بدا لكثير من المتابعين أنّ الإدارة الأميركية لا تنطلق من استراتيجية واضحة للتعامل مع المسألة السورية بشكل عام، ولكن يبدو في كواليس المباحثات الأميركية مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية، أدرج خروج إيران من سورية شرطاً من الشروط المطلوب منها تنفيذها، انطلاقاً من أنّ الخطوة الأولى لمواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني لابدَّ أن تبدأ من سورية، باعتبارها الساحة التي تشهد وجوداً عسكرياً إيرانياً مباشراً.
ويبدو أنّ قرار إبعاد إيران عن سورية قد اتُخذ أيضاً على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن مؤشراته التنسيق الروسي مع إسرائيل والسعودية، خاصة بعد أن صعّدت إسرائيل مطالبتها بإبعاد إيران وحلفائها، ليس من حدودها الشمالية فقط، وإنما من كل سورية.
كما أنّ نتائج الانتخابات العراقية والتحالفات المصاحبة لها تؤشر إلى وجود رغبة إقليمية ودولية للحد من نفوذ القوى الطائفية المؤيدة لإيران في العراق، ليس ذلك فحسب وإنما العمل على إحياء الوطنية العراقية الجامعة، بما ينطوي عليه ذلك من تأكيد الانتماء العربي للعراق، في مواجهة النفوذ الإيراني.
وفي الواقع، يشكل وجود القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها أحد أبرز التحديات لمستقبل سورية، بعد أن استطاع ” الحرس الثوري ” استدعاء ذراعه اللبناني ” حزب الله ” للقتال إلى جانب قوات سلطة آل الأسد ضد الشعب السوري، إضافة إلى تأسيس ميليشيات مذهبية موالية لإيران من مقاتلين أفغان “فاطميون”، وباكستانيين “زينبيون”، وميليشيا عراقية “حيدريون” و”النجباء”.
ولكن يبدو أنّ الحسابات الإيرانية آخذة في التداعي، خاصة أنّ روسيا، الفاعل الرئيسي في سورية، لا تتوقف عند حدود المطالبة بخروج الإيرانيين وأذرعهم العسكرية فحسب، بل أنها باتت تقف موقف المتفرج من الغارات الإسرائيلية المتتالية على المواقع والمخازن الإيرانية في مناطق عديدة من سورية. مما يشير إلى خطة، توافقت روسيا وأميركا على تطبيقها، في إطار تقسيم عمل متفق عليه بين الطرفين، بهدف الانتقال إلى حل سياسي في سورية، ما فتئت سلطة آل الأسد المدعومة من إيران تعرقله.
وإذا كانت الإدارة الأميركية جادة في إجبار إيران وأذرعها المذهبية على الانسحاب من سورية، فهذا يعني أنّ القوات الأميركية ستبقى في سورية على المدى المنظور، لأنّ خروجها يعني أنّ إيران ستملأ ذلك الفراغ. إذ لا يمكن أن يكون هناك استراتيجية أميركية لمواجهة إيران وسلوكها العدائي في المنطقة مع استثناء سورية، التي تعتبر واحدة من أهم ساحات النفوذ الإيراني اليوم، ربما تستخدمها – في المستقبل – للوصول إلى ساحات جديدة في دول أخرى.
وتكمن مشكلة إيران في أنها ترفض دفع ثمن سياسة عاجزة عن متابعتها بمفردها، خصوصاً في سورية، وعليه من المؤكد أنها تزن الموقف وما سيكلفها الانسحاب من سورية أو البقاء فيها.
ولكن، يبدو أنّ إيران لن تقبل الخروج من سورية بسهولة، لأنّ نظام وليّ الفقيه خامنئي يدرك أنّ الخروج من دمشق سيعني الخروج من طهران، بعد أن استثمرت مليارات الدولارات في مشروعها السوري، الذي استهدف التغيير الديمغرافي في البنية الاجتماعية السورية، وإبقاء التواصل مع دويلة ” حزب الله ” في لبنان.
وإذا كانت سلطة آل الأسد تستطيع، حتى اليوم، التلاعب بأوراق إيران لحساب روسيا، فإنها لن تستطيع سد ثغرات خروج إيران وأذرعها من سورية، إلا بالخضوع لتسوية سياسية تعمل لها القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في المسألة السورية، تحت رعاية توافق أميركي – روسي.
إنّ تداعي الحسابات الإيرانية في سورية، والحراك الدولي الأميركي – الروسي – الأوروبي المدعوم إقليمياً، قد يفتح أفقاً لإيقاف المقتلة السورية والشروع في تسوية سياسية، لا تتناسب نتائجها المباشرة مع حجم تضحيات الشعب السوري، ولكنها تنطوي على إمكانية الانتقال السياسي والتخلص من سلطة الاستبداد.