تطييف الأكثرية

ممارسات ممنهجة منذ اندلاع ثورة الكرامة و ليس انتهاء بقرار إلغاء منصب المفتي ،
وقرارات تتجاوز السياسة لتدخل في تغيير بنية المجتمع !
على الرغم من إيجابية تشكيل (مجلس علمي) يقوم بإصدار الفتاوى الشرعية بدلًا من فرد مهما بلغ في علمه ومكانته ، إلا أن التوقيت والبنية ومرجعية المجلس بتبعيته المباشرة لوزير الأوقاف يجعل منه خطوة مشكوكًا فيها في ظل التدخل الخارجي الإيراني الذي لايترك شاردة ولا واردة دون العبث فيها.
فبعد تشكيل المجلس العلمي الفقهي قبل عامين دون أي ردة فعل تذكر ، أخذ قرار الغاء منصب المفتي العام للجمهورية العربية السورية ردود أفعال شعبية كبيرة خاصة لدى جمهور الثورة والمعارضة الذي امتلك الحرية في التعبير عن أرائه ، مما دفع بالمجلس الإسلامي السوري لإنتخاب الشيخ أسامة الرفاعي مفتيًا عامًا لسورية 
وهنا يحضرني تساؤل حول أهمية منصب المفتي في ظل وجود دستور مفترض و قوانين  ومحاكم شرعية و للأحوال المدنية ؟ هل من حيث اعتباره رمزية معنوية ترضي أكثرية الشعب دون أن تؤثر على مركز القرار وصاحب السلطة الأوحد ؟ 
وما أرى تلك الرمزية إلا غائبة لم يكن لها أي دور سوى إضفاء شرعية دينية على حاكم غير شرعي جاء بانقلاب عسكري ولم يمنح صاحب هذا المنصب سوى صلاحيات شكلية منها التأشير على أوراق الإعدام للمحكومين الذي كان يشرعنها الأسد الأب  ومن بعده الابن الذي لم يخرج عن عباءة أبيه ، إلا أنه أصيب بالغرور  حيث مر توريثه بسلاسة وشعوره بأن قدرته على الحكم و سيطرته أكثر من أبيه الذي لم يكن يكترث لشرع أو دين سوى شكليات صلاة العيد وإفطار لشيوخ الدين في رمضان.
في حين أن الواقع أثبت أن هذا الوريث لايعود كونه مقبول من القوى الممسكة بالسلطة وخاصة الأجهزة الأمنية والجيش وليس حاكمًا فعليًا لها وهذا الذي أوصل سورية كدولة ومجتمع لما نحن فيه و عزز التغلغل الخارجي خاصة لإيران التي تجيد تجنيد الفاسدين وفي ظل هذا الواقع لايمكن أن ينتج سوى الخراب الذي نراه 
و سيل الكوارث التي أصابت سورية و الدمار على كافة الأصعدة ، حيث غالبًا ما تتفتق العقلية المريضة لهذه المنظومة عن تصرفات وأفعال تساهم في تقسيم المجتمع وتشظي بنيته ووحدته الوطنية ، فمع انطلاقة ثورة الكرامة بادر بإتهام الثوار والمعارضين تارة بالوهابية وتارة بالارهاب وتارة  بالعملاء ، إلى إختراع مفهوم مشوه عن المجتمع المتجانس وسورية المفيدة … والقائمة تطول ومن السهولة بمكان لاي متابع لتصريحات أفراد هذه السلطة الغاصبة للدولة أن يرى عدم اكتراثها بتبعات سياسات تحطيم المجتمع وزرع الفتنة بين أبنائه .
ومع تغلغل إيران في مراكز القرار لدى هذه المنظومة ومحاولاتها تغيير بنية الدولة والمجتمع بما في ذلك ديمغرافيًا بالتهجير القسري والقتل وسياسة الاستملاك للأراضي وأملاك الدولة وعن طريق الترهيب والترغيب ، و إظهار نفسها كقوة مسيطرة للداخل والخارج بالإعتماد على المليشيات الطائفية و الاغراءات المالية والتجنيد من خلال شبكات تجارة المخدرات والحشيش في ظل  ضعف دولي أدى  استمرار معاناة السوريين وعدم إنهاء مأساتهم الإنسانية.
وفي غياب رادع عربي أو دولي واصلت إيران إرسال رسائل لخدمة استراتيجيتها التوسعية و لاستخدامها للمفاوضات بملفات أخرى ، ومن هنا يأتي إنهاء منصب المفتي في سورية و تشكيل مجلس فقهي في هذا التوقيت و من الطوائف والأديان و إنهاء المنصب كرمزية معنوية لكافة السوريين وليس للغالبية الساحقة هي  رسالة بأوامر خارجية تنسجم مع الدور الوظيفي لمنظومة فاسدة هدفها تفتيت سوريا إجتماعيا وشعبيا وسياسيا وهي تنم عن نية لتفجير السلم الأهلي وتصب باتجاه الدفع بتطييف الأكثرية التي تشكل عمود البناء الوطني والتي هي بطبيعة الحال تشكل الأغلبية الساحقة المنخرطة في الثورة ضد الدكتاتورية. 
و الرسالة الثانية هي الإنتصار المزعوم ومنطق الغالب الذي يفرض شروطًا ضمن الأفكار المشوهة التي يتبناها من قبيل المجتمع  المتجانس و سورية التي هي لمن يدافع عنها،  فيما يصب هنا بمحاولات إيرانية يائسة و غبية لإظهار سيطرة على الدولة السورية من خلال مجموعة من المجرمين تم شراءهم لفسادهم و عدم اكتراثهم بدماء السوريين والمصلحة الوطنية.
بينما السوريون بعمومهم و إن إختلفوا في قضايا السياسة علنا بشكل كبير وبشكل محدود ضمنا لا يختلفون برفضهم لنظام ولاية الفقيه و رفضهم للجهل والتطرف الذي تصدره ثورته المزعومه و لا ينكرون الثقافة  الإسلامية و انتشارها كهوية وطنية للجميع متأثرة ومؤثرة بالتنوع الديني الذي كان ومازل قبل هذا النظام وبعده سيبقى .
ولعل هذه السلطة المغتصبة لاتريد أن تبقي على شيء جميل في سورية قبل أن تساق وتغادر إلى المحاكم الوطنية والدولية و هو ما يتوافق مع عقلية التدمير الممنهج الذي يقود إلى العدم في حال عدم المقدرة على الحكم تحت شعار (الأسد أو نحرق البلد ) هذا التفكير المنحرف البغيض والذي ينم  عن عقول و أفكار مشوّهه حيث تمت عمليات السرقة والتعفيش وحرق المنازل والمشافي والمدارس ودور العبادة والأسواق تحت هذا الشعار!
و حيث أن هذه الممارسات البغيضة لم تستطع أن تحول الثورة إلى حرب طائفية وحافظت على خطابها الوطني الجامع الذي يؤسس لدولة ديمقراطية تعددية ولم يدفعها الحقد الذي مارسته السلطة وحليفها الطائفي للانزلاق في مستنقع الكراهية والإنغلاق في حدود ما تريده هذه العصابة و من خلفها قوى خارجية تقوم على المذهبية والدين لتعزز وجودها وتشرعنه في المنطقة لتؤسس لمشاريع تقسيم الدول والمجتمعات لدويلات طوائف وأديان وقوميات عرقية مجزأة متحاربة يسهل السيطرة عليها وارتهانها ضمن مشاريع تهدد هويتها و وجودها.
وبذلك يكون أدى هذا النظام أخر مهامه الوظيفية التي كانت سببًا لبقائه حتى إتمام مهمته في تدمير سورية بعد أن هجر نصف شعبها وقتل مايزيد عن مليون مِن أبناءها عدا عن المعتقلين والمغيبين ومجهولي المصير .
غير أن هذا لن يكون فمع استمرار الوضع المزري أمنيًا واقتصاديا وفي ظل عجز عن القيام بأدنى واجبات الدولة المرتهنة و غياب السيادة و انكشاف أكاذيب المقاومة والممانعة و الشعارات الوهمية وزيفها، وأظهرت قبخ هذا النظام الذي لا يعطي الشعب أدنى حقوقه بينما يتنازل عن كل مايمكنه للمحتلين ومستعد أن يفاوض كل الأطراف الخارجية ولايعترف بالثورة والمعارضة !
لاشك أن هذه السنين العجاف حولت الشعب بمجمله لقوى كامنة واعية تنتظر الفرصة للتخلص من براثن الفساد والاستبداد والبدء بإعادة بناء الدولة السورية والمجتمع على الأسس التي تمثلنا جميعاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.