ارتفاعات مذهلة في الأسعار خلال رمضان هذا العام مقارنة مع العام الماضي. يقول الخبراء وكذا المواطنون إن كلفة السلع غير مسبوقة في تاريخ سورية.
يقترن هذا الواقع باستمرار التصدير رغم الطلب المرتفع المحلي، وتهاوي سعر صرف الليرة أمام الدولار، والهوة الواسعة ما بين الدخل وحجم الإنفاق، إضافة إلى فوضى الأسواق وجشع التجار وسط غياب المؤسسات الرقابية
نتيجة هذه الأزمات، تخطت نسبة الفقر 90 في المائة، ولم تعد أمام السوريين حلول لوقف جوعهم، بعد وصول سعر ربطة الخبز إلى 1500 ليرة وكيلوغرام البطاطا إلى 3 آلاف وتجاوز سعر كيلوغرام البندورة 5 آلاف ليرة سورية.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أشار خلال تقرير في مطلع نيسان/ إبريل الحالي، إلى أن ثلاثة من كل خمسة سوريين يعانون من “انعدام الأمن الغذائي”، بعد الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية، وتدهور الاقتصاد في جميع أنحاء سورية.
وتنوعت مبررات حكومة نظام بشار الأسد والمنظمات غير الحكومية الاقتصادية حول صعود الأسعار.
ويشرح الاقتصادي محمد حاج بكري قائلاً لـ”العربي الجديد”: “إذا أوقفت حكومة الأسد التصدير ستنخفض الأسعار فوراً”، مشيراً إلى استمرار تصدير الخضر واللحوم إلى دول الخليج العربي، ومقايضة غذاء السوريين بالأسلحة وتسديد ديون شركاء الأسد في موسكو وطهران.
ولفت إلى أن طرح فتح باب الاستيراد “بلا جدوى” لأن دول العالم اليوم أوقفت تصدير غذاء شعوبها، كما أن نظام الأسد يلاحق التجار على دولار التصدير بدلاً من دعمهم خلال أزمة الأسعار الحالية.
جنون الأسعار
ويقدر بكري متوسط ارتفاع الأسعار في الأسواق السورية بين رمضان الماضي والحالي بين 100 و500 في المائة حسب نوع السلع، فيما تختلف الارتفاعات بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ومناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، وتختلف الأسعار بين هاتين المنطقتين ومناطق المعارضة في شمال غرب سورية التي تعتمد الليرة التركية وتتأثر بواقع العرض والطلب في أنقرة بحكم الاستيراد منها.
سورية: الوقود والإتاوات تضاعف تكلفة النقل
يقول بكري لـ”العربي الجديد”، إن “أسعار المشتقات النفطية قفزت بنسب عالية جداً، فالمازوت ارتفع من 180 ليرة لليتر ثم إلى 500 ليرة، واليوم الليتر المدعوم سعره 1700 ليرة، وحتى سعر البنزين شهد صعوداً لأربع مرات، ليصل المدعوم منه لسعر 1700 ليرة والحر 95 أوكتان لنحو 3 آلاف ليرة”، في الوقت الذي وصل فيه سعر الدولار إلى 3950 ليرة
ويشرح: “ولكن إذا استثنينا أسعار المحروقات، نحن أمام متوسط ارتفاع لا يقل عن 100 في المائة خلال عام بالنسبة للحوم والمنتجات الحيوانية، ونحو 150 في المائة للخضر والفواكه، و200 في المائة للسلع الاستهلاكية المستوردة، وأكثر من 500 في المائة للمشتقات النفطية والاستثناءات، كالزيوت والسلع المستوردة والأدوية.
والأهم والأخطر، برأي الباحث السوري، رفع سعر ربطة الخبز من 100 إلى 200 ليرة للفئة المدعومة وإلى 1300 ليرة لغير المدعومة، في حين باتت للخبز في سورية سوق سوداء يصل فيها سعر ربطة الخبز إلى نحو 1500 ليرة سورية.
وحول مواكبة نظام الأسد للأجور لتناسب تلك الارتفاعات بالأسعار، يقول بكري إن الرواتب لم تزد خلال عام سوى مرة واحدة بنسبة 30 في المائة ليصبح متوسط الأجور لمن يعمل ولديه أجر ثابت نحو 100 ألف ليرة. كما نص المرسوم الصادر في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي على رفع الحد الأدنى العام للأجور للعاملين بالدولة ليصبح 92 ألفا و970 ليرة سورية شهرياً.
هوة الدخل والإنفاق
وكان مركز “قاسيون” في دمشق قد قدر كلفة معيشة الأسرة السورية أخيراً، بنحو 2.8 مليون ليرة، مبيناً ارتفاع تكاليف معيشة الأسرة خلال الربع الأول من العام الجاري بنحو 600 ألف ليرة سورية. ويعتمد “قاسيون” لحساب الحد الأدنى لتكاليف المعيشة على سلة الغذاء الضروري وفق ما صاغها مؤتمر الإبداع والاعتماد على الذات للاتحاد العام لنقابات العمال، والتي يحصل من خلالها المواطن المنتج على السعرات الحرارية التي تكفل له الحياة وإعادة إنتاج قوة عمله من جديد .
عمال المياومة في شرق سورية عاجزون عن تأمين متطلبات الحياة
ويمثل الغذاء، وفق بحث “قاسيون”، نحو 60 في المائة من مجموع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة، بينما تمثل الـ40 في المائة الباقية الحاجات الضرورية الأخرى للأسرة (تكاليف سكن، ومواصلات، وتعليم، ولباس، وصحة، وأدوات منزلية، واتصالات… وغيرها)، مضيفاً أن نسبة ارتفاع أسعار الخضر خلال عام سجلت 122 في المائة، في حين بلغت نسبة ارتفاع أسعار الفواكه 195 في المائة والحاجات الضرورية عدا الغذاء بنسبة 41 في المائة
لكن الواقع في أسواق دمشق، كما رصده “العربي الجديد” عبر مصادر عدة، يؤكد أن نسبة ارتفاع الأسعار زادت عن تقديرات مركز قاسيون، خاصة ما يتعلق باللحوم والسلع المستوردة، وربما لأن رصد المركز جاء في مطلع شهر رمضان قبل استفحال التهاب الأسعار، خاصة الزيوت والخضر والمشتقات النفطية، بالتزامن مع استمرار الحرب الروسية وزيادة تناقص العرض السلعي والإمدادات دوليا .
الشراء بالأوقية
م تبتعد تقديرات السيدة زينب ماليل، من منطقة دمر، عن تقديرات سابقها، حيث قالت لـ”العربي الجديد”، إن مستلزمات شهر الصوم ارتفعت كثيراً، فسعر كيلوغرام التمر قفز من 4000 ليرة في العام الماضي إلى نحو 12 ألف ليرة، بنسبة ارتفاع 300 في المائة، مشيرة إلى انتشار عادة شراء الخضر والفواكه بالحبة، والسكر والأرز بالأوقية، بعدما سجل سعر كيلوغرام الأرز الطويل الأول نحو 8200 ليرة بزيادة أكثر من 170 في المائة عن أسعار العام الماضي وزاد سعر كيلوغرام البرغل بنحو 400 في المائة.
ويقول إبراهيم أحمد إن سعر كيلوغرام البندورة ارتفع بنسبة 500 في المائة، ففي حين يباع اليوم بأسواق دمشق بسعر بين 450 و500 ليرة، لم يزد سعره في رمضان الماضي عن 100 ليرة، كما ارتفع سعر البطاطا عن 300 في المائة بعدما وصل سعر الكيلوغرام اليوم إلى نحو 300 آلاف ليرة، وسعر البصل صعد أكثر من 100 في المائة.
سورية: انفلات أسعار السلع في رمضان
وكان الارتفاع الأكبر بالخضر في الفاصولياء التي يباع الكيلوغرام منها اليوم بنحو 23 ألف ليرة، في حين لم يزد في العام الماضي عن 1500 ليرة، والكوسا التي بيعت في العام الماضي بنحو 1000 ليرة للكيلوغرام تباع اليوم بأكثر من 4000 ليرة.
وحول نسبة ارتفاع أسعار اللحوم خلال عام، يضيف إبراهيم، عبر اتصال مع “العربي الجديد”، أن سعر كيلوغرام لحم الخروف “هبرة” اليوم بين 32 و35 ألف ليرة، في حين كان خلال العام الماضي بين 15 و17 ألف ليرة، كما لم تقل نسبة الزيادة على الفروج عن 100 في المائة بعدما سجل الكيلوغرام اليوم 9500 ليرة سورية.