[بقلم الدكتور محمود حمزة]
كلمات وفاء للأعزاء أبو ربيع من مشقيتا وأبو حبيب من بسنادا
عندما تخرجت من موسكو، وحصلت على شهادة الدكتوراه في الرياضيات عام 1985، وعدت الى سوريا، التحقت بجامعة تشرين للتدريس كمتعاقد من خارج الملاك (أي بالساعات).
وحينها وجدت صعوبة كبيرة في إيجاد شقة استأجرها لي ولعائلتي الصغيرة المكونة من زوجتي الروسية ناديا وابنتي كريستينا (5 سنوات) وابني فراس (سنتان)، حيث شارك العديد من معارفنا وأصدقاء اخوتي في اللاذقية في البحث عن شقة تأوينا، فعجزنا في الأسبوع الأول، وما كان إلا أن يدعونا أبو ربيع من مشقيتا، وهو صديق اخي أبو عادل، للسكن معه في البيت مع عائلته وكان لديه طفلان صغيران مثل ابنائي.
فكرت كثيرا بالأمر ولكنني كنت تحت ضغط الأمر الواقع، حيث زوجتي وابنائي كانوا في الحسكة مع اهلي وهم بخير دون شك، لكن زوجتي الأجنبية لم تتعود على العيش في وسط لا تتقن لغتهم وابنائي صغار يشتاقون الي، وانا كنت بحاجة ماسة لهم لكي اشعر بالاستقرار وأستطيع التركيز على عملي الصعب. فقد كان علي لأول مرة أن ألقي محاضرات في الرياضيات باللغة العربية وانا لا اعرف مصطلحات الرياضيات بالعربي بشكل كافي، كوني درست في جامعة روسية لمدة 11 سنة متواصلة.
وقبلت عرض الأخ العزيز أبو ربيع وجئنا الى بيته في مشقيتا – الضيعة الجميلة المنبسطة على سفوح مرتفعات وأهلها أبناء ريف طيبون وكرماء ومرحبون بالضيوف.
وتعجز الكلمات عن وصف ما قدمته لنا عائلة أبو ربيع من احترام واهتمام ورعاية فكنا نشعر اننا في بيتنا ولم نشعر باننا ضيوف وكنا نقضي ليلي جميلة مليئة بالأحاديث الحميمية الصادقة عن الناس والبلد وكان أبو ربيع مثال للإنسان الكريم الشهم عزيز النفس وعندما كان يتحدث عن انسان ويريد وصفه باختصار بأنه سيء يقول هذا واحد مخابرات. يعني في ريف اللاذقية كان الناس يميزون بين الانسان الذي يحترم نفسه ولا يخون غيره وبين الانسان الرخيص الذي يبيع نفسه من اجل المصلحة.
تعلمت لأول مرة ان اشرب المتي ولم أعجب بها، لأنني أفضل الشاي والقهوة عليها.
أبو ربيع نموذج لابن ريف الساحل الطيب الكريم المضياف والذي ليس لديه ذرة تعصب او فوقية او استغلال لانتمائه الطائفي، وانا لم اشعر لحظة وحتى اليوم بأن أبو ربيع سوى انسان سوري جميل وهو مثال للسوري الأبي الحر كريم النفس. (سمعت أنه طلق زوجته وتزوج فتاة من دير الزور).
وبعد شهرين حصلنا على شقة واستأجرناها في بلدة دمسرخو على أطراف اللاذقية وأيضا هنا كان أصحاب البيت جيراننا وشعرنا باهتمامهم وكرمهم اللامحدود تجاهنا، وخاصة بنات الجيران الذين قدموا لزوجتي مساعدات كبيرة في الحياة اليومية.
وخلال فترة سنتين قضيتها في اللاذقية، حيث درسّت في جامعة تشرين بكليات العلوم والهندسة المدنية والهندسة الكهربائية، اكتسبت أصدقاء رائعين ومحترمين مثل الدكتور حسن بدور رئيس قسم الرياضيات والدكتور جهاد ملحم رئيس قسم الفيزياء والمرحوم عهد كفى وغيرهم وقد قام الدكتور حسن بدور بتقديم اوراقي للتعيين في الجامعة دون علمي وحصل على كافة الموافقات العلمية، وارسل الملف للوزارة وحصل على موافقتها، واخبرني انه يريدني ان ابقى في الجامعة، فرحبت كثيرا بالفكرة، ولكن ملف تعييني وضع في درج رئيس مكتب التعليم العالي القطري سيء الذكر وهيب طنوس، وتم حفظه الى الابد. وابلغوني ان كافة أجهزة الأمن كتبت تقارير سلبية فيك. بالرغم من أنني كنت عضوا في الحزب الشيوعي الذي يشارك مع النظام في الجبهة الوطنية…! طبعا حينها قدمت اوراقي لمركز الدراسات والبحوث العلمية في دمشق وقبلوا اوراقي ولكن تقارير المخابرات رفضتني أيضا، علما ان مدير المركز الدكتور واثق شهيد قال لي اننا بحاجة جدا لاختصاصك (نظرية التحكم الأمثل في الرياضيات والتي لها تطبيق في الصناعات).
وكان الراتب يتأخر كثيرا وهو أصلا لا يغطي احتياجاتنا مع اجرة الشقة، فلجأت للاقتراض من أصدقاء في اللاذقية، وكانوا يساعدونني بشكل لافت.
واذكر شخصية عظيمة أخرى في حياتي في تلك الفترة هو انسان بسيط وطيب اسمه أبو حبيب سائق سيارة في اتحاد الفلاحين وصديق اخي ومقيم في بسنادا وكان يأتي الينا كل يوم احد (باعتباره مسيحي) ويأخذني انا وعائلتي ونبقى عندهم يوم كامل نتمتع بأكل المشاوي التي يتقن أبو حبيب تحضيرها مع المشروبات اللذيذة.
عشت سنتين في اللاذقية وكنت اشعر انني في بلدي ووطني ولم اشعر بالتمييز بل بالاحترام الكبير والمودة.
تركت تلك الأيام انطباعات جميلة ودافئة في قلبي وقلب اسرتي
هؤلاء هم الشعب السوري بعيدا عن السلطة التي لها مقاييسها التمييزية التي تفرق بين الأخ وأخيه.
من واجبنا العمل على إعادة سورية الى وحدتها الوطنية في مجتمع حر مدني ديمقراطي تعددي بعيد عن التسلط والاستبداد والفساد .
كلنا نفتخر بسوريتنا ويجب أن يكون السوري حر في بلده وأن تكون سورية للسوريين جميعًا.
إقرأ أيضاً: لا منتصر ولا مهزوم !