في معطيات الواقع – في الأفق المشرق لسوريا

[بقلم د. مأمون سيد عيسى]

مع دخول السنة العاشرة لذكرى انطلاقتها. تمضي الثورة السورية بثبات نحو تحقيق أهدافها ورغم سوادية الأوضاع والانتكاسات التي شهدتها الثورة  منذ سنوات خلت. تظهر في الافق جملة من المعطيات السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي تعطي بارقة أمل للسوريين بان سوريا الجديدة قادمة وان الأمل لازال قويا في سوريا حرة قوية بلا اسد. لا يدخل  ذلك في باب التنجيم السياسي وصناعة الوهم بل نتكلم عن معطيات ووقائع على الارض واستراتيجيات تسير جميعها بالتوازي لتصل الى نتيجة عنوانها نهاية قاتل وخلفه نظامه

تتوارد الاخبار عن موعد لإجراء الانتخابات في سوريا. ينظر البعض اليها بخيبة امل من ان تكون وسيلة لإعادة تجديد النظام ونحن نراها فرصة كبيرة لنزع الشرعية عنه باعتبار أن الانتخابات لا تجري بموجب القرار 2254 تعد باطلة وغير شرعية ويتوجب بعدها تعليق عضوية سوريا بكل المحافل الدولية لأن لا يوجد من يمثل سوريا وشعبها والمجرمين الذين سيسطرون بعد الانتخابات بل تكرس  النظام  كمجموعة مسلحة تسيطر على أراض وشعب بقوة السلاح والنار والاعتقال .

  1. أولى تلك المعطيات  واهمها التي نراها عامل تقويض للنظام  ان جذوة الثورة لاتزال مشتعلة في نقوس السوريين وتوقهم للحرية والكرامة والتحرر لازال قويا رغم كل المؤامرات والتحالفات ضد ثورتهم .لقد شهدنا السوريون  مارس الماضي  في ساحات المحرر وساحات عواصم العالم يتظاهرون ويرفعوا الاعلام ويهتفوا بحماس كحاله  أيام الثورة الأوائل لن نستسلم ننتصر او نموت .

2. في الصف الأول من المعطيات ما شهدناه في الشهور القليلة الماضية من عودة للولايات المتحدة بقوة الى الملف السوري بعد سنوات خلت لم تشكل فيها سوريا أولوية للسياسة الأمريكية بذرائع عدة أهمها عدم تكرار تجربة العراق وأن التدخل الدولي لدى الولايات المتحدة  له قيود داخلية وقواعد دولية ,سوف تعني السياسة الجديدة ضغوطا اكبر على نظام الأسد وداعميه لا جبارهم على القبول بالحل السياسي وكسر العنجهية الروسية التي ترفض أي حل لا يكرس المجرم بشار في الحكم .

 يعود هذا إلى التغيير الى معارضة الدولة العميقة، ومؤسسات الجيش والأمن الأمريكية، منح روسيا انتصارات سهلة في المنطقة .لقد جاء الامر بعد تقييمات جديدة من لجان أمريكية، وأهمها لجنة دراسة سوريا التي شكلها الكونغرس، رات اللجنة  سوريا ضمن صورة أوسع للتنافس مع روسيا والصين، واهمية ذلك على مكانة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم.

أيضا هنالك نشوء مفهوم هام لدى الإدارة الامريكية ان سوريا دولة محورية وان ما يجري بها له ارتدادات على دوائر اكبر في المنطقة بالتالي لابد من عودة الولايات المتحدة، وفق رؤية جديدة إلى سوريا لتصيغ جميع ترتيباتها وفق احكام جديد  وفي ذلك شهدنا دعوات من الإدارة الامريكية الجديدة الى  للعودة الى القرارات الدولية والدعوة لمحاسبة نظام الأسد ذلك ما شهدناه قي بيان شهر فبراير الماضي للخارجية الأمريكية كذلك شهدنا تقديم لجنة العلاقات الخارجية بـ “مجلس الشيوخ” الأمريكي في مارس الماضي مشروع قرار يشدد على التزام واشنطن بـ “مواصلة الجهود لمحاسبة نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية،

3. دفع التمدد السرطان الإيراني في الجسم السوري مجالات عديدة ووصوله الى الحدود الشمالية  لإسرائيل الى انعطافات وتوصيات جديدة في الاستراتيجية الموصي بها من مسؤولين ومراكز الدراسات ومنها مركز أبحاث الأمن القوميّ بتل أبيب INSS  تعترف تلك التوصيات بفشل سياسات إسرائيل في سوريّة وتوصي صنّاع القرار في الكيان بتحوّلٍ في النهج حول سوريّة وبإزاحة بشار الأسد و تضيف أن الأسد طالما بقي في الحكم فلن يكون ممكنًا دحر إيران وفروعها من أراضي سوريا

لقد اصبحت سوريا اليوم وحدة عسكرية وصناعية ولوجستية مهمة للغاية في مرتكزات ايران في المنطقة و بلغ عدد الميليشيات الطائفية الإيرانية  نحو 50 تشكيلاً تضم مئات الألوف من العناصر ووجدنا حضوراً بارزاً لضباط الحرس الثوري في أغلب القواعد العسكرية الكبرى للنظام، والمطارات ومراكز الأبحاث و فروع الامن واصبح حجمها اكبر بكثير مما كان مسموحا بها وسيكون في ذلك مقتلا لوجودها في سوريا.

في المجال العسكري-الأمني يحمل الاتفاق الصيني الإيراني الجديد واساسه تزايد التعاون العسكري، التكنولوجي، الاستخباراتي والأمني بين الصين وإيران مما يزيد  في رفع مستوى التهديد العسكري الذي تشكله إيران ووكلائها على “إسرائيل”، وارتفاع احتمالية تسرّب معلومات استخبارية وتكنولوجية لإيران، ،  أيضا هنالك مخاطر من وصول هذه التكنولوجيا لحزب الله .

لقد زودت ايران حزب الله بأسلحة  متقدمة  منها صواريخ  أي أي 22 ا لأسقاط الطائرات وصواريخ كروز من طراز باخونت روسي لإغراق السفن وصواريخ أرض-أرض دقيقة التوجيه وطائرات هجومية  بدون طيار كي تتمكن من ضرب أي هدف في إسرائيل بدقة متناهية وزود حزب الله صواريخ عنقودية صينية على “إسرائيل” خلال حرب لبنان الثانية، والصاروخ الذي ضرب حينها سفينة سلاح البحر “حانيت”، هو من طراز صيني .

سيزيد هذا الاتفاق التحفيز الإسرائيلي لنزع إيران من المنطقة وربما نشهد تصعيدا عسكريا قويا باتجاه التواجد الإيراني في الفترة القادمة.   فالأمن عند إسرائيل هو الاكسجين الذي يمد الجسم  الإسرائيلي بالحياة.

4. يأتي توتر العلاقات الامريكية الروسية وتصاعدها  فقد صدرت مؤخرا جملة من العقوبات الامريكية على روسيا تستهدف كيانات ومسؤولين روس و تطرد دبلوماسيين وتمنع مؤسسات مالية أمريكية من شراء السندات المقومة بالعملة الروسية الروبل .      

ان هذا ينبى بانتهاء المرحلة السابقة من توكيل الولايات المتحدة للروس كمتصرف في سوريا وما كان لهذا التوكيل من اثر مدمر على القضية السورية عبر مجموعة من التوافقات والاتفاقات الامريكية الروسية  كان اهمها اتفاق كيري لافروف والاتفاق الاسرائيلي الامريكي الروسي حول الجنوب والاتفاق الضمني حول سيطرة روسيا على المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة .

ستكرس العقوبات الامريكية وقبلها العقوبات الاوربية التي أوقعت بها في فبراير الماضي الفشل الروسي في سوريا وهذا مكسبا إضافيا للقضية السورية واضعافا لموقف اشرس اعدائها.

 لقد انعكس الفشل الروسي في سوريا في نواحي مختلفة اهما وصول المبادرة الروسية في استانا واللجنة الدستورية الى طريق مسدود والمطالبات الدولية بالعودة إلى بيان جنيف (2012)، إطاراً وحيداً ومقبولاً لحل الأزمة السورية  وهذا يعد فشلا للاستراتيجية الروسية والتي كانت مزيجا من  سياسات  فرض الامر الواقع و محاولة كسب الوقت و قلب الحقائق و استخدام القوة الوحشية  الغاشمة والخداع الماكر

لقد فشل الروس  في إعادة تأهيل نظام الأسد و في ترتيب عودته للجامعة العربية وفشلوا في تشكيل نخبة موالية لهم في سوريا وخاصة في تجارب المصالحات الفاشلة لكن  الأهم هو فشلها العسكري في توقف اجتياحها الاخير عند حدود ادلب و في عدم استكمال السيطرة على معاقل المعارضة الاخيرة  في الشمال للقضاء على ما تبقى من الثورة السورية وبالتالي فشلت في تحويل الانتصار العسكري إلى نتائج سياسية، وفي إقناع الدول بمبادراتها الخاصة بعودة اللاجئين ، والبدء في إعادة إعمار سوريا، فقد اشترطت الأطراف ذات العلاقة قيام عملية سياسية حقيقية قبل البدء بإعادة الإعمار وهو الأمر اذي يمنعه فيتو اوربي امريكي.

5. تهافت النظام وتداعي اركانه. فالموارد الأساسية في سوريا تسيطر عليها المليشيات الكردية والقوات الامريكية وهي المياه والبترول والقمح و اما موانئ النظام  ومعابره الى العالم فهي معطلة بسبب العقوبات وقد نخر الاقتصاد السوري نهب الأسد وحاشيته ثروات ومقدرات سوريا .لقد تعاظمت مافيات الفساد وانهارت أسعار العملة السورية ووصلت الى اعتاب الخمس الاف ليرة للدولار   وتحولت سوريا الى دولة مفلسة اقترب مواطنوها في مناطق النظام من حافة الجوع .

لقد ساهمت العقوبات التي صدرت بحق النظام السوري بشلل تام في مفاصله الاقتصادية، كما أحبطت مساعي روسيا في تأهيل النظام والاستثمار في مناطقه.

يفقد الاسد  سيطرته على مناطقه بعد تنافس روسي ايراني  في كافة المجالات العسكرية والاقتصادية لتصبح دولته دولة متصدّعة تعمها الفوضى في كافة مناطق سيطرته و تصبح مناطق النظام مناطق طاردة لشعبها و تشهد انفلاتاً أمنياً و صراعات بين الميليشيات التابعة لروسيا وإيران وصراعات  على المكاسب بين أجهزة الأسد الأمنية و صراعا على القطع العسكرية والحدود ومراكز الأبحاث وفروع الامن  وصراع على  نهب خيرات سوريا بين ايران وروسيا وهنالك عمليات عسكرية تنشط في أماكن عديدة في مناطق النظام تقودها سرايا مقاومة شعبية حيث تصلنا يوميا أسماء الضباط المجرمين الذين يتم الايقاع بهم.

6. ما يتعلق بإدانة النظام بجرائم استخدام السلاح الكيماوي  ,فمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية اسفرت عن نتائج تحقيقاتها المهمة رغم قدوم الادانات المتأخر سنوات. لقد بينت تلك التقارير استخدام ميليشيا أسد السلاح الكيماوي ضد مدينة سراقب بريف إدلب عام 2018. وان الأسد هو المسؤول عن الهجمات الكيماوية عام 2017، في مدينة اللطامنة ويتوقع ان تطالب المنظمة من كافة الدول الأطراف اتخاذ تدابير جماعية ضد النظام السوري، وإحالة قضية استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا إلى مجلس الأمن مع التوصية باتخاذ أفعال جادة بموجب الفصل السابع. وكل ذلك يشكل ضربة قاتلة للأسد وسوف تجعل تلك القرارات  بشار الأسد مجرما طريدا للعدالة الدولية.

7. أخيرا هنالك جملة من معطيات تصب  ضمن مكاسب السوريين الاحرار وقضيتهم منها التعاظم الدولي لنفوذ الحليف التركي .فبعد التمدد في ليبيا وأذربيجان لمسنا مؤخرا التعاون التركي الأوكراني والذي  يتحدى الموقف الروسي في البحر الأسود،

وكذلك الانباء عن فتح صفحة جديدة بين تركيا والسعودية وكذلك مصر حيث سينعكس ذلك على قصم الحلف الاماراتي المضاد لتركيا وللثورة السورية والذي يعمل  على دعم نظام بشار الأسد و إخماد وإفشال الثورة السورية

تعد المعطيات السابقة فرصة لقوى الثورة السورية عليها ان تحسن التعامل معها وان تعمل على إعادة تجميع قواها وحشد التأييد لقضيتها للاستفادة من الظروف الدولية التي تميل لصالح قوى الثورة السورية كما بينت الدراسة.

إقرأ أيضاً: سورية، متى يُنجز الاستقلال؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.