موائد الإفطار الرمضانية تجمع قلوب السوريين حولها

بعد ثلاث سنوات من غياب موائد الإفطار الرمضانية للسوريين في تركيا بسبب إنتشار جائحة كورونا، عادت موائد الإفطار إلى رمضانيات السوريين والأتراك ، وعادت في هذا العام الأجواء الروحانية الرمضانية والطقوس الحميدة إلى تجمعات السوريين بعد أن تلاشت تأثيرات كورونا بعض الشيء عن الحياة اليومية للعالم ، والتي وقفت عائقاً كبيراً في وجه عقد التجمعات و إقامة موائد الإفطار في رمصان، نزولاً عند قواعد التباعد الإجتماعي للحد من أثار العدوى .

إن موائد الإفطار الرائعة والهادفة في مضمونها لإدخال البهجة على محيا السوريين كان لها وقعاً إيجابياً كبيراً ومتنفساً لإنشراح الصدور والنفوس في بلاد المهجر الذين يشهدوا شهر الصيام ممزوجاً بالحزن الذي يكابدوه لبعدهم عن بلادهم حاملين في خواطرهم وذاكرتهم حكايا وقصص تتسع لها دواوين ومجلدات من أجل حفظها ،
تلعب هذه الموائد الرمضانية التي تقيمها المنظمات والجمعيات الخيرية دورا كبيراً في بإضفاء أجواء روحانية على قلوب السوريين ونوعاً متميزاً في جبر الخواطر وموآلفة القلوب مع بعضها و التي تجمعهم قواسم مشتركة من الحرقة و الألم التي عانوها في رحلة النزوح من بيوتهم .

إنطلاقاً من الإحساس بمشاعر الإنسانية ومع إطلالة الشهر الفضيل وفي اليوم الثالث من شهر رمضان المبارك في مدينة إنطاكيا وفي الرابع من الشهر الكريم في مدينة الريحانية ، أقامت منظمة مهد الأمل في إقليم هاتاي خلال حملة إفطار صائم مأدبتي إفطار جماعي للفقراء والأرامل والأيتام النازحين إجتمعت حول هذه الموائد قلوب السوريين التي تعاني من حرقة الغربة والحنين إلى الوطن والأهل والشوق المليء بالذكريات والتي تحرص على أن لا تنساها في بلاد المهجر.
ولقد أحتفت الصحف التركية بإقامة هذه الموائد واشادت بهذه الأيدي البيضاء الخيرة التي كان لها السبق في مضمار الإهتمام بالإنسان منطلق الحياة وقيمة القيم وغايتها ، ونشرت الصحف التركية على صفحاتها الإشادة بهذه الموائد الرمانية التي أبهجت قلوب العائلات والأطفال والأمهات باللمة السورية الرمضانية على موائد الخيرات و التي لها شأن عظيم أيضا ً في المجتمع التركي.

إن عادة إطعام الطعام في شهر رمضان المبارك فيه أجر عظيم لفاعله . فلقد جاء في الحديث النبوي الشريف عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه ( مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كانَ لَهُ مِثْلَ أَجْرِه)
،وكيف وإن هذه الموائد تقدم لعباد من عباد الله المظلومين ، الذين تركوا ديارهم وأخرجوا منها بغير حق على أيدي عصابات ظالمة وشذاذ أفاق ومرتزقة جاءت من أصقاع الأرض
فإن الحرص على إطعام الطعام ، هو من الأمور التي تخلق نوعا من التماسك والتعارف وإبقاء أبناء المجتمع الواحد على تواصل من أجل الحفاظ على هويتهم وعاداتهم وقيمهم التي هي من صلب نسيج مجتمعهم الذي مازالت قيمه وأعرافه وتقاليدة خالدة في عقولهم ، ومع ما ينشأ معها من عبادات كثيرة منها : التودد والتحبب إلى المُطعَمين فيكون ذلك سبباً في إنماء بذرة عمل الخير للمطعِم والمطعَم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ) ، كما تضفي هذه الموائد نوع من المعرفة وتوسيع الأفاق من خلال المخالطة ومجالسة العلماء والصالحين والأكاديميين وأصحاب الفعاليات وتعارف أبناء الوطن مع بعضهم ، ونسيان المآسي والمرارة التي تجرعوها في عقد من الزمن ، في ظل تجاهل العالم لقضيتهم لإنسانية ، وإحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بالطعام الذي هوتكريماً لهم .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين الذين استحقوا الجنة أنهم يطعمون الطعام ، فقال تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) ،
لقد تغيرت على السوريين بمختلف أطيافهم العادات والطقوس الرمضانية التي إعتادوا عليها في بلدهم بعد أن تركوها مجبرين ،لذا فإن هذه الموائد التي تجتمع عليها القلوب المليئة بحب الله والوطن ، تلتف أيضا حول هذه الموائد النفوس التي تتطلع الى العودة الى وطن واحد تجتمع تحت جناحه وتنعم بدفئة
إن قيم المجتمعات يحملها المهجرون في قلوبهم ويحملون الوطن في قلوبهم فكل الناس يعيشون في وطن يجمعهم إلا السوريون يحملون الوطن في قلوبهم أينما عاشوا وأرتحلوا .
إن أجمل مايميز الموائد الرمضانية التي تقام للسوريين هي تمازج أبناء المحافظات السورية على إختلاف عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم فيتبادلون أطراف الحديث وتنشأ بين علاقات ودية بعد أن كانوا في سوريا مقتصرين علة مالطة أبناء محافظتهم فقط

إن مثل هذه الموائد التي يُدعى إليها السوريين ويلتفون حولها تَزرع في قلوب الأطفال السوريين ذكرى لن ينسوها طَوال حياتهم فتصبح أطياف وذكريات تداعب أفكارهم وخالدة في خيالهم يسترجعونها في كل زمان ومكان وهي من الذكريات الجميلة وخواطر الزمن الجميل فالأطفال مازالت ذاكرتهم بيضاء ناصعة لم تشوبها شائبة.
ولاشك بأنها هي أيضاً محطة حميدة للأمهات اللواتي يتطلعن إلى إدخال الفرحة إلى قلوب أطفالهن وفلذات أكبادهن ويجدن فيها متنفس للخلاص من ضوضاء المنازل والعيش لبرهة في الهواء الطلق.
ولا بد لنا أن ننوه ففي هذا الشهر الفضيل كما يسمونه الأتراك “سلطان الأشهر” شهر رمضان، الذي يرافقه العادات التركية العريقة، الممتدة من أيام العثمانيين إلى يومنا هذا، ولعل أكثر ما يلفت النظر هو عادة تنظيم “الموائد الرمضانية الجماعية” في الشوارع التركية من قبل البلديات،(خيمة رمضانية ) والتي تتفرد بها تركيا بين الدول الإسلامية، وتشهد حضور آلاف الأشخاص، الصائمين منهم والمفطرين، الأغنياء منهم والفقراء على حدٍ سواء، ليفتتحوا إفطارهم على مائدة واحدة ويأكلون الطعام ذاته
ولاشك بأن كلاً من الصدقة بالمال وإطعام الطعام له فضل كبير ، فالحرص عليهما له نصيب من العبادة .

تعليق 1
  1. سيف الحديد يقول

    لتلك الأيادي البيضاء التي تمسح على رؤوس اطفال سوريا ودموع نساءها وجبين كبارها بلفتة حب وحنان لها من كل سوري حر تحية إجلال واكبار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.