خيال سياسي / الجزء الثاني :
روسيا / اوكرانيا … الدب والمهرج

من المفارقات التي تفرض نفسها في الحديث عن الحدث الروسي الاوكراني الكوني الراهن ان ثقافة الرئيس الروسي تنهل من تجاربه في عالم الاستخبارات والقتل والخطف والاقتحام والمراوغة ك ( دب ) باللباس الكاكي منذ ان ترعرع كضابط في جهاز الكي جي بي تحت ظلال جدار برلين في حين ان ثقافة الرئيس الاوكراني تنهل من تجاربه ( الثرية ) في عالم الكوميديا والتهريج والضحك ك ( مهرج ) باللباس الملون ولذلك تبدو المواجهة في المشهد / السيرك الدولي الراهن كفصل مرتجل من مأساة /ملهاة بعنوان ( الدب والمهرج ) يرتجلها -بمشاركة واسعة من الجمهور والمارة – مهرجون وقتلة ، ينشرون الرعب في كل مكان وخصوصا في ارجاء اوربا التي يقرع ابوابها الخطر . . اللهم لا شماتة.. الا هذه المرة !
والشماتة هنا ليست بالروسي الذي يعيش لحظات فائض القوة والثأر من الغرب الذي مارس اقسى انواع الاستخفاف في بلد انكمش قبل اكثر من ثلاثين سنة في ساعة ضعف من دوره في الحرب الباردة وسباق التسلح وتفكك الى سكراب ، وبالطبع لا تصح الشماتة بأوكرانيا الدولة التي ترنو إلى الغرب لحمايتها من وحش يخلط الجغرافيا بالتاريخ، أوكرانيا التي كلما حاولت الخروج من عباءة روسيا خسرت جزءا من اراضيها، ولم تكسب سوى بيانات الدعم والانشاء والتأييد.
الشماتة هذه المرة بالغرب ( الاوروامريكي ) الغارق في النفاق حتى ارنبة انفه ، والغرب اليوم غربان :
الولايات المتحدة التي ستحول هذه الازمة – كما كل أزمة – الى فرصة للنهب والاسترزاق وقد قالت بالفم المفتوح وبالصوت العالي انها لن تحارب ولن تدخل في معركة عسكرية مع الروس بل ستختار مسلك العقوبات ( القاسية ) والترجمة الفعلية لهذا الخيار تعني بالضبط ( حلب البقرة المذبوحة ثم اكل لحمها وسرقة الجلد )
والبقرة هنا ليست اوكرانيا المذبوحة فعلا بل دول اوربا المنزوعة الاسنان والاظافر والتي ترتجف من الخوف والانكشاف والبرد ، فلا جيوش فعلية ( تزود عن الحمى ) منذ قررت معظم احزاب حكوماتها الاستثمار في الانتخابات وشراء اصوات الناخبين برشوة الرفاهية والخدمات الاجتماعية ولا غاز من روسيا بعد اليوم يدفء البيوت ويبدد وحشة الشتاء ، لان سياسة فرض العقوبات من قبل واشنطن ستغلق في طريقها انابيب بوتين الذي يقود جحافله العسكرية بفكر المافياوي وبوقود الغضب والاحقاد التاريخية وفائض القوة ونشوة القتل .
الشماتة من السلوك الانتهازي لهذا الغرب الذي ادعى العمى والصم عندما استباح ( الرفيق الدب القيصر ) سوريا وحولها – كما اعلن اكثر من مرة – الى ساحة تجارب لاسلحته الفائقة التدمير، فجرب على البشر والحجر اكثر من 300 نوع من الاسلحة الفتاكة.
اليوم يشعر معظم من يشتغل في العمل السياسي والامني والعسكري في دول اوربا ان الفاتورة التي ستدفعها بلدانهم كبيرة وطويلة وباهظة الثمن وهي تمتد من شتاء شرق اوكرانيا هذا الى خريف سورية سنة 2015 عندما اغمضوا العيون واغلقوا الاذان وتجاهلوا نداءات استغاثة السوريين من هذا الدب الروسي الداشر الذي استباح البشر والحجر لحماية ( نظام فقد شرعيته منذ قرر توجيه بنادق الجيش الى صدور الشعب ) .
لم يعد الرفيق الدب الداشر فلاديمير بوتين بعد اليوم مشكلة لسورية او لاوكرانيا او لجورجيا فقط بل اصبح مشكلة كونية ولا نعرف اذا كان هذا الغرب وهو يعيش هذه الساعات والايام الصعبة قد فهم هذا الدرس القاسي الذي كشف وعرى ساسة معظم دول اوربا ( الاغرار ) الذين اداروا وجوههم عندما كان بوتين يجرب سكاكينه في اعناق السوريين حتى وصل اليوم الى رقابهم .
انها ولاشك لحظة بوتين التاريخية الذي يعيش حلم استعادة المجد ( الامبراطوري القيصري السوفياتي ) ولذلك سيفتتح بازاراته التالية في البلقان وحوض المتوسط للبيع والشراء بعد ان يقضم اوكرانيا او بعضا منها وسيعيد توزيع مقتنياته من الدول والاسلحة والقرارات وانابيب الغاز والاتفاقيات والقادة والكومبارس على معارضه المفتوحة وسيكون على كل من ( يعرفه او يستقوي به ) ان يستعد لكل الاحتمالات ، فهو دب ولايعيش سوى على رائحة الدم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.