السياسة الروسية في سورية، حيثياتها، نتائجها وآفاقها-الجزء الثالث

[بقلم الدكتور محمود الحمزة]

أسباب التدخل العسكري الروسي في سورية

خسرت روسيا اوكرانيا عام 2014 فقامت فوراً بضم شبه جزيرة القرم لروسيا وتدخلت عسكريا في شرقي أوكرانيا مما عرضها لعقوبات غربية مؤلمة، طالت شركات الأسلحة والبنوك والشركات النفطية ورجال الأعمال المقربين من الكريملين واغلب مسؤولي الأمن والجيش والوزراء، وكلفت روسيا عشرات المليارات من الخسائر.

أهم سبب للتدخل الروسي في سورية هو السعي لإثبات روسيا نفسها كقوة عالمية عظمى لا تقل أهمية عن الولايات المتحدة (بالرغم من أن باراك أوباما قال عن روسيا أنها قوة إقليمية)، وأرادت اجبار الغرب للتعامل معها واحترام رأيها.  بالإضافة إلى أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا لم يحقق تقدما ولم يقدم مخرجا من الأزمة الأوكرانية، حيث استمر سكان شرقي أوكرانيا متذمرين لأنهم ايدوا روسيا وارادوا الانضمام اليها فلم تستقبلهم موسكو، وبقوا تحت ضغط الجيش الأوكراني.

وقد ارادت موسكو من التدخل العسكري الروسي ابعاد نظر المواطنين الروس عن صعوبة الأوضاع المعيشية والاجتماعية الصعبة والتي نتج بعضها من العقوبات الغربية بسبب أوكرانيا (تركيا وإسرائيل لم تعترفا بالعقوبات!)، ومن تكاليف التدخلات الروسية في أوكرانيا ونتيجة ضم القرم التي تحتاج لمبالغ كبيرة لإحيائها وتنميتها.  ويكفي ان نذكر بأن نسبة الفقراء في روسيا باعتراف الدولة يقارب 20 مليون شخصا، علما ان الخبراء يؤكدون بأن الرقم قد يكون مضاعفا. وهنا يكفي أن نذكّر بقول الكسي كودرين وزير المالية الأسبق والمقرب من الرئيس بوتين ورئيس غرفة الحسابات والرقابة المالية في روسيا: إن لم تتراجع روسيا عن تدخلاتها الخارجية وسعيها للتوسع، فإن مصير الاتحاد السوفيتي ينتظر روسيا. ويدعو كودرين الى التركيز على التنمية الداخلية وخاصة الاهتمام بالوضع الصحي والتعليمي للمواطنين وتخفيف النفقات على الدفاع.

تنظر روسيا الى سورية كجزء من المنطقة وهي ترسم مواقفها تجاه منطقة الشرق الأوسط على ضوء الصراع الجيوسياسي العالمي ولا تأخذ طموحات الشعب السوري بالاعتبار ولا معاناته ولا مطالبه الإنسانية المشروعة. وبلا شك فإن القواعد العسكرية الروسية العديدة في سورية هي جزء من استراتيجية روسية خارجية تهدف لجعل سورية بوابة ونقطة انطلاق نحو الشرق الأوسط.

لروسيا أهداف اقتصادية من خلال استثمارات الشركات الروسية في مجال النفط والغاز والفوسفات والمجالات الأخرى

وهناك أهداف عسكرية من خلال بيع الأسلحة وتجريبها في سورية بالرغم من أنها قتلت عشرات الآلاف من الابرياء السوريين. وهنا يقال في موسكو بأن وزارة الدفاع الروسية اغتنت كثيراً بعد 2015 لأنها روجت لأسلحتها وزادت المبيعات بعدة مليارات من الدولارات.

أهداف سياسية: موسكو لا تقبل أن يتم تغيير الرؤساء عن طريق الثورات والدعم الخارجي، بل كما تدّعي بالانتخابات والطرق السلمية، علماً أن هذا مستحيل في الأنظمة الشمولية المافيوية.

كما أن لافروف أكد منذ انطلاقة الاحتجاجات في مصر بأن روسيا لا ترحب بالثورات. وعندما طلب وفد المعارضة السورية من السيد لافروف (وكنت عضوا في ذلك الوفد) أن يتفهم مطالب الشعب السوري بضرورة تغيير النظام الاسدي الاستبدادي الفاسد، رد لافروف بعبارة واضحة: إما أن تتفاهموا مع النظام وتقبلوا به أو “انتظروا بحراً من الدماء!”. وهذا ما حدث. جرت أنهار من الدماء. وهذا يذكرنا بشعار المافيا الاسدية: إما الأسد أو نحرق البلد. وقد حرقوا البلد.

وهناك أهداف دينية من قبيل منع تشكيل دول في المنطقة أغلبها من السنة بحجة أنها ستقتل الأقليات (قال ميدفيديف إذا استلم السنة الحكم في سورية فإنهم سيقتلون العلويين). وهناك اعتقاد مزيف بأن النظام الاسدي علماني بغض النظر عن طبيعته الأمنية البوليسية الفاسدة واستخدامه للطائفية. بالإضافة الى اللعب على وتر الروابط التاريخية بين روسيا القيصرية ومسيحيي الشرق للقول بأن روسيا هي المدافع الحقيقي عنهم منذ سقوط القسطنطينية. كما نذكر بأن الكنيسة الارثوذكسية الروسية أعلنت مرة بأن التدخل العسكري الروسي في سورية هو جهاد مقدس (أي ديني).

وفي مقابلة تلفزيونية مع الجنرال الروسي فيودوروف الذي عمل ملحقاً عسكرياً في دمشق أيام حافظ الأسد. يقول الجنرال بأن الخبراء الروس هم من أوحى لحافظ الاسد بتوريث السلطة لابنه بشار لكي يحافظ على هيمنة العائلة والطائفة ولم يرغب السوفييت بترشيح مصطفى طلاس او عبد الحليم خدام لأنهما غير واثقين من صداقتهما لموسكو.

وسّعت من تدخلها العسكري للعب بالورقة السورية في سوق النخاسة العالمي. فهي راهنت على الورقة الطائفية وراهنت على ورقة المسيحيين وادعت انها تحميهم من الإرهاب وتاجرت بورقة الأكراد وتغيرت مواقفها منهم أكثر من مرة وخاصة بعد تحالفها مع تركيا التي تعتبر ميليشيات قسد خطرا على امنها القومي باعتراف روسي.

بما أن روسيا لم تقدم على مدى 10 سنوات أي خطة للحل السياسي الواقعي والمقبول وساهمت بتدمير سورية الى جانب نظام الأسد إذا فالتدمير الحاصل قد يخدم مصالح روسيا لأن الشركات الروسية ستكون لها حصة الأسد وكسب المليارات من خلال إعادة الإعمار. ولكن اليوم وبعد انتهاء الحرب فالوقت ليس لصالح روسيا بل هي أمام تحدي كبير بالانتقال الى مرحلة البناء السلمي. ولكن المعوقات كثيرة وجدية واهمها ان المجتمع الدولي يطالب بتغيير سياسي في النظام وهذا يعني احتمال خسارة روسيا لمصالحها في سورية

وقد شرح لافروف سبب التدخل العسكري الروسي في سورية وهو منع سقوط نظام الاسد حيث وصلت المعارضة المسلحة إلى دمشق ولولا روسيا لسقطت دمشق، بينما في مرات اخرة أعلنت موسكو انها دخلت سورية لمحاربة الإرهاب وآلاف المتطرفين الإسلاميين من أصول سوفيتية لمنعهم من العودة ومعهم السلاح الى روسيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.