لا خير يُرجى من القمم، فهي لعبة الأمم

[بقلم د. محمود الحمزة]

17/6/2021

ترقّب الكثيرون قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن بفارغ الصبر، ليعرفوا ماذا يمكن ان تقدم من نتائج تساعد في إحلال السلام والأمن والعدل في العالم. وقد يكون السوريون أكثر من انتظر هذه القمة نظرا للظروف القاسية التي أوصل الشعب السوري إليها نظام الأسد القاتل الخائن.

لقد تحدثوا في القمة عن العلاقات الثنائية وحاولوا حل مشاكلهم المتعلقة بالتمثيل الدبلوماسي وبحث إمكانية التفاهم حول القرصنة السيبرانية. ولم تتمخض المباحثات التي استمرت اربع ساعات ونصف الساعة من نتيجة ملموسة تفيد شعوب العالم.

ما ميز هذه القمة طبعا أنها جرت على خلفية توتر وصراع غير مسبوق بين الغرب عموما بقيادة واشنطن وبين الكريملين. هذا الصراع الذي اقترن بعقوبات غربية واسعة جدا ضد الاقتصاد والصناعة الروسية وضد رجال الأعمال والمسؤولين في الدولة بسبب ضم القرم لروسيا والتدخل العسكري شرقي أوكرانيا عام 2014، لدرجة أن بايدن وصف بوتين بـ “القاتل”.

الرئيس الروسي يريد انتزاع اعتراف بنديته في التعامل مع الغرب وامريكا بشكل خاص، وهذا أحد أهم أسباب تدخل روسيا العسكري في سوريا عام 2015، وبالفعل حققت موسكو بعض النتائج العسكرية، ولكنها تقف اليوم عاجزة عن تحقيق أي تقدم سياسي واقتصادي في المشهد السوري لدرجة انها أيدت انتخابات هزلية فاشلة زعمت بنجاح الأسد بنسبة 95% بحصوله على أصوات اكثر من 13 مليون سوري، في حين قال شخص موثوق وقريب من الجهات الرسمية الروسية بأن من انتخب بشار الأسد لا يزيد عددهم عن مليونين ونصف المليون!! أي أن الروس يدركون مهزلة الأسد وضعفه وعدم قدرته على إدارة البلاد وانقاذها من الكارثة التي أوصلها هو إليها.

ويظهر الروس اليوم كالبالعين الموس على حديه. ويبحثون عن “حج خلاص”، وتأملوا أن يجدوه في القمة الفاشلة التي عقدت مؤخرا في جنيف في 16 يونيو/حزيران 2021.

أصبح من الحقائق الواضحة أن الأمريكان ورطوا الروس للتوغل في سوريا بكافة المجالات، ووصلوا الى حد الغرق في المستنقع السوري وهم (أي الروس) يستنجدون بالأمريكان لاتخاذ قرار ما بإيجاد مخرج يحفظ لروسيا ماء وجهها.

ذهب زعيما دولتين كبيرتين الى جنيف لا ليحلوا مشاكل الشعوب والعالم وإنقاذهم من شر الكوفيد-19 أو لتحقيق الأمن والاستقرار  والسلام، بل ذهبا لكي يحققا نتائج لحكوماتهم والطبقات الحاكمة، علما أن أمريكا تتشدق بحقوق الانسان وحرية التعبير وتطالب بإطلاق سراح المعارضين في روسيا مثل الكسي نافالني وهذا مطلب انساني وسياسي مرحب به، لكن امريكا تدير الأزمة السورية التي عمرها عشر سنوات وكان ضحيتها ملايين السوريين بين شهيد نتيجة القصف الكيميائي والبراميل المتفجرة والموت تحت التعذيب ومهجر قسري ومطرود من منزله الذي إما تهدم على يد عصابات الأسد وحلفائه أو تملكه مرتزق طائفي قادم من أفغانستان أو ايران أو باكستان أو لبنان او العراق.

ما جرى في سوريا من دمار وقتل لم تشهده البشرية منذ الحرب العالمية الثانية. وماذا نسمع من صاحب البيت الأبيض إنه يؤكد على ضرورة حل مشكلة المعابر الانسانية. وهذه بالرغم من أهميتها كونها قضية إنسانية، إلا أننا نتساءل ما الذي يعيق الأمريكان، بعد عقد كامل من زمن القتل والتدمير، من تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي أصبحت روسيا تعبر على لسان بعض مسؤوليها بأنه أصبح قديما من الماضي، وهي عمليا تبحث عن توليفات أمنية عسكرية هدفها تثبيت نظام سياسي شمولي في دمشق قد يكون تحت واجهات جديدة.

ما يهم روسيا وامريكا والغرب عموما في سوريا ليس مصلحة الشعب السوري ولا وحدة سوريا وسلامة أراضيها بل مصالحهم الخاصة وأمن دولة إسرائيل. والدليل هو ما حدث في العراق من قيام أمريكا بتدميره وقتل الملايين من العراقيين ثم تسليمه لنظام الملالي الإيراني، الذي نشر الميليشيات الطائفية ونهب ثروات العراق النفطية فأصبح العراق اليوم- وهو من اغنى دول العالم بالنفط- بلدا متخلفا وجائعا يحكمه لصوص طائفيون عملاء وخونة يأخذون توجيهاتهم من نظام الملالي الإرهابي، ويعيش العراق حالة مأساوية لا يشبع فيها العراقي حتى من الماء النقي. ونفس الحالة تتكرر في اليمن وسوريا ولبنان.

فهل كل ما جرى في العراق ولبنان وسوريا واليمن هو صدفة، أم ناتج عن قوة ايران التي لا تقهر، أم لان نظام الملالي منذ استيلائهم على السلطة في طهران واعلنوا عن مشروعهم الطائفي القومي، والذي يقوم على انقاض الدول العربية والإسلامية، هو اكبر خدمة للمشروع السياسي الإسرائيلي الغربي.

حتى نفهم ما ذا يجري في سوريا ولماذا؟ علينا أن ندرك أن الصراع الدولي والإقليمي الجاري في المنطقة له خلفية استراتيجية لها ابعاد حضارية وتاريخية ومصالح جيوسياسية كبرى.  وما استمرار نظام الأسد حتى اليوم الا نتيجة هذه المعادلة الدولية، حيث تقف فيه الدول والقوى الكبرى ضد طموحات الشعوب نحو الحرية والكرامة. والنظام السوري هو جزء عضوي من النظام العالمي الاستعماري والاستبدادي.

وهناك من يقول إن الغرب يروج لقيم الحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية، ولكنني أجد أنهم يستكثرون تلك القيم على شعوبنا، والأنكى من ذلك أنهم يعملون لإبقاء هذه المنطقة في حالة من الفوضى والصراعات الدموية ليقتل أبناء شعوب المنطقة بعضهم بعضا تحت يافطة الدين أو الطائفية أو القومية . وهناك من يحرك الصراع ويغذيه بالريموت كونترول.

ليس للسوريين إلا الاعتماد على أنفسهم. وواجبنا بشكل حتمي أن نجد مخرجا وطنيا مستقلا فلا يمكن لشعب حي وبطل مثل الشعب السوري قدم أغلى التضحيات من اجل كرامته، أن يستكين للظلم والهوان.

ويمكن القول بكل تأكيد إن النظام الاسدي اليوم في أضعف حالاته، بالرغم من تبجحه بالنصر، لأن الحقيقة هي أنه لم يكن هو المنتصر بل حلفاؤه، وكذلك هو غير قادر على الاستمرار بالحكم والبلاد تعاني من مجاعة حقيقية وانعدام للأمن والاستقرار وابسط الحقوق الانسانية.

 سيأتي اليوم الذي تنفجر فيه الأمور وتخرج عن السيطرة ويستعيد السوريون المبادرة وينسفون نظام العصابة المجرمة.

تعليق 1
  1. إياد أبازيد يقول

    سيأتي اليوم الذي تنفجر فيه الأمور وتخرج عن السيطرة ويستعيد السوريون المبادرة وينسفون نظام العصابة المجرمة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.