لا شيء يعلو على قضية الثورة والوطن الحر

[ بقلم: د . محمود حمزة ]

25/1/2021
لا شك ان السوري كان دائما يعتز بانتمائه لسورية بلد التاريخ والحضارة والكرامة، ولكن نظام الأسد أفرغ هذه المصطلحات من مضمونها واستغلها أبشع استغلال. فأصبح إذا قال وحدة فهو يقصد التقسيم والتفرقة، وإذا قال اشتراكية فهو يعني نهب الاقتصاد والثروات وتفقير الشعب، وإذا قال حرية فإنه يعني قمع الناس وحرمانهم من ابسط حقوقهم وحرياتهم.

لقد عاش شعبنا عقود وهو ينتقل من سيء لأسوأ، فسورية كان من الممكن ان تصبح متقدمة ومتطورة مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها. كانت لدينا تحارب وطنية وديمقراطية في خمسينيات القرن الماضي وشعبنا جدير بالحرية والديمقراطية. وكان الرئيس يغادر منصبه ويسلمه لرئيس آخر منتخب دون إراقة قطرة دم. وكان الرئيس يستخدم سيارته الخاصة بدون حراسة او أمن ويعيش على حسابه ومدخراته وراتبه.

خمسون عاما سُحِق فيها السوري: العامل والفلاح والمثقف والمختص والطفل والمرأة. كل منهم فقد مقومات حياته الكريمة وأصبح يخاف من اذان الجدران ومن الغد المجهول ومن أقرب الناس.
قالوا إنها جمهورية ولكنها أصبحت وراثية قائمة على احتكار السلطة من عائلة واحدة حاقدة على الشعب السوري، ومجرد ان طالب شبابها بحقوقهم في العيش الكريم وبحريتهم كبشر ولدوا أحرارا وليسوا عبيد، انهالت عليهم آلة القتل والقمع والتشريد والتهجير ووووووو.

هل هناك من يستطيع الدفاع عن هكذا نظام وهو يضع يده على قلبه. لا تصدقوا كذب الاعلام بالوقوف ضد الامبريالية والصهيونية فهذه شعارات يراد منها العكس تماما. فعندما يقول ضد الصهيونية فهو يحمي حدود إسرائيل وعندما يقول ضد الامبريالية الامريكية فهو يتعامل مع المخابرات الامريكية ويشارك الجيش الأمريكي في العراق، وعندما يقول النظام عروبة وعرب فهو يقف مع نظام الملالي في إيران التي تجتاح أربع عواصم عربية وتهدد بقتل العرب والسنة

وتنتقم منهم لثأر تاريخي مزعوم.
وبعد 10 سنوات من كفاح السوريين وتضحياتهم من اجل حياة جديدة حرة كريمة، تأكد للسوريين أن أعدائهم ليس فقط في الجانب الآخر من جبهة الصراع وهم النظام وحلفائه، وهناك عدو خفي بين ظهرانينا وهذا هو الأخطر لأنه يطعن من الخلف، فمنهم من له أجندة سياسية او خاصة او مخترق من النظام، والمصيبة الكبرى أن الكثيرين اما متابعين لعملهم في المعارضة لانهم مستفيدين بدون شك ويعرفون انهم اصبحوا عبء على الثورة وبعضهم لا يملك قراره المستقل حتى ليترك منصبه، وفوق كل هذا وذاك الجميع تقريبا مازال صامت عما جرى من جرائم وخيانات للثورة تحت حجج واهية ممثل مجاراة المجتمع الدولي أو اتباع سياسة واقعية، ونتائج كل تلك المسارات تقود الى الجانب الآخر من الصراع أي الى جانب النظام المستبد الفاسد.

كل ما قلته ليس جديد، ولكن التأكيد على الحقائق ووضع النقاط على الحروف أصبح أكثر من حاجة ملحة.
أغلب السوريين منهمكين بنقل الفيديوهات والبوستات. فهناك من يشجب وهناك من يمدح ولكن الواقع السوري ينتقل من سيء الى أسوأ، وحالة الناس على حافة الموت.

متى سيصحو الضمير لدى الفئات الصامتة والتي تتوهم بأنها مستهدفة من فئات أخرى، ومتى يعرف السوريون بأن عدوهم واحد وهو النظام السوري، الذي أرهب السوريين وقتل ابناءهم وحرمهم من ابسط حرياتهم الإنسانية، ونهب ثروات بلادهم، بحيث أصبح السوري يحلم بالهجرة بحثا عن الأمان والعيش بكرامة.

متى سيقول هؤلاء كلمة الحق ويفهمون جوهر الصراع في سوريا. فهو ليس صراع بين القوميات ولا بين الطوائف ولا بين الأديان بل هو صراع بين الشعب وبين النظام الظالم، تسبب بتدمير البلاد وقتل مئات الألوف وهو الذي جلب الأجانب ليتدخلوا في بلادنا وهو الذي أطلق سراح المتطرفين الإسلاميين من سجن صيدنايا وهو الذي نشر الفيديوهات التي يقوم اشخاص بتعذيب مواطنين ويتحدثون باللهجة العلوية لكي يثيروا النعرة الطائفية وقد نجح النظام بذلك الى حد بعيد.

عدونا الآخر الناتج عن ممارسات النظام المستبد الفاسد، هو التعصب القومي والديني والطائفي.
وإذا أردنا ان ننجو من الكارثة والمصير الأسود المحدق بالبلاد، علينا ان ننظر الى بعضنا البعض ونتذكر تاريخ بلادنا المليء بالكرامة والوطنية قبل مجيئ البعث والأسد، وأن نفتح قلوبنا لبعض ونعمل سوية من أجل الحق والعدل والكرامة الإنسانية.

انظروا الى العالم المتقدم كيف يعيش لقد تجاوزوا أمورا كثيرة نختلف حولها ونتخاصم، وحققوا تقدما هائلا، حيث يعيش المواطن هناك بكرامة ويتساوى مع غيره أمام القانون. وحيث يأتي رئيس ويذهب رئيس آخر دون قتال او تمسك بالسلطة. فالسلطة هي لمن يفوز بالانتخابات الحرة الديمقراطية يمارسها الشعب، ولا سلطة تعلو على إرادة الشعب.

متى سيدرك البعض أن سوريا لا يمكن ان تكون مزرعة لعائلة أو فئة فاسدة استولت على السلطة وتتوارثها وتحتكر إرادة الناس وتكذب عليهم وتنهب خيراتهم وتقمع كل من يخالفها الرأي او يطالب بالتطور والتقدم للبلاد لتصبح دولة عصرية.
معركتنا هي مع هذا النظام الذي يخالف قوانين العصر ويجر سوريا الى الوراء، ومع كافة اشكال التعصب والكراهية، معركتنا هي معركة كل الشعب السوري ضد من يقف بطريقه من اجل بناء حياته المتحضرة في دولة القانون والمواطنة.

الثورة التي انطلقت في سوريا عبرت عن ضمير السوريين ووجدانهم ضد الظلم والعنف والاستبداد، ولكنها تعرضت لمؤامرة كبرى تجسدت في اسلمتها وعسكرتها وفي جلب النظام للإرهابيين من كل اصقاع الأرض ليخنقوها وقد ساعدهم في ذلك معارضات فاشلة وهزيلة.
اليوم بقي الشعب لوحده يجابه الجوع والمرض والبرد والعطش، وبقي نظام فاشل بائس لا يعترف بالأمر الواقع وما زال يعيش في أوهام النصر المزعوم.

الشعب لا يُهزَم والأنظمة لا تنتصر. فالزمن كفيل بحسم الموضوع. لكن الزمن حاليا ليس لصالح شعبنا فهو يشهد على تعمق الكارثة في ظل احتلالات عديدة وسلطات امر واقع لا يأبهون بحال السوريين بل يبحثون عن اجنداتهم الخاصة.
يجب ان ينهض السوريون ويقولون كلمتهم الحرة كما في بداية الثورة السلمية الشعبية. وتحية لكل سوري حر لا يقبل الذل والخنوع.

إقرأ أيضا : لا تصدقوهم

ملاحظة : يسمح بالإقتباس مع وضع رابط المصدر

تعليق 1
  1. أكرم الصالحة يقول

    لاشيئ يعلو على قضية الوطن والشعب الحر
    انها اكثر من رائعة وتحليل منطقي وواقي جدا واشكرك دكتور محمود لهذا الشرح الرائع والجميل .
    أ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.