*بعد قمةالأعدقاء…العلاقات التركية-الأمريكية إلى أين؟*

سارت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا على نمط واحد لعقود…حيث نات تركيا الجريحة من اهوال الحرب العالمية الاولى نات بنفسها عن الصراع الذي دار في الحرب العالمية الثانية والتي افرزت بنتيجتها قطبان اعظمان تحالفا معا للقضاء على النازية وافترقا بعد هزيمتها وتحطيمها ..وبدات حرب لم تعرفها البشرية سابقا اصطلح على تسميتها بالحرب الباردة تجسدت فعليا بمعسكرين دفاعيين هما حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي وحلف شمال الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة ..وكان على الجميع الاصطفاف خلف مشروع واحد..له رؤية عالمية تبدا من الانسان ولاتنتهي فقط بشكل نظام الحكم بالدولة…كان الصراع البارد مفتوحا على مصراعية..والتحقت تركيا الكمالية (التي يحكمها العسكر من خلف الستارة) التحقت بالمشروع الغربي وانضمت الى تجسيده العسكري على الارض فكانت من اوائل الاعضاء في ماعرف اختصار بحلف الناتو..وكانت تركيا خلافا لكل الدول المنضوية تحت راية الحلف الدولة الوحيدة من حلف الناتو التي تملك حدودا برية مشتركة مع الاتحاد السوفييتي .كانت بمثابة جبهة متقدمة للحلف واكتسبت تركيا اهمية عظمى بسبب موقعها بسبب موقعها الجيوسياسي من كونها صلة الوصل بين آسيا واوربة وشكلت مع ايران حزاما مدعوما من امريكا والناتو عموما لمنع تمدد الاتحاد السوفييتي جنوبا وخاصة الى مياه الخليج العربي والابيض المتوسط الدافئة والذي كان حلما قيصريا قبل ان يكون سوفياتيا
ساد نمط بالعلاقات بالتبعية بين النظام الحاكم بتركيا والولايات المتحدة .وكانت قوة الجنرالات داخل الجيش التركي والتي تمثل الدولة العميقة او المتنفذة بتركيا مرتاحة لهذا النمط من العلاقة طالما انها تقوم باجهاض كل مرحلة تحول ديمقراطي بتركيا بانقلاب عسكري لاتعترض عليه الولايات المتحدة بالمضمون وتنتقده بالعلن
التحول الهام الذي طرا على تركيا كانت مع بدايات القرن الواحد والعشرون غندما بدا يتمكن الحكم المدني ويقتطع من صلاحية الجيش للتدخل بشؤون الدولة والحكومة ويرى اغلب المراقبون ان قيادة حزب العدالة والتنمية لتلك المرحلة اسهمت بازدهار اقتصادي اوصل تركيا خلال اقل من عشرين عاما الى مصاف الدول العشرون الاقوى اقتصاديا على مستوى العالم..مع ازدياد ترسخ وتجذر تجربة الحكم المدني الديمقراطي والذي بات السمة المميزة لشكل الحكم في تركيا بعد اجهاض محاولة الجيش الاخيرة(15 تموز 2016)للهيمنة او التدخل بشؤون الدولة والسياسة…
ومن اهم اسباب المنغصات (التي ماتزال قائمة) إتهام الحكومة التركية للداعية التركي المقيم بالولايات المتحدة فتح الله غولن وتنظيمه الموازي بالمسؤولية المباشرة عن تنظيم وتنفيذ المحاولة الانقلابية ورفض الحكومة الامريكية طلب رسمي قضائي تركي بتسليمها غولن اليها…ايضا سرت اقاويل واتهامات عن رضى امريكي او علم مسبق بموعد الانقلاب ومخططات الاطاحة بالنظام الديمقراطي القائم..
كان على الولايات المتحدة ان تدرك ان الاستقرار والاستقلال الاقتصادي سيعقبه حتما نوع من استقلال القرار السياسي..
بدات سماء العلاقات التركية الامريكية بالتلبد بالغيوم مع بداية الثورة السورية حيث بات تباين المواقف واضحا ..
اتخذت تركيا حليفا لها في سورية لمحاربة الارهاب حزب العمال الكردستاني التركي وفرعة السوري حزب الاتحاد الديمقراطي وانشات ماعرف لاحقا بقوات سورية الديمقراطية بادخال بعض سكان المنطقة اليه وبقاء القيادة ومفاصل القرار بيد حزب العمال التركي والمصنف ارهابيا على اللوائح الامريكية والتركية بالطبع
ولازال دعم الولايات المتحدة لمايسمى بقوات قسد بمئات الاف الاطنان من الاسلحة الامريكية والمساعدات المادية واللوجستية وحماية الولايات المتحدة لتلك القوات بالسيطرة على آبار النفط والموارد الزراعية والحيوانية بالمنطقة..الامر الذي يثير اكبر القلق من ذلك التنامي الهائل للاصول المالية والقدرات العسكرية والادارية للحزب التركي والذي عملت وستعمل انقرة بالتعاون مع القوى السورية التي تشاطرها نفس الاهداف بطرد الحزب التركي الى موطنه الاصلي جبال قنديل
وشكل صفقة السلاح التركية الروسية من منظومة الدفاعS400 نقطة خلاف أخرى طرات بملف العلاقات بين البلدين..اعقب شراء تركيا تلك المنظومة ابعاد الولايات المتحدة لها عن برنامج تطوير وحيازة المقاتلة الاحدث بالعالم F35
الأجواء التي سادت القمة الأخيرة
كانت عودة الرئيس التركي من نيويورك وعدم لقائه الرئيس الامريكي وتصريحاته النارية ضد الرئيس شخصيا وضد العلاقات مع الولايات المتحدة بشكل عام توحي بدخول العلاقات المتوترة الامريكية التركية بنفق مظلم سيجعلها اكثر تعقيدا .وكان لقاء الرئيس التركي بنظيره الروسي بسوتشي مؤخرا وتلويحه باستدارة استراتيجية نحو الشرق عسكريا لتلبية احتياجات بلاده..مع استمرار تذمر القيادة التركية من الدعم والحماية الأمريكية لمايسمى قوات قسد الارهابية..
اعقب ذلك بيان سفراء عشرة دول بينهم 7 من حلف الناتو وبقيادة السفير الامريكي باصدار بيان سياسي مشترك يطالب فيه الحكومة التركية باطلاق سراح رجل الاعمال التركي عثمان كافالا فورا والذي يحاكم حاليا امام القضاء التركي
كان الرد التركي صاعقا للجميع حيث طلب الرئيس التركي من وزاراة الخارجية اعتبار السفراء العشرة غير مرغوب بهم وطردهم من تركيا إذا لم يتراجعوا عن بيانهم ذلك خلال فترة قصيرة
بعد ذروة التصعيد هذه بدى للجميع ان الولايات المتحدة راغبة بخفض التصعيد حيث تم تراجع السفير الامريكي عن بيانه السابق(وفق مخرج دبلوماسي مناسب)..وتمت موافقة الكونغرس على تعيين سفير جديد للولايات المتحدة بتركية (ولاعلاقة لذلك بحادثة السفير الامريكي المنتهية ولايته) .وتم ارسال رسائل ايجابية امريكية وذلك عبر زيارة وفد عسكري امريكي رفيع المستوى الى انقرة لمناقشة الطلب التركي بشراء 40 طائرة مقاتلةF16 وتخلل ذلك اتصال هاتفي ودي بين وزيري دفاع البلدين
نتائج قمة اردوغان–بايدن
بمجرد تحديد البلدان للقاء قمة هذا يعني توصل فريقا الاعداد لجدول اعمال لمناقشته…وكان انعقاد القمة في روما وعدم تاجيلها لقمة المناخ دلالة واضحة برغبة مشتركة بين البلدان لاحتواء التوتر وتجميد الخلافات..وكانت التحية العسكرية من الرئيس الامريكي للرئيس التركي وإشارة الاصبع الايجابية عند التحضير للصورة التذكارية لقمة العشرين وقبل انعقاد اللقاء معنى يوحي باجواء انفراح ايجابية ستسود اللقاء.
أهم نقطة براي توصل لها الرئيسان طي صفحة خلاف صفقة الصواربخ الروسية..فبمجرد بحث تحويل مبلغ المليون واربعمائة الف دولار التي دفعتها تركيا لحصة من مساهمتها بتطوير طائرة الشبحF35 الى شراء بدلا عنها يعني تسليم كلا الطرفان ان الصواريخ الروسية التي اشترتها تركيا اصبحت امرا واقعا وخارج اطار التجاذبات وتسليم تركيا بابعادها عن تطوير المقاتلة الشبح ..رضى ضمني من الفريقان بان تلك المسالة اصبحت من الماضي .مع تاكيد الرئيس بايدن ان الطلب التركي يسير ضمن الاصول بوزارة الدفاع والكونغرس
تعود الجميع على اللغة الامريكية (الديمقراطية على وجه الخصوص) من تاكيد الولايات المتحدة على تركيا احترام حقوق الانسان والحريات الفردية وخرية التعبير الخ..
ما يمكن استنتاجه بخصوص الملف السوري الشائك بين البلدين الاصرار التركي على انسحاب امريكي متدرج من شرق الفرات يسبقه سحب كميات السلاح الامريكي الهائل وعدم تركه بايدي جماعات ارهابية معادية لتركية (نظرا للتجربة الامريكية بالانسحاب من أفغانستان وترك كميات هائلة من السلاح سليما بايدي حركة طالبان) ..
وأن يكون هذا الانسحاب يؤدي لرسم مسار حل للقضية السورية وليس تعقيدها .
ويمكن لنا استنتاج ان التصريحات التركية بعد القمة وحركة الحشودات العسكرية على الحدود السورية التركية تشي بموقف امريكي مشابه للموقف الامريكي قبل تنفيذ عملية نبع السلام 2019.
د.باسل معراوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.