مؤتمر المانحين لسورية.. مرّ مرور اللئام

طالت الأزمة السورية، فلمّت إثر طولها والتدخلات ومستويات الصراع، من الغبار ما أعمى عيون متابعيها، بعد تعمّد تحريفها وما لحقها من تشويه، لتغدو وبحق، وربما على الصعد جميعها، يجوز فيها الوجهانوجه للعسكرة له مدافعون وآخر للسلمية له أنصاره، وجه يجيز التدخل الخارجي درءاً لبلوغ سورية الدولة الفاشلة، وآخر يرى تعاظم الويل واستحالة الحل جراء ذاك التدخل.. وهكذا وصولاً للوجه الاقتصادي متعدد الصعد والمستويات، والذي إن بدأ من خلاف الرأي حول العقوبات والحصار وجدواهما، لا ينتهي عند المساعدات وغاياتها، بعد أن أسست عبر أذرع وأدوار وظيفية، لحالات تقسيمية وأمراء مساعدات أقرب لأمراء الحربأسئلة كثيرة تركها مؤتمر بروكسل السادس “دعم مستقبل سورية والمنطقة” من دون إجابات، أسئلة معلقة ومعلق على فك طلاسمها، آمال شعب ونازحين ومصائر مهجرين، لتضاف إلى سواها من الأحاجي التي تركتها المؤتمرات الخمسة السابقةهي حالة يجوز وصفها بريع سياسي تستثمر فيه الدول، كلٌ كما تقتضي مصالحه، وإن علا الخوف من اللاجئين ذوي العيون البنيّة والسوداء، على الدول المتحضرة، التي بطبيعة الحال، لديها هذا الموسم من المبررات ما يكفي، لتضنّ بالعطاء وتتراجع بالمنح وتحيك من المكائد ربما، لتكون بعض المنح على شكل قروض واجبة التسديدالخبر الرسمي الذي تقرأه على مواقع الأمم المتحدة يقول: تعهد المجتمع الدولي، بتقديم ما يقرب من 6.4 مليارات يورو لعام 2022 وما بعده، خلال مؤتمر بروكسل السادس حول دعم مستقبل سورية والمنطقة، الذي نظمه الاتحاد الأوروبي وشاركت به الأمم المتحدةويشير الخبر الأممي، من منطلق لزوم ما يلزم، إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يزل أكبر المانحين ودعم الناس في سورية، منذ بداية الأزمة عام 2011 “حيث حشدوا 27.4 مليار يورو” مع تعتيم كامل لطرق الصرف وحصة الدول المجاورة، بعد ضيق صدرها وحدودها بإيواء السوريين، ولا حتى إشارة إلى حصة نظام بشار الأسد أو اللفت إلى دوره بتهجير نصف سكان سوريةوقلما تجد في الخبر الأممي أو في تقرير “التسليم مقابل التعهدات” أو حتى فيما يسمى “التتبع المالي” تفاصيل لنصيب النازحين في المخيمات أو حجم العطايا للنظام بدمشق أو قانونية تشغيل أعضاء المنظمات التي وصلت للعشرات يوماً، قبل أن يدب الخلاف وتنفضح الأمور وتتلاشى بالطريقة ذاتها التي تأسست خلالهابيد أنك ترى، أو إن دققت قد ترى، ضمن فخاخ تقارير التتبع المالي “أعلنت المؤسسات المالية الدولية والمانحون كذلك 7 مليارات دولار (5.9 مليارات يورو) بشكل قروض للعام 2021 وما بعد” مدرجة بعد ما قيل عن تعهد تمويلي إجمالي، بقيمة 4.4 مليارات دولار لعام 2021 وتعهدات متعددة السنوات، بما يقارب ملياري دولار للعام 2022فإن لم نزجّ أنفسنا ونسأل “بحشرية” عن تفسير “القروض”، على اعتبار أنّ قضية السوريين تقودها الأطراف المتصارعة على الأرض السورية ولا علاقة أو قرار للسوريين بها، نمتنى على المانحين راجين، تقدير فضولنا وإعلامنا بالمقترضين على حساب الشعب السوري ومن هي الجهات المقرضة، متى يستحق الدفع، وكم هي نسبة الفائدة، وعلى ماذا يمكن الحجز أو وضع اليد، إن تأخر السداد ودخلت القروض في خانة الميتة؟أم ترى ينظر 75 وفداً من دول الجوار المضيفة للاجئين والدول الشريكة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية، إلى تلك الأسئلة على أنها هواجس ولا مبررات لطرحها، أمام الهدف السامي والشعارات النبيلة التي رفعها المؤتمر الشهر الجاري، بل وتفضله مشكوراً بالنظر في قضية السوريين بعد الحرب على ذوي العيون الزرقاء في أوكرانياألم يقلها علانية الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل “المجتمع الدولي لا يزال مصمماً على دعم الشعب السوري، على الرغم من أن مؤتمر هذا العام ينعقد على خلفية الحرب ضد أوكرانيا… إلا أننا لن ننسى الشعب السوري”قصارى القول: جاءت رسالة الأمم المتحدة بعد مؤتمر المانحين الأخير، على غاية من الإنسانية والتأثير العاطفي، بعد أن أشارت إلى نزوح 6.9 ملايين سوري في الداخل و6.5 ملايين لاجئ، وأن نحو 14.6 مليون شخصٍ، يعتمدون على المساعدات الإنسانية، بزيادة 1.2 مليون شخص عن العام السابق، بينما يعيش أكثر من 90% من السوريين في حالة من الفقر ولكن، من دون أن تبرر الرسالة أو المؤتمرون في بروكسل، سبب تراجع كتلة من 65% من كتلة التمويل عام 2018 إلى 47% العام الماضي، أو تفسر زيادة الاهتمام بدول الجوار على حساب المحتاجين في البلاد، خشية استمرار هجرة ذوي البشرة السمراء والعيون الداكنةنهاية القول: يضم السوريون صوتهم إلى الأمم المتحدة، ويتقدمون بالشكر والامتنان، كما ختمت المنظمة الأممية رسالتها هذا العام “نعرب عن امتناننا للدول التي اجتمعت لدعم خطة الأمم المتحدة بسخاء”، ويلفتون نظر المنظمة والمانحين، إلى أنّ تنظيف الدرج يتم من الأعلى، وأن حلّ أي مشكلة يبدأ من توصيفها ومعرفة أسبابها ومسببيهافبدل زيادة المنّة للسوريين وتكبيل مستقبلهم بتعهدات وقروض وتركهم ورقة بيد الدول المستضيفة، بعد أن حولوا ثورتهم ومطالبهم المحقة إلى قضية نزوح وجوع وتصدّق، ليبحثوا في تنفيذ القرار 2254 الصادر، منذ ديسمبر/كانون الأول 2015، عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لأنّ بزوال نظام الأسد، ربما يتحول السوريون وسريعاً، إلى مانحين، إن تخلصوا من المستعمرين والنظام وأحسنوا استثمار ثروات بلادهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.