[ بقلم : أ. ميشيل كيلو ]
فخ الثقة القاتل !
يقول المثل الدارج أن اكثر البشر قدرة على خداعك هم الذين تتمنحهم ثقتك دون تحفظ، وتدفعك محبتهم إلى رؤية نفسك بدلالتهم ومن خلالهم ، بدل أن تراهم بدلالة ما تؤمن به من” مباديءوقيم”، وما يحدد نظرتك إلى نفسك وغيرك من تجارب وأخلاق ، ويضبط سلوكك وعلاقتك بسواك ، وخاصة أولئك الذين يتمتعون بثقتك، ويملكون القدرة على خداعك، من آصحاب المصالح الخاصة .
إذا منحت أيا من هؤلاء ثقتك، فانهم يستغلونك إلى أقصى حدود الاستغلال، فإن قرروا خداعك والتحكم بارادتك، واستعمالك كبيدق في شطرنج مقاصدهم، سجنوك في دور لا تخرج منه، يكون دورك كبيدق، وحجبوا عنك ما يقررونه بشأنك، وحالوا بينك وبين التأثير على ما يكلونه إليك من واجبات يفترضون أن نجاحها يتطلب جهلك بكل ما يخرج عن الواجب التنفيذي، المنوط بك ، وبهويتها، وطابعها، ومراميها … الخ، وحرصوا على أن يكون نصيبك منها اندفاعك في تلبية ما تتطلبه من استغلال لقدراتك ، دون أن يسمحوا لك بالنقاش أو الاعتراض، فإن ناقشت أو اعترضت فقدت قربك منهم، واحجموا عن ردك إلى ما كنت فيه من تبعية لهم، دون أن تثبت استعدادك للتحول إلى أداة مرنة ومطواعة في أيديهم، وتقبل التخلي عن ما قد يكون باقيا لديك من استقلالية عنهم، وتهب نفسك وعقلك لهم، ولما يوهمونك أنه قضايا مقدسة، هم رموزها التي تجمعك بهم، فهم إذن قضاياك التي تهون تضحياتك بالغالي والنفيس، وبالأرواح والمهج، في سبيلها، فإن بلغت هذا الحد من الانخلاع عن ذاتك، انقلبت في نظرهم، ونظر الناس من مخلوق جدير بالاحترام والحرية إلى دريئة بلا شعور ، تصد عنهم الاخطار، التي تعرض نفسك لها عوضا عنهم، وبحماقة ! .
الأصل في مثل هذه العلاقات، المفعمة بالاذلال والخداع والكذب، هو الانتماء إلى آخر، فإن كان سياسيا شابه ما يترتب على علاقة التباع بالمتبوع في العقائد، التي تدمج التابع بالمتبوع حتى ليبدو متحدا معه ، دون أن يكون ذلك حقيقيا، بطبيعة الحال، بما أن يكون على الدوام مغلفا بإهاب من أوهام تمنع تماهيه مع تابعية، لكنها ترغم هؤلاء على الذوبان فيه، والتخلي عن ذواتهم من أجله، والموت في سبيله، أو لكي لا تمس مكانته أو يساء له . عندما تبلغ العلاقة هذا الحد، يتأله المتبوع في نظر أتباعه، فيفنون فيه وتزداد قدرته على التضحية بهم ، دون وازع من ضمير أو أخلاق.
من يراقب حياتنا السياسية، يضع يده على حالات كهذه، تفقد فيها العلاقة مع “القائد ” أو ” الرئيس” أو ” الزعيم” هويتها السياسية/ الدنيوية، وتنقلب إلى علاقة ذات حمولة دينية أو طائفية أو مذهبية أو عقدية، ومع أن هذه الحمولة غالبا ما تكون انفعالية من طرف التابع، ومنظمة بتفاصيلها من طرف المسيطر، فإنها تغدو قوية ويصعب فك طرفها الخانع عن سيده، فكيف إن تم تقنينها كعلاقة مذهبية أو طائفية تنضوي في سلطة أو دولة عميقة أو جيش، وتتحول إلى عقيدة تتخطى اتباعها إلى دولة هي دولتهم، ومجتمع هو مجتمعهم، ووطن تجسد فيهم، فصار وجوده فرعا من وجودهم، فلاز يبقى هناك، في علاقة كهذه، غير ألغام قابلة للتفجير في أي وقت، بالدولة والمجتمع الحقيقيين، وبالوطن أيضا، بما تنتجه تشوهات علاقات السيطرة والتبعية هذه من كوارث تدمر الشخصية المستقلة، والوعي العقلاني ، وتحتجز التابعين في فرق مؤدلجة، مغلقة وعدوانية، تستهدف مجتمعا لم تعد تربطهم به رابطة وطنية، بالنظر إلى تماهيهم مع جماعة إيمانية ترى في غيرها كفرة يستحقون الهلاك، ولا بد من أن ينظم العنف علاقتهم بمعاني تخلو من المشتركات، أو العواطف النبيلة، أو النزعة الإنسانية، وتحفل بابعاد عقدية ذات مؤدى سياسي عدائي، يغدو في المجتمع شكلا من أشكال انحطاط الإيمان كتعبير عن الإخاء بين البشر . ومع أن المتبوعين يحرصون على أن يظهروا كجماعة متراصة، لتسهيل سيطرتهم على الكتل القطيعية التابعة لهم، وزجهم في ما ينتظرهم من مهالك ينتجونها بخياراتهم ومواقفهم ، دون أن يستشيروا تابعيهم فيها، أو يسمحوا لهم بممارسة أي تأثير عليها، لرغبتهم في أن ينساقوا وراءها بلا وعي، أو ضمير، وأن يشهروا سيوفهم واسحتهم على الآخر لمجرد أنه آخر.
يا اتباع “القادة” من أي جنس ولون، ديروا بالكم على ما بقي منكم، وعودوا إلى رشدكم لتعودوا إلى شعبكم، الذي سينسى ما فعلتموه به، وسيفتح ذراعيه لاحتضانكم وضمكم إلى صدره ، بكل ما عرف به من تسامح، في الخوالي من زمن وطنكم الجميل !
إقرأ أيضا : مسؤولية النخب المثقفة في الثورة السورية
ملاحظة : يسمح بالإقتباس مع وضع رابط المصدر