الثورة السورية والظلمات الثلاث

قاربنا على مشارف السنة الحاديةَ عشر من عمر الثورة السورية ولاتزال سفينتها تتلاطمها أمواج الضياع ، فلا قبطان يوجهها ولاربانٍ يقودها الى بر الأمان ،فما أحوج سفينة الثورة السورية اليوم إلى زعيم حازم يمتاز بالعزيمة والرأي السديد , ويلتزم بالعقيدة الثورية التي انطلقت لأجلها الثورة ، و ناجحاً واثقاً بنفسه و يلتف حوله السوريون. يعطيهم الزخم والنشاط الثوري المستديم ، ويتحلي بالتواضع والإنسانية والإبتعاد عن حب الذات والأنانية ومستعداً للتضحية في سبيل شعبه ومستقبل وطنه الذي أصبح مهدداٍ بالتلاشي والنسيان في مرحلة حرجة من مراحل التاريخ.
فعلى مدى سنوات عشر عجاف مرت كان السوريون يتطلعون إلى قائدٍ حكيم قادر على توجيه بوصلة الثورة بالاتجاه الصحيح ويحصنها من الإنحراف ، حيث أن القادة الذين تصدروا تمثيل الشعب السوري يفتقدون إلى الرؤية الثاقبة والقدرة على اتّخاذ القرار المُهم وفرطوا في كل ما كلفوا به من مهمة وأمانة تخص الشعب ، وأستغلوا المناصب التي تبوؤها لتحقيق مصالحهم الشخصية كما حصل مع من تزعموا مناصب التفاوض والنيابة عن السوريين. الذي يئنون تحت وطأة البرد القاسي في الخيام ، ومآسي اللجوء وويلات النزوح وشتات التهجير، إن القائد الناجح يجب أن لا ينتظر تأثيرات الأحداث بل يصنعها.حيث الإنتظار والتوسل على عتبات الدول من أجل أن تصنع له مستقبلاً لايجدي نفعاً فالدول ليست لاعباً مؤثرا في أحداث الدولة السورية لصالح السوريين بل هي لاعباً لتحقيق مصالحها ومكاسب تعود عليها بالمنفعة وحصد نتائج تعود عليه بالنفع وإنتزاع المكاسب الجيوسياسية.
أحد عشرعاماً وقادة المعارضة يلعبون مع قاتلهم لعبة الشيطان ، وهم يعلمون أنهم جلساء مع الشياطين ويعلمون أنهم ليسوا سوى كومبارس على هامش تضييع الوقت وزيادة معاناة الشعب المقهور في المخيمات وتحت القصف وتحت رحمة الموت الزؤوام.
في مناقشة هكذا قضية لا بد من الموضوعية والصراحة لذلك استطيع القول إن الثورة السورية كقضية سيّدنا يونس عليه السلام وقعت في ظلمات ثلاث. عندما استقرّ به المقام في بطن الحوت كانت قضيّته المركزية الخلاص والتحرّر من هذه الحال،والتي كانت ظلمات ثلاث: ظلمة البحر العميق وظلمة الليل وظلمة جوف الحوت فلا ناصر ولا قريب ولامغيث.
والثورة السورية مرت وما زالت في أشدّ ظروفها حلكة، في ظلمات ثلاث:
الظلمة الاولى :
محلياً فهي غارقة في التخلّف والجهل والغباء السياسي .فكانت المعارضة تفتقر إلى وجود قيادة سياسية كفوءة وعلى معرفة ودراية بالف باء السياسة فكان أغلبهم هواة لايعرفون من المهارة والخبرة السياسية سوى اسمها لذلك باعوا الوطن بثمن بخس وحتى من أُوكل لهم يوماً مقعد الجامعة العربية ليمثلوا السوريين و يوفّروا لهم إطاراً تمثيلياً كانوا قاصرين الرؤى السياسية وسرعان ما تاهوا في دهاليز السياسة ، ومن زعموا أنهم يمثلوا المجالس المدنية والمجموعات المسلّحة المختلفة العاملة داخل الحدود السورية لكنهم في الحقيقة لايقودها وهم عبارة عن بناء كرتوني أو مجرد ديكور يتبع كل عضو منه إلى دولة إقليمية أو عالمية كما أن الشخصيات والفصائل المعارضة في المنفى كانت تتنافس على المكانة والموارد بدلاً من أن تتوحّد تحت راية مشتركة، حيث كانت تتوقّع الحصول على التمويل والاعتراف السياسي من المجتمع الدولي.
كما أن المجالس المحلية المدنية والعسكرية داخل سورية لم تتمكن من تأكيد سلطتها الفعلية على الأرض في ظل غياب القيادة السياسية الموثوقة.
أضف إلى ذلك التنافس بين الفصائل والمتشددين الإسلاميين وبالمختصر لم تستطيع أن تصيغ استراتيجية للثورة أو أن تضع برنامج لها تتفق عليه كل القوى الثورية. اما بالنسبة للقيادات العسكرية فكانت مصيبة جلهم كانوا شبه اميين وعمال عاديين تصور أن بائع بسطة أو سائق تاكسي أو عامل بيتون يتسلم قيادة فرقة عسكرية ..في المحصلة اعتقد جازما أن قيادات الثورة السياسية والعسكرية تم اختيارهم بدقة وفرضهم من أجل احتوائه وإفشالها.وكان للنظام السوري الدور الكبير في تعثر الثورة حيث أنه
استطاع إختراق صفوف المعارضين له وتصفيتهم جسديآ واستطاع التغلغل بين صفوف الثوار، وتوجيه عناصره كما يشاء، والإساءة للثوار وثورتهم السلمية، من خلال إطلاق عناصره بعض الشعارات الطائفية أثناء المظاهرات، وإطلاق النار على رجال الشرطة من أسلحة فردية وتخريب الأملاك العامة. وكان يستخدم تلك الأفعال كحجة ومبرر لإستخدام العنف ومزيدآ من العنف ضد المتظاهرين المسالمين وإتهام الثوار بالإرهاب كما اجبر الناس ودفعهم إلى الدفاع عن أنفسهم أثناء المسيرات وهكذا أخذت الثورة تتعسكر تدريجيآ وفي هذا الوقت أخذ النظام بالإفراج عن المتطرفين الإسلاميين المسجونين عنده، وقام بتسليحهم من أجل أن ينافسوا الثوار ويسيطروا على المشهد، لكي يقول النظام للعالم ليس هناك من ثورة ولا ثوار، كلما ما في الأمر هناك مجموعات إسلامية متطرفة، خارجة على القانون والدولة تقوم بمحاربتهم. ولتحقيق هذا الهدف سهل النظام دخول ألاف الإرهابيين إلى سوريا وقام باستدعاء البعض منهم من لبنان والعراق ودول إخرى عديدة. والجميع يعلم إن الكثير من هذه التنظيمات الإرهابية كانت على صلة بالنظام السوري، ومخترقة من قبل أجهزته الأمنية.
الظلمة الثانية :
تتجسد بظلام الواقع العربي والأنظمة الفاسِدة الغارِقة في قَهْر وظلم شعوبها الأنظمة التي عملت على تأديب شعوبها بما يجري للشعب السوري لقد تَخوفت الدول القمعية والأنظمة الشمولية المعادية للربيع العربي من انتصارات الثوار على الأرض والتمست الخطر من هذه الانتصارات، ورأت بتقدم الثورة تهديداً مباشراً لهاوان انتصار ثورة الشعب السوري سَيُمَهد الطريق للمزيد من الثورات في المنطقة العربية، وسيخلق حالة انتصار الشعوب على الأنظمة بالقوة، وهذا ما لا يريده أعداء الربيع العربي.
أما الظلمة الثالثة:
وتتجلى بالبعد الدولي وانحياز قوى الاستكبار العالمية إلى الانظمة الديكتاتورية خدمة لإسرائيل بشكل كامل وهنا اقصد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، الغربين من خلال منع السلاح والعتاد عن الجيش الحر، ومنح النظام المجال من قتل الشعب السوري وتهجيره وتدمير البلد، وتغاضت عن كافة جرائم النظام، بما في ذلك إستخدام الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة ضد المواطنين. وإلتزمت الصمت إزاء التدخل الروسي والايراني وارتكابهم افظع الجرائم بحق الشعب السوري . والسؤال هل بالإمكان أن ننهض من جديد وكيف ؟
سيّدنا يونس في بطن الحوت اي في ظلماته بدأ بتحرير ذاته من كل ما علق بها ولم يعتمد على أحد إلا على الله وهذا بالمفهوم السياسي الواقعي اليوم يعني الاعتماد على الذات وجعلها حجر الأساس في عملية التحرير، الذات المُتحرِّرة من كل شيء ولا تعتمد إلا على ذاتها.
قال يونس عليه السلام مُعلِناً تحرّره: لا إله إلا أنت، لن استنصر إلا بك هذه “لا إله إلا أنت” تكرّس الاعتماد على
الذات لا الاعتماد على الاخرين والارتهان لهم وما إلى ذلك من مسوّغات الهروب من الذات….نحن اعتمدنا على
الاخرين وسبَّحنا بحمد حكَّام كانوا يُسبِّحون بحمد مَن جعلهم حكَّاماً، تعاظمت في صدورنا بين الحين والآخر قوى اقليمية وعالمية وسلّمنا رقبتنا لها لتسهّل للذابِح أن يذبَح ذبيحته. واخيرا لن تخرج سورية بشكل عام من ظلماتها الا إذا حققنا ذاتنا باستقلالية تامة وان نعيد النظر بكل أحوالنا باحثين عن الخلل وإصلاح الذات .
بعد عقد من الزمن ذاق السوريون مرارة العيش فهم الأن بأشدّ الحاجة إلى الوقوف مع الذات لتحليل محصول
سياستهم وفي ماحل بهم من أسباب فشلهم ، وهل كان هناك ولو بعض من النجاحات وهل بالإمكان أن ينهضوا من جديد وان كان ذلك فما هو الأسلوب الأفضل للعودة بسوريا إلى أيام الزمن الجميل دولة ديمقراطية حرة مستقلة ذات سيادة دولة قانون .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.