قل لي كم وإلى أين تصدّر، أقل لك من أنت، ربما هو السؤال المكثّف لحال أي دولة ومستوى تطورها
لأن التصدير، وفضلاً عن العائدات المالية بالعملات العالمية، التي تنعكس على توازن المعروض النقدي بالسوق، وبالتالي تحسن سعر العملة، وبصرف النظر عن الدخل الذي يعزز موارد الخزينة ويرفع الموازنة، ما يعني الانعكاس المباشر على القطاعات جميعها. فإن التصدير يعكس بالوقائع، تطور الإنتاج وحسن استثمار الموارد ومراعاة الثروات وتنوّع الإنتاج
بل وإن شئتم، يمكن الاستنتاج من غزارة التصدير، مدى استراتيجية الدول وتطلعها لحجز مساحات تنافسية بالأسواق العالمية
ولعلّ الذي قلما يقال، عن أهداف التصدير، هو نقل أنماط وعادات المصدّر للبلدان المستوردة، والأنماط هنا، تتعدى الغذائية لتصل إلى الثقافية وربما التسويق السياسي عبر الإنتاج
ما يعني، بشكل أو بآخر، السيطرة، أو التدخل على الأقل، بالبلاد عبر الأسواق وعادات وسلوك المستهلكين التراكمي
والعكس هنا، من دون شكوك صحيح، فالبلدان المدمنة على الاستيراد، حتى بغذائها واحتياج مستهلكيها اليومي، إنما تزيد من تبعيتها للمصدرين، وتحول شعوبها لاستهلاكيين، يتحولون، عبر سلوكهم بالتدرج، إلى ما يرسمه المصدرون، على مستوى النمط والسلوك والعادات
هذا إن لم نأت على آثار إدمان الاستيراد على تبديد الموارد وتخلف الإنتاج، من دون الاستفادة من القيم المضافة للثروات، وانتقال الدولة وصناع قرارها ومستهلكيها، إلى مترهلين اتكاليين، يدمنون استيراد الجاهز والاحتياجات اليومية، ما يعني نتائج محددة وشبه أكيدة، بحال الأزمات، وهي الجوع أو الديون والتبعية
والسؤال اليوم مع إعلان نتائج عام 2021، أين سورية وفق مقاييس وجهي الاستيراد والتصدير، وما يتمخّض عن القياس، من تبعية أو استقلالية، تأثير أو تأثّر، كفاية أو حاجة وجوع.. إلى ما هنالك من ثنائيات حدية أو متناقضة، يفرضها الاقتصاد على ملامح الدولة برمتها؟
قصارى القول: زفّت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة بشار الأسد، لمن يهمهم الأمر، حصاد التجارة الخارجية لعام 2021، بعجز بلغ 3.4 مليارات يورو، لحق الميزان التجاري بعد تراجع الصادرات إلى نحو 664 مليون يورو وزيادة المستوردات عن 4 مليارات
ومن دون البحث، رغم الأهمية القصوى، بمكونات الصادرات وطبيعة المستوردات، لما لذلك من أدلة يمكن البناء والتحليل عليها ومنها، أو السؤال، هل الأسلحة التي يقتل بها الأسد السوريين، ضمن قوائم الاستيراد؟ وما هي نسبتها؟
سنسأل فقط عن حجم الصادرات، قبل أن يعلن نظام الأسد الابن، حربه على ثورة السوريين وتطلعهم للحرية والعدالة باقتسام الثورة ومنح الفرص عام 2011؟
الإجابة أن صادرات سورية زادت عام 2010 عن 10 مليارات دولار، والفضل طبعاً لا يعود لحكم الأسدين، الأب والابن، واستغلالهم ثروات وموارد سورية الهائلة، بل إلى هبات الطبيعة وبمقدمتها النفط الذي كان، رغم السرقات، يشكل أكثر من نصف صادرات سورية “نحو 150 ألف برميل يومياً
بيد أن الحرب على أحلام السوريين، نالت حتى من المواد الأولية والسلع الخام، التي كانت توازن الميزان التجاري السوري وتستر عورات وسرقات النظام، فضلاً عن تهديم البنى وهياكل المؤسسات الإنتاجية التي كانت تنقل، على قلتها، الإنتاج والطعم والنمط السوري، للخارج
نهاية القول: الأرجح أن الأرقام الهزيلة، استيرادا وتصديرا، ستثير القارئ وتزيد إشارات الاستفهام والتعجب لديه. هل سورية فقط تصدر بهذا الحجم وتستورد فقط بهذا الرقم؟
ربما الإجابة على هكذا تساؤلات تأتي من حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يزيد عن 15 مليار دولار، ومن الموازنة العامة للعام الجاري التي لا تتجاوز 5.3 مليارات دولار، أو من نسبة الفقر التي نافت 90%، أو حتى من تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي بأكثر من 60% وتحول نقاط قوة صادرات سورية، من نفط وقمح وقطن ومنتجات صناعية، إلى أخطر نقاط ضعفها، بعد تهيم تلك القطاعات واستيراد حتى غذاء السوريين والمشتقات النفطية.