استقلال الدول يعد البداية الحقيقية والتاريخة لتحرر الشعوب… وكثيرة هي الأيام الوطنية والقومية في حياة العديد من الدول.. ولكن يبقى ليوم الاستقلال تلك الذكرى والمعاني الخاصة.. مما يجعله احد أهم الأيام والأعياد في حياة أي شعب… وكون أغلبية الشعوب.. ما نالت استقلالها إلا بعد أن خاضت نضالا مريراً ومضنياً ضد الاستعمارالأجنبي.. نضالا بكافة أشكاله.. عسكرياً وسياسيا.. ومعارك ضارية خاضتها الشعوب ضد المستعمرين كان من نتائجها الملايين من الشهداء والجرحى والمعاقين واللاجئين.
واستقلال سورية لم يكن عبثاً ولا منحة من أحد بل جاء تجسيدا للإرادة الوطنية الحرة الجامعة، النابعة من وعي مختلف مكونات الشعب السوري الواعية لشخصيتها الوطنية والمتبلورة من خلال عوامل التاريخ والجغرافيا والتراث والقيم والعادات والتقاليد،
إضافة إلى تلاقي أهداف هذه المكونات جميعها ومصالحها المشتركة حول الوطن، وقد جسّد السوريون عبر التاريخ إرادتهم هذه، من خلال سعيهم الدائم لتحرير وطنهم من كل القوى التي تعاقبت على احتلال أرضهم.
وتعرضت سورية منذ الاستقلال لكثير من المخاطر والأزمات التي هدَّدتها في كيانها ومصيرها بيد أن جذوة الوحدة في ضمائر أبنائها لم تخمد يوماً،واستطاع شعبها وحكمة رجالها المخلصين الذين تولوا إدارة شؤون البلاد خلال مرحلة ماقبل الأسد من العبور بها إلى بر الأمان حتى وقع انقلاب الأسد المشئوم وما جرّه على سورية من خراب ودمار في العقول والنفوس، وتشويها للتاريخ على امتداد عقود خمسة كانت كافية لإحداث الكثير من التغيرات التي يصعب حصرها على المستويين البشري والمعنوي والمادي،
ثم لم يلبث أن سخر الله للشعب السوري أن يقوم بثورته على كل أشكال الظلم والقمع والعسف ويحرر نفسه من حكم الفرد الدكتاتور، غير أن عوامل عديدة تظافرت لتغير من واقع الثورة نذكر بعضا منها مثل حالة الفراغ السياسي التي عاشتها البلاد، وغياب الرؤية السياسية الشاملة للمرحلة الانتقالية ومابعدها، وفشل النخب السياسية والعسكرية في إيجاد حد أدنى من التوافق على كيفية إدارة شؤون الحكم، في المناطق المحررة وتعثر مساعي
إعادة بناء الدولة، وعدم وجود جيش وطني، وبروز دعوات قبلية وجهوية وعرقية وفئوية، وغياب قوى مركزية تسيطر وتهيمن بنفوذها على كل ربوع الوطن، وفشل الأجهزة التنفيذية في أداء مهامها على الوجه الصحيح،
وفي خضم ما نشهده اليوم من أحداث جسام، وتحوُّلات مصيرية في هذه المرحلة بالذات من محن وأزمات وصراع بين أبناء الوطن ما أحوجنا أن نتذكر أن أهم مرتكزات استقلالنا تقوم على :
- أولا.. وحدة الأرض والشعب، هذه الوحدة التي كرَّستها حقيقة التاريخ، وصدق العادات والتقاليد ونبلها، وأرستها إرادة اللقاء بين جميع السوريين من أجل حياة مشتركة كريمة وعزيزة، والتي من دونها لا استقلال بل انقسام وتشرذم يُشرّعان الساحة الداخلية على تدخُّلات الآخرين وصراعاتهم.. وأن السوريين ، أبناء هذه الأرض، المقيمون واللاجئون و المغتربون، وأياً كانت انتماءاتهم ومناطقهم ومشاربهم، تجمعهم الهوية السورية الواحدة، والتاريخ العريق، والتطلعات المستقبلية، والقناعة الراسخة بالحياة المشتركة، المنبثقة من تفاعلهم وتجاربهم الطويلة في العيش معا، وإدراكهم لمصالحهم الحيوية.
- ثانيا.. ولقد أثبتت الأحداث الأليمة التي عصفت وما زالت تعصف بالوطن، مدى الأخطارالتي تحيط بنا داخليا وخارجيا وأنه لامجال أمامنا جميعا سوى السعي من أجل الحياة المشتركة من خلال العمل جميعا دون استبعاد أوإقصاء لجميع مكونات الوطن، مؤكدين على نهائية الوطن ووحدة الانتماء لمختلف الشرائح المكوّنة للمجتمع السوري.
- ثالثاً.. أنه لابد من قيام دولة المؤسسات، المعبِّرة عن إرادة الشعب ووحدته، والتي تتولَّى حكمه ورعايته وإدارة شؤونه، استناداً إلى مبدأ الحقوق والواجبات، كما تتولَّى حماية الأرض وتنظيم استغلال ثرواتها، وبذلك تشكل ركناً أساسياً من أركان وجود الوطن السيِّد المستقل.
وفي ذكرى الاستقلال رغم كل المحن والصعاب ورغم المعاناة الشديدة التي تعيشها المدن السورية سوف يبقى هذا الوطن قلعة منيعة شامخة، في ظل إرادة شعبٍ لا تنكسر، وإيمان عظيمٍ بالله، وبسورية أرضاً وشعباً ومصيرا وبها سيعود بإذن الله الأمن والأمان والسلام والاستقرار وسيبقى الوطن سالماً معافىً منتصراً على رياح الفتن والمؤامرات.