العربدة الإسرائيلية في الأجواء الأسدية

[بقلم د محمد حاج بكري]

يبدو والعهدة الأسدية، أن هنالك أجسام طائرة تقع في مرمي مضادات الدفاع الجوي السورية، التي لا ترحم نيرانها ولا تخطئ دقة إصاباتها وبما أن حرصها علي أمن وسلامة الوطن، وضميرها المهني العسكري الحي يثقل عليها ويحرمها متعة التساهل والتكاسل او مغبة النسيان والإهمال.

ولكن المشكلة التي تواجهنا مع شراسة ومهنية المضادات الجوية، أن حرصها الشديد، أصبح يحرمنا معرفة ماهية هذه الأجسام المتحركة فهي قد تكون جنود مجندة، تحمل في جوفها الذهب والفضة والدولارات او مصباح علاء الدين والحلول السحرية، لكل المشاكل الأرضية! او قد يكون في عقلها وخبراتها وتجاربها، علاجات للأمراض المستعصية، التي تمددت بطول البلاد وعرضها! وإحتمال تكون طائرات مسكينة، تحمل طلاب اللجوء السياسي، لدولة الرفاه والقوانين والمشروع الحضاري والتحديث والتطوير ! او إحتمال أجسام مضيئة ضالة الطريق، مما يستدعي إستضافتها بإحسان والإغداق عليها من أموال الزكاة والمستضعفين، كعابر سبيل! وهو ما يكشف مدي روعة ومناصرة وتربية الإسديين الكرماء! او قد تكون مجرد العاب نارية، يمارسها اولاد الشبيجة ، إحتفالا بأعياد الميلاد الشخصية  او الإحتفال بدوام كرسي الأسد او إنتصارات المنتخب السوري! أما الإحتمال الأخطر فقد تكون رسالة من كوكب آخر، تمت الإساءة او التعامل معها بغدر، الشئ الذي يعرض أمن الكرة الأرضية للخطر او الغزو الفضائي المحتمل.

ولكن وفي كل الأحوال، فالذي تؤكده هذه الحوادث المتكررة دائما ، أن أجواءنا محمية ومغلقة بالمفتاح، أمام هجمات الأعداء! ويمكن للراكب في الفضاء او السائر علي الأرض او المسافر في عرض البحر، أن يأمن علي نفسه وماله وعرضه! لا يخاف إلا الضرائب والجبايات في كل ملف علي شحيح أمواله، او هجمات العسكر والأمن والأمراض الفتاكة، عليه وعلي عياله او طوابير الخبز والغاز  ! وهذه بالطبع منغصات بسيطة وتافهة ومقدور عليها، بل هي نعمة مقارنة بدول أخري هبت عليها رياح الثورات والمؤامرات
 والأهم أن هذه الحادثة، تؤكد لكل الدول الراغبة في إيجار مخازن للإسلحة والمعدات العسكرية، كإيران وغيرها، أن الوضع آمن وبضاعتهم في الحفظ والصون! عليها مضادات وقدرات عسكرية شداد، وحراس غلاظ، لا يعصون سادتهم في الخارج! ممن يحمونهم ويمولونهم بالباطل لقتل الشعب وتهجيره.

وهكذا دواليك، يمكن أن تستمر إستنتاجات وسيناريوات شر البلية وضحكها، الذي يشبه البكاء او أشد حزنا، سواء علي الصحف الإلكترونية او مواقع التواصل الإجتماعي. او كحديث اصبح شائعا بين عموم الشعب  أي كمادة مثيرة للسخرية وقبل ذلك الإحباط العام، من نهج(مزرعة الحيوان) الذي تدار به الدولة السورية . ولكن لا عجب، فالأسديون جميعا متساوون في تسويق الأوهام والخرافات ونشر الفساد وصناعة المحن! وقبل ذلك في إنزال مزيد من الكوارث والتدمير الممنهج علي البلاد والإهانة المتعمدة المادية والمعنوية علي العباد.

ولكن ما يزيد الأسف علي المحن، غير ضعف تماسك حبكة رواية المؤسسة العسكرية، وكثرة تناقضاتها، وغياب المهنية والشفافية في طريقة عملها، ونخر العشوائية والمزاجية، والعلاقات الشخصية والتنظيمية، جسد المؤسسة العسكرية بالكامل! هو أن هذه المؤسسة مع الأجهزة الأمنية والقطاع السيادي، تنال نصيب الأسد واللبوة من الميزانية العامة المعلومة أي غير التمويل السري ومصادر الأموال الخارجية، والإيرادات والإنفاقات الداخلية المجهولة لدرجة أصبحت فيها متسيِّدة علي كل المشهد
وتاليا تمت إزاحة كاملة، لبقية المواطنين ومشاكلهم وإحتياجاتهم! والتي وفي أحسن الأحوال، يتم التصدق والإحسان عليها ببعض الفتات، عن طريق المحسنة الكريمة صاحبة الحلول الذكية أسماء الأخرس  لمعالجة بعض إستعصاءاتها المديدة! بعد أن حاصرتهم الفاقة والأمراض المستوطنة والإرهاب، من كل ناحية. بمعني آخر، في أسوأ الظروف، كان يستدعي هذا الصرف البذخي، علي تلك القطاعات غير المنتجة! أن يظهر ولو جزئيا في شكل بروز مؤسسات متماسكة، مهنية نوعا ما! يمتلك قادتها قدرات أفضل، بعد أن أُتيحت لهم فرص عديدة، للتدريب والتأهيل وإكتساب الخبرة بالممارسة من خلال قتل الشعب وتهجيره  والإمتيازات المادية والإجتماعية، من أسهل الأبواب.

ولكن في كل هذا تأكيد، أن فاقد الشئ لا يعطيه فقط، ولكنه لا يتيح فرصة للآخرين لإعطائه أيضا!!
وهذا تحديدا يقودنا مباشرة، للب المشكلة او علة العلل. أي البيئة العامة المسيطرة! ومعلوم سلفا، أنها بيئة إستبدادية ذات صبغة سلطوية ! وتاليا، فهي بيئة طاردة للمؤسسية والعلمية والعقلانية، وصولا لتحريم الحرية وتجريم الإبداع! وفي نفس الوقت، فاتحة الطريق للعاطلين من المواهب، والمتطلعين للإمتيازات من غير وجه إجتهاد او حق، لإرتقاء المناصب العالية! ومن ثم إصدار القرارات التخريبية، والإصرار علي تنفيذها، بكل عنجهية وغرور وعناد! وكذلك التبريرات العجائبية للممارسات المفارقة والأخطاء الكارثية! والخيال العاطل في تقديم تفسيرات مقنعة او قصص خرافية معدة جيدا، للأحداث والمستجدات الطارئة. من شاكلة، ليس مرور جسم مضئ طائر وضربه وتناثر أشلائه الي العدم، ونحوه من السخافات فقط، ولكن لمسيرة طويلة من التفسيرات الجزافية، المخاصمة للمنطق والصادمة للتوقعات المعقولة! لدرجة أصبحت فيها التفسيرات للأحداث والوقائع والتبريرات للفشل والعجز والأخطاء، تمثل نفسها دليل إدانة ومصدر سخرية! إن لم نقل تمثل جرم أكبر من الجريمة الأصل(الفشل والعجز والأخطاء المتكررة والتجاوزات الشاملة!).

ونشير هنا الي أن بشار الأسد القائد المعظم ، يتميز عن غيره ، بضمور الحس الوطني والإنساني، والحساسية العالية والنظرة السلبية، تجاه الموروث الثقافي المحلي المركب، والتكوينات الإجتماعية المتعددة، والإرث التاريخي العريق لسوريا. ومرد هذه التربية الشوهاء، ترجع لعدة أسباب، ولكن أهمها وأكثرها تأثيرا، تبني آيديولوجية الكرسي والحفاظ عليه ، من مدخل، يستبطن الحصول علي السلطة وإمتيازاتها والي الأبد، كحق إلهي، لا يقبل الرفض او المنازعة او التنازل.

والحال كهذا، يمنع الإعتراض والحرية وحق الإختيار، وأن الإعتراض يعني الفتنة والرفض او التشكيك في النموذج وكماله، وتاليا، تمت عملية تثبيط كاملة، لكل ممكنات ومساحات الروح النقدية، ونتيجة لذلك، فقدت فرص تنميتها وتطويرها، ومن ثم تطوير الذات والقدرات، والسكن في كهوف التاريخ وبكلام محبط، تمت عملية او شن هجمات الإرهاب والتخويف والتخوين، لصالح مجتمعات و أصنام وتحانيط تاريخية وقيادية! حلت محل التجديد والإبتكار، وقبل ذلك الأوثان في المجتمع الجاهلي.

أن سورية  بعهد الأسد أصبحت من البلاد الضعيفة والمتهالكة، ولا تقوي علي اللعب مع الكبار، إلا كساحة لتصفية الحسابات وتبادل المصالح بينها! والحال كهذا، لا يسع المصلحة العامة للدول الصغيرة والضعيفة، إلا دفء الحياد والإبتعاد عن الشر والخطر! خصوصا، وهو خطر ينعكس علي الشعوب محنا وشرورا عظيمة، ودفعا لأكلاف باهظة، بشرية ومادية ومستقبلية! والمؤسف أنه من دون مصلحة متحصلة او مطلب موضوعي يخص الشعوب! او حتي مجرد إستشارة للشعوب والتآنس برأيها قبل الإندفاع نحو هذه التهلكة! ويكفي ما سببه حزب الله للدولة اللبنانية والحوثيون للدولة اليمنية، والحبل علي الجرار، لكل دولة يعتليها نظامٌ متكبر جبار متهور وغشيم! يصدق أبواقه الإعلامية، ويعتقد أنه عملاق تهابه الأمم والشعوب.

ولكن عموما وفي الحقيقة الإندفاع نحو الخارج، ليس مسألة خيارات أمام الأنظمة الإنقلابية! فهي في سبيل سيطرتها علي الجبهة الداخلية، وتبرير هذه السيطرة بكافة الطرق والوسائل! فهي تحرص علي، إما خلق عدو خارجي، تحمله كافة الأخطاء وتبعاتها! او الإستعانة به، لتوفير الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي وصولا للحماية من السقوط. ومؤكد إن ذلك الدعم لن يتم مجانا، ولكن علي حساب مصالح يتم تلبيتها! وهي مصالح لا تعمل في صالح الشعوب بحال من الأحوال. ولا يندر، أن يتشكل تحالف بين إنقلابيِّ الداخل وأطماع الخارج! علي حساب حق المواطنين، في التمتع بالحرية والإستقلال والإستفادة من فرص وخيرات بلادهم، أو أقلاه حياة طبيعية، من غير إرهاب في الداخل، وإرتهان للخارج. وبكلمة مختصرة، استمرار الأسد ، وبقدر ما هو خراب عميم علي البلاد وإهانة للمواطنين وتهميش للسياسيين! بقدر ما هو خطر علي المناصرين والأتباع المهووسين، خصوصا مع طول أمده وزيادة وزيادة رغبته في البقاء وبدء تآكله من الداخل، بعد فقدان زخم الخدَّاع ودعاياته الكاذبة وشعاراته الفارغة! وهو ما يستتبع زيادة المخاوف الأمنية و طغيان المكونات العسكرية، وبصور أشد الأذرع الأمنية والإستخبارتية والمجموعات المؤدلجة المتشددة! أي تتم عملية عسكرة لمؤسسات الدولة وخطابها، وردة فعلها تجاه الآخر المعارض، و أحيانا حتي المحايد او الصامت! أي تتم عملية مصادرة و إختطاف كامل للدولة، عبر إستخدام كثير من آليات الإرهاب وقليل من أساليب السياسة والإغراءات الإقتصادية! وهو ما يفتح الباب علي مصراعيه، لتفشي المحسوبية والفساد، وإستفحال الأزمة الوطنية! وتاليا، وضع الدولة علي حافة الحرب الأهلية والتفكك والضياع. وهذا إذا لم يتحرك أهلها، لإفتكاكها من براثن هذه النظام التخريبي

وأخيرا، فالإسد لا يلد إلا الإستبداد والإرهاب والفقر والخراب، والتدهور القيمي والمادي! ويساعد علي نشر الإشاعات والخرافات، والروايات الضعيفة الإخراج والتفسيرات العاطلة من القدرة علي الإقناع! وذلك قبل قتل أي روح او مبادرة للإبداع! لأنه لا يكترث لنقل الحقائق او إشاعة المعرفة او إحترام المواطنين، بقدر ما يحرص علي فرض خطابه الإرهابي بلغة التحدي والإستفزاز! ولأن استمراره  في إبسط تجلياته يعني، سيادة اللامعقول بوسائل لا إنسانية وروح مجردة من الوطنية، ومطامح في غاية الجنون والهمجية والشخصية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.