سوريون لبعضهم !

[بقلم أ. ميشيل كيلو]

كتب احد ابناء الساحل السوري عن ضرورة فصله عن وطنه، بحجة: استحالة التعايش بين السوريين، بعد أن عصفت بعقولهم أصوليات متنوعة. هذا الأخ، نسي، كما هو مألوف في مثل هذه الدعوات، أن ما قاله ليس غير تعبير عن الأصولية، التي يرفضها ! .

تطرح هذه الدعوة سؤالين: هل صحيح ان عيش السوريين المشترك صار مستحيلا، لانهم ليسوا اليوم ، ولم يكونوا بالأمس ولن يكونوا في المستقبل أيضا، شعبا واحد؟. وهل تنجح اي جماعة من الجماعات الوطنية السورية,مهما كان وزنها وعددها ، في تدبير شؤونها بمفردها، والمحافظة على نفسها، إن هي استقلت ،أو انفصلت، عن جماعاتها الأخرى ؟.

شخصيًا، أؤمن أن سورية إما أن تكون لجميع مواطنيها دون اقصاء أو استبعاد او تمييز، أو أنها لن تكون الوطن الذي نحبه ونواليه ،اذا ما فقد ، أو أفقد، أي جماعة من جماعاته ، أو غادره أي طرف منها. كما أؤمن أن من يغادره لن يجد بديلا له، في هذا المعزل أو ذاك من المعازل المحتملة، التي لا أشك في أنها لن تعرف الامن والسلام، وستعيش في شقاق وتناحر ، أسوة بما أراده لها الذين قسموها أول مرة، بصك الانتداب، وفصلوا ساحلها عن داخلها، وقالوا إنها تقتصر على محور دمشق /حمص /حماه /حلب، وإن العالم لن يقر بضم أي جزء أو طرف ينال استقلاله منها الى هذا المحور، تطبيقا لخطة ارادت الداخل السوري منفصلا عن ساحله، فاعطى وعد بلفور فلسطين للصهاينة عام ١٩١٧، وضمت الاقضية الأربعة إلى لبنان، الذي صار “كبيرا” ،عام ١٩١٨، وفصل لواء اسكندرون عن وطنه الأم عام ١٩٣٨، ثم جرت محاولة مسلحة لفصل ما بقي من الساحل السوري ولإقامة كيان مستقل فيه، اعتقادا من خططوا لها بأنه سيكون تابعا لهم، وبحاجة إلى حماية دوره من الصراع ضده، الذي سينقلب إلى حروب.

ومع أن وطنية أهل الساحل ورجالاته احبطت هذا المشروع، وأن سورية تدين باستعادة وحدتها لرفضهم تيارًا انفصاليا ظهر بينهم، ودعا إلى ضم الساحل السوري الى لبنان، وكان بين من وقعوا رسالة وجههوها إلى المندوب السامي الفرنسي بهذا المطلب أحد أجداد آل الأسد الحاليين، الذين ما أن استولى واحد منهم على السلطة عام ١٩٧٠، حتى وضع الشعب أمام معادلة أحكمكم أما دمتم خاضعين، ومستسلمين ، فإن لم تخضعوا عزلتم عن العالم وقتلتكم، وحاصرتكم بالتعاون مع انصار هذا النهج، الذي طبقه بشار الأسد منذ عام ٢٠١١، ووضع هل الساحل امام خيار مرعب هو : الموت قي سبيل كرسيه بحجة حمايتهم، وها هو يحتفي بنجاته، تاركا لهم جوعهم وحزنهم على أحبتهم، ومصيرهم المجهول !.

هل يعقل أن يقترح عاقل تقسيم سورية ، بعد أن وحدها آباؤه واجداده، ودفعوا ما تطلبه توحيدها من أثمان باهظة، وما اتخذوه من مواقف تشرف كل سوري بحمولتها الوطنية، التي تجلت بأفضل صورها في شعر بدوي الجبل، إبن الساحل والرمز الذي يفخر السوريون به، ويرون في شعره ابداعا يستوطن ضمائرهم ، وفي شخصه وطنيا لعب دورا مفصليا في استقلال بلاده وحريتها، فلا مبالغة في قول من يقول: من المحال أن تبقى سورية دون مواطني ساحلها وداخلها، سهولها وبواديها، جبالها ووهادها ، وأن يتخلى أبناؤها عن انتمائهم اليها، لان تخليهم عنها يعني تخليهم عن وطن وانتفاء وجودهم كشعب، عزز تضامن جماعاته روابطه الأخوية ولا شك في أنه سيساعده على تجاوز محنة السنوات الماضية، بعد أن اجتاز حقبة اتسمت بما كان فيه من ملل، خلال الحقبة العثمانية، وانخرط في اندماج وطني طال مختلف جوانب وجوده ، لكن عام ١٩٧٠ شهد تجدد محاولات فصله بعضه عن بعض، عن سابق عمد وتصميم، واستغلال ما كان باقيا فيه من نقاط ضعف جرى تضخيمها ، بالنتائج الكارثية التي ترتبت عليها وكان آخرها الحرب على السوريين ، وبينهم، خلال العقد الماضي، وما أدت إليه من دمار وقتل لم يوفر أحدا : مواليا كان أو معارضا، ثائرا أو رافضا للثورة، فلا أقل من أن نستعيد وعينا كضحايا، ونوقف تدمير ما بقي من مجتمعنا ووطننا، ونتعاهد على صون حياة كل سوري ، كائنا ما كان اسمه أو مذهبه أو معتقده أو موقعه. ولنتوافق على عقد وطني جديد يدمجنا في جماعة وطنية واحدة، يتساوى المنتمون إليها في حريتهم وحقوقهم، ورغبتهم في وقف اندثارهم، ومقاومة ما يحول دون جهودهم المشتركة لانقاذ بعضهم البعض بوحدتهم وتعاونهم الأخوي، وطي صفحات خلافاتهم ، فنبقي على من بقوا أحياء من شعبنا، وخاصة منهم شبابنا، بعد أن أودى حل بشار الأسد العسكري بمعظمهم، وكاد الساحل يخلو من أبنائه، لأن الحرب لم تترك أسرة واحدة لم تفجع بعزيز او أكثر من ابنائه أناثا وذكورا.

سورية لشعبها، فهو الوحيد الباقي، ومن غير الجائز إن يكون ضحية من هم في السلطة أو الطامحون إليها، وليست ولن تكون لفرد أو لجماعة . ولن ينجو سوريو واحد من الهلاك ، إذا لم يكن السوريون لبعضهم، ويقاتلوا الطائفيين والمذهبيين بدل أن يقتلوا بعضهم بعضا، ويهجروا الاعتقاد الذي يتمسك به من يوهمونهم أنهم الدواء وليسوا الداء، كأن ابن الساحل أعمى وغبي، ولا يرى إلى أي قاع أوصلهم الذين صاروا داء لا دواء له، ومن غير المعقول أن نظل خاضعين لهم ، إن كنا بشرا أسوياء، بعد ما عانيناه من موت ودمار على أيديهم و”بقيادتهم” ،التي ألقت بنا عموما وبابناد الساحل خصوصا إلى هاوية لن يخرج أحد منها غدا، إذا لم نبادر، جميعنا، إلى مغادرتها اليوم، دون تردد أو إبطاء ، لنعانق بعضنا ومستقبلنا تحت سماء الحرية والكرامة، التي حجبوها عن آعيننا وحان الوقت لأن نراها دون احكام مسبقة وكذب !.

إقرأ أيضاً: سوريا التّضليل والتّقسيم

تعليق 1
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.