في الذكرى الثالثة والسبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقف الشعب السوري، الذي اعتُبرت مأساته أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، حسب ما ذكره الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التابعة لها، متسائلًا: أين هي القيم السامية التي انطوى عليها الإعلان إزاء مأساتنا السورية منذ ما ينوف عن عشر سنوات؟
إنّ حقوق الإنسان مسألة عالمية بامتياز، يقرّ بها الإعلان للإنسان – حيثما كان – لمجرد أنه إنسان، بغض النظر عن أية خصائص عرقية أو قومية أو اجتماعية أو جنسية، حيث المساواة هي المبدأ الأساسي للشرعة العالمية لحقوق الإنسان.
لقد انطوى الإعلان على مبادئ أساسية، منها: الحق في الحياة، والحق في عدم التعرّض للتعذيب، والحق في طلب اللجوء هربًا من الاضطهاد والجرائم ضد الإنسانية. واستُكمل الإعلان في سنة 1949 باتفاقية جنيف الرابعة، التي ضمنت حماية المدنيين في زمن الحرب وحرية عمل الفرق الطبية في مناطق الصراع. ووصل الأمر إلى إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 2005 قرارًا بـ ” حق التدخل الإنساني ” في الدول التي تحكمها حكومات تسلطية، لحماية المدنيين من جرائمها.
وهنا يتساءل السوريون، بعدما تعرّضوا إلى كل أنواع انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها التهجير القسري والتغيير الديمغرافي، من قبل نظام بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس، عن مدى فعالية الحماية الدولية؟
إنّ خذلان المجتمع الدولي للشعب السوري، ونكرانه لمبادئ الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وتنصّله من واجباته في حماية المدنيين السوريين، من الموت والدمار في البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي المحرّم دوليًا، إضافة إلى معاناة اللاجئين منهم في بعض دول اللجوء، جعلهم يدركون أنّ حقوق الإنسان السوري أضحت موضوعًا في السياسات الإقليمية والدولية، أي مجالًا إضافيًا تتفاعل من خلاله الدول طبقًا لعلاقات القوة والمصلحة وتقاسم النفوذ. ما يعكس ازدواجية معايير المجتمع الدولي، والتلاعب بالحقوق الإنسانية، لتحقيق مصالح أنانية للدول المؤثرة في المسألة السورية. في حين أنّ الولايات المتحدة الأميركية اندفعت إلى التصدي للجريمة ضد الإنسانية في كمبوديا، أثناء سيطرة نظام ” بول بوت ” و ” الخمير الحمر ” على السلطة بين عامي 1975 – 1978، من خلال المساهمة في إسقاط النظام وإنشاء محكمة دولية لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت في حق الشعب الكمبودي.
ولكن ما أثلج صدور السوريين أنّ جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، حتى لرأس سلطتهم المستبدة بشار الأسد، حيث أُدين، في سنة 2017، اثنان من قادة ” الخمير الحمر “، بالرغم من محاولتهما الاحتماء بـ ” الحصانة السيادية “. ولعلَّ جهود فريق الحقوقيين السوريين في ” المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية “، بالتعاون مع حقوقيين أوروبيين، الذين جمعوا أكثر من مليوني وثيقة، بما في ذلك وثائق الإدانة الموقّعة من بشار الأسد، تسفر عن إنشاء محكمة دولية لمجرمي الحرب السوريين الذين تلطخت أياديهم بدماء الشعب السوري.
وبالرغم من كل ما تقدم، تحظى الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الإعلان العالمي، بأوسع توافق دولي، مع الإقرار بأنّ ما شهده العالم المتغيّر يطرح تساؤلات عن حجم الانتهاكات التي تتعرض له هذه الحقوق، وكيفية تطوير أداء الهيئات المنوط بها متابعة هذه الانتهاكات. ومن المؤكد أنّ حقوق الإنسان لا يمكن أن تُحترَم في ظل دول حكم الاستبداد، وإنما في دول الحق والقانون، دول مواطنيها الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات. مما يطرح على السوريين ضرورة متابعة نضالهم من أجل مبادئ ثورتهم في الحرية والكرامة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب، وبالتالي الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ومن المؤكد، أنّ تجسيد حقوق الإنسان في سورية بعد إنجاز عملية الانتقال السياسي، لن تظهر نتائجه إلا بضمان تقريرها في مقدمة الدستور القادم، باعتبارها مبادئ محصنة في الدستور، غير قابلة للإلغاء في أية دساتير لاحقة. مما يستوجب المعالجة الجدية لتفعيل الممارسة الفعلية لحقوق الإنسان، من خلال التعاطي المجدي مع الإشكاليات التالية: إدراج أحكام الشرعة العالمية لحقوق الإنسان في النظام القانوني لسورية ما بعد التغيير، بحيث تكون ملزمة، وإمكانية إثارة أحكام الشرعة العالمية أمام القضاء السوري.
المقال السابق
المقال التالي