سورية…. وحياة الناس بالداخل

[بقلم د محمد حاج بكري]

نكتب كثيراً عن القضايا الوطنية التي تعترض تقدمنا و نُهوضنا كبلدٍ وشعب كقضايا التحول الديمقراطي، والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة  ، ونُظم الحُكم ، ونسينا في خِضم تلك القضايا الشائكة الحياة الصعبة و الضنكة التي يعيشها شعبنا بالداخل في كنف سلطة الأسد ، من شظفٍ في العيش بدأ من لقمة الخبز مرورا بكافة الخدمات ، وقسوة ٍفي نمط الحياة ، ، فشعبنا السوري  يعيش على حافة القبر، ويتعايش مع المرض والفقر  ، فضلاً عن شدة  التسلط والاستبداد والقمع وأحاول عبر هذا المقال تسليط بقعة من الضوء على وضع المواطن وحاله في ظل النظام الأسدي

سوريا اليوم تحولت إلى كهفٍ مُظلم لا ضوء فيه، وجحيمٍ قاتل مستوطن يتجاوز حد وصفنا وشرحنا له بالكلمات والجمل فالوضع أخطر بكثير مما نتصور والحياة صارت لا تحتمل والمواطن يواجه قصوراً في كل أمور الحياة فالخدمات في المشافي  شبه معدومة ، والدواء مفقود و حتى لو كنت تملك المال اللازم ، والمواصلات ووسائط النقل والانتقال  بين المحافظات لا تجدها إِلا بِشِقِّ الأَنْفُس ، فالصورة قاتمة  سوداء والمشهد يطغى عليه الموت و الحُزن العميق المشُبع بالفقر  والعِوز والفاقة والاحتياج وحتى التسول 

الإهانة أصبحت أمر اعتيادي  في كل موقع ومؤسسة ومن كل شخص متواجد  في السلطة هي الظاهرة  اليومية والأبرز في حركة الناس المعتادة يوميا  ، ويُخيم الخوف  والرعب على المواطن  السوري ومهما كانت طائفته في كل مكان وانعكس ذلك الخوف في كلام الناس وحركتهم وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي  ، فالاعتقال  سيد المواقف والعصا الغليظة دون ذنب هي القانون ، والتعذيب  للمواطن بكل الوسائل هو الأمر الطبيعي في كل رُكنٍ من قبل الأمن والمخابرات ، ولك أن تتخيل كل مظاهر الوحشية التي مرت في تاريخ البشرية أو لم تمر ستجدها حاضرة في سجون الأسد ، فالقمع  والبطش هو الذى يسود حياة السوريين ، أما الفرح فمعدوم لمن في الداخل وحتى مظاهر الفرح التي تتم  ببعض المناسبات تقتصر على ال الأسد والمقربين منهم و شبيحتهم نعم فحتى الشعور بالفرحة مغتصب في وطننا هذا هو الواقع بكل صراحة ودون مبالغة، فمن يدخل حدود الوطن أمنيته أن يعود دون اعتقال والمواطن المقيم يسعى بكافة الوسائل للهروب

فالحياة الطبيعية هي حلم في بلادنا فحتى من يبلغ خريف العمر مُلزمُ بالانضمام إلى الميليشيات وحمل السلاح ليكون حاميا لعرش الأسد ولا مجال للرفض وعلى الجميع الإذعان للقرارات أو المغادرة هارباً نعم فعسكرة المجتمع هي السياسة المُتبعة  لنظام الأسد

ما لا يمكن تصوره هو أن لا يستطيع المواطن  العيش بقيمة راتبه أكثر من أربعة أيام وحتى التحويلات التي يتلقاها المواطن من أقاربه و أصدقائه  في الخارج والتي ترسل للمساعدة يتم صرفها بأقل من قيمتها الحقيقة بكثير ، فالبلاد لا توجد فيها سياسة نقدية  أو مالية ولا ميزانية للدولة  فالعجز واضح ومكشوف وموارد الدولة معدومة ومرتهنة لعشرات السنين وليس هناك مصادر لخلق الثروة وبالطبع لا يوجد مجلس شعب يمثل المواطن وهمومه ، دولة  فاشلة ومرتهنة ومسلوبة القرار فيها تزيد حجم معاناة المواطن وصعوبة عيشه  ولا أمل يلوح في الأفق بالخلاص والفرج

لا توجد سلع  غذائية ولا توجد خدمات وحتى الكهرباء فانقطاعها مستمر على مدار اليوم ولا تصل إلا بساعات قليلة  حتى في قلب دمشق فضلاً عن شُح الوقود ، ووفقا لذلك انعدم النشاط السياحي ، وفقد بذلك الوطن و المواطن أحد مصادر رزقه   وتوقفت عجلة الاستيراد لعدم وجود العملة الصعبة اللازمة  إضافة للتغيير المفاجئ في القرارت الاقتصادية وملاحقة معظم التجار بحجج وهمية للابتزاز  ما جعلهم يخرجون من سورية ويهربون أموالهم ،  وبذلك توقفت حركة التبادل التجاري مما أثر ذلك بوضوح على  حياة المواطن وفرص التنمية وانعدام السلع الأساسية ، كل ذلك  أدى إلى تدهور الاقتصاد المتدهور أصلاً ، فانعدمت الحركة التجارية وسيطر الجُمود الاقتصادي في بلد  تُخيم عليه العُزلة من دول الجوار الإقليمي  

لا يحلم المواطن السوري بفرصةٍ للعمل بقدر ما يُفكر في بيع أملاكه و مدخراته للخروج والفرار بروحه من السجن الكبير ولا توجد مشروعات  إنتاجية أو استثمارية لتستوعب الطاقات والخبرات وكيف يكون للنظام رؤية ومشروع وأهداف  في بلد بلا قانون ولا دستور ولا منظومة ًللحُكم ولا مؤسسات دولة هذا الوضع خلف سلبيات كثيرة على المجتمع  فانتشرت ظاهرة  المخدرات والسرقة والغِش  والاحتيال والخطف

وبناء عليه نتساءل  بغصة وألم وحرقة ما قيمة الوطن إن كان الفقر والمرض وانعدام وسائل العيش والاعتقال والمصادرة  للأملاك هو الذي يسيطر على حياة المواطن

وما هي فائدة الوطن إن كانت الإهانة والإذلال هي الأداة الوحيدة لتسيير مُنظومة الحُكم لدى الأسد لتثبيت اركانه

إن حقوق المواطن الأساسية ينبغي أن تُصان وأن تكون مقدسة وفق القانون والدستور وأن تكون من البديهيات والمُسلمات ولا يحق إطلاقاً مُصادرتها أو سلبها كما يفعل الأسد في سورية   فالمبادئ العامة كحرية العمل وحرية التنقل والحريات وسيادة مبدأ القانون ينبغي أن تُحترم وتُفعل لكن الأسد  لدينا يعتدى حتى على هامش الحقوق ، و تتحكم  أجهزة الأمن والمخابرات بحياة الناس وعجلة الاقتصاد لكننا على ثقة بأن فجر التغيير قادمُ لامحالة وإن طال، والاستبداد نهايته وخيمة مهما طغى ، وفوق كل ذلك ثقتنا في شعبنا والله أكبر…

د محمد حاج بكري

إقرأ أيضاً: الوطنية السورية ضرورة حتمية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.