع المهاجرين..هذا العدد الضخم اجبر الولايات المتحدة على تليين سياساتها اتجاه كوبا…وتكرر الامر نفسه بشكل اضيق عامي 1994 و1995..
كان الرئيس الليبي السابق معمر القذافي كثيرا ما يجبر الاوربيين على تنفيذ مطالبه او بعضها بالتهديد برفع يده عن منع اللاجئين الافارقة من عبور البحر للشمال..ومارس بنسبة اقل الجنرال حفتر هذا الدور للحصول على تعاطف او دعم من الاتحاد الاوربي لقاء ذلك
الامثلة كثيرة…لكن ما يهمنا الان البحث بالاسباب السياسية للازمة الاخيرة (والتي مازالت مستمرة) على الحدود البيلاروسية البولونية…
إذ على مستوى الرئيس البلاروسي فانه يقول إنه ليس مستعدا للعمل كحارس على حدود الاتحاد الاوربي وفي الوقت نفسه يتعرض للعقوبات ممن يحمي حدودهم..وهو يشير بذلك الى رفع العقوبات او تكرار نفس الامر مستقبلا
وهو في ذروة التصعيد والتراشق الاعلامي مع الاتحاد الاوربي هدد بقطع الغاز الروسي المار من اراضيه للاتحاد(والشتاء الاوربي القارس على الابواب) الامر الذي سبب زيادة باسعاره تصل الى 10% قبل الازمة الاخيرة..
الأهداف الروسية من التصعيد الأخير
ساتناول هنا الاسباب القريبة لان الاهداف الابعد يراها بعض المراقبون انها تتعلق بضغوط على الاتحاد الاوربي للسيطرة او تهديد جمهوريات البلطيق الثلاثة…
على صعيد انابيب الغاز…تزود روسيا الاتحادية الاتحاد الاوربي ب40% من احتياجاتها من الغاز اذ يعتبر الاتحاد الاوربي من افقر المناطق بالوقود الاحفوري.
يتم نقل الغاز الروسي من ايام الاتحاد السوفييتي عبر انابيب تعبر دولا اصبحت في عداء مع روسيا الان كاوكرانيا وبولونيا..
احد الانابيب (الذي هدد لوشاكنكو بقطعه) يمر من روسيا البيضاء الى بولونيا ومنه يتم نوزيعه داخل الاتحاد..
وانبوب ثان يمر عبر اوكرانيا والتي تعتبر الان من الد اعداء روسيا بعد احتلال الروس لشبه جزيرة القرام واقليم الدونباس شرقي اوكرانيا بعام 2014..ولازالت الاجواء منوترة بين البلدين ممكن اندلاع حرب او غزو روسي لاوكرانيا وقد حشدت روسيا 90 الف من جنودها على الحدود مع اوكرانيا ..وبالتالي ان خط الغاز المار من اوكرانيا يمكن ان يتوقف (وقد حصل ذلك مسبقا).
انشات روسبا خطين لتصدير غازها لايعبران دولا تعتبرها روسيا عدوة او محتملة عداوتها.وهما:
نورد ستريم 1 والذي يعبر البحر الاسود ويصل لتركيا ومن ثم يمكن تصديره لاوربة بانبوب بري او عبر ميناء جيهان التركي.
و نورد ستريم 2 وهذا الخط يتم وضع اللمسات الاخيرة عليه وهو ينطلق من الاراضي الروسية الى المانيا مباشرة عبر بحر البلطيق دون المرور باراض دول اخرى(من المنتج للمستهلك) وهذا الخط عند البدء بإنشائه بعام 2017 عارصته دول جوار روسبا التي تمر منه الانابيب القديمة (لانها تستفيد من رسوم الترانزيت) والولايات المتحدة الامريكية لانها تخشى حسب قولها وضع اوربة تحت رحمة روسيا الامر الذي يؤدي لاستخدام روسيا له كورقة ضغط سياسية او كما يرى البعض رغبة امريكا بتسويق الغاز المكتشف عندها الى دول الاتحاد..
رفع الرئيس بايدن في مستهل ولايته العقوبات الامريكية ع نوردريم 2 وكل الشركات التي ساهمت ببنائه باعتباره اضحى امرا واقعا ..
ترغب روسيا عبر عدم الاستقرار السائد مع اوكرانيا وتهديد لوكاشنكو بقطع الغاز المار من روسيا البيضاء اجبار المانية على التسريع بالاعتماد على الخط الجديد لاقفال الخطوط القديمة
هذه إحدى القراءات الممكنة لافتعال قضية اللاجئين الاخيرة ووضع هؤلاء البشر بين مطرقة بوتين وسندان الاتحاد الاوربي..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.