[بقلم الدكتور باسل معراوي]
لم تدرك القيادات العربية الرسمية مدى التطور الهائل الذي طرأ من بداية القرن الواحد والعشرين على صعيد وسائل التواصل الاجتماعي..اذ استكانت لعقود على اضهاد وملاحقة اصحاب الكلمة والقلم..او تغول الرقيب الحكومي على كل المواد الابداعية وكان مقص الرقيب الحاضر الدائم وكل الشكاوي منه لم تلق اذنا صاغية من الانظمة بل ازداد نفوذه وتغوله عندما بدأت الانتقادات تطال طبقات رجال الاعمال الجدد المتحالفين مع الانظمة كتجسيد واضح للفساد الناتج عن تزاوج الثروة والسلطة
حاولت الفئات المرتبطة بالانظمة من رجال الاعمال بافتتاح محطات تلفزيونية وصحف ومواقع الكترونية في محاولة منها لتجديد الخطاب الاعلامي المهترئ والاحادي الجانب للاعلام الحكومي والذي يبث باتجاه واحد من السلطة للمواطن دون انتظار تلقي رد فعله او سماع رايه…وفشلت كل تلك الادوات الحديثة الكترونيا بتقنياتها والتي في مضمونها لم تخرج عن الاطار السابق ..او حتى حاولت في تشويه الوعي الجمعي عبر حرف الاهتمام عن قضايا الوطن الكبرى بمزيد من الحفلات الصاخبة والمسلسلات الدرامية واخبار نجوم الفن والرياضة..وظنت بنفسها انها نجحت بذلك..الى ان فاجأها ربيع الشعوب العربية
تمكنت الشعوب العربية الشابة المنتفضة من استخدام واستغلال لوسائل التواصل الاجتماعي على اكمل وجه من ناحية تبادل الاراء والافكار (دون حسيب او رقيب) وبدا عالم غريب لم تستطع المخابرات منعه او التحكم فيه…حيث كان من السهل الدعوة لتجمع او اعتصام والاتفاق على المكان والموعد ..ثم الانفضاض عنه دون علم من السلطات..
ونشأت ظاهرة الاعلامي المواطن ..الذي يتلفونه النقال ومن موقع الحدث يستطيع تصوير ونقل الحدث وتحميله على شبكة الانترنت ليتم تبادله وتناقله على متصات التواصل الاجتماعي وانتشاره على مستوى واسع متخطيا كل الحدود الجغرافية والرقابية..
ويمكن ان يكون مادة مفضلة للمحطات الفضائية للاعتماد عليه بنقل الحقيقة دون الحاجة لسفر المراسل المعتمد للمحطة والذي تكون حركته مرصودة ومضبوطة من السلطات
بمرور الوقت وعند الحصول على مزيد من الخبرة وادخال تقنيات جديدة ..تمكن بعض الشباب من ان يصبحوا مصدرا مهما للاخبار بالمنطقة المتواجد فيها بحبث يدققها ويتأكد من مصداقيتها ويقوم بصياغتها ونشرها سواء على حسابه الشخصي باحدى وسائل التواصل او ارسالها كتقرير الى احدى الفضائبات المعروفة ..
هكذا كانت بدايات الاعلام الثوري والذي رافق مسيرته الكثير من الانجازات والاخفاقات…
الانجازات بتمكنه بوسائل بسيطة ودون ميزانيات كبرى نقل الحدث وايصاله للعالم والتاثير بتكوين الراي العام ..ومن الاخفاقات عدم مأسسته وبقاءه جهدا فرديا ..دون الوصول لتجميع وتأطير تلك الجهود ضمن مؤسسة اعلامية ثورية تعبر عن آمال وطموحات الثورة وجمهورها او منافسة اعلام النظام واعلام المحور الداعم له والذي يملك الامكانات المادية والبشرية والتقنية المتفوقة عليه….وكان عدم النجاح واضحا بعدم امكانية الوصول للراي العام الغربي ومخاطبته بلغته المحلية ومراعاة اهتماماته ومايهمه ..حيث كانت اختراق اعلام النظام السوري للراي العام الغربي موفقا اكثر من اعلام الثورة بتكريسه بشكل كبير لصورة الارهابي الذي يحمل راية سوداء ومغطى الوجه وينادي باقامة الدولة الاسلامية والتي يتم تدعيمها بمقاطع حقيقية او مركبة لعمليات الذبح واضهاد المخالف…
بتطور وسائل الصراع مع النظام المجرم لابد ان يتجدد الخطاب الاعلامي ..لان الاعلام جزء اصيل من المعركة وعليه مسايرة التطور الذي يطرا سواء بتجديد ادواته والاهم منها تجديد خطابه
ومن اهم اسباب تجديد الخطاب الاعلامي الثوري هو الصمود الاسطوري للشعب السوري الثائر بمواجهته لقوى كبرى عاتية ومجرمة..تلك الهجمة التي كان يراهن عليها الكثيرون انها ستسحق الثورة بكمية العنف من العدو والخذلان (من الصديق)..لم توضع اية قيود على يدي النظام للعنف الذي استخدمه ويستخدمه لاكما ولانوعا…
ويجب تجديد الخطاب الاعلامي في مواجهة المشروع الايراني اولا..والذي يستهدف اقتلاع الهوية والثقافة عبر وسائل (سلمية) هي اخطر من الوسائل العسكرية..ويحب التركيز على مخاطر التغيير الديمغرافي والتشييع المذهبي ..وصولا الى محاولة السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري الامر الذي يؤدي الى تبعية السوق واستعمار اقتصادي ومن الامور الخطيرة الجارية الان ..دخول مشغل خليوي ايراني ثالث على الخط سيكون اداة للتجسس والمراقبة وجمع البيانات الشخصية عن السوريين عموما
وانه لايمكن اسقاط النظام وبناء الدولة المدنية الديمقراطية طالما بقي النفوذ الايراني منتشرا كالسرطان في الجسد السوري المنهك
ومن عناصر القوة التي بستند اليها تجديد الخطاب الاعلامي الاستناد الى عنصر الحق الي بفتقر اليه العدو…
الحق للشعب السوري في اختيار نظام الحكم الذي يريده والعقد الاجتماعي الذي سيبني عليه دستوره ومستقبله
ومن موحبات تجديد الخطاب الاعلامي الاستناد الى عنصر القوة ..وعدم الاكتفاء بالوقوف على الاطلال وكتابة قصائد الشعر عن الحقبة المضيئة المدنية والعسكرية السابقة بل القوة التي بسبب صمود اسطوري للشعب السوري احبرت المجتمع الدولي على فرض العقوبات وتوثيق الانتهاكات وعدم قدرة النظام وداعميه على انتاج اعتراف دولي بشرعيته واستثمار تقدمه العسكري الاخير وتحوله الى انجاز سياسي
ومن ضرورات تجديد الخطاب الاعلامي الثوري الاستناد الى الوقائع والحقائق..وعدم القفز على الحقائق والاشارة لنقاط قوة العدو ومحاولة التقليل من خطرها والاشارة الى نقاط ضعفه واظهارها وتقديمها دون مبالغة ومحاولة النفاذ منها للنيل منه
ومن ضرورات تجديد الخطاب الاعلامي الثوري هو عدم المبالغة بجلد الذات وتسليط الضوء على العيوب والاخطاء ..بل ذكر الانجازات عند كل ذكر للاخفاقات..
المبالغة او التغني بوقوف الشعب السوري وحيدا وتحالف وتكالب قوى الكرة الارضية عليها وترديد دون اثبات التحالف الخفي بين مثلا روسيا وامريكا وايران واسرائيل والعرب لوأد الانتفاضة السورية. هذا الخطاب البائس والذي يدعو للتيئيس هو بمثابة دعوة الجمهور للانتحار والندم على ثورته على الطغيان وانه لو كان يعلم ذلك لما كان قد انتفض..والعودة لعبارة كنا عايشين…
الاشارة للسلبيات ونقدها(بغية تلافبها مستقبلا) ضروري دون التمادي باطلاق الاحكام النهائية بالخيانة والتخوين..