منذ أن بدأت الثورة السورية العظيمة في آذار 2011، هناك من زرع الوهم في عقول السوريين وذلك بأن أمريكا ستتدخل لإسقاط النظام الأسدي كما فعل الناتو في ليبيا حين أسقط القذافي. ويعرف السوريون أن الإسلاميين كانوا في مقدمة من باع الوهم للسوريين، وقالها الدكتور برهان غليون أول رئيس للمجلس الوطني السوري، إن المكتب التنفيذي للمجلس الوطني وكان الإخوان المسلمين وإعلان دمشق مسيطرين عليه لم يعملوا شيئاً طوال سبعة أشهر وهم ينتظرون التدخل الخارجي لاسقاط الاسد وتقديم السلطة في سوريا على طبق من ذهب للمجلس الوطني السوري!
لقد ابتلي الشعب السوري والثورة السورية بنخب تصدرت المشهد المعارض ولم تفكر ببناء جسم سياسي ثوري وطني مستقل بل اصبحوا اداة طيعة بيد اللاعبين الخارجيين على شكل هياكل هزيلة معطوبة في بنيتها ولذلك لم تتمكن من تقديم اي عمل ايجابي للسوريين بل بالعكس فرطوا بمكتسبات الثورة ونضالات السوريين وتضحياتهم.
كما ساهم في زرع الوهم لاعبون دوليون واقليميون. وسياسة الولايات المتحدة باداراتها المختلفة الديمقراطية والجمهورية لا فرق كبير بينهم لعبت دوراً في تخدير السوريين والتحكم بكفاحهم الاسطوري وعرقلة اي تقدم حقيقي في نشاط الجيش السوري الحر وكذلك المعارضة السياسية الثورية.
وانتظر السوريون أي دعم دولي لمجابهة الالة العسكرية المتوحشة للاسد وحلفائه من نظام الملالي وروسيا. ولكن اكتشف السوريون ان من يبيعهم الوهم هو من يعطي الضوء الاخضر للتدخل الروسي و الايراني. وقد يقول قائل الأمريكان ومعهم اسرائيل يريدون اخراج ايران من سوريا واقول هذا وهم وكذب لأن من يسلم العراق اكبر واقوى دولة عربية لنظام الملالي فهو يريد لايران ان تلعب دورا تخريبيا في المنطقةالعربية وأن تؤسس ميليشيات طائفية وتخلق الفوضى والاقتتال بين شعوب المنطقة تحت شعارات طائفية وقومية ودينية.
ومن يشجع روسيا على التدخل العسكري في سوريا لحماية النظام الاسدي كيف له ان يرى الثورة السورية بعين الحق والانصاف. يتبجح الغرب بالديمقراطية وقيم الحرية وحقوق الانسان بالكذب فهم لا يريدون ديمقراطية في المنطقة العربية، بل يريدون اعادة تقسيم ورسم الخريطة السياسية في الشرق الاوسط بما يناسب مصالح الصهيونية العالمية والقوى الاستعمارية الدولية الجديدة وفي مقدمتها الولايات المتحدة. وما التطبيع الابراهيمي المشبوه بين الامارات واسرائيل إلا تأكيد على تطبيق مشروع شرق اوسطي جديد يكون فيه لاسرائيل حصة الاسد ويتم فيه طمس للهوية الحضارية والثقافية لشعوب المنطقة.
كاتب السيناريو والمخرج في سوريا والمنطقة هو الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، أما المنفذين فهم روسيا ونظام الاسد المجرم والحرس الثوري الايراني والميليشيات التابعة له. وفي هذا الاطار يجب فهم دور حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني التركي واستطالاتهم في سوريا فهم عصابة مأجورة تنفذ ايضا جزءا خطيرا من مخطط الشرق الاوسط الجديد والكبير. ونشاط قسد ومسد واخواتهما لن يفيد الشعب الكردي بشيء بل بالعكس شوه القضية الكردية وطمس مطالب الكرد في العيش الكريم لانه ربط قضيتهم بالتبعية لامريكا او للنظام السوري او لروسيا، اي أنه حول القضية الكردية الى ورقة يبيع ويشتري بها في سوق النخاسة. وهكذا كان نشاط حزب العمال الكردستاني في سوريا من ايام عبدالله اوجلان في ثمانينات القرن الماضي، والكل يعرف تبعيته للمخابرات السورية التي باعت الوهم للشباب الكرد وارسلوهم الى تركيا ليموتوا بدون ثمن. ونفس الشيء فعل نظام الاسد عندما ارسل الشباب المسلمين السنة الى العراق ليموتوا تحت شعار كاذب وهو مقاومة الاحتلال الامريكي في العراق. فالكرد ايضا ابتلوا بتشكيلات قسد ومسد الذين زرعوا الوهم في عقول البسطاء واستغلوا طموحهم للحرية وشعار الديمقراطية الزائف ولكن هذا الوهب كالسراب كلما اقتربت منه ابتعد عنك.
والوهم الاخطر يزرعه حتى اليوم بعض النخب التي تبني الآمال على هيئات المعارضة كالائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية علما انها تشكيلات فشلت 100% ولم يعد لها علاقة بالثورة او الشعب السوري.
ويزرع الوهم بعض الاخوة عن قصد او غير قصد من الجالية السورية في امريكا عندما يوحون للسوريين ان هناك أمل او تقدم في الموقف الامريكي تجاه القضية السورية وهذا كذب مثله مثل القول ان روسيا اليوم مستعدة للتخلي عن نظام الاسد. طبعا مع تحية اجلال وتقدير لكل الاحرار السوريين في الجالية الامريكية الذين يعملون لدعم قضية الشعب السوري وفي مقدمتها قانون قيصر.
لكن برأيي من يعيق الحل في سوريا هو الامريكان أولا واسرائيل ومعهم روسيا بسياستها الغبية المعادية للشعب السوري. والمستفيد قبل اي كان هو ايران واسرائيل.
والمشكلة ان القوى الدولية والاقليمية جردوا السوريين سواء الموالين ام المعارضين من أي دور وطني مستقل. وتم ابعاد كل الشخصيات الثورية المستقلة عن المشهد السياسي وبقي الانتهازيون والمتسلقون عديمي الضمير والذين يبيعون الوهم للسوريين كما يفعل هادي البحرة وامثاله بتصويره اللجنة الدستورية وكأنها ستخرج الزير من البير عِلماً أن النظام اصلاً لا يعترف بالمعارضة ولا يعترف باللجنة الدستورية. وكل مفاوضات جنيف واللجنة الدستورية تبيع الوهم للسوريين وتطيل بعمر النظام المجرم
ماذا يمكن ان نقول عن الائتلاف واخواته بعد 9 سنوات وقيادته ثابتة لا تتزعزع وكأنهم تلامذة النظام الاسدي واصبح شعارهم الى الابد. 9 سنوات من حياة الائتلاف كافية لاجراء تغيير كامل في عضويته لانه لو كان برلمانا لتغير. وحتى مجلس الشعب الاسدي يتغير كل 4 سنوات!
لذلك ليس لدى السوريون إلا العودة إلى أنفسهم ونزع كل اشكال الوهم والنظر بواقعية الى ما جرى في بلادهم وخلق مسار وطني ثوري مستقل.
على كل النخب التي تقلدت مناصب في المعارضة ان تذهب للتقاعد، وتفسح المجال للناشطين والشباب والثوار المستقلين. فهؤلاء الشباب هم من اشعل الثورة وليس قادة الائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية الذين نزلوا بالباراشوتات على مناصب جاهزة والتصقوا بها الى الابد.
علينا ان نفكر بطريقة جديدة وبعقلية جديدة وآلية عمل جديدة بعيداً عن التشكيلات التي تعفنت واصبحت رائحتها تشتم على بعد كيلومترات.
السوريون جميعا يجب أن يتوحدوا في نبذ عقلية النظام وعقلية المعارضة الفاسدة والتفكير بطريقة مستقلة وطنية سورية. فالوطنية السورية الجامعة فوق اي اعتبار. ويجب نزع الوهم الذي يصنف كل من نادى باسقاط بشار على أنه ثوريا ووطنيا. فهناك عدد لا بأس به من الشخصيات الملتبسة وحتى المخترقة والانتهازية التي ركبت موجة الثورة وحققت مكاسب حزبية وشخصية على حساب دماء السوريين الطاهرة.
بما أن الشعب السوري فجر اعظم ثورة في التاريخ، وقدم اعظم التضحيات ، فهو وحده القادر اليوم على اخذ زمام المبادرة واعادة رسم المشهد السياسي ونفض غبار الوهم الكاذب الذي يخدم النظام واعداء الشعب السوري.